1433هـ ـ 2012م !!

 

1433هـ ـ 2012م !!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
لاينتطح عنـزان أنه لم يمـرّ على أمّتنا خيـرٌ من العام المنصرم منذ عقود مضت ، فمن كانون إلى كانون ، لامست الأمـَّة جوزاءَ عزِّهـا من جديد ، وشعوبها في هذا الطريق إن شاء الله إلى قمَّـة المجـد ماضـون .
 
هذا ..وإنَّ أعظـم الأحداث في هذا العام الذي خـلا مما له علاقة بنهضة أمـتنا المجيـدة :
 
إنطـلاق الربيع العربي ، وإذ قد تكلمنا في عدة مقالات ، ومحاضرات سابقـة ، عـن هذا التحـوُّل العظيـم في الأمـّة ، وتم طبعها كلَّها فـي كتاب ( حصاد الثورات ) فلنستغنِ عن تكـرارٍ هنـا .
 
لكن .. إذ حمُدت الإشارة إلى جوهـر الأشياء ، عند الرغبـة عن التفصيـل ، فإنّ جوهـر هذا التحـوُّل الحضاري الكبير في الأمـّة ، هو أن عادت إليهـا ثقتـُها بنفسها ، واستعادت إعتدادها بقدرتها على النهوض ، واسترجعـت إستعلاءَها بإرادة شعوبها ، بعد محاولات الطغاة تحطيـم هذه الثقة ، ومحوها من ذاكرة الأمـة ، وزرع داء (تجاهل الذات) ، ومرض العبوديـة ، وسَقـَم (القطيعية) _ من القطيـع _ مكانه ! $$$
 
ولايستريبنّ أحـدٌ بعظـم هذا الإنجاز الذي تحقق ، ألم تروا إلى عنايـة القرآن العظيـمة بزرع هذه الثقة في الأمـّة ، وكيف أنه رفع الأمة إلى مقام مخاطبة الله لها مباشرة في نحو 260 آية في القرآن ، بينما لم يذكر ( أولي الأمر ) إلاَّ مرة واحـدة !! _ ما عدا موضع آخـر جاء في شأن نشر الأخبار آية 83 سورة النساء _ وهي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ،
 
 ومع ذلك ففيها سـرُّ لطيف ، وهـو أنـَّه سبحانه قال بعد هذا : ( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول ) ، فجعل للأمّة أن تنازع السلطة ، فتسلـِّط حينئذ عليها : الردَّ إلى الله ، والرسول ، وهي الشريعة : دستور الأمة ، ولا يخفى ما في الآية من تأسيس أنَّ الأمّة هي صاحبة السلطة بالأصالة ، ومـن توكّله ليدير شئونها السياسية لايعدو كونـه وكيـلاً ، خاضـعاً لدستور هذه الأمـة ، إنْ حاد عنه سقطت طاعتـه ، ووجبت إطاحتـه.
 
فعادت الآية أيضا إلى تأسيس المبدأ القرآني العام العظيـم في تعزيز ثقة الأمـّة بذاتها ، في الخطـاب ، والتكاليـف ، والهمـم ، والأهداف .
 
وليس هذا من قبيل التهوين من ( أهميـة النظام في الإسلام ) بل من التنويه بجعله نابعـاً من إرادة الأمـّة ، وتحت رقابـتها ، لا من سلطـة تغيـِّب إرادتها ، وتستهين بحقوقها !
 
والخلاصة : لقد أحدثت الثورات ( ثورة إنتشائية ) أيضا في الذات العربية ، فأيقظت هذه مخزونا أسطوريا من طاقات الإنجاز الحضاري الكامن في أمتنا العظيـمة .
 
وهذا هو أحـد أعظم وقودي مسيـرة الربيع العـربي إلى أن يصـل منتهاه بإذن الله تعالى .
 
والآخـر هو تلك الإستنارة العجيبة والسريعة في بصائر شعوبنا بحقوقها السياسية ، وكأنّ شمسا أشرقت فجأة في لـبِّ كلِّ فرد منهم ، فرُزق كلُّ منهم فهم الأولين ، وذكاء المستبصرين .
 
