السلعبيديـّة !!

 

السلعبيديـّة !!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
قال (الشيخ ) أحمد الباقوري ( السلعبيدي ) في مؤتمر لتأييد الهالك السادات بعدما رجع من الكيان الصهيوني بعد خيبة ( كامب ديفيد ) : ( إنّ السلطان هو ظلّ الله في الأرض ، له حرمة ومهابـة ، فلايجوز المساس بالسلطان ، أو الإساءة إليه ، حتى إنّ بعض الفقهاء قالوا إذا كان السلطان يركب بغلة وذيل البغلة مقطوع ـ قطع الله لسان هذا السلعبيدي ـ فلا يجوز التهكـُّم على ذيل بغلة السلطان ، فكيف بالتهكّم بالسلطان ) !
 
ليس والله العجب من بلاء الأمة الإسلامية بهذه الأنظمة الطاغية المفسدة ، فهذا من أشراط الساعة التي أنبأها بها نبيُّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإنما العجب من طائفة (السلعبيدية ) ، وهو اسمٌ مركبٌ من (سل) الفتاوى لـ( تعبيد) البلاد ، والعباد ، لطواغيت الفسـاد $$$
 
عندما قسَّم العلامة الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه الخلافة أو الإمامة العظمى ، الذي نشره في مجلة المنار على ست حلقات ، قبل نحو قرن من الزمان ،  رداً على معارضي الخلافة الإسلامية ، الطوائف المثقفة في زمنه ، إزاء ما يجري على الأمة الإسلامية من هجمة إستعمارية ،
 
 قسمها إلى ثلاثة أقسام : المتفرجنة ( هم العلمانيون اليوم ) ، حشوية الفقهاء الجامدين ، ووصفهم بأنهم جميع علماء الدين وأكثر المقلدين لهم في ذلك الوقت ، وأنهم يتمنون أن تكون حكوماتهم إسلامية ، ولكنهم يعجزون عن ذلك بسبب الجمود على التقليد ، والثالث حزب الإصلاح الإسلامي ، ووصفهم بأنهم الذين يجمعون بين الفقه في الدين ، والقدرة على النهوض بالحضارة الإسلامية .
 
لم يخطر على بال الشيخ رشيد رضا ( السلعبيدية ) ! ولاريب أن هذه الأقسـام التي ذكرها هـي موجودة اليوم ، وإن كنـَّا نختلف مع الشيخ رضا في توصيف الثالث منها ، كمـا نزيد قسما رابعا ، وهو قسم (السلعبيدية) !
 
وهذه الطائفة لم تتبلور بهذا الزخم ، والكثرة ، إلاّ في زمننا هذا ، زمن إنحطاط الفتوى ، وهي من أشدّ المعاول هدما في الإسلام ، وحربا على عقيدته ، وتخريبا لحضارته ، ولاتعجب ، فقد ورد ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) رواه مسلم ، وعن عمر رضي الله عنه ( كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم اللسان ) .
 
وقد تحوّلوا إلى مطيّة لكل مشروع يستهدف الإسلام ، وأهله ، ونحن نحذر منهم من باب التحذير من أهل البدع ، ( ولتستبين سبيل المجرمين ) ، ولبيان الشر لتوقيه :
 
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقّيه ** ومن لايعرف الشر من الخير يقع فيه
 
وأشنع ما استلـُّوه من الفتاوى الإبليسية لإضلال الأمّة المحمدية ، على دركات:  
 
الذين ألبسوا الطواغيت لباس (ولاة الأمر) ،وخلعوا عليهم خلعة ( من عصا أميري فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ) ! ، وجعلوهم كمنزلة ( أمير المؤمنين ) في أمة المسلمين ، إذ كان (ولي الأمر ) اسم شرعي قرآني يوازي ( أمير المؤمنين ) ، فاستعبدوا العباد ، لأئمة الفساد ، فتحولت الأمة إلى قطعان من الرقيق ، موثوقـة بفتاوى (السلق) و(السليق ) .
 
ثم انحطـُّوا إلى درك أسفل فأفتى بعضهـم بإباحة الحكم بغير الشريعة ، ومن تشدّد منهم أفتى بأنَّ ذلك من الصغائر التي تكفـّرها الصلوات المكتوبات ! ـ مع أنَّ (أمير المؤمنين) أصلا لايصلي إلاّ في المناسبات وبغير وضوء بشرط وجود الكاميرات !  ـ  ولهذا تجدهم إذا هلك أحد الطواغيت الحاكمة بغير الشريعة ، و إرتاحت منه حتى دواب الأرض ،  يخطبون في مناقبه ، الخطب العصمـاء ، حتى يخيـَّل إليك أنه لم يعص الله طرفة عين ، وأنه فوق منزلة الصحابة ، ودون النبّوة ! هذا لسان مقالهم ، أما لسان حالهم فيرفعونهم حتّى على النبوّة ، على مذهب ابن عربي الزنديق الذي تعظمه الصوفية الزنديقية ، الذي جعل الولي فوق النبوة والرسالة ، فقال :
 
مقام النبوة في برزخ ** فويق الرسول ودون الولي!!
 
