االشُهُب الطالبانيّة الحارقة على العلمانيّة اللادينيّة المارقة

 

 

االشُهُب الطالبانيّة الحارقة على العلمانيّة اللادينيّة المارقة

حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله القائل : (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) والقائل سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) والقائل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير) والقائل سبحانه : (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلىالله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، عبده ورسوله، وبعـــــــــد :

استرجاع صور تاريخية :
ــــــــــــــ

فيما يلي سأنقل لكم كلاماً لمستشار وزارة الاستعمار الفرنسي ، قبل أن يبدأوا فعلياً بغزو العالم الإسلامي ، ثم قطف ثمار أهدافهم ، وفائدة هذا الكلام أنه يعطي صورة جلية للنظرة التي كانوا ينظرون بها للعالم الإسلامي قبل غزوه :

قال المستشار : ( اخترق المسلمون أبناء آسيا شمال القارة الأفريقية ، بسرعة لاتجاري حاملين في حقائبهم ، بعض بقايا تمدن البيزنطية ) وهذا نكران حاقد لما حمله المسلمون للبشرية من حضارة تميّزهم .

ثم قال : ( ثم تراموا بها على أوروبا ، جاءونا مرة أخرى يغزون أوروبا ، ولكنهم وجدوا نهاية إنبعاثهم هذا ، مدينة يرجع أصلها إلى آسيا بل أقرب في الوصلة إلى المدينة البيزنطية ).

وقال ( ولهذا اضطروا إلى الوقوف عند الحد الذي إليه صاروا ، وأكرهوا إلى الرجوع إلى افريقيا حيث ثبتت أقدامهم أحقابا متعاقبة ).

ومضى يقول ( لكن لا يزال ينتهي طرفاه من جهة بمدينة القسطنطينية ، ومن أخرى ببلدة فاس بالمغرب الأقصى ، معانقا بذلك الغرب كله) .

كأنه يقول إن العالم الإسلامي المتحد يحمل عناصر القوة والحضارة ، ويحول بيننا وبين العالم فيما وراءه ، وكأنه يتساءل كيف لنا أن نخترق هذا العالم الاسلامي الذي يحصارنا .

(وفي تلك البقعة الأفريقية التي أصبحت مقرا لملك الإسلام جاءت الدولة الفرنسية لمباغتته).

ثم قال : ( وعاود هذا الخاطر نابليون الأول ، فلم يوفق إلى تحقيقه الفرنسيون إلا في القرن التاسع عشر ، حيث أخنوا على دولة الإسلام ، فأصبحت الجزائر في أيديهم منذ سبعين عاماً ، وكذلك القطر التونسي منذ عشرين عاما).

( بل صارت في صدر الإسلام ، وكبده ، حيث فتحت أراضيه ، وأخضعت بسطواتها شعوبه، وقامت تجاهه مقام رؤسائه الاولين ، وهي تدير اليوم شئونه ، وتجني ضرائبه ، وتحشد شبابه لخدمة الجندية ، وتتخذ منهم عساكر يذبون عنها في مواقف الطعان ن ومواطن القتال ).

ثم يعود الآن فيحذر من الإسلام ( ليس الإسلام في داخلنا بل هو خارج عنا ، قريب منا ، في مراكش تلك البلاد الخفيه الأسرار ، التي يشبه وجودها الحاضر مقدور الأبد في الغموض ، والإشتباه ، قريب منا في طرابلس الغرب ، التي تتم بها المواصلات الأخيرة ، بين مركز الإسلام في البحر الأبيض ، وبين الطوائف في باطن القارة الأفريقية ، قريب في مصر ) .

يقول بعد ذلك ( هو موجود وشائع في أسيا حيث لا يزال قائما في بيت المقدس ، وناشراً أعلامه على مهد الإنسانية مقر المسيح ) .

وواضح من هذه العبارات أنها تعبر عن تحسر على انتشار الإسلام ، وهيمنته على بقاع الأرض .

ثم يقول ( ويحسب أنصاره وأشياعه في قارات الأرض القديمة بالملايين ، وقد انبعث منه شعبه في بلاد الصين ، فانتشر انتشاراً هائلا حتى ذهب البعض إلى القول بأن العشرين مليون من المسلمين الموجودين في الصين ،لا يلبثون أن يصيروا مئة مليون ، فيقوم الدعاء لله مقام الدعاء لساكيموني ، وليس هذا بالأمر الغريب ، فإنه لا يوجد مكان على سطح الأرض ، إلا واجتاز الإسلام فيه حدوده ، منتشرا في الآفاق ، فهو الدين الوحيد الذي أمكن انتحال الناس له زمراً ، وأفواجاً ، وهو الدين الوحيد ، الذي تفوق شدة التدين به ، كل ميل إلى اعتناق دين سواه ، ففي البقاع الأفريقية نرى المرابطين ، وقد أفرغوا على أبدانهم الحلل البيضاء ، ومبادئ السلوك في هذا الدنيا ، كما أن أمثالهم في القارة الأسيوية ، ينشرون بين الشعوب الصفر الألوان ، قواعد الدين الإسلامي ، ثم هو قائم الدعائم ، ثابت الأركان في أوروبا عينها ، أعني في الاستانة العلية حيث عجزت الشعوب المسيحية عن استئصال جرثومته ، من هذا الركن المنيع ، الذي يحكم منه على البحار الشرقية ، ويفصل الدول الغربية بعضها عن بعض شطرين ).

وبهذا يعلم السبب الذي دعاهم إلى إسقاط الخلافة .

