|  إبليس في أنابوليس |   | 
 
حامد بن عبدالله العلي
 
من عجائب سياسة إبليس أنّه في كلّ مرّة في آخر المطاف يورد أولياءه موارد الهلكة بعد أن يغرّهـم بشتّى أشكال الخداع ، ومع ذلك في كلّ مرة يطيعونه إلى مهلكهم ! وكذا أورث أخلص تلامذته وعلى رأسهم ساسة البيت الأبيض هذه السياسـة  !
 
ترى كيف يذهب من يبحث عن حل للقضية الفلسطينية إلى محكمة إبليس اللعين نفسه ، في ميرلاند ، بعد أن طاف بهم في مؤتمرات لاتُعد ولاتحصى ، كانت القضية الفلسطينية بعد كلّ واحدة منها أشدّ بؤسا ، وأبخس حظّـا ، ثم هم في كلّ مرّة ، لايتوبون ، ولاهم يذكّـرون .
 
ومن الواضح أن الصهاينة الذين يجوِّعون غزة ، ويخنقونها ، ويستمرون في عمليات اقتحام مدن وقرى الضفة ، والقطاع ،  والاغتيالات السياسية ، ثم قرار مجلس الوزراء المصغر مؤخرًا باستئناف الحفريات في القدس ، ويسوقون الدول العربية الموالية لأمريكا للذهاب إلى أنابولس، لا يعنيهـم سوى الحصول على تنازلات رئيسة تحت ضغط إذكاء الصراع الداخلي ، والحصار ، وتخلي العرب عن الفلسطينيين $$$
 
وأما الأمريكيون فلايريدون  ـ مع الصهاينة ـ   سوى صناعة وهم سلام جديد ، يساعد على التفرغ لحشد جبهة عربية ضد إيران ، وحسم المشكلتين السورية  واللبنانية لصالحهم . 
 
لقد أعجبتهم هذه اللعبة التي تسمى ( إحياء عملية السلام ) ، وأحبّوها جدا ، وبما أنهم لايُعدمون في كلّ مرة العثور على لاعبين جدد ، من الخونة العرب ، داخل فلسطين ، وخارجها ـ وما أكثرهم ـ  منذ عقـود ، فلماذا لا تمارس نفس اللعبة ، كلَّما احتاجوها  ؟!
 
ولكـن .. هروبا من سآمة التكرار ، ثمة إضافة جديدة للعبة هذه المرة ، وهي ما عبرت عنه تسيبي ليفني عندما  قدمت في خطابها الأخير في مؤتمر إسرائيل ـ حلف الناتو : نظرية جديدة لتفسير الصراع العربي – الإسرائيلي تتضمن النقاط الآتية : 
 
إنّ الصراع الحقيقي في المنطقة ليس صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا حتى صراعاً بين العــرب واليهود، إنما هو في الحقيقــة صراع بين ( المعتدليــن)  و( المتطرفيــن ) ، 
 
وقالت :  ( إن السياسة الإسرائيلية يجب أن تكون سياسة مزدوجة، بحيث تقوم بمهمتين في وقت واحد:
 محاربة المتطرفين وعزلهم.
  تقوية المعتدلين وبناء جسور التفاهم والتعاون معهم) !!
 
ألم تلاحظوا ؟! ، هؤلاء المكرة ، يعملون على حذف القضايا الجوهرية بالصراع في فلسطين ، في مؤتمر أنابوليس ،
 
وكالعادة في كل مؤتمر مزعوم ،  الأطراف الحقيقية المعنية بالصراع ، والمشكلات الرئيسة ،  أمران غائبـان ، والمصطلحات السياسية الغامضة التي تحتمل أكثر من معنى وتفسيـر حاضرة !
 
 فهو مجـرد حلقة في سلسلة الخدعة اليهودية العالمية التي قطعت شوطا بعيدا في إعادة ترتيب المصطلحات السياسية ، والمفاهيم الفكرية ، إلـى مـا يلي : 
 
1ـ من يعارض أطماع المشروع الصهيوصليبي ، والهيمنة الصهيونية على حقوق الفلسطينيين ، فهـو إرهابي ، ومتطـرف ، غير وسطي ، معاد للعالم الحر ، والمجتمع الدولي ، يجب عزله ، في كلّ العالم العربي والإسلامي ، بل كلّ العالم.
 
2ـ من يوافق على هذا المشروع ، إلى دعم التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني ، هو المعتدل ، والوسطي ، والمحـب للسلام ، والمجتمع الدولي.
 
حتى لو كان المعارض سلطة منتخبة من الشعب ، وحائزة على السلطة بإرادة الأمة ـ كما في غزة ـ فهو شعب إرهابي ، ومتطرف ، ويجب عزله ، وقتله !!
 
وعلى الدول العربية أن تسير وفق هذه الخطة : 
 
أولا : تسعى في مواصلة الحـرب على شعوبها ، للقضاء على التطرف والإرهاب ، فهذه هي أهم أولولياتها في الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى .
 
ثانيا : مواصلـة دعم جهود الصهاينة في إبقاء هذه المعادلة الجديدة التي وضعها الصهاينة أطول مدة ممكنة ، وهـي كما يلـي : 
 
تحويل الكيان الصهيوني من حالة الهجوم عليه ، وإتهامه بالإرهاب الذي استمرت عقودا ،
 
 إلى وضع الكيان الصهيوني في حالة هجوم على العرب ، بإشغالهم بحرب إرهابهم خارج الكيان الصهيوني وحوله ، وداخـله بعزله وخنقه ومحاصرته !!
 
إنه تلبيس إبليس  نفسه ،  قبل وبعـد أنابوليس ! 
 
ولعل متعجبٌ يسأل :  كيف استطاعوا أن يعكسوا المعادلة بنجاح باهـر ، وأين كنـا ، وأين رجال الأمـة ، وقادتها ، ومفكـروها ..إلخ ؟!!
 
حتى إنه لايكاد يذكر اليوم حتى في منابر الجمعة ـ إلاّ قليلا ـ  أيّ شيء عن الإرهاب الصهيوصليبي ، وأشغلوا حتى العلماء ،والخطباء ، ووسائل الإعلام حتى الإسلاميّة منها، بإبقاء المعادلة الصهيونية السابقة كما يريدها الصهاينة !!
 
ولا إخال الجواب بقـي صعباً ، بعد أن صارت الأمـة ،  إلى أن تولـّى أمر الناس سفهاؤهم ، وقاد رأيهـم جهلاؤهم ، وتسلط عليهم أعداؤهم .
 
غير أنَّ هذه الأمّـة قـد تعودت على كمون آمالها في آلامها ، ومنحتها في محتها ،
 
ولهذا نجـدها تقذف من رحمها ، وسط هذا المكر من أعداءها ، أجيالا أعظم بصيرة ، وأشد صلابة ، وأمضى عزيمة ، وأقوى إصرارا وثباتا .
 
ومن تأمَّل رجال الجهـاد في فلسطين ، علم أن ليست وجوههـم وجـوه هزيمة ، ولا هاماتهـم هامات خنوع ، ولاجباههـم جبـاه ذل وهوان . 
 
وأنّ راياتهم ستـدكّ كلّ مكر إبليس وأبالسة اليهود والصليبيين ، وستسقطهم كما أسقطت شارون ، ومن قبله ، ولن يحصلوا من وراء كيدهم إلاّ على الخسران المبين.
 
وذلك وعد الله ،والله لايخلف الميعـاد :
 
(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون)   
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 02/11/2007