لم يرعْني غداة يوم من أيام العيد ، إلا وأحد الإخوة يتصل قائلا : أنه يجب أن تقرأ ما قاله ممثل "التجمع الإسلامي السلفي " للرأي العام بتاريخ 1/2/2004م ، فقلت له :
لقد تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد
ثم إن هذا ليس وقته ، فالأمّة كما ترى ، قد ابتُليت بهذه الهجمة الغربية الصهيونية من كل حدب وصوب .
قال : ويحك ، هذا فيما نحن فيه .
قلت : وما ذاك ، قال : إنه يحوم حول أن يقول للناس : إنما هذا النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا ، للقضاء على "الإرهاب" ، وإشاعة الرفاه والأمن ، والاستقرار ، وما على أمريكا من بأس ، فقد أثبتت مصداقيتها !
والأمر يختلف هذه المرة ، فهو ناطق يمثــّل غيره ، ممّن يتكلمون باسم طائفة من الحركة الإسلامية ، وإذا لم يُـردّ عليه ، ظن الناس أنه يقول ما لاتثريب على قائله في الشريعة .
فما صكّ سمعي والله شر مما سمعت ذلك اليوم ، ثم شــرّ مما قرأت ، لمّا قرأتــه ، وقد نزل بي من الهموم ما الله به عليم .
وقد وجدت فيه مغالطات كثيرة غير أن أخطــرها ثلاث طامات :
1ـ تبرئة أمريكا من أي ضرر على العالم الإسلامي ، وقوله كما قال بحروفه جوابا على سؤال مندوب الصحيفة : هل تؤيدون إعلان الكويت الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية؟
قال : "هذا أتى في شكل طبيعي نتيجة لمواقف الكويت والكويت وضعت كل مستقبلها وكل إمكانياتها وسخرت كل شيء لإنقاذ الشعب العراقي وتحريره !! وبالتالي فان من الطبيعي أن تكافئ أميركا الكويت ، وأن تجعلها حليفا استراتيجيا !! وهذا رد على الذين شككوا في عدم مصداقية أميركا تجاه الكويت !! وذلك عندما زار الرئيس الأميركي بوش المنطقة ولم يزر الكويت وان هذا معناه تنكر للكويت، كما قال عبد الباري عطوان وغيره، و«الاعلان» رد بليغ أن أميركا لا تتخلى عن حلفائها وكذلك فان الكويت ليست الدولة الوحيدة التي تعاونت، بل هناك البحرين ومصر اكبر الدول العربية " !!! حسبنا الله ونعم الوكيل.
2ـ الترحيب بالوجود الأمريكي في المنطقة وبالتحالف معها ، ويتحدث عنه كأنه فتح كبير كما قال بحروفه بعد أن أوجد الأعذار للوجود الأمريكي وكأنه لا يملك أي تصور عن فداحة الأمر : " والحمد لله لاحظنا أن الوضع في الكويت هادئ والوضع الاقتصادي إلى الأفضل والاستثمارات بدأت تنتعش والأموال بدأت تعود إلى البلد، واعتبار الكويت حليفاً استراتيجياً لأميركا أعطى اطمئناناً للسوق، وهناك خطط كبيرة للاقتصاد وهذا ما نحتاجه وهذا يعود على استقرار المنطقة ورفاهية شعوبها وامنها، فالى متى تعيش هذه الشعوب في حالة قلق واضطراب؟" !!!
3ـ بدا كأنه لايهمه سوى الكويت ، وأما ما يصيب الأمة من هذا العدو الأمريكي الخبيث الصائل عليها فلا شيء !! ، ولم يعبأ بأي خطر للهيمنة الثقافية الأمريكية على العقيدة ـ لاسيما الولاء والبراء ـ أو الشريعة ، أو الأخلاق الإسلامية التي سيفسدها الوجود الأمريكي ، بما يحمله بطبيعة الحال من ثقافة وأهداف وسياسة خطرة على شعوب المنطقة ، تجاهل ذلك في اللقاء ، ولم يتطرق عند الحديث على الوجود الأمريكي ـ وهو يمثل تياراً إسلامياً ـ سوى إلى الرفاه الاقتصادي الذي يبشر به الوجود الأمريكي ، والأمن والاستقرار الذي ستنعم بــه المنطقة في ظله !!!
وما إن فرغت من قراءته ، حتى كدت أن أترحم على "أندرو باسيفتش" ، المدير التنفيذي لمعهد السياسة الخارجية في واشنطن عندما قال عــن "المحافظين الجدد" :
( ومع إدراكهم للفوضى التي سقطت فيها الثقافة الأمريكية ، يبقى المحافظون الجدد قوميين بشكل كبير ، وبالفعل فإن الكتاب "المحافظين الجدد" يلمحون أحيانا إلى أن حملة صليبية مظفرة في سبيل قضية سامية ، من شأنها بث الحياة في الشعور المتضائل بالهوية الأمريكية ، وهم لا يعترفون بأي حدود لما يمكن أن تحققه ممارسة أمريكا بقوة لمهمتها القيادية .. ثم يقول : هل ستستمر الصين في مقاومة موجه التحول الديمقراطي المتصاعد ؟ إن الإجابة على ذلك بسيطة في نظر الكاتب الصحفي جورج ويل ، وذلك من خلال قيام الولايات المتحدة بسياسية "حقن الصين بالروح الأمريكية " ، وبالتالي " إبطال الأدوات التي يستخدمها الحكم الصيني للسيطرة على المجتمع ) .
مجلة فيرست ثينغس مارس 1998م مقال بعنوان "THE IRONY OF THE AMERICAN POWER” .
ولكنّي مع ذلك شعرت بالأسى ، والخسارة العظيمة ، فقد تم للآسف حقن جزء لا يستهان به من أبناء الفكر الإسلامي ـ إذا كان الناطق حقا يمثل التيار الذي يمثّله ، ولم يصدر منهم تبرؤٌ مما قاله حتى كتابة هذا المقال ـ بـ " الروح الأمريكية " ، حتى لقد صاروا أكثر " روحانية " من المحافظين الجدد أنفسهم !!
حتى كأنّ الذي أجرى معه اللقاء قد اندهش ، عندما سمع ممثل التيار الإسلامي الذي طالما " هجر المبتدعة " !! يكيل المديح لأمريكا وما حققت للمنطقة ، فقال :
"سيفسر كلامك انك تمتدح أميركا بصورة كبيرة؟
الممثل ـ أنا لا امتدح بل أتعامل مع الواقع.