ثم يقول : ( أن جميع المسلمين على سطح المعمورة تجمعهم رابطة واحدة بها يدبرون أعمالهم ، ويوجهون أفكارهم ، إلى الوجهة التي يبتغونها ، وهذه الرابطة تشبه السبب المتين ، الذي تتصل به أشياء تتحرك بحركته، وتسكن بسكونه ، ومتى اقتربوا من الكعبة ، من البيت الحرام ، من زمزم الذي ينبع منه الماء المقدس ، من الحجر الأسود ، المحاط بإطار من فضة، من الركن الذي يقولون عنه سرة العالم ، وحققوا لأنفسهم أمنيتهم العزيزة ـ التي استحثتهم على مبارحة بلادهم من أقصى مدائن العالم ، للفوز بجوار الخالق في بيته ، اشتعلت جذوة الحمية الدينية ، في أفئدتهم فتهافتوا على أداء الصلاة صفوفاً ، وتقدمهم الإمام مستفتحاً العبادة ، بقوله بسم الله ، فيعم السكوت والسكون ، وينتشران اجنحتهما على عشرات الآلاف في تلك الصفوف ، ويملأ الخشوع قلوبهم ، ثم يقولون بصوت واحد الله اكبر ثم تعلوا جباههم بعد ذلك قائلين الله أكبر ، بصوت خاشع ، يمثل معنى العبادة ) .

و لاتعجب من دقة هذا الوصف ، فإن هذا الرجل مستشرق ، والمستشرقون قرأوا القرآن وتعرفوا على شخصية الرسول صلي الله علية وسلم ، وعرفوا دعوته ، وعرفوا ماذا تعني الصلاة عند المسلمين .

ثم يقول هو الجزء الأهم في كلامه ( لاتظنوا أن هذا الإسلام الخارجي الذي تجمعه جامعة فكر واحد ، غريب عن إسلامنا في تونس والجزائر ، ( يقصد حيث نحتلهما ) لأنه وإن كانت البلاد الإسلامية هي دار حرب ، فإنها لا تزال عزيزة موقرة في قلب كل مسلم صحيح الإيمان ، والغضب لا زال يحوم حول قلوبهم كما تحوم الأسد حول قفص جلست فيه صغارها ، وربما كانت قضبان هذا القفص ليست متقاربة ، و لا بالدرجة من المتانة ، تمنعها عن الدخول عليهم ).

هذا الكلام الذي بنبئك عن منهج التفكير ، وزاوية الرؤية التي كانوا ينظرون بها إلى الاسلام ، قبل انتشارهم في أرجاء العالم الاسلامي غازين محتلين ، قد نشرته جريدة المؤيد في تمام القرن التاسع عشر (1317 هـ) وهو ترجمة لمقال كتبه ( هانوتو ) المستشرق الفرنسي والمستشار لوزارة الاستعمار الفرنسية ، يصف فيه المسلمين وعقيدتهم ، ويضع المقترحات الضرورية لتوجيه سياسة فرنسا في العام الإسلامي .

والمقصود من ذكره هنا ، بيان العقلية التي كان يفكر بها الغرب الصليبي ، تلك العقلية التي انطلق منهاالغزو الثقافي العلماني في البلاد الإسلامية .

بدايات الغزو العلماني على الامة الاسلامية :
ــــــــــــــــــــــــ
وقد جاءت العلمانية اللادينية عن طريق موجات متعاقبة ، كالجيش الذي يخرج منه صف ، إثر صف ، ويضرب البلاد الإسلامية ، فيتحطم بعضه ، وينجح بعضه الاخر ، في بعض الأحيان بصورة جزئية في التأثير على العالم الاسلامي.

وتارة يخرج فصيل من صفوف المسلمين ، فيلتحق بصفوف العلمانية ، ويلتف من وراء المسلمين ويضربهم من الخلف ، وهو صف المنافقين ، وقد كان الأعداء حريصين عليه ، لأنه بالغ التأثير في المسلمين كما سيأتي .

أما الموجة الأولى ، فتمثلت في حملة نابليون إلى مصر عام ( 1798 م) وقد وضعت شيئاً من جراثيم الغزو الفكري .
ثم احتلال فرنسا للجزائر (1830 م )
ثم احتلال بريطانيا لمصر (1882م)

ثم لما قُسّمت الولايات العثمانية بين الدولتين ( انجلترا وفرنسا) ، وأخذت إيطاليا نصيبها أيضا ، وصار الغرب الصليبي يدير شؤون العالم الاسلامي مباشرة ، وتحقق لهم الحلم الذي طالموا انتظروه ، كما ذكر المستشرق السابق، شرعوا في الغزو الثقافي للعالم الاسلامي ، منطلقين من هذا السؤال الكبير :

كيف نحول العقل الاسلامي إلى علماني :
ـــــــــــــــــــــ
نعم هذا هو الهدف الاكبر ، الذي يمثله السؤال التالي : كيف نحول هذه الشعوب الاسلامية ، إلى مثل شعوبنا ، إلى شعوبا تفكر بطريقتنا ، وتؤمن بثقافتنا .

وكان أخطر ما في الامر ، أن الغزو الصليبي هذه المرة ، جاء بمنهجية تختلف عن العقلية البربرية التي كانوا قد أتوا بها في الحروب الصليبية القديمة .

جاءوا بمنهجية هدفها النهائي هو : تغير العقل المسلم ، ليحمل الفكر العلماني الغربي ، ويتخلى عن إسلامه تدريجياً من غير أن يشعر ، منهجية بنيت على دراسات المستشرقين عن القرآن ، وعن حياة الرسول صلى الله علية وسلم وسنته ، وكيف يمكن إثارة الشبهات على أصول الاسلام ، لزعزعة ثقة المسلمين به .

