الدين الذي يقاتلون من أجله

 

الدين الذي يقاتلون من أجله
حامد بن عبدالله العلي

في الأسبوع الماضي ذكرت في هذه الزاوية أن التخوف الأمريكي من تنامي حركات التغيير الإسلامي في وسط آسيا ، التقى مع تخوف مجموعة شنغهاي التي تضم الصين وروسيا وطاجكستان وأوزبكستان وقرقيزيا من تلك الحركات ، فاتفقوا على اقتلاع ( العرق الام ) في أفغانستان ، لانه المأوى و مصدر الإمداد المادي والإلهام المعنوي ، وقد يحول تلك المنطقة إلى قوة إسلامية دولية يوما من الأيام ، وترى روسيا والصين أنهما رابحتان على كل حال ، إن انتصرت أمريكا ، تحقق الغرض ، وإن غرقت في المستنقع فلا يخلو من مكسب ، بينما قلت في مقالات سابقة أن الغرب لا يؤمن سوى بما يسميه روجيه جارودي (وحدانية السوق) ، وليس له دين سواه ، مما يدل على أن الحرب الذي يخوضها التحالف الغربي في أفغانستان ليست حربا دينية ، وهذا صحيح أيضا ، ولاتعارض بين الأمرين ، وإليك أيها القارئ البيان .

ليس في الغرب الآن أيدلوجية سوى حب السيطرة والتحكم في كل شيء ، من أجل هدف واحد فقط هو زيادة الاستهلاك للوصول إلى اللذة ، ثم يتبع ذلك الإنتاج الذي يؤدي إلى زيادة أعلى في الاستهلاك فالإنتاج الأعلى وهكذا دواليك ( السلعة والمتعة ) هما كل شيء ، هذه هي جنتهم لاسواها ، واستحكمت هذه الثقافة الجديدة إلى درجة أن طمع الغرب بتصديرها إلى العالم كله ، فجاءت العولمة ، وهدفها ضمان تدفق رؤوس الأموال في الغرب إلى كل أسواق العالم ، وضمان تدفق المواد الخام إلى الغرب ، وهي نفس النزعة الاستعمارية المتأصلة التي تولدها تلقائيا الفكرة العلمانية نفسها ، لكنها بثوب عصري جديد ، والذين تحدثوا عن عسكرة العولمة لم يحيدوا عن الصواب ، فالغرب يريد فرض هذه الثقافة على العالم ـ إن صح تسميتها ( ثقافة ) ـ ولو بالقوة ، لانه الشيء الوحيد الذي يضمن استمرار ( السلعة والمتعة ) فهي جنته الوحيدة التي يؤمن بها ، جنة ليس فيها سوى إيمان بالحواس الخمس ، وبالدارونية التي تقول الأقوى يبقى ويسيطر والأضعف يستغل لمنافع النخب الأقوى .

وهذه العقلية الغربية هي المحرك الأساسي الذي يختفي وراء ستار النظام الدولي والعدل والتكافل والسلام العالمي وحقوق الشعوب ، هذه الشعارات التي تنطلي على بعض المثقفين في تفكير سطحي ساذج ، تخفي وراءها الأيدلوجية الوحيدة التي تتحكم في سياسة الغرب العالمية ، ( الاستهلاك والإنتاج والسلعة والمتعة ) ،والسوق العالمي يجب أن يكون واحد ،و يجب أن يفتح أمامنا ولو بالقوة ، والمسيطرون عليه هم الأقوى ، والضعيف إنما خلق ليستغله القوى .

وهذا هو البوق الذي ينفخ فيه الغرب حروبه ، وسيحارب كل من يقف أمامه ، لهذا أقول إنها ليست حربا دينية ، نعم ثمة منظمات دينية متطرفة تركب الموجة لاستغلالها لتعميق العداء والكراهية للإسلام ، لكن المحرك الأساسي هو الأول ، فإن سميناه دينا باعتبار أن الدين هو ما يخضع له الإنسان حتى لو كان هواه ، فهذا معنى آخر .

ومادام هذا النمط من التفكير الذي يهمش الناحية الروحية ، ويحول الإنسان إلى وظائف مادية ، يسيطر على الغرب ، فلن تتوقف حروفهم وإبادتهم لغيرهم ، لان دينهم هذا ، يبيح لهم كل شيء في سبيل الحصول على مصالحهم الخاصة ،وسينعدم العدل العالمي ، وتستمر الحروب ، ولن يتوقف الإرهاب إلا إذا حل العدل الإنساني محل بلاعة العولمة التي يراد لها أن (تعكسر) بضم التاء ، لتفرض الدارونية الغربية ، الأقوى يسيطر ، والمادة هي الإله ، واللذة المادية الدنيوية البحتة هي الجنة ، وأما قرآنها فهو البورصات العالمية والسيطرة والتحكم في مصادر الطاقة والثروة ، تحت ستار زائف من النظام الدولي والسلام العالمي وحوار الحضارات ‍‍‍!!


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 06/12/2006