هل هذا يعني أن أميركا لم تضر العالم الإسلامي؟
الممثل ـ اعطني مثالا ًواحداً !!
الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية؟
الممثل في تهرب واضح من اتهام أمريكا ـ موضوع فلسطين موضوع شائــك ويحتاج إلى تفصيل، فأميركا لم تكن في الصورة منذ البداية، بل بريطانيا هــي التي وعدت بوعد بلفور ثم تخلت عن العرب والمسلمين والفلسطينيين، هذا هـو الأصل " !!!
إنه نفس الكلام الذي يقوله ممثلو الخارجية الأمريكية .
وواضح جدا ، أن "حقنة الروح الأمريكية " ، المخصصــة للكويت ـ وليس الصين ـ قد وصلت إلى النخاع ، وأشربها القلب ، حتى طفحت فعرق منها الجسد ، وفاض ، ثم تحول إلى بحيرة ، تسبح فيها بعض الحركات الإسلامية ، حالمة بمستقبل زاهر ، لتجارتها ومصالحها الحزبية والشخصية تحت ظل الهيمنة الأمريكية على منطقتنا !! ، أما ماسوى ذلك فيبدو أنه لم يعد ذا أهمية!
إنا لله وإنا إليه راجعون .. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها .
لكن السؤال الكبير هنا : ترى ما هو السبب ؟ :
ــــــــــــــــــــــــــ
ما هو السبب الذي أدى بحركة إسلاميّة ، تتبنى في الأصل نهجا عقديّا صارما، حتى دفعها ذلك إلى مراغمة حركات إسلامية أخرى لإتهامها بالخروج عن نهج السلف ، والتحذير من شخصيات إسلامية باعتبارهم "مهرطقين" ، أن يتحولوا إلى مرحّبين بالتحالف الاستراتيجي ـ وما يقتضيه من الولاء والبراء على أساس القانون الدولي العلماني ـ مع "المحافظين الجدد" ، "المسيحين المتصهينين" في واشنطن ؟!! فيغضون الطرف عن كل " هرطقة" المحافظين الجدد ، وعبثها بالعالم والمنطقة العربية ؟!!
كيف تحوّل فكــر شديد الحساسية لانتقاد السلطة ، يرفض إزعاج السلطة بأي شيء يكدّر خاطرهــا ، خوفا أن يتطوّر ذلك ـ ولو بعد قرن من الزمان ـ إلى " سفك الدماء " و" حدوث الفتن " ، تحوّل فجأة إلى " مهلل "، أو لنقل على الأقل غير مبال ، بسفك أمريكا آلاف الدماء البريئة في أفغانستان ، والعراق ، وعن طريق الصهاينة في فلسطين ، ودعم الهند ضد باكستان ، وملاحقة العلماء النووين الباكستانين .. ، إلى آخر ما تفعله في كل بقاع الإسلام من ملاحقة لكل جماعة جهادية ، أوقوة إسلامية يحتمل أن تبرز .
وإحداثها الفتن في بلاد الإسلام ، وكلما هيمنت على بلد ، باحتلال عسكري أو غيره ، ظهرت وعلت ـ ليس الجماعات الإسلامية السنية الأخرى المخالفة لمنهج السلف ! ـ بل كلّ ما هناك من قرون الشيطان !!
كيف انتقل هذا الفكر هذه النقلة النوعيّة ، وفي وسط هذا الصخب العالمي المتعالي بالسخط على سياسة أمريكا الخارجية ، حتى من عقلاء المفكرين الأمريكيين أنفسهم ، فشــذّ هذا الفكر ، لوحده ، عن ذلك كلّه ، وفاجأ الأمريكيين بتصريح ممثّّل هذا الفكر ، أنه لا يوجد مثال واحد ، على أن أمريكا أضرت بالعالم الإسلامي !! وأن مشروعها الذي تبشر به في البلاد العربية ، يحمل الرفاه والاستقرار ، وينقذ المنطقة من الاضطراب الذي طالما عانت منــه !
بلا ريب ، وواضح جدا أن أمريكا لم تطلب كلّ هذا ، لأنها لم تحلم به أصلا ، أعني أن يعطي ممثّل لحركة "سلفية" ، شديدة التمسك بالتراث ، تصرّ على تحكيم الكتاب والسنة في كل شيء ، لا تتسامح مع صغار البدع والإحداث في الدين ، يعطي أمريكا صك البراءة ، فاتحا ذراعيه للمشروع الأمريكــي إلى هذه الدرجة !
لقد بث هذا التصريح " الكارثي " ، في روح "المحافظين الجدد " رياحا مفعمة بالأمل الرحب ، بتحويل الشعوب العربية كلها إلى " محافظين جدد " ، بحقنة أمريكية ممزوجة بالشريعة الإسلامية على نهج السلف الصالح !!
تُـرى هل توقعوا ذلك ، يوما من الأيام ؟
فكيف ليت شعري حدث هذا ؟ إنه أمر محيّر حقا ، إنها ظاهرة سياسية واجتماعية فريدة بحاجة إلى دراسة متأنية من جميع النواحي ، لاسيما وهي ظاهرة بدأت تنتشر فعلا ، كما نلمسه في الواقع ، في هذا الفكر المنتسب إلى "السلفية" ، في منطقة الخليج ؟
يا للعجب والله إنه لأمر محيّر فعــــلا !!.. لو قصّه قاص على الأوّلين لما صدّقوه ، ولو تلاه تالٍ على السالفين لكذبـّـوه !
لكن ما هو السبب ؟
* هل هو حبُّ الدنيا ، والركون إليها ، وطلب الرفاه ،الذي جعلهم ينسون إنتماءهم إلى الأمة ، ولايهمهم سوى رفاههم في بلدهم ، ولو على حساب الدين ، وهي حالة الغثائية التي ورد التحذير منها في الحديث ، وليت شعري أي رفاه هذا ، إنه مجرد ارتياح لــ" ثقافة الاستهلاك " التي بدأت تنتشر ، فهل هذه هي تلك الفتوحات الأمريكية العظمى للمنطقة !!
