ما وراء الحرب الخفية بين أمريكا والصين على إفريقيـا

 

ما وراء الحرب الخفية بين أمريكا والصين على إفريقيـا
 
حامد بن عبدالله العلي
 
لعل من عجائب القدر ، أن يتسيَّد البيت الأبيض ، ابن إفريقيا السوداء ، في نفس الوقت الذي تولّي أمريكا وجهها إلى القارة السوداء ، باحثة عن النفط الأسـود ، لتحوّلها إلى مركز اهتماماتها ، وقبلة أطماعها الجديدة ، هذا إذا انتُخـبَ أوباما ، وما إخاله ـ والعلم عند الله ـ إلاّ سيفعل.
 
كانت أفريقيا قبل إكتشاف نفط العرب والخليج ، هي قبلة الأطماع الغربيّة ، وليس خافيا أنَّ الإستعمار الأوربي في القرن الماضي ، والذي قبله ، لم يدع شيئا من خيراتها إلاَّ نهبه ، وأمَّا ما صنعه الأمريكيون من استعباد الإفريقيين إذْ ذاك ، فلم يزل سبَّة الدهر في تاريخهم $$$
 
غير أنَّ لصوص أمريكا الذين كانوا يسرقون البشر من أفريقيا ، قد عاد أحفادهم اليوم إليها ، ليسرقوا ثرواتها التي اكتشف أنها كنز كنوز الأرض ، نقول هذا ، لأنه لـم يعد أحد يصدّق ـ بلاريب ـ خديعة أنَّ أمريكا إنما هـي جمعية خيرية عالمية ، تهرع إلى مواقع المجاعـة ، والإبادة ، لإنقاذ الناس ، إبتغاء وجه الله !
 
ولعلَّ أكبر أولئك اللصوص صراحة في العادة هو ديك تشيني الذي قال : "أن أفريقيا ستكون احد المصادر الأمريكية المتنامية بسرعة من النفط والغاز".تقرير لـ " ديك تشيني"، نائب الرئيس الأمريكى، أعده عام 2001 حول السياسة القومية الأمريكية بالنسبة للطاقة
 
ومن الواضح أن مما يزيد الأمريكيين قلقا على أطماعهم في إفريقيا ، مما حداهم إلى تأسيس ( أفريكوم ) ، هو النفوذ الصيني المتزايد بسرعة في إفريقيا ، إضافة إلى أن بعض الأنظمة الإفريقية بدأت تتمرد على الهيمنة الأمريكية .
 
وكم كان رد الرئيس النيجيري عمر ياردوا مزعجا للأمريكيين ، عندما قال : " وجود الولايات المتحدة في هيئة عسكرية لن يكون مرحبا به في نيجيريا ، ولا حتى في أي من دول غرب أفريقيا .. إن الأولى لدينا هو إنشاء قوة عسكرية تجمعنا نحن كشعوب افريقية بدلا من جلب أي دخيل إلى بلداننا" .
 
ومعلومٌ ذلك التقرير الذي نشر على نطاق واسع ،  وتـوَّقع أن تلبِّي القارة السوداء 25% من إحتياجات أمريكا من النفط بحلول 2015م ، وأنه قبل ذلك وبحلول عام 2012 سيكون بإمكان الأمريكيين ،  أن يستوردوا من إفريقيا ، ما يُـعادل نفس القدر من  النفط المستورد أمريكيا اليوم من الشرق الأوسط.
 
 وإذا أردنا أن نضرب مثالاً أخص ، فليس خافيـاً أنَّ دارفور خاصة ، قـد وقعت في سويداء قلب عبدة النفط في أمريكا ، كيف لا وهي بموقعها المحاذي لبحيرة بترول تمتد من إقليم بحر الغزال مرورا بتشاد ، والنيجر ، وموريتانيا ،ومالي ، والكاميرون، هي صمام الأمان المثالي لتدفق النفط المستخرج من هذا الكنـز العظيـم .
 
إضافة إلى أنهـا تمثـِّل باب الأبواب لغرب إفريقيا، ثـم قـد زاد الطين بـلَّه ، أنَّ امتيازات استخراج البترول في جنوب دارفور، ممنوحة للشركة القومية الصينية للبترول ـ تقرير للمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية،
 
لقد استطاعت الصين أن تحقق بسرعة ما لم تحققـه روسيا ، في انتشارها المذهل في إفريقيا ، حتى لقد أعرب مسؤول أمني أمريكي عن مخاوف مزعجة ،  بسبب أن سفارات ، وقنصليات الصيـن في إفريقيا ، قـد فاقت أمريكا ، وهذا يعنـي مواقع تنصت ، واستخبارات أكثر .
 
 وما ضاعـف التخوف الأمريكي تلك الأرقام التي تتحدث عن بلوغ الصادرات الصينية إلي إفريقيا سقف 40 مليار دولار عام 2006 .
 