هذا ولازال العجب يتملكنـي عندما أقارن بين مقولة ذلك المستشرق عن تميز هذه الأمّة المحمدية بسرعة الوثوبات الحضارية الكبرى ، وقصر فترة الحضانة قبل كلِّ وثبة ، وبين ما جرى بين (الكانوين) في أمّتنا ، من استرجاع تلك الثقة ، وإستنارة هذه البصيـرة رغـم طول عهـد الإسترقاق !
 
ومن أجمـل ما جرى في عام 2011م ، نجاح حركة حماس الباهر في إطلاق الأسرى الفلسطينيين ، وتحرير المجاهدات الأسيرات .
 
وإنتشـار الخوف ، والرعب في الكيان الصهيوني من التغيير الذي جرى في تونس ، ومصر ، وصعـود الإسلاميين في المشهد السياسي في هذيـن البلدين ، وتوقـّع ذلك جـداً في ليبيا ، وفي الخطاب العام على طول رقعة الوطن العربي ، وتشاؤم الصهاينة من المستقبل في ظـلِّ الربيـع العربـي .
 
ومن أعظـم ما جرى في العام المنصـرم أيضا هذا الإنفجـار في وجه المشروع الصفوي الأشدّ خطراً على أمّتنا ، بإنطـلاق ثورة الأحرار العظمـى في سوريا الحبيبة ، فقـد أتت هذه الثورة  من حيث لم يحتسب ذلك المشروع الخبيث ، وقد وقعـت عليه كالزلزال الخاسف ، والبركان الناسـف.
 
ولاريب أنَّ الثورة السورية في طريقها إلى النجاح حتـما ، وإنما عظمت التضحيّات ، وطال الأمد بعض الشيء _ استمرت الثورة الفرنسية 10 سنوات ! _ لأنّ هذه الثورة المباركـة لاتواجه نظامـاً معزولاً ، بل تصارع _ بإمكانات قليلة وصغيرة _ مشروعـاً كبيراً ، يمتد من طهران إلى جنوب لبنان !
 
ولهذا فإنّ ما أنجزته الثورة السورية الآن يفوق لوحـده إنجاز كلّ ما سبقها من الثورات بحـقّ ، وليس هذا بمستغـرب عن أهل الشـام ،
 
كيـف لا ؟! وهي أصـلا أرض المعجـزات العظمـى في التاريخ .
 
وبإذن الله تعالى سيشهد هذا العام إنهيار إمبراطورية الحقد ، والشرّ ، من عقـر دارها في طهـران ، وستنزوي حيـّاتها إلى جحورها كما كانت عبر التاريخ ، وسيكون هذا السقوط السياسي المدوِّي أبديـَّا ، لن تقوم بعده لهم قائمة إلى أن تقوم الساعة ، وأعني هنـا المشروع السياسي ، ولا أعني خرافات دينهم المنحـرف في حيّز الأفكار الضالّة ، فإنَّ نور الحق سيبقى صراعه مع ظلمات الباطـل إلى آخـر التاريـخ .
 
ومن عجائب التوافق ، التوافـق بين الشام ، واليمن في الأحاديث التي دعا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أن ( يبارك الله في شامنا ، ويمننا ) ، وفي طول نضال شعبيهما للتخلص من الطاغيتيْن ، وكأنَّ الله تعالى جعل في هذين الشعبين من بركة الصمود ، ذخيـرة التصدي لأمكر طاغيتيـْن ، ذخيـرة تعينهما على الصبـر ، وتقوي العزائـم على مواصلة الجهـاد .
 
ولعـلّ أشـدّ الأحداث العالمية تأثيرا في عام 2011م ، عودة الأزمة الإقتصادية الغربية من جديد ، لتعاني منها أوربا وأمريكا أشـدّ مما عانت ، ولتكون أخطر مما كانت .
 
ولم يُصـِب الخبير الألمع في هذا الشأن (نورييل روبيني) الذي لا أنسى عبارته الشهيرة التي قالها في المنتدى الإقتصادي في إيطاليا قبل 3 شهور :
 
( الولايات المتحدة استنفدت كلَّ ذخيرتها .. وأيُّ صدمة صغيرة في هذه المرحلة يمكن إن تدفع بها إلى الانكماش ) !
 