* هل هو جهل أن هدف الدعوة الأساسي هو رعاية الدين ، وحماية العقيدة ، حتى لو صار الداعي غريبا ، وليس مسايرة الواقع ، طمعا في مكاسبه ، ألم يقل كلّ نبيّ " وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين " .
* هل هو خلل في فهم قاعدة تعارض المصالح والمفاسد ، في الشريعة الإسلامية ، ووضعها في غير موضعها ؟!!
* أم هو خلل في صميم الفكر في بعض المنتمين إلى الحركة الإسلامية في الكويت نتج عن :
جعل الشرع تبعا للواقع والرضوخ له ، فالواقع أصبح مصدر الحكم الشرعي ، لا موضعه !! كما تجد ذلك في فلتات لسان ممثل هذا التيار الإسلامي ، فكأنه يقول : هذا ما يريده الناس ، فإن قلنا بخلافه ، تركونا فخسرنا دنيانا ! وهكذا فرّغوا الدعوة الإسلامية من محتواها ، فتحولت إلى أحزاب سياسية همّها إرضاء أهواء الحكّام ، أو شهوات الناس !!
ونتج عن النظر إلى مصلحة الإسلام من خلال مصلحة الحزب السياسي ، وأسباب بقاءه وتمتعه بنفوذه في البلد الذي يوجد فيه فحسب .
* أم هي حالة فصام شديدة ، سببها التعارض بين المصالح الحزبيّة ، والمصالح الإسلامية ؟! ، فالمصالح الحزبيّة أصبحت تمثل مجموعة من التجار "الإسلاميين " المنتفعين بشركاتهم ، ومؤسساتهم ، ونفوذهم ، من الحملة الأمريكية ، وكأن لسان حال هذا الفكر يقول : فما المانع أن تكون مصلحة الإسلام ، هي مصلحة الحملة الأمريكيــة ؟!! والنصوص الشرعية قابلة للتأويل ، فلماذا لا نستفيد من فكرة التأويل ـ التي حرمناها ـ لكي نجعل نصوص الشريعة ، قابلة للنظام الأمريكي الجديــد ؟!!
* أم هل هي إفرازات انعكاسيّة نفسيّة ، بسبب الإرتعاب من هذه الترسانة الأمريكية التي تجوب الخليج والعالم العربي ؟! فسببت ذهول الفكر عن الرؤية الصحيحة ؟!
* أم هي مناورات سياسية ، لكن جاءت ممن لا يملكون خبرة كافيــة فيها ، فلايتم اختيار الكلمات المناسبة ، التي تبقــي على التوازن ، بين فائدة المناورة ، والحفاظ على الثوابت التي تلقى إلى الجمهور لئلا يحدث لديهم إرتبــاك في الوعي ؟!!
* أم هذا هو حقا ، باكورة ثمرة العولمة أو " الأمركة " ، لكنها فاقت التوقعات ، فضربت في صميم الفكر الإسلامي ، حيث حولته إلى إسلام أمريكاني صرف !!
والحق الذي لاريب فيه أن مجموع ما تقدم هو السبب ، ليس لدى كلّ شخصية مصابة بهذه اللوثة ، ولكن مجموع هذه الأسباب مبثوثة في المجموع ، وهذا مما يؤكده الواقع مصدقاً لآيات الوحي التي تحذر من إزالة معالم فريضة الولاء والبراء ، لأن ذلك من شأنه أن يثمر انتكاسا خطيرا في المفاهيم ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح :
" أي عرى الإسلام أوثق ، قالوا : الصلاة ، قال : حسنة وما هي بها .
قالوا : صيام رمضان ، قال : حسن وما هو به .
قالوا : الجهاد ، قال حسن ، وما هو به .
قال : أوثق عرى الإسلام ، أن تحب في الله ، وتبغض في الله " رواه أحمد من حديث البراء من عازب رضي الله عنه .
ورحم الله الإمام أبا الوفا ابن عقيل رحمه الله تعالى ، إذ قال : " إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد ولا إلى ضجيجهم بلبيك ، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة".
سبحان الله ، صدق عمر رضي الله عنه ، " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية "
أخطر ما في هذه الحالة الغريبة :
ــــــــــــــــــ
أخطر ما ذكره صاحب اللقاء الممثل عن حركة إسلامية كويتية هو :
1ـ ارتماءه في أحضان أشد الدول عداوة للإسلام ، وتأييده عقد الولاء معها!!
2ـ منح أمريكا صك البراءة مجانا، لا .. بل مقابل محاربتها للإسلام ، مما يعني إضفاء الشرعية الإسلامية ، لخطط "المحافظين الجدد" في العراق والخليج ، في ذهول تام عن خطر استعلاء الكافر على بلاد الإسلام ، فلم يــر الناطق باسم هذا التيار الإسلامي ، أي وزن لخطورة الارتماء في أحضان الأجنبي على العقيدة الإسلامية ، الذي هو نتيجة حتمية لقبول استعلاء قوة عظمى ، على الدول الضعيفة .
لقد نطق بأسوأ حكم براءة على أكبر مجرم في التاريخ ، وتجاهل تماما خمسة جرائم أمريكية تحملها معها أمريكا إلى العالم ، لا تقاس بها جريمة :
1ـ جريمة التخريب الثقافي ، والأخلاقي .
2ـ جريمة تبنّي أمريكا عقيدة الحرب الوقائية وخطرها على الأمة الإسلامية خاصة.
3ـ جريمة إقامة وحماية واستغلال النظام الربوي العالمي للهمينة على الشعوب.
4ـ جريمة حماية ودعم والمشاركة في جميع جرائم الصهاينة عبر التاريخ .
5ـ جريمة تبني عقيدة ونهج "المحافظين الجدد" مع خطورتهم على الأمة الإسلامية.
وقد نتج عن ذلك ، احتلال ثلاث دول إسلامية ، اثنتين تحتلها الجيوش الأمريكية ، وهي العراق ، وأفغانستان ، والثالثة يحتلها الصهاينة بدعم أمريكا .
وحماية ودعم الحكام الطغاة أيضا ، والهيمنة على الأمة عن طريقهم .
وما نتج وينتج عن ذلك من فساد ، وسفك للدماء ، ومحاربة الإسلام ، جرائم لا تحصى ، وهي ينبوع مستمر ينضح بالجرائم ، كل ذلك آثامه ، في رقبة السياسة الأمريكية كما سنبين هذا بالتفصيل فيما سيأتي .
