العلاقة بين تهويد القدس ومؤتمر نيويورك الذي سُمى (حوار الأديان)!

 

العلاقة بين تهويد القدس ومؤتمر نيويورك الذي سُمى (حوار الأديان)!
 
حامد بن عبدالله العلي
 
لا أدّعي علم الغيب ـ معاذ الله ـ  ولكن علَّمتنـا الأيام ، مع هؤلاء الحكام ، أنـَّه إذا كان ثمة ردح مـا عن (سلام) ، أو (حوار) ، أو (تسامح) ، أو شيء من هذا القبيل ـ أعني من التلاعب بهذه الشعارات ـ والطرف الآخـر هـم أعداء الأمة ، ومغتصبو حقوقها ، ومحتلو أرضها ، ومنتهكـو كرامتهــا ـ وليس الشعوب المسكينة التي لاتستحق الحوار عندهـم ! ـ أنَّ ذلك يعني أنَّ ثمـة مصيبة تجري ، يُراد الإلهاء عنها ، أو أنَّ ثمة كارثة ستقع وشيكا على رؤوسنا !
 
وأمَّـا هذا المؤتمر الأخير ، أعني مؤتمـر التطبيع مع الصهاينة ، مع ( الحاخام بيريـــز ) و( الراهبة عميلة الموساد السابقة ليفني ) في نيويورك الذي أطلق عليه زوُرا ( حوار الأديان ) ! .
 
 فالذي يقتـرن به ، هو تهـويد القدس $$$
 
هذا هـو المشروع الأخطر على أمتنا ، والذي هو أخطـر من إحتلال العراق ، وأفغانستـان ، وكلّ ما قبلهما ، إذ تهويد القدس ، وإعلانها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ، وهدم المسجد الأقصـى،  هو الهدف النهائي لكلِّ تلك الاحتلالات ، وجميع تلك المؤامـرات.
 
هذه هـي الكارثة العظمى التي تنصب عليـنا ، ويجري  هذه الأيام العمل فيها على قدم وساق ، وقد تضاعفت وتيرتها جدا في الآونـة الأخيـرة .
 
ووسائل الإعلام في غفلة شبـه تامّة عن حقيقتها ، وإنصـراف شبـه كامل عن خطورتها .
 
والمصيبة التي هي أعظـم منها ، هذه البلاهة من كثير من الذين يُسمُّون أنفسهـم علماء ، وتلك السذاجة من عدد لايستهان به من المفكرين الذين يسمُّون أنفسهم إسلاميين ، إذ هم صامـتون عن هذا المشروع الخطيـر جداً ، بينما هـم يصفقون ـ أو يغضُّون الطرف ـ للمشاريع المشبوهـة ، مثل (حوار الأديان) ، التي وضعت للتغطية على الهجوم على مقدسات الأمة بأسرها.
 
يحكى أن  دافيد بن غوريون أول من أعلن قيام الكيان الصهيوني ، قـد قام يبكي طويلا أمام حائط البراق ، عام 1967، ثم بعدما مسح دموعه النتنة ،  التفت إلى أحد الضباط وإلى رئيس البلدية ، فأمره أن يهدم حارةالمغاربة بكل ما فيها  من مساجد ، وبيوت ، وحارة الشرف ، وإقامة الحي اليهودي ، ببناء 2000 وحدة سكنية داخل البلدة القديمة .
 
من تلك اللحظة انطلق مشروع تهويد القدس ، ومن بن غوريون ، إلى أولمرت ، لم يتـوقف المشروع يوماً واحـداً .
 
ومما هو معلوم أنَّ مساحة القدس الشرقية ، لم تتغير منذ حرب 67 ، رغم تضاعف عدد السكان ، بينما تضاعفت مساحة القدس الغربية ، وليس وراء ذلك بلاريب سوى السعي الصهيوني الدؤوب لتهويد القدس القديمة ، بغية تكريس كونها عاصمة الصهاينة الأبديـة .
 