لم يُصـب إلاَّ كبـدَ الحقيقة : عندما بشـَّر _ ولا يزال يبشـِّر _ بالأسوء !
 
والعجب أنَّ استبيانا نشرته وول ستريت جورنال ، ومحطة إن بي سي ، يظهـر أن غالبيّة الأمريكيين يتوقعـون إنهيارا في إقتصادهم .
 
وعلق كاتب الإفتتاحية في نيويورك تايمز ، ديفيد بروكس  : ( هذا صحيح ، المشاكل الاقتصادية الحالية بنيوية ، ومشاكل السوق عميقة ، ولا يمكن معالجتهـا ) !
 
ولاريب أنَّ هذا العام 2012 _ إن شاء الله _ سيشهد خسفا كبيرا في الاقتصاد الأمريكي ، سيكون له إرتدادات هائلة على مشروعها للهيمنة العالمية .
 
وقد سبق أن أشرت _ في عدة مقالات على مدى سنوات _ إلى هذه الحتمية التي ستتزامن مع نهضة للأمة ، تسمح ببدء عودة حضارية كبيـرة للإسـلام بإذن الله تعالى ،
 
ومن الأحداث التي شنَّفـت أسماعنا في العام الماضي ، إنتصارات حركة طالبان العظمـى التي أدَّت إلى إجبار المحتل الأمريكي إلى الإعتراف بهم ، والرضوخ للتفاوض على أساس الإنسحاب من أفغانسـتان ، كما انسحبت من العراق .
 
وقريبـا ستنتهي فرحـة الأمريكيين بإستشهاد ليث الجهاد أسامة بن لادن رحمه الله _ الذي يُعـدّ إستشهادُه من أبرز ما وقـع العام الماضي من أحداث عالمية ، كما إستشهاد بقية الأبطال من إخوانـه المجاهدين في نفس العام آخرهم عطية المصراتي _ ستنتهي فرحتـهم بعودة طالبان أقوى مما كانت ، لتينـع فيها ثمرة دماء الشهـداء ، وكبيرهـم ، وتؤتـي أكلها بإذن ربها ، وتبني مشروعها في سياق نهضة الأمـّة التي انطلـقت بالربيع العـربي ، ومتساوقا مع تغيير بدأ في باكستان ، ليكون منطلق ربيع الأمة غير العربـي ، ليلتقـيا في بوتقـة الرسالة المحمدية التي تجمع الناس على عقيدة الإيمان ، ولا تعتـرف بما يفرق أهلها ، وتحارب جاهلية العنصريـات .
 
ومن عجائب هذه السنة العجيبة ، أن مصطلح الحرب على الإرهاب تبخر فجأة ، وانقلبت معادلة الغرب في تسخير حكام العرب لحرب الإسلاميين ، وملاحقتهـم ، تحت خدعة (حرب الإرهاب) ،
 
إنقلـبت إلى الضد تماما ، بهجوم الشعوب على الحكام وملاحقتهم للطغـاة تحت طائلة أنهم ( إرهابيون ) يقتلون المتظاهرين ، ويعذبون المعتقلين ، ويضيقون على الحريات !!
 
ومن الأحداث العظيـمة أيضـا الإنسحاب الأمريكي من العراق بعد أن تكبـَّدت أمريكا فيها خسائر لا يعدُّها عادّ ، ولا يحصيها العبـاد ،
 
 وإذا ذكر العراق وجهاده المشرِّف ، فإنّ تحيـّة الإجلال الموشَّحة بوشاح الشرف الأعظـم ، إنـما تمُنـح للمقاومة العراقية الباسلة ، بجميع فصائلها العراقية ، وأنصارها من الخارج ،
 
تلك التي سطَّرت حروف عزِّة الأمة على كواكب المجـد الآلـقَة في سماء المآثـر العليا التي لاتصل إليها إلاَّ أبطـال هذه الأمة العظيـمة ، لاسيما أبطال الرافديـن ، أحفـاد سعد ، والمثنـى .
 
