المُبعبِعــوُن ... والمُعَبعِبــوُن

 

المُبعبِعــوُن ... والمُعَبعِبــوُن

حامد بن عبد الله العلي

البعابعة هم الصعاليك ، والبعبعة كلام متتابع في عجلة لا تدري ما يقوله المبعبع ، وفي العامية الخليجية فلان يبعبع مثل يبنبع أي يقول كلاما فارغا كأنه ثغاء الشاة .

وأما المعبعبون ، فهي من تعبعبت الشيء أي استوعبته .

والناظر في أصناف الناس المعلقين على الأحداث الجارية ، يجدهم نوعين ، مبعبعين ، ومعبعبين .

يظن كثير ممن يغترون بظواهر الأمور، وهم عن حقائقها غافلون ، من مثقفينا أهل الغفلة في الخليج وغيره من بلاد العرب ، الذين ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون ) ، يظنون أن اللبرالية هي حلم المستقبل ، وخلاص الإنسانية الأوحد ، وسبيل السعادة البشرية على هذه الأرض ، غير أنهم جهلوا أنها تتراجع سريعا ، وتوشك أن تكون خرافة عفى عليها الدهر.

فالفكر الذي يهيمن الآن على مقاليد الأمور في أمريكا ، ويتقدم في أوربا ، هو اليمين المتطرف ، أما أمريكا فاليمين الديني المتطرف ، ولكن مع ذلك .. لا , ولن يجرؤ كتّابنا اللبراليّون على نقده .. لانه كما قال تعالى ( ونمدّهم في طغيانهم يعمهون ) .

ومن المعلوم أن جذور هذا التيار ـ اليمين الديني الأمريكي ـ تعود إلى فترة الستينات كرد فعل على السياسات الليبرالية ، ثم صادف التيار دفعة في فترة السبعينات إلا أن الطفرة الحقيقية حدثت مع انتخاب الرئيس ريغان ، والذي أحيا هذا التيار، وأخيرا بوش الذي ينتمي إلى هذا التيار.

وكان أحد أهم مؤسسي هذا التيار هو أريون كرستول والذي يقول إن العناصر الرئيسية لهذا التيار هي (القومية والدين ، والنمو الاقتصادي) ويري كرستول أن الولايات المتحدة الأميركية قد خلقت لتكون إمبراطورية ، وهي إحدى المسؤوليات التي فُرضت عليها حتى لو هزمت في فيتنام ، وهو يميّز بين الإمبراطوريّة وبين الإمبرياليّة ، بمحاولة فلسفيّة لاطائل تحتها .

ولم يعد خافيا أن الشخصيات الرئيسة في الإدارة الأمريكية تنتمي إلى هذا المذهب الجديد ، من أعلى سلم الإدارة إلى أدناه .

ذلك أنه في لحظة تأسيس أمريكا ولد المجتمع والدين معا متداخلان بشكل كبير جداً، وبالتالي جاءت فكرة كيف يلعب الدين دوراً مهماً في المجتمع الأميركي.

ولم يزل اليمين الديني يزحف من ذلك الحين ، حتى تحالف بعد الحرب العالمية الثانية مع اللوبي اليهودي وخرج منهما اتجاه يطلق عليه ( الصهيونية المسيحية ) وهو يدعو لاعادة النظر للعالم والقضايا المختلفة بنظرة تتفق مع المفاهيم الصهيونية على أرض مسيحية .

والإدارة الأمريكية الحالية ماهي سوى تجسيد مهم لتأكيد فكرة التعامل مع العالم لاعادة نمط التوسع الغربي القائم على القوة المسلحة والتجارة والتبشير .

ولذلك فإن كل التوسعات الغربية ، كانت تحمل هذه المكونات الثلاثة والرئيس جورج بوش الجديد أعاد هذا النمط من التوسع الخارجي ، ولهذا فإنه ليس صدفة أن كل الأدبيات التي صدرت عن هذه الإدارة لا تخلو من هذه العناصر الثلاثة .

وكذلك ليس صدفة أيضا أن كل الكتابات التي تقوم على أمر تقسيم العالم تضم هذه الأسس الثلاثة.

