لو كان الأمر بيدِي ! |
|
لو كان الأمر بيدِي !
حامد بن عبدالله العلي
لو كان الأمر بيدي لأدرجت الصراع مع الصهاينة في جميع مناهج التعليم في بلادنا ، وقررت فيها الطريق إلى تحرير فلسطين وفق النهج الإسلامي ، وأنه يمـرُّ عبر إعادة وحدة الأمة معتزة بدينها.
ولجعلت مادة ، ( قضايا الأمّة والصراع الدولي في ضوء القرآن والسنة )، مادة أساسية في كلّ كليات الشريعة ، ومعاهد الخطابة ، وتتناول ثلاثة مباحث رئيسة : المكائد الغربية على الأمة الإسلامية ودور الصهاينة فيها ، رسالة الأمة الحضارية وكيف تقوم بها الأمـّة ، النظام السياسي الإسلامي والطريق إلى استعادة دوره الموحّد والناهض بالأمة ، ولو كنت مديرا لجامعة تدرّس الشريعة لوضعت في هذا العلـم مؤلفا ، ومعـه متن ، أو نظم ، ليحفظه الطلاب ، ذلك أنّ من أعـظم أسباب ظهور طائفتي : (السلعمانية) ، و(السلعبيدية ) ، هـو غياب فقـه هذا العلـم بين طلاب الشريعة ، حتى إنَّ أحدهـم ربما يتخرّج ، وهـو يمشي بين الناس كالأهبل لايدري ما الذي يجري حوله !
ومن الطرائف أنَّ سائلا سأل أحد هؤلاء عن موقف المسلمين في بلادهم ذات الصراع السياسي المحتدم ، من إحدى القضايا ، فقال له المفتي : تسمع وتطيع لولي أمركم ! فقال له السائل : إنّ حاكم بلدنا العربي يا شيخ ـ وفق الدستور ـ من دين غير الإسلام أصـلا ، فلم يصدقه ؟!! $$$
ولو كان الأمر بيدي لفرضت على القنوات الإسلامية بثّ ساعة يومية موحّدة عن فلسطين ، يُركّـز فيها على معاناة غزة ، ويُطلب من جميع الدعاة أن يكون لهم دور في تحريض المسلمين على فكّ حصارها ، وتثبيت أهلها على خيار المقاومة ، ولو جُعلت هذه الساعة بثّا مشتركاً مع قناة الأقصى المباركة فبها ، ونعمـت .
ولجعلت لقضية المسجد الأقصـى خصوصية أكبر ، وأبرزتها في جميع وسائل الإعلام الإسلامية ، بحيث تظهر على طرف الشاشة دائما ، حتى يتم تحريره .
وبهذه المناسبة أقترح على جميع الحركات الجهادية أن تبني لها منبراً ( رمزيا ) حقيقيا للأقصى ، وتُظهـر صورته على منابرها الإعلامية ، من طالبان إلى فلسطين ، مروراً بفصائل الجهاد في العراق ، لإبراز التنافس على تحريره ، وفي ذلك رسالة عظيمة تحيي في الأمّـة روح العزيمة على الإنتصار ، وترفع معنوياتـها ، وتوحّدهـا على أعظم قضاياها .
ولو كان الأمر بيدي لجعلت أكثر من نصف الإنفاق في العمل الخيري الإسلامي في تأسيس شبكة عملاقة من القنوات الفضائية الداعية إلى الإسلام بكلّ اللغات العالمية المشهورة ، مع أنّ هذا المشروع يتبنـّاه بعض الدعاة ، وأُخبـرت أنهـم يعانون من صعوبـة إقناع المحسنين بأنّ الإنفاق الخيري في هذا المشروع العمـلاق أفضل ، وأجدى ، وأعظم بركة على المسلمين من غيره ، لأنّ الناس إذا اهتدوا للإسلام ، أو أحينـاه في قلوبهم ، سيبنون مساجدهم ، ومعاهد القرآن ، من أموالهم ، وذلك خيـرٌ من أن نبني مساجد تكلّف الملايين وربمـا لايصلّي فيها إلاّ النزر اليسيـر .