ثم إنحطـُّوا إلى درك أسفل فأفتوا بأنَّ الحاكم مهما كفر ، وأتى من النواقض للإسلام وفجـر ، وحارب الدين ، وأعان أعداء الأمة على المسلمين ، فهـو لايكفر مادام لايصرح بالجحـد ، والتكذيـب ، وأنه يحب هدم الدين لمجرد التخريب ،
 
 وقال بعضهم : إن كان الحامل له على موالاة الكافرين على المسلمين ، وتمكين الصليبين في بلاد المسلمين ، وتعطيل الشرع المبين ، هـو حبُّ الدنيا ، فهو من الموحـِّدين ! وتبقى له حقوق أمير المؤمنين ! قاتلك الله  ، وقطع لسانـك ، وهل كفر من كفـر إلاّ بسبب حبّ الدنيا ، وإيثارها على الآخرة !!
 
ثم أنحطـُّوا إلى درك أسفل فألبسوا تفرُّق الأمـة المحمدية إلى ممالك خاضعة للأجنبي ، وتمـزّقهـا إلى حدود مستعبدة للمستعمر الجديـد ، لباس الشريعة الإسلامية ، الداعية إلى توحيد الأمة المحمدية ، المحاربة لكلّ ما يفرقها ، المسمية كلِّ شعار يمزقها : الجاهلية ،
 
وخرج واحد من هؤلاء ( السلعبيديين ) في إحدى الفضائيات ، ينظـّر للـ(الوطنية العلمانية ) بحديث الرقية :  ( تربة أرضنا بريقة بعضنا يُشفى سقيمنا بإذن ربنا ) !! ، ولم يدر أنه هو السقيم الذي علاجه الدرّة العمرية ، فلو كان معنى ( تربة أرضنا ) الحدود السياسيـة ، لأقتصرت دلالة الحديـث على ( المواطنين ) ولخرج ( المقيمون ) بـ ( فيزا ) من دلالة الحديث ، أما الذين انتهت (فيزتهم ) فإقامتهم غير قانونية ، فلا يُدري ما تخريج السلعبيدية لهم ؟!!
 
والعجب المثير للسخرية أنّ هذه الحدود التي مزّقت وحدة الأمّـة ، إنما وضعها الكافر المعتدي ، ورسمها المستعمـر الردي ، ثم غدت الأمّة تتعصّب عليها ، وهـي لم يكن لها دخل في صنعـها !
 
 ثـم صدرت الفتاوى ( السلعبيدية ) بإعتبارها شرعية ، على أنّ ( حبّ هذا التفـرُّق من الإيمان ) ، والموت من أجل هذه الحدود شهادة ، وأما الذين يموتون في سبيل إعلاء كلمة الله ، يحاربون المشروع الصهيوصليبي فـي بلاد الإسـلام ، فهؤلاء ( خوارج ) و( إرهابيين ) !!
 
فالذي يموت من أجل ( حفنة تراب ) رسمها المستعمر شهيد ، والذي يموت في سبيل رب الأرباب (إرهابي) !
 
ثم انحطـُّوا إلى درك أسفل من هذا ، فـ ( طبـّلوا وزمروا ) لمؤتمرات حوار الأديان المشبوهة ، وهو يرون أنه لايحضرها أصلا إلاَّ من يرضى عنه الصهاينة ، والصليبيون ، ويحقق الهدف السياسي للغرب من تطويع الأمة لهيمنتهـم ، ولهذا لايُدعى إليها من اليهود المعارضون للكيان الصهيوني ، ولا من النصارى المشهورون بحربهـم للمشروع الأمريكي ، ولو أنك دعوت إلى مؤتمر يحضره أعداء الصهاينة ، ومعارضو السياسة الأميركية ، من غير المسلمين ، مع علماء المسلمين ،  فسيعلنون الحرب عليه ، ولن تجد دولة عربية تستقبله ،  حتى لو كان تحت شعار ( حوار الأديان ) !
 
وكم سمعنا من ( السلعبيدية ) في الفضائيـات العبـث بآيات القرآن ، وبنصوص السيرة ، وإنزالهـا على ما يرغب فيه الصهاينة ، ويرحّب به الصليبيون ، من تمهيد الأجواء للتطبيع مع العدوّ الصهيوني ، تحت خداع ( حوار الأديان ) !
 