وعلموا أنها رحلة طويلة جدا ، ولكنها مثمرة جدا ، لان تغيير العقل المسلم إلى عقل يفصل دينه عن حياته ، ويتبنى الفكر الغربي العلماني ، بدل ثقافته ، سيحقق نصرا كاسحا بلا حرب ، وهو نصر نهائي لاحرب بعده .

وقد نشطت الدوائر الاستعمارية العلمانية الغربية في وضع مخطط عام لفرض العلمانية اللادينية على العالم الاسلامي .

ولعل من المفيد أن أنقل هنا : ما ذكره واحد من أشهر دارسي الحضارة الإسلامية .

وهو المستشرق : " جب " ، فهو يقول : ( عن طريق المدارس العصرية والصحافة ، قد ترك في المسلمين من غير وعي أثر مهم ، جعلهم يبدون في مظهرهم العام لادينيين إلى حد بعيد ) .

ثم يقول ( الواقع أن الإسلام بوصفة عقيدة لم يفقد إلا قليلا من قوته ، وسلطانه ، لكن الإسلام بوصفه قوة مسيطرة على الحياة الإجتماعية ، قد فقد مكانته ، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانبه ) .

وجب هذا كان من أوائل من وطأت أقدامهم مصر إبان الاحتلال البريطاني ، وهو بهذا الكلام يوضح أن هدف إقصاء الإسلام عن التأثير في حياة المسلمين كان أهم خطط المحتل الصليبي الثقافية .

ثم يقول ( وهي في كثير من الأحيان – أي هذه المؤثرات – تتعارض مع تقاليد الإسلام ، وتعاليمه ، تعارضا صريحا ، ولكنها تشق طريقها بالرغم من ذلك ، إلى المجتمع الإسلامي في قوة وعزم ).

ثم يقول ( فالى عهد قريب لم يكن للمسلم من عامة الناس ، وللفلاح ، إتجاه سياسي ، ولم يكن له أدب إلا الأدب الديني ، ولم تكن له أعياد إلا ما جاء به الدين ، ولم يكن ينظر إلى العالم الخارجي إلا بمنظار الدين ، كان الدين هو كل شيئ بالقياس إليه ، أما الآن فقد أخذ بصره إلى ما وراء عالمه المحدود ، وتعددت ألوان نشاطاته التي لم تعد مرتبطا بالدين ، فقد أصبحت له ميوله السياسية ، وهو يقرأ بنفسه ، أو يقرا له غيره ، مقالات في مواضيع مختلفة الألوان لا صلة لها بالدين ، بل أحيانا إن وجهة نظر الدين لاتناقش على الإطلاق ، وأصبح الرجل من عامة المسلمين، مرتبط بالمجتمع الذي يحيا فيه بقوانين مدنية لا يعرف أصولها، ومصادرها ، ولكنه يعرف على كل حال ، أنها ليست مأخوذة من القرآن ، وبذلك لم تعد التعاليم الدينية القديمة صالحة لإمداده في حاجاته الروحية ، فضلاً عن حاجاته الاجتماعية ، وأخذت دائرة نفوذ الدين تضيق شيئا فشيئا حتى انحصرت في طقوس محدودة ).

ولعل هذا القول ، يوجز بوصف مطابق تماما ، لأحد أخطر أهداف الغزو الثقافي على العالم الاسلامي ، الذي حمله الغرب الصليبي ولازال .

هذا ومن أخطر الوسائل التي استعملها المستعمر لترويج العلمانية في العالم الغربي هي وسيلة عزل الدين باسم الدين ، أي من علماء الدين أنفسهم .

يقول " اللورد لويد" المندوب السامي في مصر :

( إن التعليم الوطني عندما قدم الإنجليز لمصر كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين ) .

وهو يعني هنا أن هذه هي العقبة الاساسية التي تقف في وجه غزو عقول المسلمين ، فالناس يحترمون هذه الجهة ، ويعتقدون أنها الجهة التي تملك حق توجيه عقولهم ، وحياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية بنور من ثقافة الاسلام.

يقول ( والتي كانت أساليبها الجافة القديمة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي ) .

ولننتبه أن الإصلاح الذي يقصده ، غير الإصلاح الذي يعنيه من يريد إصلاح الأزهر لأسباب أخرى ، فالاصلاح الذي يقصده ، هو فصل العلم الشرعي، عن الحياة وفصل علمائه عن التأثير فيها .

ثم يقول : ( وكان الطلبة الذين يتخرجون في هذه الجامعة ، يحملون قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني ، ولا يصيبون إلا قدراً ضئيلاً من مرونة التفكير والتقدير ) ويعني بكلمة ( يحملون غروراً ) هو أنهم يعتقدون أن العلم الشرعي الذي تلقوه فوق كل العلوم ويجب أن يكون ميزانا توزن به .

ثم يقول : ( فلو أمكن تطوير الازهر عن طريق حركة تنبعث من داخله هو ، لكانت خطوة جليلة الخطر ) .

فتأمل هذه النظرة الماكرة ، والتخطيط الخبيث .

وقارن مع قول : " روى بارت " احد مشهوري المستشرقين بقوله ( الهدف من التبشير إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام ) .

ومع قول " بروان " أحد المبشرين ( يجب أن نحول بالتبشير مجاري التفكير في الوحدة الإسلامية حتى تستطيع النصرانية أن تتغلغل في المسلمين ).

ولنعد الان إلى كلام : " اللورد كرومر" وهو يضع أول لبنات هذه الخطة .

فقد وجد بغيته للأسف في المفكر " محمد عبده " ، فإن هذا المفكر الخطير ، بدأ يقتنع بإنه لا بد من تغيير الثقافة الاسلامية لصالح الثقافة الغربية .