وفائدة هذا المشروع ـ أيضا ـ أنه يكسر الطوق عن الحصار على الإسلام ، ويُعجـز اعداءه عن ملاحقــته ، ذلك أنّ الإسلام إذا انتشر في جميع الأرض بالإعلام الإسلامي بجميع اللغـات ، فسنوسّع ساحات إنبعاثه ، فربما يظهر فيه من الشعوب غير العربية من يقوم به إذ تخلّـى عنه العـرب ، قال الحق سبحانه ( وإن تتولوّا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) ، ولا ننسى كيف قام العثمانيون الأتراك بهذا الدين ، فملئوا الأرض من نوره ، ونشروا حضارته ، وحموا بيضته ، قرونا متطاولة .
ولو كان الأمر بيدي لوفـّرت من أموال العمل الخيري قسطاً وفيـراً ، لضخّ السلاح إلى غزة ، إستعدادا للمعركة القادمة التي يتوعـَّد بها الصهاينة إخواننا في حماس ، وبقية الفصائل المجاهدة .
ولوضعت مشروعا يتعاون فيه الجميع ، لإزالة القيود التي فرضها الغرب على العمل الخيري الإسلامي ، ليمنعهـا من نصرة قضايا المسلمين .
ولأعدت قضية إستقلال الشيشان إلى الواجهة مرة أخرى ، مع التأكيد على الإستفادة من الأخطاء التي أدّت إلى الفشل , فقد أصبح قديروف اليوم يسخـّر (الدعاة) لتثبيت حكم (بوتن) على الشيشان !!
ولو كان الأمر بيدي لجمعت العلماء ، والدعاة ، ونشطاء الصحوة ، في مؤتمر عام ، يؤخذ فيه الميثاق لنصرة الشعوب الإسلاميّة لاسيما في البلاد المحتلة ، وعلى رأسها فلسطين ـ وإن كره الطغاة ـ وتوضع فيه البرامج الدعوية ، التي تحلّ فيهـا مفاهيـم ثقافة العـزّة والمقاومة ، مكان ثقافة الإنهزام ، ونهج دعـم مشاريع النهضة والتغيير ، بدل مشاريع الخنوع للواقع ، وينبثق عن هذا المؤتمر ، تجمعٌ لعلماء ليس فيهم متشوّف لمنصب دنيوي ، ولا طامع في تزلـّف لسلطة ، ولا خائف من عصا سلطان ، تجمـّع يمـدّ الجسور إلى كلّ الحركات التي تقاوم الطغيان الغربي على العالم ، ويغطيها بشرعية الإفتاء ، وسلطانه الباهـر على القلـوب ، والعقول.
ولجعلت الحركة الجهادية تضع لنفسها دستـوراً يشبه دستور طالبان ، يضبط مسيرة الجهاد المباركة ، ويحـدد الثوابـت ، ويترك مساحة للإجتهاد الذي تعذر فيه الحركات الجهادية في المتغيرات ،
ليحميها من الغلـوّ ، والعبثيّة ، والفوضى ، والجهل ، وشتات الرأي ، والراية ، والصراع الداخلي ، وشطحات العجلة ، و(العنتريات ) في غير محلّهـا ، وحرق المراحـل بسذاجة سياسية مثيرة لشفقة المحبّ ، وسخرية العـدوّ ! مما حوّل بعضها إلى وقود يحرق في مشاريع أخرى من حيث لايشعرون !