هذا كلّه ، لم يعجب الناطق باسم "التجمع الإٍسلامي السلفي"! ، ولم يعدّه شيئا ، ولهذا قال بكل ثقة " أعطني مثالا واحدا على محاربة أمريكا للإسلام " ؟!!
والعجيب أنه أيضا ، لا يلفت النظر إلى اعتبار أصل الولاء والبراء بتاتا في هذا الباب ، مع ما يمليه التحالف الاستراتيجي من أبعاد خطيرة جدا تتعارض والعقيدة الإسلامية ، وأحكام الشريعة الإسلامية في علاقات الدول المبنية على أصول الدين .
وقد كان من المتوقع ، أن يكون واضحاً لدى جميع التيارات الإسلامية في الخليج ، أنه من أولى الأوليات، واعظم الواجبات على الحركة الإسلامية ، مواجهة هذه العولمة " الأمركة " ، وما تمليه من إفرازات خطيرة ، على مجتمعاتنا ، وأخطر ما فيها أن نتيجتها الحتمية ـ والتي ستظهر عبر الأجيال بجلاء لو استمـــرت لا قدر الله ـ هي ما يلــــي :
جريمة التخريب الثقافي :
ـــــــــــــ
فالأمركة ستعني ، انتشار هذه الثقافات المدمرة لا محالة :
انتشار ثقافة التبعية ، وهي أخطر شيء على العقيدة ، وثقافة الاستهلاك ، وثقافة الماديّة ، ثقافة عبادة الجنس ، وثقافة الجريمة والعنف اللذين هما أخطر جراثيم " الأمركة" ، وثقافة التهاون القيمي، أو خلخلة النسق القيمي .
هذا وما أجهل من يظن أن أمريكا لاتهتم بنشر ثقافتها ، إنما تريد احترام التعددية الثقافية في إطار الحفاظ على مصالحها المشروعة ، وما أجمل ما قاله المفكر الدكتور عبد الوهاب مسيري عن الفكر المادي الغربي بشكل عام :
" يمكن القول بأن النموذج الكامن وراء جميع الأيدلوجيات العلمانية الشاملة ـ ومثل لها بالليبرالية أيضا ـ هو ما يسمى " التطور أحادى الخط " UNILINAR، أي الإيمان بأن ثمة قانونا علميا وطبيعيا واحدا للتطور تخضع له المجتمعات والظواهر البشرية كافة ، وأن ثمة مراحل تمر بها كل المجتمعات البشرية تصل بعدها إلى نقطة تتلاقى عندها سائر المجتمعات والنظم بحيث يسود التجانس ، وهذا ما يسمى أيضا " نظرية التلاقي " CONVERGENC THEORY
والتلاقي هو توجد النماذج كلها بحيث تبع نمطا واحدا وقانونا عاما واحدا ، هو قانون التطور والتقدم بحيث يصبح العالم مكونا من وحدات متجانسة ، ما يحدث في الواحدة يحدث في الأخرى ، ويرى بعض المؤرخين أن العصر الحديث هو هن حق عصر نهاية التاريخ " أ.هـ الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ 267
وما أصدق ما قاله توماس مان الذي قال عندما رأى استعار الموجه الصهيونية ـ الأمريكية : " إن عكر العقول والنفعية الفظة والرجعية السياسية والكراهية العنصرية وكل علاقات الاضطهاد الروحي قادمة على الطريق ، كما ذكر عنه ذلك موريس مندلسون في " روائيون أمريكيون " .
** لقد تجاهل الناطق باسم "التجمع الإٍسلامي السلفي" ، تجاهل تماما دور أمريكا في بث التخريب الثقافي ، وتحويل المجتمعات إلى مرتع للثقافة الغربية التائهة .
فهلاّ إذ نسي كل ما تفعله الثقافة الأمريكية من تغريب وتخريب ، نراهما كل يوم في العالم الإسلامي ، هــلاّ تذكر قبل أن يمنح أمريكا صك البراءة ، تلك الحملة الشعواء التي أطلقها مجموعة من القساوسة المنتمين إلى حزب "المحافظين الجدد" ، على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، واتهامه بأفظع التهم ، في عهد هذه الإدارة الأمريكية !!
إن هؤلاء القساوسة الآباء الروحيين لحزب " المحافظين الجدد " ، الذين يعجّ بهم البيت الأبيض ، المفترين على الإسلام ، المحرضين على أهله ، ليسوا سوى امتداد لتعصب طفحت به الكنيسة الغربية ، وما أروع ما قاله مراد هوفمان في كتابه " الإسلام ديانة في صعود " ص 164 : " إن من الواضح أن الكنيسة لاتزال تحرم محمدا من إعادة الثقة به ، وتصحيح صورته ورد الاعتبار له ، لأنها لاتزال أسيرة إنكارها له ، ولن يجرؤ أي شخص من المعسكر المسيحي ، حتى وإن كان لا يؤمن بأن الإسلام عقيدة مضللة وأن محمدا دجال ومحتال ، لا يستطيع أن يتخيل أن يعترف بالقرآن ككتاب مقدس ، مثله مثل الكتاب المقدس للعهدين القديم والجديد ، لان الاعتراف بمحمد رسولا ، أي وعاء لوحي الله ، يعني ضمنا الاعتراف بالقرآن ككتاب مقدس والوصول إلى هذه الخطوة ، يتطلب دراسة واسعة وتعاملا حميما مع القرآن " .
جريمة تبني عقيدة الحرب الوقائية :
ـــــــــــــــــــ
** كما تجاهل تماما ، عندما أعطى أمريكا صك البراءة مجانا ، بل مقابل محاربتها للعمل الخيري الإسلامي في كل الأرض !! ، تجاهل أيضا ، خطر عقيدة الحرب الوقائية الأمريكية على العالم الإسلامي !!