وقد أثنى كرومر على نشاط محمد عبده في تقريب الاسلام إلى الثقافة الغريبة العلمانية ، وعلى حركته في مصر التي أسماها إصلاحيه .

لكنه عاد فاستدرك قائلا : ( لكن لسوء الحظ ظل قسم كبير من المسلمين المحافظين و لاسيما في الهند لا يخضعون لهذه الحركات الإصلاحية المهدئة ، وينظرون إلى الحركة التي تزعمتها عليكره ( جامعة في الهند ) ، وإلى مدرسة محمد عبده نظرة كلها ريبة ، وسوء ظن ، لا تقل عن ريبتهم في الثقافة الأوروبية نفسها).

وقد صدق في قوله : حركات مهدئة ، لأن هذه الحركات المشبوهة ، هدفها أن تقول للمسلمين : لا تخافوا فإن هذا المد اللاديني العلماني، لا يخالف الاسلام.

و لاريب أن هذه تعد أعظم هدية تقدم للفكر العلماني .

ثم يقول كرومر : ( إنه يبدو للنظرة الاولى أن الجمهرة العظمى من المسلمين ، لم تتأثر بمؤثرات دينية أوربية ، ولكن ذلك ليس هو الحقيقة كلها .. إن الموزين الدينية والتعاليم الاخلاقية في الاسلام آخذه في التحول ، وأن هذا التحول يتجه نحو تقريبه من الموازين الغربية في الاخلاق ، في كل البلاد الإسلامية باستثناء جزيرة العرب) .

وهو يتكلم عن ذلك الزمان الذي لم تكن أقدامهم وطأت بعد الجزيرة العربية بشكل مؤثر ، وذلك لأنها لم تكن إذ ذاك ذات ثقل اقتصادي ، ولا ثقافي ، ولم يكن البترول قد اكتشف بعد .

وقد بدأ التأثير الفعلي القوي للغزو الثقافي العلماني على الجزيرة ، مع تنامي الصحوة الإسلامية ، وهو اليوم يشكل أكبر تحد ، وأخطر خطر يهدد الاسلام في الجزيرة العربية ، بعد استقرار الوجود الغربي الامريكي في الخليج ، ووضع القواعد العسكرية الامريكية فيه ، إلى أجل غير مسمى .

ثم يقول : (وأفغانستان) وأفغانستان معروفة باستعصائها على الغزو منذ القدم ، ثم يقول : (وبعض الأجزاء من أواسط أفريقيا )

وعندما كان كرومر يتحدث عن انتصارات العلمانية في الوطن الاسلامي ، ويتحسر على عدم قدرتها ، في ذلك الوقت ، لم يكن يتوقع أن يأتي اليوم الذي تنصب أمريكا حكومة أفغانية ، تأخذ على عاتقها ، أداء نفس الدور الذي قام به هو ـ أي كرومر وتلاميذه ـ في أفغانستان ، ذلك المعقل الذي طالما استعصى على الاجنبي ، ثم ها هو الآن هذا المعقل بين أيديهم يعبثون في دين هذا الشعب المسلم ، ويعيثون في اخلاقه فسادا .

وقد تبين بما ذكرنا ، أن أول محطة غزو انطلقت منها العلمانية ، هي مصر لانها كانت وقتئذ قلب الثقافة الاسلامية .

الغزو من داخل الحصن :
ـــــــــــــ
هذا ولم يكن هذا الفكر العلماني ليجد له ثغرة في ثقل الأمة في ذلك الوقت (مصر) ، حتى مهد له بأربعة قنابل ثقافية خطيرة، وهي كتب تهدف إلى زعزعة الثقة في الدين الإسلامي ، وأخطر ما فيها أنها كتبت من أبناء المسلمين أنفسهم وفق الخطة المرسومة التي اشرنا إليها سابقا .

الكتاب الأول : الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق:
ـــــــــــــــــــــــــــــ

وحاصل ما فيه أن الكاتب أراد إثبات أن الإسلام ليس فيه ، ما يدل على أن الحكم يجب أن يكون شرعيا دينيا ، والرسول نفسه لم يتول إدارة الدولة من الجهة الدينية أصلا ، لكن من الجهة الدنيوية المدنية .

كما أن خلفاءه أداروا الدولة كذلك لا من جهة الامتثال الديني ، بل من الناحية المدنية .

ثم زعم هذا الضال ، أنه بناء عل هذا الاستنتاج ، فإنه يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إلى القوانين الغربية، كما أن سقوط الخلافة لا ينبغي أن يفزعنا ، فإنه منصب دنيوية ، واستبداله بالنظم الغربية لا يتعارض مع الدين البتة .

وعلي عبد الرازق كان أحد علماء الأزهر، وقد سلطت آنذاك الأضواء على كتابه الخبيث هذا ، وتولت الصحف السياسية العلمانية الدعاية له .

ذلك أن هذه القضية ، قضية سقوط تحكيم الشرعية الإسلامية ، قضية مركزية وحساسة ومهمة لدى الغرب الصليبي ، وقد علموا أنه سيتبعها نقض عرى الإسلام عروة عروة في المجتمعات الاسلامية .

كما في الحديث (تنقض عرى الإسلام عروة عروة كلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة).

ولهذا فرح بهذا الكتاب العلمانيون فرحا عظيماً، ولازال هذا الكتاب هو الذي يعتمد عليه كل من يطعن في مبدأ تحكيم الشرعية الإسلامية في الدولة إلى يومنا هذا.