ولو كان الأمر بيدي لأمرت بأن يُنشـر بين الحركات الجهادية ، كيفية الإستفادة من وسائل العصر ـ كما استفاد النبيُّ صلى الله عليه وسلم من وسائل عصره ـ في إدارة الصراع ، ومنها الوسائل الإعلامية ، والطرق السياسة العصرية ، كالمناورات السياسية ، وعقد التحالفات ، والإلتفاف على أهداف العدوّ سياسيا ، وكسب الرأي العام لصالح مشروع الجهاد ، وكيفية إدارة الأزمات ..إلخ ، فجهل هذه الوسائل في عصرنا ، تماما كجهل أنواع الأقواس ، أو كيفية حصار القلاع ، في الأزمنة الماضية ، فهـي مؤثرة جداً في واقعنا المعاصر .
ذلك أنَّ المطّلـع على بعض التجمّعات يجدها في ( عتمة أميّة سياسية ) قـد جعلتـها عرضة لإتخاذ خطوات عميـاء في إدارة الصـراع ، فصارت نتيجتـها أنها تحاصر نفسها بنفسهـا ، وربـّما تقضي على مشروعها ، وهي لاتدري ، أو تتحوّل إلى أداة بيد غيرها ، وذلك أدهى وأمـر .
ولو كان الأمر بيدي لجمعت الفصائل الجهادية في العراق ـ وغيره أيضا ، وقلت العراق لأنهّـا الأكثـر خلافا للأسف ـ لوضع ميثاق شرف يؤكـّد فيه الجميع على شعار ( كلّ البنادق نحو العدوّ ) ويغلب روح الأخوة الإسلامية ، ويطرد دعاة الشقاق ، ومؤجّجـي نار الخلافات ، وروح الفرقة ، بنشر المطاعن ، وتوزيع الإتهامات ، وتصيّد الأخطاء ، فذلك كلّه لايخرج إلاّ ممن لايبتغي وجه الله في الانتصار للأمّة ، بل همُّه منصـبُّ على نصر حزبه ، وجماعته ، فهـو يضـيق ذرعـاً بإنجازٍ لغير طائفـته ، وذلك هو داء الشحُّ الذي قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( أهلك الذين من قبلكم ) .
ولوكان الأمر بيدي لمنعت كلَّ من لايعرف بالتتلمذ على شيوخ العلم ، ويُعلـم كونه متأهلا للفتوى ، منزّهـا عن التزلـّف للحكومات ، متجرداً عن الطمع في المناصب ، أن يفتـي في قضايا الأمّة الإسلامية ، وأن يُضرب على يد العابثين بقيادة الرأي في الأمـّة ، حتى أسلموها لكلّ مفلس ، فضلا عن أشباح ( النيك نيم ) ! ، والمجاهيل في ظلمـة ( المناهيـل ) ..إلخ
ولجعلت لمنابـر العلوم الشرعية ، أوقافـاً تغنيها عن قيـود السلطات الفاسدة ، وتقوم هذه الأوقاف بأعباء إغناء العلماء عن الحاجة إلى أحـد ، حتى يتـمّ تحرير الفتـوى من أغلال الطغاة ، فقد أفسـدوا فيها أيمّـا إفساد .
ولوضعت في كلِّ قطر إسلامي مؤسسات معنية بالهجوم على مشاريع التغريب الثقافية ، وكشف زيفها ، بتأهيل الدعاة ، والمفكرين ، لذلك .
ومن آخر خبائثهم ما قاله خبيث في صحيفة الثقافة اليمنية عدد 503، يتهم فيه القرآن بالتحريف بمقال بعنوان ( أخطاء عمرها أربعة عشر قرنا ) !! ، وفي جميع البلاد العربية من هذه الحثالة ، شرذمة يتبنـّاها الغرب الصليبي ، وينفخ في هزالها الثقافي ، والأدبي ليفرضها على الساحة الثقافية بالقرارات السياسية ، والهيمنة الإعلامية ، وإن التصدّي لهم لمن أعظم الواجبات ، لاسيما أولئـك الذي ينشطون هذه الأيام ، في عقـر دار الوحي ، في جزيرة الإسلام ، من أحفاد مسيلمة الكذاب لعنهم الله .