ثم منذ 1968م ، تزايدت مشاريع بناء مدن صغيرة صهيونية داخل الأحياء الفلسطينية، وكانت حصيلة هذه المشاريع مصادرة 35% من مساحة القدس ، أي ما يعادل 24 كيلومتر مربع من مساحة 72كيلو متر مربع من القدس الشرقية.
 
وكانت حركة الإستيطان قد بلغت ذروتها أثناء السنوات الأولى من أوسلو ، ومما جرى في تلك الأثناء ، حادثة النفق العام 1996م ، وإغلاق بيت الشرق ،
،
وقبل ذلك ، وقبل ما كان يطلق عليه مفاوضات الحل النهائي الذي كانت قـد قررت في مايو عام 1996م ، وبهدف تحقيق السيطرة الصهيونية التامة على كل حدود القدس الموحدة ،  وبالضبط في السابع عشر من كانون الثاني العام 1995 ، أعـلن الصهاينة عن خطة سنوية لبناء 15 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية ، وهي : بسغات زئيف، نافيه يعقوب، غيلو، وهار حوما- جبل أبو غنيم .
،
و13 ألف وحدة سكنية في مناطق القدس ، التي تقع خارج مناطق الضم للكيان الصهيوني :  في معاليةأدوميم ، وبيتا ، وجفعون ، وهارادار ،وإفرات  و3000 وحدة سكنية في مختلف مناطق الضفة الغربية .

،
وما حكاية عائلة الكرد التي تناقلتها وسائل الإعلام سوى انموذج واحد ، فبعد مرور أكثر من 50 عاماً على امتلاك هذه العائلة الفلسطينية  لهذا المنزل , قضت (المحكمة الإسرائيلية العليا) بطردهم منه لصالح منظمة للمستوطنين اليهود تسمـى (ناشلت شيمون) ، وهـي تزعـم أنها المالكة لتلك الأرض، الواقعة في حي الشيخ جراح ، أحد الأحياء الواقعة ضمن مخطط صهيوني ، يهدف إلى ضم أحياء عربية في القدس القديمة ، توطئة لتهويد القدس ، وجعلها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني.
،
وهذه المنظمة التي حصلت على هذا الحكم الجائر لمصلحتها, هي مؤسسة تابعـة لجمعيتين صهيونيتـين يمينيّتين متطرفتين هما : إلعاد ، والترت , وهما متخصصتان في اختلاق الذرائـع لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس .
،
وقد أثار هذا القرار الصهيوني الجائر الذعر في عائلات فلسطينية كثيرة ، تقطن في المناطق الإستراتيجية المتاخمـة لطريق صلاح الدين ، وهي مناطـق تعد بمثابة الشريان التجاري للقدس الشرقية ، يخشون من أن تقع الكارثة العظمى بمصادرة منازلهم أيضا.
،
وأمـَّا في جنوب المدينة القديمة ، أي في منطقة جيل المكبر ، فقـد قاربت مستوطنة نوفزيون على الانتهاء من العمل بها, ومن جهـة الشرق أي في حي رأس العامود , يجري توسيع مستوطنة معالي زايتيم .
،
ثــمَّ وبالتحديد في أراضي أبو ديس , يخطط المليار دير موسكو فينز بناء مستوطنة جديدة تدعى (كيدمان زون) لتتسع ل(400) عائلة.
،
هذه بعض اللمحات السريعة عن تطور مشروع تهويد القدس .
،
والحقيقة المؤلمـة  في هذه القضية البالغة الخطورة ،أنَّ ناشطين غربيين ،هـم أشد إهتمامـا بـها ، وتعاطفا مع حقوق الفلسطينيين ، من العرب أنفسهم ، ولنذكر من ذلك ثلاثة أمثلة :
،
فمثلا الناشط أروين سيمون يقول : "تهويد القدس يتواصل بوتيرة مرعبة ، دون أي اهتمام يذكر من قبل وسائل الإعلام الغربية".
،
وقال سيمون :  الذين زاروا القدس من الحملة أكدوا "وجود خطة محكمة لتصفية التراث والوجود العربيين من المدينة المقدسة".
،
 