الكتاب الثاني : تحرير المرأة لقاسم أمين:
ــــــــــــــــــــــ

و قد كان الهدف من هذا الكتاب ، فتح ثغرة في الناحية الإجتماعية لدى المسلمين ، وهذه الثغرة في سور الأسرة ، وتحطيم هذا يكون من خلال إفساد المرأة ، الامر الذي كان يقصده قاسم أمين .

ذلك أن المرأة تغرس في الطفل أول المبادئ الإسلامية، فتعظيم الله والرسول والقرآن والشريعة ، وغرس الأخلاق الإسلامية من الحياء ، والعفة ، والطهارة ، إنما يكون في الاسرة الاسلامية .

ثم تبقى مغروسة في فطرته ، وتشكل الأساس الذي ينبني عليه بعد ذلك كل التعاليم الإسلامية، ولاريب أن التربية في فترة الطفولة الشديدة التأثر ، تكون عميقة إلى درجة يصعب معها إقتلاعها أو تمييعها، من هنا خططت العلمانية للقضاء على الصياغة الاسلامية للمراة المسلمة ، واستبدال ذلك بالصياغة الغربية الليبرالية المتفسخة .

الكتاب الثالث: الأدب الجاهلي لطه حسين:
ــــــــــــــــــــــ

وكان هدفه التشكيك في مصادر الثقافة الإسلامية برمتها، وذلك أن المستشرقين من الغربيين جاءوا بفكرة شيطانية هي أصل الخبث .

وهي أنهم يعتقدون أنهم توصلوا إلى أرقى المعايير العلمية، وأن جميع الدراسات الإنسانية ، يجب أن تخضع لهذه المعايير التي أتوا بها .

ولسان حالهم يقول : نحن أصحاب العلم الحقيقي ، وأما المسلمون فإن هذا الغرور بالقرآن والسنة، يجب أن يقضى عليه، ويجب أن نخضع القرآن لمعاييرنانحن كما يخضع كل شيء .

غير انهم رأوا أن يجب أن يقول هذا الكلام رجل من المسلمين أنفسهم ، فإنه أدعى لحصول الشك في ثقافتهم ، ووجدوا بغيتهم في طه حسين ، وقالوا : ليقل هذا الكلام طه حسين، عميد الأدب العربي، وطه حسين قلبه فرنسي، وشكله مصري ، وقد تزوج فرنسية .

وطه حسين عقله أوروبي غربي، وإن كان اسمه عربيا مسلما ، وسحنته مصرية أصيلة .

وقد ذكر في هذا الكتاب ، ما معناه ، أن القرآن قد يحدثنا عن قصص تاريخية ، مثل قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، لكن يبقى التحليل التاريخي ، ذو المعايير العلمية المنهجية الحديثة ، هو الحاكم على الوقوع بالفعل في ذلك الزمن أو عدمه.

وقد سلطت الأضواء أيضا على هذا الكتاب ، وبدأ ينتشر هذا الفكر الجريء على القرآن والسنة ، وقد قامت القيامة على طه حسين لتلفظه بهذا الكفر القبيح ، ورد عليه العلماء ، فخاف صيحة الحق ، وتراجع في الظاهر ، ولكن كتابه بقي يمثل غزوة شيطانية على الاسلام ، وقلده فيها كثير من المنافقين في ذلك الوقت ، ممن ذكرت بعض أسماءهم في رسالة ( اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو العلمانية اللادينية ) .

الكتاب الرابع : من هنا نبدأ لخالد محمد خالد:
ــــــــــــــــــــــــ

وإن كان قد تاب منه، لكنه مهد للفكر العلماني ، وتكلم فيه عن أشياء كثيرة قرر فيها المبادئ العلمانية سيما في الاقتصاد.

وبعد ذلك ، تتابعت المؤلفات ، والمؤسسات الصحفية ، ووسائل الاعلام ، والشخصيات العلمانية ، والنخب التي باعت ذممها للاجنبي ، تتابعت في قذف المجتمعات الاسلامية بالفكر العلماني ، تارة بالتشكيك بالاسلام ، وتارة بإلقاء اللوم على الثقافة الاسلامية في تخلف المسلمين ،وتارة بالمطالبة بتقليد أوربا في عزلها للدين ، وتارة يقال ذلك تصريحا ، وتارة تلويحا ، وتارة يلبس لباس الدين ممن يزعمون أنه مصلحون دينيون ، كمحمد عبده ، والكواكبي ، وجمال الدين الافغاني .

ثم قامت على الفكر العلماني ، بعد أن نجحت في الانتشار ، وومهد لها في المجتمعات الاسلامية من قبل أبناء هذه المجتمعات ، قامت عليها دول، فرضتها بالحديد والنار .

واستمع "للكار دينال برتي" يقول للبابا: (إن النصرانية في الشرق هي التي زرعت الحركات الثورية والحركات التغييرية وأن أسماء انطون سعادة ميشيل عفلق وجورج حبش قد تفسر لك ما أعنيه).

واستعملت النخب التي تتكلم بألسنتنا ، وتلبس جلودنا ، استعملت لفرض العلمانية كأمر واقع محتوم على المسلمين ، بعد تنصيبهم على كراسي الحكم ، ووكل إليهم ، حرب كل من يعادي العلمانية ويدعو إلى الإسلام ، بكل الوسائل ، بالتصفية الجسدية ، والنفي ، والتعذيب ، والمضايقة ، والطرد ، وبالحرب المعنوية الاعلامية ، بتسميتهــم إرهابيين ، ومتطرفين ، ورجعيين ، ومتخلفين ، … إلخ .

كانت هذه القصة التي تلوتها عليكم ، هي خلفيات الاحداث التي أفضت إلى ما نعايشه الان ، من حرب على الاسلام ، تلك كانت المقدمات ، وهاهي النتائج .