يقول ماتن مارتي عن هاجس خطر الآخر عند الأمريكيين : ( إنهم مثل اليهود ، مسكونون دائما بهاجس الخطر الذي يهدد وجودهم وثرواتهم ، إنه خطر الهنود ، وخطر الكاثوليك ، وخطر الإسلام ، وخطر الأيدلوجيات الخارجية ، وخطر المهاجرين الغرباء .. وجميع هذه الأخطار تتلاحق زرافات ووحدانا.. إنهم يبدأون بإطلاق النار على الشياطين من حملة هذه المخاطر ، ويعلقون على صدورهم الجثث بطاقة تقول : لقد كنا دائما في حالة دفاع عن النفس ، هذا هو القاسم المشترك بين النفسية الأمريكية والنفسية اليهودية ) نقلا عن كتاب الجذور المذهبية لحضانة الغرب وأمريكا لإسرائيل ـ حمدان ص 105
وتقول الكاتبة الأمريكية "ميريل ميراك" كما نشــــــرت ذلك الرأي العام 31/5/ 2003م
" أشارك اليوم في بحث مشكلاتنا في واشنطن، من حيث حرب الولايات المتحدة غير الشرعية على العراق، التي أثارت المخاوف في العالم الإسلامي والعالم كله، والتي خالفت الإدارة الأميركية فيها الأمم المتحدة والقانون الدولي، وأعلنت أنها ستقود العالم كإمبراطورية رومانية جديدة وسوف تحطم من يقف ضدها وحاول البعض أن يلعب بشكل ما ويصل إلى تسوية مع الوحش الجديد الموجود في أميركا، وكما يقول لاروش في وثيقة له حول السياسة الخارجية الأميركية: «إن السياسة الفاشية الأميركية لابد من رفضها والثورة ضدها لأنها تهدد العالم كله وسوف تعيده إلى عصور ظلام جديدة، إن التغيرات لابد أن تأتي من داخل الولايات المتحدة، ولكن هذا يحتاج إلى مشاركة دول أورو آسيا ودول الشرق الأوسط».
وعن الحرب الأميركية الوقائية قالت: «في سبتمبر من عام 2000 نشروا تقريرا حول إعادة بناء دفاعات أميركا وهذا التقرير أعاد كما في عام 1999 للدعوة من جديد إلى تقوية الولايات المتحدة من أجل هزيمة أي منافس وتحدثوا عن ضرب العراق بشكل محدد, وفي سبتمبر من عام 2002 نشرت الاستراتيجية الأميركية الأمنية الجديدة للحرب الوقائية وهي التي تحدثت بوضوح عن إمكانية توجيه ضربات نووية إلى روسيا والصين والعراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا وسورية»,
وقالت: «إن هذا العرض الذي قدمته يظهر لكم أن السياسة القومية الأميركية ليست جديدة وليس لها علاقة بالعراق تحديداً، وهي تكشف كذب ادعاء الإدارة الأميركية الذي يقول إن حربها ضد الإرهاب هي رد فعل لما حدث في 11/9/2001، لقد كانت هذه السياسة متبعة منذ نحو عشر سنوات، وهي التي دفع بها تشيني والصقور من ورائه في الإدارة الأميركية، ولكن بعد وصول بوش إلى السلطة في يناير 2001، أصبحوا هم الحكومة وجاؤوا بعد ذلك بوولفويتز وبيرل " .
جريمة إقامة وحماية واستغلال النظام الربوي العالمي للهمينة على الشعوب :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** وتجاهل أي اعتبار لخطورة دور أمريكا في تكريس الاقتصاد الربوي العالمي ، وربط اقتصاديات الدول الضعيفة باقتصادها الذي يفرض عقوبات على أي دولة لا تخضع لاحترام القوة الصهيونية وترفض تهديدها ، فالهيمنة الاقتصادية الأمريكية وسيلة لتكريس وهيمنة عقيدة تخدم الوجود والقوة والنفوذ الصهيوني.
وكم كان مصيبا ذلك القسيس الأسباني عندما رد على ريجان قوله " إن ثراء ورخاء أمريكا يرجع إلى كونها أمة مباركة من الله " ، قال القسيس : " تجديف وهرطقة ، ثروة وقوة أمريكا ترجع إلى استغلال العالم وبخاصة العالم الثالث عبر التبادلات غير المتوازنة وغير المتعادلة ، وفرض استيراد المنتجات الأمريكية بالقوة ، وغزو رؤوس الأموال الأمريكية للدول التي تنخفض فيها المرتبات ، وعبر الفوائد الإستغلالية للقروض ""
أجل هذا هو التقييم الصحيح والمطابق ، لفترة الاستعمار الغربي ، الأوربي ثم الأمريكي ، حتى توّجت هذه الهيمنة بتطبيق نظام " بريتون وودز " ، والبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، ثم جاءت منظمة التجارة العالمية ، فطُـمّ الوادي على القرىّ ، ودق الغرب الصليب على أسنة السيوف ، إما الحروب والدمار والموت ، أو الرضوخ لهيمنتا الاقتصادية التي تعني التبعية الكاملة .
جريمة لحماية والدعم والمشاركة في جميع جرائم الصهاينة عبر التاريخ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** والأدهى والأمر من ذلك كلّه ، أنه تجاهل دور أمريكا في دعم وحماية وتأييد جرائم الحرب الصهيونية البشعة منذ عهد ولسون ، الذي سارع إلى تأييد وعد بلفور ، إلى يومنا هذا .
و تحدث الناطق باسم هذه التجمع الإسلامي ، عن أمريكا بلا اعتبار لأي دور اليهود في الإدارة الأمريكية !!
يقول آلان بييرفيت في جريدة الفيجارو الفرنسية 5/11/1990م ، " إن جماعتي ضغط قويتين تدفعان الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفجير الصراع هما :
1ـ اللوبي اليهودي
2ـ ولوبي رجال الأعمال
وفي هذا الموقع الحساس لحدود الإمبراطورية الجديدة ، لا تتوقف دولة اسرائيل عن لعب الدور الذي حدده لها مؤسسها الروحي تيودور هرتزل ، ألا وهو أن تكون " حصنا متقدما للحضارة الغربية في مواجهة بربرية الشرق " .
يقول " ليشياهو ليبوفيتز" الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس ، وهو الذي أشرف 20 عاما على تأليف الموسوعة العبرية ، يقول في كتابه " اسرائيل واليهودية " 1987 : " قد يصيبنا الانهيار التام في ليلة واحدة ، من جراء البلادة التي جعلت وجودنا مرهونا بالمساعدات الاقتصادية الأمريكية " ص 125
ويقول : " فكل ما يهم الأمريكيين هو الحفاظ على جيش من مرتزقة أمريكيين يرتدون زي الجيش الإسرائيلي " ص 266 .