وأما الناشط الحقوقي الفرنسي دنيس دورليان فصرح : " أن هناك قضما ترابيا متواصلا للمنطقة المحيطة بالحرم القدسي ، يتم عن طريق قيام السلطات الإسرائيلية بنزع ملكية عقارات الفلسطينيين ، وشراء تلك العقارات من قبل اليهود ، بعد دفع مالكيها إلى بيعها بشتى الطرق ".
، 
واستنكـر أحد الناشطين وهـو دورليان ـ  الزائر للقدس خمس مرات ـ بشدة ما سماه أساليب المحتلين الهادفة لترحيل عرب المدينة, موضّحا أن تلك  الأساليب تشمل "الاعتداءات الجسدية والإهانات اللفظية والاستفزازات ذات الطابع الديني" ، كلّ هذا نشرته قناة الجزيرة قبل نحو أسبوعين.
،
وآخر خبـر مفجع في هذه السلسلة من إبتلاع القدس ، بناء أكبر كنيس في العالم قرب المسجد الأقصى .
،
فقـد نشرت الجزيرة هذا الخبر قبل ثلاثة أيام : ( قال خبير المخطوطات في بيت الشرق بمدينة القدس المحتلة خليل التفكجي ، إن (إسرائيل) ستفتتح قريبا أكبر كنيس في العالم قرب الحرم القدسي، منوها إلى أن قبته توازي حجم قبة الصخرة المشرفة ما يهدد المسجد الأقصى بشكل غير مسبوق.
،
ولفت التفكجي إلى أن (إسرائيل) تسير بخطى ثابتة لتنفيذ مخطط تهويد المدينة المقدسة مع حلول العام 2020، حيث ستبلغ نسبة السكان العرب في ذلك التاريخ 12% فقط، واعتبر أن مصير القدس سيلحق بمصير الأندلس إذا استمر الصمت العربي على حاله) .
،،،،،
وبعـد :
ـ
فهكذا استـمر مشـروع تهويد القدس ،  يجري وراء مخططات إلهاء الأمة عنـه ، ويتم فيـه مصادرة الأراضي الفلسطينية في القدس، وتحقيق زحف منهجي لإبتلاع القدس كلِّها.
،
وهذا نداء لجميع الغيورين على كرامة هذه الأمة ، ومكانة مقدساتها ، من علماء ، ومفكرين ، وناشطين ، مؤسسات ، وأفرادا ، أن يهبّوا لوقف هذه المهزلة التي يقودها الصهاينة تحت شعار الحوارات الجوفاء ، وأن يعيدوا توجيه الأمة ، وتعبئتها ضد أعداءها ، ويكشفوا حقيقة ما يجري إعداده لهـا من المكر العظيم ، والكيد الخبيث.
،
وليكن أول الإنطلاقة هـو إعداد مؤتمر عام ، وضخم ، بزخم إعلامي كبير ، حول موضوع تهويد القدس .
،
 ويتم فيــه دعم خط الجهـاد الفلسطيني ، والفكر المقاوم ، والنهـج الذي يتصدي لمخططات الصهاينة لاسيما في القدس .
،
وذلك لإفشـال كلَّ محاولات صرف النظر عن مخططات الصهاينة الحقيقية، ولكشفهم على حقيقتهم ـ  وراء ابتسامات بيريز ، وليفني ، وبقية الصهاينة ، الزائفة ودعواتهم الكاذبة عن السلام والحوار ـ وإطلاع العالم على حقيقة نواياهم الخبيثة ، وأهدافهم العدوانية المريضة .
،
اللهم هذا البيان ، وعليك البلاغ ، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليه توكلنا ، فنعم المولى ونعم النصيــر .
 

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 14/11/2008