زعماء سياسيون على سدة أنظمة ترعى الوديعة الغربية ، وابنها اللقيط : العلمانية ، وتسعى بكل سبيل للحفاظ بكل أمانة على هذه الوديعة ، وفرضها على المسلمين .

وزعماء فكر ، يسعون في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين، من أمثال زكي نجيب محمود، فؤاد زكريا، فرج فوده ، نجيب محفوظ، وغيرهم منتشرون في بلاد المسلمين، تدعمهم المؤسسات العلمانية ، وبعض هؤلاء هلك ، ولكنه باض وفرخ تلاميذ مخلصين للمباديء العلمانية .

وهؤلاء اليوم يعظمون غاية التعظيم، وتقدمهم وسائل الاعلام ، على أنهم مفكرو الأمة ومثقفوها ، ومنظروها ، فأفسدوا فيها أيما إفساد ، وهم تفتح لهم الابواب ، وتعقد لهم المؤتمرات ، وتجعل في عهدتهم تخطيط المناهج الثقافية والدراسية في بلادنا الاسلامية فالله المستعان.

ولنضرب بعض الامثلة ، ليتبين للقاريء فداحة الخطر الذي يحمله هؤلاء المفكرون العلمانيون :

المثال الاول :
ـــــــ
زكي نجيب محمود ، أستاذ كل العلمانيين العرب ، وكبيرهم الذي علمهم السحر ، فإنه يقول ـ وكلامه هذا يعطيك فكرة عن طريقتهم في التفكير ، ونظرتهم إلى الثقافة عموما ـ يقول (إن هناك ثلاثة أفكار رئيسية تجاه الحضارة الغربية ، فكر يقول نرفضها رفضا باتا ، وفكر يقول نأخذها مثل البضاعة المستوردة).

ثم يذكر أن كليهما خطأ ، ويأتي بحل ثالث وتظنون أنه يختلف عن الثاني ؟!، يقول (نريد لنا حياة ثقافية تظل معها السحنة العربية (يعني أن يكون شكلك عربيا فقط) والمصرية بخاصة سليمة من الأذى ، (ماشاء الله ما هذا الكرم)، مع تعميق الثقافة الغربية لتشمل جوانب الحياة بأسرها، وأبناء الشعب جميعا ، في رؤيتهم العامة للدنيا وأهلها ، وأحداثها ، وبهذه الثقافة العلمية ، نكون أقدر على فهم ديننا).

إنا الله وإنا إليه راجعون، هذا الخبيث الذي هلك ، يريد أن يفهم الدين على وفق معايير الثقافة الغربية الكافرة، وهذا الضال قد مات ولكنه خلف من يبث مثل هذا الهراء .

والمثال الثاني :
ــــــــ
فؤاد زكريا الذي يقول إنه يقبل تطبيق الشريعة لكن بضمانات، وهذه الضمانات توفيرها يستوجب أن تكون حلول مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية داخل نطاق الحلول العلمانية، لأن الشريعة كما يقول شديدة العموميات، لنحولها إلى واقع عملي نحتاج تدخل بشري كبير جداً، إذن كأنه يريد أن يقول: (إن الشريعة الإسلامية مثل غيرها تحتاج إلى تدخل بشري فتصير من وضع البشر في المحصلة النهائية ، فلماذا الإصرار عليها )



وأما المثال الثالث :
ــــــــــ
فيمثل الوجه الاقبح للعلمانية : وهو مثل ضربه بجدارة ، نجيب محفوظ، وهذا الصنم ، قد اقترف مالم يقترفه غيره ، وتجرا على مالم يتجرأ عليه غيره من شياطين العلمانية .

وذلك في روايته الكافرة : (أولاد حارتنا) ، فهذه الرواية صورة واضحة لما يريده العلمانيون أن يحدث في الأمة ، فيما لو ترك لهم المجال فسيحا، ولذلك فإنه لمن الخطر العظيم ، أن يترك مثل هذا العبث في دين الإسلام ، يفلت دون عقاب .

وأستغفر الله تعالى عدد خلقه ، و زنة عرشه ، ومداد كلماته ، ورضا نفسه ، تعالى الله ، سبحان الله عما يصفون ، ثم استسمح القاريء عذرا ، أن أنقل بعض ما قاله هذا الشيطان الذي يدعى نجيب محفوظ ، ولا هو بنجيب ، ولا هو بمحفوظ ، وذلك ليتضح جليا ، ما الذي سيحدث في دين الاسلام في عقر دار الاسلام ، إن سمح للعلمانية أن تنتشر بلا مقاومة البتة .

فهذه الرواية ، أولاد حارتنا ، يقصد فيها المؤلف ، بأولاد حارتنا ، يقصد الله (تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً) والأنبياء والصحابـــة عند هذا الأفاك الأثيم.

وهذه بعض المقاطع من الرواية ، يقول : (كلما ضاق أحد بحاله أو ناء بظلم سوء معاملة أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة (يقصد الكعبة) .

من ناحيتها المتصلة بالصحراء (يقصد صحراء مكة) .

وقال في حسرة هذا بيت جدنا جميعنا من صلبه ونحن مستحقوا أوقافه (يقصد الله ـ تعالى الله) فلماذا نجوع وكيف نضام يقصد أن الله خلق الأرض لنعيش فيها).

ثم يقول (جدنا ـ يقصد الله ـ تعالى الله ـ هذا لغز من الألغاز، عمر فوق ما يطمع الإنسان أو يتصور .. حتى ضرب المثل بطول عمره واعتزل في بيته، لكبره .. منذ عهد بعيد فلم يره منذ اعتزاله أحد (تعالى الله عما يقول المجرمون علوا كبيرا) وكان يدعي الجبلاوي )

واختار هذا الاسم لأنه مشتق من جبل الخلق والله تعالى هو الذي جبل الخلق، تعالى الله علوا كبيرا.