ثم انحطـُّوا إلى درك أسفل من هذا : فأصدروا الفتاوى بأنَّ القواعد العسكرية الأجنبية في بلاد المسلمين ، والجيوش الصهيوصليبية الغازية لأصقــاع المؤمنـين ، إنما هـم ( المعاهـدون ) ، و( المستأمنون ) ، وإن قتلوا المسلمين ، وأحتلـُّوا أرضهم ، واغتصبوا نساءهـم ، وسرقوا ثرواتهم ، ومزّقوا المصاحف ، ونشروا الصلبان ، ورفعوا كلّ منافق ، وزنديـق ، وحاربوا كلّ مصلح ، وصديق .
 
ثم انحطـُّوا إلى درك أسفل فأفتـوا أنّ من يحارب الكفار المحتلّين ، دفاعا عن أعراض المسلمين ، هـم أشد ضرراً من المستعمرين !  ذلك أنَّ ( الخوارج ) ـ وهم يسمّون المجاهدين خوارج حتى قام أحدهم بعد خطبة الجمعة عندنا ، وقال إنَّ مجاهدي حماس خوارج لأنهم خرجوا على وليّ الأمر عباس دايتون ! ـ أضـرّ من الكافر الأصلي!
 
ثم إنحطـُّوا إلى أسفل سافلين ، الذي ليس بعـده أسفل إلاّ سجين ،! فأفتـى بعضهــم بأنّ القتال مع الكفار المحتلّـين ضد ( الخوارج ) من أفضل القربات في الديـن ! ، وقال بعضهم بالوجـوب إذا أمر (وليُّ الأمر) بمساعدة ( المعاهديـن ) على ( الخوارج والإرهابيين ) ، وأفتى أحدهم بالتجسس على مساجد المسلمين في أوربا لصالح ( الناتـو )   !
 
وهذه لأوّل مـرّة في التاريخ البشري كلَّه ، تصدر فتوى بوجوب القتال على أمّـة لتبقى في رقّ العبودية لأمـّة أخرى !!
 
نعم يمكن أن تصدر فتاوى ـ مضلّة ـ بترك قتال الإحتلال ، أو إلتماس العذر لمن يقترف جريمة مساعدة المحتـلّ ، لكن إيجاب القتال من أجل البقاء في رقّ الإستعباد ، فهذه حتى إبليس لعلـَّه لم يطمـع بها !
 
وبين هذا الركام من خبائث الفتاوى ( السلعبيدية ) ، تجد الفتوى بمحاربة النقاب ، قاتل الله مُفسيهـا ، وأرانا فيــه عجائب قدرته ، وقبلها أفتـى بأنّ لفرنسا أن تمنع الحجاب ، فخذل المسلمين ، خذله الله ، كما تجد الفتوى بإباحة الإختلاط في التعليـم ، وبإباحة الربا ، والفتوى بتحريم المقاطعة الإقتصادية إلاّ بإذن ( ولي الأمر ) !، و الفتوى بحريم الإنكار على السلطان ( ظل الله على العباد )  إلاّ في سرية أشد من سرية مراسلات الموساد !
 
وهلمّ جراً .. وكلُّها تصاغ بألفاظ الذل ، ومعاني الإنهـزام .
 
ولهـا ثلاثة أمـور تلزمها :
 
أحدها : أنها دائما فيما يرضي بغلة السلطان !
 
الثاني : أنها تأتي بعدما تقع المصيبة على المسلمين فتخرجها تخريجا شرعيا!
 
الثالث : أنها تضيف على الأمة الإسلامية مصيبة على كثرة مصائبها !
 
حتى صار عند هؤلاء لذيل بغلة السلطان من المهابة ، ما ليس لحرمة الدين ، ومقدسات المسلمـين !!
 
روى الدارمي عن عبدالرحمن بن شريح ، يحدث عن عميرة ، أنه سمعه يقول : ( أنّ رجلا قال لإبنه اذهب فاطلب العلم ، فخرج فغاب عنه ما غاب ، ثم جاءه فحدثه بأحاديث ، فقال له أبوه : يا بني أذهب فاطلب العلم ، فغاب عنه ما غاب أيضا زمانا ، ثم جاءه بقراطيس فيها كتب ، فقرأها عليه ، فقال له : هذا سواد في بياض ، اذهب فاطلب العلم ، فخرج عنه ، فغاب عنـه ما غاب ، ثم جاءه ، فقال لأبيه : سل عما بدالك ، فقال له أبوه : أرأيت لو أنك مررت برجل يمدحك ، ومررت برجل آخر يعيبك ، قال : إذاً لم ألـُمْ الذي يعيبني ، ولم أحمـد الذي يمدحني ،  قال : أريت لو مررت بصفيحة ، لاتدري أمن ذهب أو ورق ، فقال : إذاً لـم أهيجها ، ولم أقربها ، فقال أبوه : اذهب فقد علمت )
 
  إنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 30/10/2009