وأخيرا يختم بهذه العبارة التي تصرخ بالحقيقة : " إن قوة القبضة اليهودية تأتي من القفاز الأمريكي الفولاذي الذي يغطيها ، ومن الدولارات التي تبطنه " ص 253
ومعلوم أن جميع جرائم الصهاينة ضد الإسلام ، إنما جرائم الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد ولسون :
لقد سارع الرئيس الأمريكي ولسون في تأييد وعد بلفور حتى قال في مؤتمر باريس للسلام مطمئنا اليهود " : لم أفكر يوما بأن من الضروري أن أقدم لكم تأكيدات جديدة ، على التزامي بوعد بلفور ، ولم أجد حتى الآن من يعارض الهدف الذي يجسده ، إنني لا أرى ما يدعو للشعور بالإحباط ، بل أرى كل مبرر للأمل بالحصول على ضمانات مرضية " ليونارد شتاين ـ إيضاحات حول بلفور ـ لندن ـ 1961م
وقد كان بلفور نفسه على حق عندما علق ساخرا :" يصعب على أن أفهم ، كيف يوفق الرئيس الأمريكي ولسون بين تأييده للحركة الصهيونية ، ومبدئه في حق تقرير المصير " نقلا عن اغتيال التاريخ لحمدان حمدان 65
وفي 21 /9/1922م ، وافق المجلسان النواب والشيوخ على وعد بلفور ، وتم الختم على فلسطين يهودية بوعد انكليزي وقرار أمريكي .
وفي عهد روزفلت انطلقت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وفي عهد ترومان وافقت أمريكا على قرار التقسيم ، وفي عهده اعترفت بـ"اسرائيل " ، في 14/5/1948م ، وحتى قبل أن تطلب منها حكومة اسرائيل المؤقتة برئاسة دافيد بن غوريون ، ثم منحتها 100مليون دولار ، وكانت تعادل ميزانية مصر والشام والعراق آنذاك .
ومن ذلك الحين إلى أن قال كارتر أمام الكنيست " ( لقد جسد من سبقني من الرؤساء الأمريكيين الإيمان حين جعلوا من العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل أكثر العلاقات خصوصية ، إنها علاقات فريدة لأنها متأصلة في ضمير الشعب الأمريكي ، وفي أخلاقه وفي دينه ، وفي معتقداته ، وكما أن الولايات المتحدة واسرائيل ، أقامها رواد مهاجرون ، فإننا نتقاسم معكم تراث التوراة أيضا ) الدعاية الصهيونية في أمريكا ، فايز صايغ ص 17.
وإلى أن تولى ريغان المؤمن بخرافة الهرمجدون ، ثم ختمها بوش الابن الذي نرى جرائم الصهاينة في عهده ، تفوق الوصف ، وقد سقط حتى الآن من الانتفاضة الأخيرة آلاف الضحايا والشهداء ، وفي الأسر آلاف الأسرى ، ويغيب الشعب الفلسطيني وراء الجدار العازل ، وتحول مدنه إلى معتقلات ، ويغتال مجاهدوه ، ويقتل نساؤه وأطفاله وشيوخه ، وكل ذلك لم يره الناطق الرسمي شيئا !! لم تضر أمريكا الإسلام في شيء !!
وهاهو بوش ، يفتح العراق للصهاينة ، يسرحون فيه ويمرحون ، كما نقلت وكالات الأنباء في الشهر الذي سقطت فيه بغداد هذا الخبر :
" اربيل ـ أ.ش.أ ـ وصل إلى اربيل وفد من الكنيست الإسرائيلي يضم سبعة أعضاء من بينهم نائبان من اصل كردي في زيارة تستمر ثلاثة أيام ، وذكر مصدر كردي أن الوفد سيجري خلال الزيارة مباحثات مع كبار المسؤولين في الحزب الديموقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني تتركز حول التعاون في المجال النفطي وإمكانات توطين أعداد من اليهود في شمال العراق.
واضاف أن وفد الكنيست الإسرائيلي الذي وصل إلى اربيل تحت حماية مشددة من جانب القوات الأميركية وقوات البشمركة الكردية سيزور أيضا مدن السليمانية وصلاح الدين ودهوك، مشيرا إلى أن الوفد قد وصل إلى اربيل قادما من العاصمة العراقية بغداد " .
هذا ومازال الصهاينة يعربدون في العراق ، كما يشتهون ويعقدون الصفقات على مستقبله ، بإشراف الإدارة الأمريكية الحالية .
جريمة تبني عقيدة ونهج المحافظين الجدد وخطورته على الأمة الإسلامية.:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** وهذا ينقلنا إلى الحديث عن خطر عقيدة ونهج "المحافظين الجدد" :
قال روبرت فيسك كاتب الاندبنت كما نقلت صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ 25 ذو الحجة 1423هـ : (بعد انتهاء البرنامج الذي قمت بتسجيله لإحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية، وهي محطة ليبرالية جيدة، وكان ذلك في ولاية تكساس الأمريكية والتي اتفق الجميع فيها على أن دخول الحرب خطأ وان جورج بـوش قد اصبح «ألعوبة» في أيدي الأصولية المسيحية اليمينية، وتيار المحافظين الجدد الموالي لإسرائيل ) .
هذا ومن أحسن من وصف ، كيف تحولت الإدارة الأمريكية إلى هذا النهج الجديد ، وما هي أهدافها في ضوء عقائدها الخرافية ، الكاتب القبطي المصري سمير مرقص ، فقد وصف هذه المسيرة الدينية أحسن وصف ، قال:
" ثم تنامى دور اليمين الديني في عهد كلنتون ، لكن كلينتون أيضا لم يكن متدينا ، ولذلك كان لديه هامش مناورة بينه وبين اليمين الديني ، المشكلة أتت بتولى الرئيس ( بوش ) الابن مسئولية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ، لأن الرئيس ( بوش ) في الحقيقة هو أحد أبناء اليمين الديني الذي يسمى بالمصطلح الديني ألـ(AGAIN- BORN ) ، أي ولد من جديد ، فقد كان بوش شخصا بعيدا عن الإيمان ، وفي صباح أحد أيام 1995م ، اكتشف أنه لابد أن يعود إلى الله .. وأصبح الدين جزءا أو مكونا أساسيا في الإدارة الأمريكية ، ولأول مرة أيضا يتحالف الجناح المتشدد في الحزب الجمهوري الأمريكي مع اليمين الديني ، ويقومون بعمل صيغة أو خلطة جديدة في أمريكا ، وقد بدأت هذه المشكلة في يناير 2001م ، إلا أننا لم نشعر بها وقتها ولذلك فربما كانت واحدة من مزايا 11/9 ، أنه أظهر لنا هذا بشكل واضح ، وجسده بشكل ، واضح بالنسبة للسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية بشكل عام .