ثم يقول (وباسمه سميت حارتنا وهو صاحب أوقافها وكل قائم فرق أرضها والأقطار المحيطة بها في الخلاء، وحارتنا أهل مصر أم الدنيا).

ثم يقول (أليس من الغريب أن يختفي هو (يعني الله تعالى ) في هذا البيت الكبير المغلق (يقصد الكعبة) وأن نعيش نحن في التراب؟ وبشروطه العشرة (يقصد الوصايا العشر التي جاء بها موسى عليه السلام) نشب النزاع في حارتنا منذ ولدت ومضى خطره يستفحل بتعاقب الأجيال حتى اليوم والغد) يقصد ان الدين هو سبب النزاع بين الناس.

ثم تمضي الرواية على هذا النحو ، يرمز فيها إلى الملائكة بأسماء البشر ، فعباس يقصد به عزرائيل ، وأما رضوان باسمه ، وأما جليل فيقصد به جبريل ، ويقول إنهم خدام جدنا الذين يقامرون فوق سطح البيت ، هكذا يكفر بكل وقاحة.

ثم يأتي دور الأنبياء فيرمز لآدم باسم أدهم ، ولإبليس باسم إدريس ، ثم يصور القصة كما يلي، يقول (اختار الجبلاوي أدهم دون إدريس ليدير أوقافه (أي يكون خليفة على الأرض) وإعترض إدريس ( إبليس) وانتفخ كالديك المزهو قائلا، إنني واخوتي أولاد هانم خير النساء (أنا خير منه خلقتني من نار) ، وأما هذا فابن جارية سوداء ( وخلقته من طين).

ثم يقول (أما هو جدنا ـ ويقصد الله تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيــرا ـ فقابع وراء الأسوار بلا قلب .. متمتعا بنعيم لا يخطر على بال ..).

ثم يأتي دور نبينا محمد r ، ليسخر منه هذا الخبيث الكذاب الأشر ، فيقول (ويناجي قاسم (يعني أبا القاسم) نفسه فيتسائل عن جدنا العظيم الجبلاوي (يعني الله ـ تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا ) هل لا يزال بعقله أم خرف؟ هل يذهب ويجئ أم أقعده الكبر هل يدري بما يقع من حوله أم عن كل شيء ذهل؟ هل يذكر أحفاده أم نسى نفسه؟ تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيـــــرا ـ سبحان الملك القدوس، سبحانك هذا بهتان عظيم.

ثم يقول (وأزداد قاسم اضطرابا ، ففطن صادق إلى حالة كشأنه دائماً ، فقدم إليه قدحا جديدا من الشراب ، ومازال به حتى أفرغه في جوفه ، حتى ثمل ، ـ حاشاه صل الله عليه وسلم وعلى الكاذبين اللعنة ـ وجلس قاسم بين حسن وصادق فحياهم قائلا لصبيه ، ياليلة الهنا ، جوزة دنجل، ياوله للجدعان).

ولا يخفي أن (صادق) هو أبو بكر الصديق و (حسن) هو أبو الحسن علي رضي الله عنهما، ثم تأتي القصة على هذا النحو ، يذكر فيها قصة الحجر الأسود ، وغار حراء ، وزواج النبي r من خديجة رضي الله عنها ، وسائر السيرة العطرة بأسلوب ساخر ، يصور فيه نبينا r بأبشع الصور ، مما لم يتجرأ عليه كثير من اليهود والمشركين.

ثم ماذا حدث ، لقد احتفي بهذا الكاتب الساقط ، ومؤلفه الوقح الكافر ، احتفي بمنح الكاتب جائزة نوبل العالمية للأداب .

والعجب أنه قد جاء في حيثيات منح الجائزة ما يلي :

(موضوع هذه الرواية الغير عادية أولاد حارتنا هو البحث الأزلي للإنسان عن القيم الروحية، فآدم ، وحواء ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وغيرهم من الأنبياء ، والرسل ، بالإضافة إلى العالم المحدث ، يظهرون في تخف طفيف )
(لاحظ دقة العبارة)

وعندما وجهت مجلة الشباب إلى الأستاذ نجيب محفوظ سؤالا هل هذه الرواية ليس لها علاقة اطلاقا بشخصيات الأنبياء أجاب قائلا (بالعكس تماما فهي ذات علاقة وثيقة).

ولهذا تقول الدكتورة منى أبو سنة (الأستاذة في جامعة عين شمس) الرواية تصور التأويل العلماني للرؤية الكونية الدينية ، من خلال الأدب ، برد ما هو أبدى (الله) إلى ما هو زمني ، بتصوير الله ويرمز له بشخصية الجبلاوي وأولاده الأنبياء ، موسى ، وعيسى ، ومحمد ، تصويرا بشريا في إطار علاقات طبقية ، اقتصادية ، وسياسية ، وهو وصف مطابق للرواية.

فهذه أحد صور الفكر العلماني ، صورة قبيحة جدا ، وهذا هو الذي يريده العلمانيون في بلادنا تحت شعار الحرية ، ولو فسح لهم المجال لرأيت العجب، ولكن الله دفع بالصحوة المباركية وكتابها ومفكريها وشبابها ولله الحمد.

وهؤلاء المفكرون الكبار في عيون أتباعهم ، الصغار عند الله والمؤمنين : زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، ونجيب محفوظ، وغيرهم ، تركوا أأفراخهم الصغار الذين نراهم يكتبون في الصحافة والإعلام ، وينافحون عن قضايا العلمانية، في الجامعات ، ومناهج التعليم ، والسياسة ، والإعلام ، ويتسترون أحيانا بالدين كما يفعل المنافقون .