ومن العجائب أن تطرف هذه الإدارة اليمينية استاء منه رجال دين أمريكيون فقالوا في عدد خاص من دورية The South Atlantic Quarterlyللذكرى السنوية لأحداث 11/9، تحت عنوان : إذا كان الرب يبارك أمريكا، فإنه يبارك أفغانستان أيضا ، قالوا : الكثير مما فعلته إدارة بوش (بعد 11 سبتمبر) بإسم الدين بلغ درجة الِشرك"!! ثم إن "المماثلة بين الله والولايات المتحدة كما لو كانت الأخيرة أمة مختلفة عن غيرها من الأمم له وقع الصدمة من وجهة نظر دينية؛ وكلُ هذا الحديث عن أن الله يبارك الولايات المتحدة، حسناً، الله يبارك أفغانستان أيضا كما تعرفون". وعبر المحرر في المقدمة بأن هذه العدد لن يباع منه كثيرا ، ولكن يجب أن يسمع الناس قولا مختلفا عن الرب الذي يبارك أمريكا دائما ، وياليت يرجع القارئ إلى المقال كاملا في موقع
www.swissinfo.org
عجباً لقد سببت اللوثة الدينية المتطرفة للإدارة الأمريكية غيرة رجال الدين !

في هذه الأثناء ، تدور مذكرة في الكونغرس الأمريكي لمحاسبة سوريا ،وسيضاف إليها الزخم عندما يُنتهى من الملف العراقي ، وندد الحريري بما ينوي الكونغرس أن يفعله وقال: ليحاسبوا الصهاينة أولا !

كلا لن يحاسبوا الصهاينة على امتلاك أسلحة الدمار الشامل ،ولاظلم الأقليات ، ولا احتلال الأرض ، ولا قتل الأطفال ، ولا تجويع شعب وحصاره ، ولا اعتداءه على جيرانه ، ولا انتهاكه كلّ حقوق الإنسان .

سيحاسبونكم أنتم أيها العرب الذين تخليتم عن دينكم ، الذي هو عزكم وشرفكم ، وأتم أيها المسلمون ، حتى لو كان إسلامهم اسما بلا مضمون ، ولفظا بلا معنى ، فكل دولكم على القائمة وليس العراق فقط ، حتى تلك التي طالما حاولت إرضاء اليمين المتطرف الأمريكي بملاحقة دعاة الإسلام ، وسحق الدعوة الإسلامية .

كلُّهم اليوم عوقبوا بنقيض قصدهم ، وسُلِّط عليهم من تقربوا إليه ، وباعوا دينهم من أجله ، ولسان حال السادة يقول : إما أن ترضخوا فتعطوا الإتاوة المتمثلة في تغيير كل ما هو مطلوب تغييره ، أو يُدقّ عليكم الصليب على السيف.

، لان الإمبراطورية اليمينية المتطرفة أرادت أن تصنعكم اليوم أعداءها الجدد ، ذريعةً لتوسعها وهيمنتها ، أما الصهاينة فهم في بؤبؤ العين مقرهم ، وفي سويداء القلب مسكنهم ومستقرهم .

فإلى المبعبعين من كتابنا ومثقفينا : والله إني لأرثى لحالكم إذا ولّت اللبراليّــــة ـ وهي الآن مدبرة ـ إلى غير رجعة ، كما ولت الشيوعية .

فلا يغرنّكم (فوكوياما) المتخبط بغير علم ولاهدى ولا كتاب منير ، الذي زعم أن اللبرالية هي نهاية التاريخ ، بل هي ظلمات الشرك القائم على الظنون الباطلـــــة ـ وإن الظن لايغني عن الحـــق شيئا ـ كما ظن الشيوعيّون أنها حتميّة تاريخيّة ، وهاهي ملقاة في مزبلة التاريخ .

وإن أمريكا تكشف كل يوم عما في باطنها الذي وصفه الله تعالى قائلا ( وما تخفي صدورهم أكبر ) ، تكشف عن صليبية حاقدة ، في أكلح صورها ، وأشدها قبحا ، وما الذي تفعله قناة فوكس هذه الأيام ، من الإمعان في الطعن في الإسلام ، وتشويه صورة نبيه عليه الإسلام ، سوى أنموذج حاضر ، ومثال عابر.

وأما الشعارات الزائفة عن الحرية والبرالية ، فتساقطت مبدية ما تحتها من عفن التعصب الديني والعرقي ، والغطرسة ، من أول يوم تهاوت في الأبراج التي كانت تطوق أعناق الدول بطوق العبودية الاقتصادية ، لأشد الناس جشعا ووحشية في تاريخ الإنسانية .

الكاتب: حامد بن عبد الله العلي
التاريخ: 06/12/2006