ولو كان الأمر بيدي لجعلـت الحكـّام العرب في بيت أفقر أسرة في غـزّة ، وجمعت لهم أطفال غزة يلقون عليهم محاضرات عن الكرامة ، وعـزّة الإيمان ، وأهداف الأمّة الإسلامية ، ثم بعد ذلك خيرتهم بين أن يطبقوا هذه المحاضرات ، ويوحّدوا الأمـة لمواجهة تحدياتها ، أو يرحلوا ـ قاتلهم الله ـ عنـّا.
ولأعدت ترتيب البنوك الإسلامية ، وتنظيم تعاملاتها وفق الشريعة الإسلامية ،فقد دخل عليه كثير من الأخطاء ، والتخبّط ، والمعاملات غير الشرعية ، فأفقدتها رسالتها ، ومن أعظم أسباب ذلك ، أخذهـا الفتوى ممن يتقاضى راتبـه منها ، وكان الواجب أن تكون ثمة هيئة منفصلة تتقاضى راتبا من أوقاف مستقلة ، هي التي تفتي للبنوك الإسلامية !!
ولو كان الأمر بيدي لجعلت ( شافيز ) ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون ـ رئيسا للجامعة العربية ، ولو مؤقّـتا ، على الأقل حتى يتم إصلاح النظام العربي بالإسلام ، ثم لعله يسلم هذا البطل ، فيستمر في منصبه .
ولأمرت بتأليف كتاب ( شرايين مفتوحة ) جديد ، يحصي جرائم أمريكا ، وبريطانيا ، و الصهاينة في بلادنا منذ قـرن ـ بالتواطؤ مع خونة الزعماء العرب ـ وأمرت بتوزيعه نسخة مجانية لكلّ بيت مسلم من جاكرتا ، إلى نواكشـوط ، وشمالا إلى استانبول ، وجنوبا إلى عدن ، على حساب منظمة المؤتمر الإسلامي ، بدل هذه المؤتمرات التي تعقدها بلا فائدة ، وتنفق عليها الملايين !
ولو كان الأمر بيدي لأضفت إلى قناة ( صفا ) المباركة ، قنوات أخرى تفضـح الفكر الباطني السردابي القادم من طهران ، والمتآمر على أمّتنا ، الحالم ببناء إمبراطورية عنصرية باطنية على حطام حضارة الإسلام .
ولو كان الأمر بيدي لجمعت كلَّ القوى في اليمن في إتجاه إحباط مخطط الحوثيين ، وإفشال مشروع تقسيم اليمن ، ليس حبـَّا في نظام حكم عربي فاشل ، ولكن دفعا لأعظم شـرّ بتحمّل ما دونه .
وكذلك جعلت الأولوية لإفشال المخطط الإيراني على دول الخليج ، والبلاد العربية ،والإسلامية ، فشـرّ واقعنا المريـر ، أقـلّ من ذلك الشـرّ بكثيــر ، وتوحيد الجهـود لدحر المـدّ الصفوي ، مقـدّم على ما سواه .
ولتعـلم الأنظمة التي تريد مواجهة المشروع الصفوي الذي يرفع شعار أممي ، ويتجاوز حدود المستعمر برسالة حضارة ، تريـد مواجهـته بشعار الوطنية القزم ، والأحمق ، والفارغ ، أنهم إلى طريق الفشل سائرون ، والإيرانيون سيجرونهم إلى معارك مخطط لها ، لإستدراجهم إلى استنزاف يضعفهم ، ولايُستبعد دعمٌ خفي للغرب!
ولو كان الأمر بيدي لنشرت هذا المقال في كلّ مكان راجيا من الله ثوابه ، ولكن هذا البيان ، وعلى الله البلاغ ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/11/2009