والخلاصة أن من أراد أن يفهم واقعنا اليوم ، في صراعنا مع العلمانيين ، فهو على ضوء هذه الصور المتلاحقة عبر التاريخ ، فهذا الواقع ابن لذلك الماضي ، من نظرة الغرب للعالم الإسلامي، إلى سيطرتهم عليه، إلى اختراقهم للعقل العربي المسلم، إلى نفوذهم في مؤسساتنا حتى الدولة، إلى وجود من يحمل الفكر العلماني من أبناء المسلمين أنفسهم ويكافحون في سبيل تحقيقها.

ولولا هذه الصحوة المباركة التي بعثها الله، فدفع بها ما شاء ان يدفع عن دينه ، لكنا نرى من العلمانيين مالا يخطر على بال، أو يدور في خيال ، من الهجوم السافر على الدين ، والسعي لاستئصاله بكل سبيل .

والحق الذي لاريب فيه أن الله تعالى سيدحر العلمانية اللادينية من بلاد الاسلام ، وسيعود إليها نور الاسلام يشع إشعاعاً ، وترجع إليها رايات الحق تزحف تباعاً تباعاً ، وتُولِيّ العلمانية مدبرةً لاتبقي داراً ولا متاعاً .

وقد قلت فيهم اقتداء بحسان رضي الله عنه ، لما كان يهجو المشركين ، قصيدة هجاء قبل نحو خمس سنين ، وذلك لما تطاولوا على الله تعالى بالسخرية والاستهزاء ، ونشروا ذلك في صحفهم ، ونشرت القصيدة أيضا في الصحافة ، وقد ضاعت مني ، وأتذكر منها الآن هذه الابيات :

طلائعهم إلى الأمجاد تمضـي **** فترجع خائبات في ثوان
وإن تمضي إلى الخيبات جاءت *** بكل عجيبة في كـل آن
فحق القوم صفـع بالنعـال **** ويالَهَفِي فأين الهندوانـي
يحس القوم حسا في جهاد**** وزحف مثـل زحف الطالبان

ولهذا سميت هذه المقالة : الشهب الطالبانية الحارقة ، على العلمانية المارقة.

قال الحق سبحانه :
( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الارض ، أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور ) .

قال شيخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله تعالى : بعدما ذكر أقوال القائلين بجواز ترك اتباع شريعــــة محمد صلى الله عليه وسلم ـ وهو دين العلمانيين نفسه ـ لأحـــد من الناس :

( وَكُلُّ هَذِهِ الْمَقَالاتِ مِنْ أَعْظَمِ الجهالات وَالضَّلالاتِ ; بَلْ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ النِّفَاقِ والإلحاد وَالْكُفْرِ .

فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإسلام : أَنَّ رِسَالَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَمِيعِ النَّاسِ : عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; بَلْ عَامَّةُ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ والأنس ، ِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لأحَدِ مِنْ الْخَلائِقِ الْخُرُوجُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَملازَمَةِ مَا يَشْرَعُهُ لِأُمَّتِهِ مِنْ الدِّينِ ، وَمَا سَنَّهُ لَهُمْ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ بَلْ لَوْ كَانَ الأنْبِيَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ قَبْلَهُ أَحْيَاء ، ً لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُتَابَعَتُهُ وَمُطَاوَعَتُهُ .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ ; لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَن بِهِ وَلَيَنْصُرَنهُ وَأَمَرَهُ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ .

وَفِي سُنَنِ النسائي عَنْ جَابِرٍ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَرَقَةً مِنْ التَّوْرَاةِ فَقَالَ : أَمُتَهَوِّكُونَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلا اتِّبَاعِي) هَذَا أَوْ نَحْوُهُ - وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَلَفْظُهُ : { وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ } وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي داود قَالَ : { كَفَى بِقَوْمِ ضلالَةً أَنْ يَبْتَغُوا كِتَابًا غَيْرَ كِتَابِكُمْ . أُنْزِلَ عَلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ } وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ الآية .

بَلْ قَدْ ثَبَتَ بَلْ بالأحاديث الصَّحِيحَةِ { أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إذَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِشَرِيعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } فَإِذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَنَصْرُهُ عَلَى مَنْ يُدْرِكُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ . فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ ؟ بَلْ مِمَّا يُعْلَمُ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإسْلام ، ِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِمَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ ، أَنْ يَتَّبِعَ شَرِيعَةَ رَسُولٍ غَيْرِهِ كَمُوسَى وَعِيسَى .

فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَتِهِ إلَى شَرِيعَةِ رَسُول ، ٍ فَكَيْفَ بِالْخُرُوجِ عَنْهُ ، وَالرُّسُلِ ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم.

وَقَالَ تَعَالَى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ .

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ قَدْ دَخَلَ فِيمَا يَنْقُلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَنْ الأنبياء تَحْرِيفٌ وَتَبْدِيلٌ : كَانَ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ صِدْقٌ عَنْهُمْ آمَنَّا بِهِ ، وَمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ رَدَدْنَاه ، ُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ حَالَهُ لَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَلَمْ نُكَذِّبْه ، ُ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ ولا تكذبوهم . فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُونَكُمْ بِبَاطِلِ ، فَتُصَدِّقُوهُم ، ْ وَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقِّ فَتُكَذِّبُوهُمْ . وَقُولُوا : آمَنَّا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ ) انتهى

والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

 


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006