ونبشِّرهم أن الله تعالى لن يضيع جهادهم ، فسترجع العراق إلى أحضان الأمَّة ، وسيبوء _ بإذن الله _ كلُّ الخونة ، وأذنابهـم ، بالخسران المبين ، والسقوط المهين .
 
ومن الأحداث أيضا هبـوب رياح الربيع العربي في الخليج لاسيما في الكويت ، فشاعت فيها روح التغيير ، وانتشرت ثقافة الإصلاح السياسي ، بوسائله السلمية بما لم يسبق له مثيل في الكويت ، حتى تمّ حشد أكبر مظاهرة في تاريخ الكويت ، لإسقاط الحكومة ، فنجحت نجاحـاً باهراً ، وحتى شاعت ثقافة طرد السياسيين المتلوّثين بمال السلطة ، ومنافقيهـا ، من الحفلات ، والأعراس ، وحلّ مكان ذلك ثقافة دعـم الإصلاحيين ، وأهل النزاهـة ، ومؤيدي الثورات العربية !!
 
وقـد تكوَّنت طبقة رائعة ، مبدعة ، من الشباب الواعي ، الطموح ، الشجاع ، والمستعدّ للتضحية بالغالي ، لتحقيق أهداف الإصلاح السياسي ، وحماية الحقوق ، وتحقيق العدالة .
 
وانطلق في السعودية كذلك قطـارٌ إصلاح واثـق الخطى ، رابط الجأش ، مستنير البصيرة ، ماض العزيمة للّحاق بركب التغيير الجذري في الأمة ، وسيكتب الله له التوفيـق ، والنجاح بإذن الله تعالى .
 
في الإمارات لاحـت بارقـة إصلاح شعشاعـة ، مثيرة للدهشة ، والإعجـاب ، وقدمت تضحيات عظيمة في مواجهة قوى الفسـاد ، فتـمَّ سحب جنسيات من هم كواكبُ إبداعٍ في بلادهم ، ورموزُ خيـرٍ، وإصلاح فيها ، فلم يزدهم ذلك إلاّ إصـرارا على المضيِّ قدما في مشروعهم الإصلاحي ، فندعو الله لهم بالتوفيـق والفـلاح .
 
 أما في قطـر فللَّه درهـم ، وعليه شكرهـم ، وعجباً لهذه البقعـة التي قـدَّرَ الله لها أن تكون في أقصـى مشرق الأمـة العربية ، لتشرق منها شمس لاتغيـب ، ومن هناك تنشر أشعتها على الأصقاع فتشعل في كلّ عاصمة جذوة النهضـة ، فبارك الله فيها ، كم لها من يدِ عطاءٍ ، ولسانٍ وضَّاءٍ ،
 
 وأما عُمـان نسأل الله تعالى لعُمـّان أن يأخذ بيدها للتغيير ، وأمَّا البحرين فمشهدها مشهد آخر ، فقد ابتليت بأذناب المكر الصفوي تعيث فيه فسادا ، وتشعلها خرابا ، وليس أمامها إلاّ التصدي لهذا الخطر الملح حتى ينمحـي ، والشـر المستفحل حتى ينتحـي.
 
وعلى أية حال فرياح الربيع العربي قادمة لجزيرة العرب لامحالـه ، وأتوقَّع في هذا العام بالتحديـد ، ستقع خطوات كبيرة ومفاجئة تؤدي إلى تغييرات غير مسبوقة فيه ، وفي الأردن ، كما بقية المغـرب العربي إن شاء الله تعالى .
 
وفي الجملة فهي سنة عظيمـة البركة على الأمـّة ، وأهـم ثلاثة أحـداث هـي :
 
إنطـلاق الربيع العـربي ، وتدهـور الإقتصاد الغربي ، فوهن هيمنته العالمية ، والرعب الذي يجتاح الكيان الصهيوني من مستقبله الأسـود .
 
فالحمد لله الذي منَّ علينا بمننه العظيمـة ، وأولانا بنعـمه العميمـة ، وغيـَّر أحوالنا إلى خير مما كنـَّا ، وأعـزنا من بعد ما هُنـَّا .
 
وعطـر أيامنا بالبشارات ، وملأ مستقبلنا بالمبشرات 
 
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 01/01/2012