ثم يقول : ( ومشكلة هذا اليمين أن الإدارة الحالية في الحقيقة هي تجسيد مهم جدا لفكرة التعامل مع العالم من خلال إعادة نمط التوسع الغربي أيام الكشوفات الجغرافية ، فحين بدأت أوربا الانتشار في القرن الخامس عشر أو قبل ذلك أيضا ، بدأت تنتشر في العالم بمنطق التوسع الغربي الذي يقوم على ثلاثة أشياء : العسكر أو القوة المسلحة ، والتجارة ، والتبشير ، ولذلك فإن كل التوسعات الغربية التي تمت في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها كانت المراكب من خلالها تخرج من إسبانيا أو البرتغال أو غيرها وتذهب إلى هنا وهناك ، وهي تحمل ثلاثة مكونات : التاجر ، والعسكري ، والمبشر ، وهنا يتضح أن العسكر رمز القوة ، واستخدام القوة ، والتاجر رمز تبادل الثروة والتجارة .. إلخ ، والمبشر هو شكل من أشكال الهيمنة الثقافية .
وأتصور أن الرئيس بوش أعاد مع الإدارة الجديدة هذا النمط من التوسع الخارجي عند التعامل في العلاقات الدولية ، ولذلك ليس مصادفة أن كل الأدبيات التي نتجت عن هذه الإدارة ـ سواء قبل 11/9 أو بعد 11/9 ـ كلها لا تخلو من الثلاثة عناصر السابقة ، ليس هذا فقط ، بل إنني وقع في يدي بعض الوثائق أثناء الحملة الانتخابية للرئيس بوش .
وكانت كونداليزا رايس ، مستشارة الأمن القومي الحالية هي المسؤولة عن تقديم ، السياسة الخارجية أثناء الحملة الانتخابية المعبرة عن الحزب الجمهوري ، تتحدث عن الثلاثة مفاهيم هذه : فكرة كيف يقوم التوسع أو التحرك الدولي على هذه الأسس الثلاثة ، وفكرة النظام المالي والاقتصادي العالمي وفكرة استخدام القوة ـ سواء العسكرية أو غير العسكرية ـ أو استخدام القوانين الدولية مثل قانون الحرية الدينية أو غيره ، ثم استخدام الهيمنة الثقافية أيضا ، سواء من خلال استخدام الإعلام الأمريكي القوى ، والآلة الإعلامية الجبارة ، أو باستخدام وسيلة التبشير ، ولذلك فعند قراءة كتابات ( هنتينجتون ) وكتابات أخرى كثيرة قراءة متأنية نجدها تتضمن إعادة تقسيم العالم على أسس حضارية وثقافية ودينية لإعادة رسم خريطة العالم مرة أخرى ، لكن تقسيمــــــــة ( هنتيجنتون ) للأسف ليست موجودة في الترجمة العربية ) .
هذه هي حقيقة حزب " المحافظين الجدد" المهيمنين على الإدارة الأمريكية ، وبأيدهم أقوى وأخطر قوة عسكرية عالمية ، فأيّ خطر على أمتنا أكبر من ظهورهم واستعلاءهم على بلاد الإسلام !
والخلاصة :
ــــــ
إننا نرى هذا الكلام الذي نشرته الصحيفة عن ممثل حركة إسلامية كويتية ، خطير جدا ، والأخطر منه ، إن كان لا يدري أنه خطير .
وسواء قاله وهو يعتقد ـ ومن يمثلهم ـ حقيقة ما قاله ، ويلتزم أبعاده ، وهو أن خطط الإدارة الأمريكية التي رسمتها إنطلاقا من رؤية دينية ، للمتصهينين في الإدارة الأمريكية ، لاخطر على الإسلام منها ، وبالتالي لاحاجة لمعارضها في الشريعة الإسلامية ، بل هي تحقق الرفاه والازدهار والاستقرار للمنطقة !!
أو قاله لأنّه لم يقدر خطورة الكلمة التي تلقى للجمهور وأنه لا يصلح فيها المناورات السياسية في الأمور المتعلقة بالعقيدة الإسلامية والموقف من أشد الأمور خطرا عليها .
فالواجب عليه , وكل من يعتقد مقالته ، الرجوع إلى دينه ، فقد اقتحم فرية عظيمة ، مناقضا لأصل الإسلام ، وعليه التوبة إلى الله تعالى ، والإنابة إليه ، والتبرؤ التام ، من كل المخططات الأمريكية ، وإظهار ذلك ، وإيثار رضا الله تعالى ، على مجاراة الأهواء ، والآخرة على متاع الدنيا القليل .
وإنكار هذه المقالة الخطيرة واجب شرعي من صميم التوحيــد ، لا يجوز التهاون فيه .
وانطلاقا من خوفنا على الأمّة ، وحذراً من الوقوع في معصية ترك النهي عن المنكر ، أو نصحا للمخطئ ولمن يمثّلهم أو يقتدون بقوله ، كتبنا هذا الرد ، سائلين الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم .
ونهيب بكل الغيورين على الإسلام وأهله ، أن يتصدوا لكل الدعوات المشبوهة التي تريد أن تهون من خطر هذه الحملة الصليبية الصهيونية ، على الأمة الإسلامية ، وتريد أن تقول للناس : أنه أمر هين فلا تنكروه ، بينما هو عند الله عظيم ، والتصدي لهؤلاء واجب ، والرد عليهم فريضة ، فالأمة تتعرض لهجوم شديد الوطأة ، لم يسبق لهم مثيل ،
قال صلى الله عليه وسلم : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه .
وحماية عقيدة الأمـّـة فرض لازم ، حتم على كل عالم .
-------------------
هذا ونضيف هنا سؤال وجوابه يبين حكم موالاة الكافر ، والدخول في تحالف معه ، وخطر ذلك على التوحيد .