وفيما يلي تقريـر مهم لصحيفة "يونغا فيلت" الألمانية ملخصـه : أن أمريكا تعيش حالة من الفزع بسبب هذا النفوذ الصيني العملاق في إفريقيا ، لاسيما وقد واجهـت حقيقة أن معارضة معظم دول غرب وجنوب أفريقيا، هي التي دفعتها لنقـل مقر قيادة قوتها العسكرية لإفريقيا ( أفريكوم ) بشكل دائم إلى شتوتغارت بغرب ألمانيا،
 
لاسيما أن دوائر المحافظين الجدد في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) هم من اقترحوا إقامة هذه القاعدة للسيطرة على منابع النفط في منطقة خليج غينيا الممتدة من ليبيريا إلى أنغولا، وتأمين واردات النفط الأميركية من نيجيريا التي تمثل 17في المائة من إجمالي الواردات النفطية للولايات المتحدة، وتزيد على ما تستورده من نفط شبه الجزيرة العربية
 
فالصين أظهرت منذ عام 1998- تاريخ ضرب أمريكا لمصنع الشفاء بالسودان قدرةً على ملء الفراغ الذي تتركه الإدارة الأمريكية، وعلى تحويل أخطاء هذه الأخيرة إلى مصالح حقيقية لها.
 
وقد ارتفعت منذ عام 2000 حاجيات الولايات المتحدة من النفط بنسبة 50 بالمائة، وهو ما دفع إدارة بوش في تلك الفترة إلى مراجعة جذرية لسياستها الطاقية، وفي عام 2001 تم وضع ما سُمّي بـ"السياسة الطاقية القومية"، التي أكدت على ضرورة تنويع مصادر التزَوُّدِ من الطاقة، وفي هذا السياقِ تَبَيّن للإدارة الأمريكية أنّ منطقة غرب إفريقيا ، وخليج غينيا بالخصوص ،  يُشَكِّلان المصدر الأهم للطاقة في القارة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وفي عام 2002 طلب من الكونغرس إعلانَ منطقة خليج غينيا ، منطقة مصالح حيوية لأمريكا .
 
وفي التقرير أيضا : "جاء تأسيس (أفريكوم) تنفيذا لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي الأميركي للدراسات السياسية والإستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد"كنوت ملينثون ـ خبير ألماني ـ مجلة يونغا فيلت
 
هذا ومما زاد قلق الأمريكيين على أطماعهم في إفريقيا ، إقحام القذافي للروس في خضم المعركة ، ومنحها بابا واسعا للدخول إلى القارة الأفريقية عبر ليبيا .
وبعـد : فمن البائـن الذي لايخفـى على من يتابع ما يجري على المشهد العالمي ، أنَّ مشهد تحول العالم إلى عالم متعدد القطبية ، آخذ في التطور السريـع ، أسرع مما كنا نتصـور ، وأنَّ الغرب برمِّتـه بقيادة أمريكا ، يتراجع شيئا فشيئا عن المركـز ،وكما توقَّـع مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية مايكل ماكونيل: ( ظهور عالم متعدد الأقطاب في 2025 يشهد صعودالصين والهند والبرازيل التي ستكون اقتصاداتها مطابقة لاقتصادات الدول الصناعيةالغربية) تناقلته وكالات الأنباء بتاريخ 1 نوفمبر2008م
أما بالنسبة لإفريقيا خاصة ، فالواجب أن ينتبه المشروع الإسلامي إلى ضرورة قطع الطريق على الأطماع الغربية فيها ، وذلك بمزيد من الإهتمام بإفريقيا ، وتحصينها من هذه الأطمـاع ، لاسيما بدعم المحاكم الشرعية في الصومال ، والوضع الإسلامي في السـودان .
وأما بالنسبة للمشروع الإسلامي بعامة ، فلاريب أنَّ نهضة العالم الإسلامي ـ  بشقيها الدعوي ، والجهادي ـ التي تبحث عن موقع عالمي مؤثـر في طريقها إلى قيادة العالـم ، بينما هي تعاني اليوم من عقبات كثيرة ، بسبب ضيـق هامش المناورة ، وتضايـق مجالات التعاقـد السياسي المصلحـي ، في ظل هيمنة القطب الغربي الواحد ، وإصراره على حشد قوى العالم معه للقضاء على نهضة العالم الإسلامي .
أنها لا تجـد فرصة أكثر فائدة لها من أن تستغـل هذا التعدُّد القطبي ، لتتخذ من سنة التدافع ، والتعاهدات المشروعة التي لها فيها أسوة حسنة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيلة لتوسِّع دائرة تحركها ، وتسرِّع خطوات مشروعها ، وتتجاوز كثيراً من العقبات أمامهـا.
ولايخفى أنه من الحكمة أن يترك لكل مشروع إسلامي الحرية ،  أن يستفيد من هذا الصراع العالمي بما يناسب مشروعه ، بشرط أن لايتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية بلاريـب.
ومعلوم أن مثل هذه الإستراتيجيات الخطيـرة ، لايجوز أن يخوض فيها إلاَّ أهلُ العلم والبصيرة ، والمعرفة التامّة بالشريعة ، وسنن الله في التاريخ ، والواقع المعاصر ، ذلك أنَّ تعقد الصراع السياسي العالمي ، وتسارع الأحداث فيه ، وتغيـُّر التحالفات بين أطرافه القويـَّة ،  مع ضعف إمكانات مشروع النهضة الإسلامية في وسط هذا الصراع المخيف ، يحتاج إلى ذوي خبرة تامة ، ومعرفة شاملة ، بعد البصيرة في الدين ، والنصح لأمَّة المسلمين .

والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصيـر


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 02/11/2008