السؤال : ما قولكم في أناس ينتسبون إلى العلم الشرعي والدعوة الإسلامية ، يقولون إن المسلمين يجوز له أن يدخلوا في تحالفات دائمة مع الكفار ، وأيّ كفار ، كفار يحاربون الإسلام في كل مكان ، ويقتلون المسلمين ، وتحكمهم طائفة متعصبة صهيونية ، ويحمون الصهاينة جهارا نهارا ، ويقول هؤلاء المنتسبون إلى العلم إن ذلك من باب ارتكاب أخف الضررين ، وأنه من باب درء المفاسد ، مقدم على جلب المصالح ، وأن المسلمين في الدول الصغيرة يجوز لهم أن يدرءوا مفسدة الخوف من ذهاب الأمن ، على كل ضرر ، وهذا لا يحدث إلا بالدخول في تحالفات استراتيجية مع الكفار حتى لو كان ذلك على أساس القانون الدولي العلماني فلا حرج فيه ، وقد لبسوا على عامة المسلمين ، وينسبون كلامهم إلى شريعة الإسلام ، فما قولكم فيما يقولون ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
نننقل هنا ما ردّ به العلامة سيدي المهدي الوزّاني من علماء فاس المتوفى عام 1342هـ ، على من أفتى بجواز الاحتماء بالكفار مستدلا باحتماء الصديق بمشرك ، قال الوزّاني صاحب النوازل الكبرى 3/ 72ـ 78:
" قلت فتح هذا الباب فيه حرج وشطط ، مع أن هذا الكلام كلــه غلط ، إلى أن قال : وأيضا الاحتماء بالكفار اليوم هو خروج من الإسلام ، والتزام بطاعة الكفار ، بحيث إذا أمره الكافر بشيء يسارع إلى امتثال أمره كيفما كان ، وإن أمره كبير المسلمين بشيء ، ولو طاعة ، لا يساعده ولا يرضى به ، ولا يعتبره حتى يأذن له الكافر ، ولم يصدر هذا من أبي بكر قط ، ولايتوهــم في حقه ، وحاشاه من ذلك .
وأيضا احتماء أبي بكر كان لتحصين دينه وتتميم إيمانه ، ولم يكن لتحصين بدنه أو ماله ، فكيف يقاس أمر الدنيا عل الدين ؟!
وقد قتل الحجاج وغيره ألوفا من الأفاضل ، صحابة وغيرهم ، ولم يرض واحد منهم بهذا الفعل الشنيع الذي هو الاحتماء بالكفار .
وأيضا هؤلاء المحتمون تراهم يضحكون على المسلمين ، ويحقرون أمورهم ، ويتمنون لهم أموار قبيحة كي يكونوا مثلهم " ودوا لو تكفرون ما كفروا فتكونون سواء " .
وأيضا تراهم لأجل أنهم منعوهم من ولاة المسلمين يحبونهم ويتمنون الغلبة لهم ، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة التي لا يرضى بها مسلم .
فقوله : " أنا صدرت مني فتوى بجواز الاحتماء بغير أهل الملة إذ لا محظور فيه من الشرع إلخ ، كلام باطل ، وعن طريق الحق عاطل ، لايحل كتبه إلا بقصد أن يرد ، كالحديث الموضوع .
ثم قال :
ثم رأيت نحو ما قلته في الأجوبة الكامليّة ، وذلك أنه سئل العلامة سيدي محمد بن مصطفى الطرابلسي ، لما شاع وكثر في هذه الأزمنة من احتماء المسلمين بالكفار بعد نقضهم البيعة الإسلامية ، بحيث يكون حكمهم كحكم رعاياهم الأصليين ، إذا وقعت لهم حادثة التجأوا إليهم ، واشتكوا إليهم ، وإذا طلبوا أمراء الإسلام يمتنعون ، ويقولون : نحن تحت حماية الدولة الفلانية ، وإذا جلب إلى محكمة أهل الإسلام ، يحضر معه رجل من طرف الحكومة الأجنبية ، هل يجوز هذا في الشرع الشريف ؟
فأجاب : لا يجوز هذا الصنيع القبيح السيء في الشريعة المنورة ، بل هو حرام ، بل قيل : إنه كفر ، وشهد له ظاهر قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بضعهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، وكذا ما بعد هذه الآية من قوله تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، فهي صريحة في أنه لا يفعل ذلك إلا من كان في قلبه مرض ونفاق والعياذ بالله .
وكذلك ظاهر قوله " ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء " ، أي فليس من ولاية الله في شيء ، فظاهره أنه انسلخ من ولاية الله رأسا ، وقد قال تعالى في حق المؤمنين : " الله ولي الذين آمنوا " .
فمن انسلخ من ولايته تعالى فلا يكون الله وليه ، فلا يكون مؤمنا ، وكذلك قوله تعالى " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما " ، ثم بين المنافقين بقوله تعالى " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ، ثم قال " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " .
والآيات والأحاديث في هذا الشأن كثيرة ، وهؤلاء المحتمون أشد ضررا على المسلمين من الكفار الأصليين .
ثم قال : فهذا وقد ألّف في هذه الحادثة ، سيدي علي الميلي رسالة شدد فيها النكير على من يفعل هذا الفعل ، قال : فلا يجوز القدوم عليه ولو خاف على ماله أو بدنه ، لأن المحافظة على الدين مقدمة عليهما .
ومن القواعد الأصولية :" إذا التقى ضرران ارتكب أخفهما" .
ومنها قولهم : مصيبة في الأموال ولا مصيبة في الأبدان ، ومصيبة في الأبدان ولا مصيبة في الأديان "
فالمؤمن رأس ماله ، وأعز شيء عنده دينه ، فهو مقدم على كل شيء "
فالله تعالى جعل الكفر والصد عن سبيل الله ، هو الفتنة ، وهي أشد من القتل ، وهؤلاء يجعلون حتــى الأذى ، ونقص الرزق ، وذهاب الأمن ، وليس القتل ، أشد عليهم من الفتنة في الدين .
وهم مع ذلك لم يتدبروا حقــا قوله تعالى " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، أي أن الكفار إنما يجعلون قوتهم العسكرية ، وسيلة يتوسلون بها إلى ارتداد المسلمالكاتب: حامد بن عبدالله العلــي التاريخ: 07/12/2006