هنا إعترافات العميد اللبناني أديب العلم الذي تجسس لصالح الكيان الصهيوني

 

قبل نحو شهر من تاريخ اعتقاله، طلب العميد المتقاعد في الأمن العام اللبناني أديب العلم من مشغليه في «الموساد» أن يتوقف عن العمل لصالحهم بسبب التقدم في العمر(67 عاماً)، فطلبوا منه أن يأخذ إجازة لمدة ثلاثة أشهر على أن يفكر ملياً في الموضوع وأن يتلف ما بحوزته من مستندات ووثائق، إلا أنه وقبل أن يبدأ بهذه العملية وقبل أن تنقضي فترة الأشهر الثلاث وقع في قبضة الأجهزة الأمنية اللبنانية، وعندها وقع العلم في حيرة كبيرة متسائلاً كيف تمكنت الأجهزة من كشفه رغم أنه كان اتخذ كل الإحتياطات لعدم التمكن من كشفه وإلقاء القبض عليه، وهو لا يدري إذا كان الإسرائيليون قد سرّبوا معلومات بطريقة غير مباشرة أدت إلى إلقاء القبض عليه.
في العام 1994 كان أديب العلم ضابطاً في الأمن العام برتبة مقدّم ويعمل في دائرة مرفأ بيروت، فتوجّه يوماً إلى بلدته رميش (الجنوب) وكانت لا تزال ضمن منطقة الشريط الحدودي المحتل من إسرائيل، والتقى هناك بأحد أنسبائه ويدعى نقولا حبيب وكان عائداً لتوّه من إسرائيل. وفي أثناء تبادُل الأحاديث بين الرجلين، طلب حبيب بإلحاح من الضابط العلم مساعدته في جمع معلومات عن أماكن ومواقع الجيش السوري في لبنان تحت ستار تسهيل قيام صلح بين لبنان وإسرائيل. وبسبب «انزعاجه من الوجود السوري» كما يقول، وافق العلم على القيام بهذا العمل، واتفق مع المدعو نقولا حبيب على أن يقوم قريبهما جوزف العلم بنقل الرسائل بينهما من دون أن يطلع على مضمونها.
بدأ أديب العلم تجسسه بجمع وإرسال معلومات تتعلق بخريطة انتشار الجيش السوري في لبنان ومدى تأثير مخابراته في مطار بيروت الدولي وكيفية تعاطي الجنود السوريين مع المواطنين اللبنانيين عند الحواجز التي كانوا يقيمونها على الطرق، ومراقبة الرادارات السورية في منطقة ضهر البيدر إضافة إلى استطلاع بعض الأتوسترادات والطرق والجسور والمعابر الحدودية.
ويقول العلم إن الرسائل كانت تصله من نقولا حبيب عبر جوزف العلم وهي مُحكمة الإغلاق، وكان يتفادى فتحها أمام جوزف. إلا أنه وبعد الإطلاع على مضمونها وتنفيذه، كان يضع معلوماته في رسالة مُحكمة الإغلاق أيضاً ويسلّمها بدوره إلى جوزف الذي ينقلها إلى نقولا حبيب في «الشريط الحدودي». وقد استمر جوزف بعمله هذا حتى العام 1996 عندما زوّد الإسرائيليون أديب العلم بأجهزة إرسال وتلقي مموّهة في خزانة.
وقد دخل أديب العلم إسرائيل خمس مرات عن طريق عواصم أوروبية كـ روما وبروكسيل وأمستردام بتسهيلات من السفارات الإسرائيلية هناك، حيث كان يُزود بجواز سفر إسرائيلي يحمل إسماً عربياً، وكان يُستقبل لدى وصوله إلى تل أبيب من رجال «الموساد» الذين كانوا ينقلونه فوراً إلى أحد الفنادق ومن ثم كان يلتقي في كل مرة في أحد مراكز هذا الجهاز بثلاثة ضباط يُدعون غازي وأنطوني واميل، إضافة إلى خبراء يجهل أسماءهم ولكنهم متخصصون في الشؤون الإقتصادية والسياسية وقراءة الخرائط وفي تدريبه على الأجهزة التي تسلّمها ليعمل عليها.
في العام 1995 تدرب أديب العلم في إسرائيل على استخدام جهاز لاستلام وإرسال البرقيات والطابعة الملحقة به. وفي 1996 تسلّم هذا الجهاز مموّهاً بواسطة خزانة نقلتها من الشريط الحدودي إبنة نقولا حبيب، لينا، وسلّمتها له في منطقة حرش تابت (المتن) بعدما دفع لها مبلغ 300 دولار أميركي بناءً على طلب من والدها كثمن لهذه الخزانة.
وفي العام 2004 طوّر الإسرائيليون من وسائل التجسس الموجــودة لدى أديب العلــــم بعــــدما تدرّب مجدداً عليها داخل إسرائيل، وسلّموه في إحدى الليالي عند معبر العدسية كفركلا جهازاً جديداً يطلقون عليه اسم «جاريكان» وكاميرا فيديو وعلبة زيت للسيارات مموّهة لإخفاء أشرطة التسجيل المراد إرسالها إلى إسرائيل بداخلها.
وقد تسلم العلم في 2005 جهازاً جديداً لإرسال البرقيات وتلقّيها، وقد استلمه عنـــد شاطىء جبيل في مقابل المطعم الأزرق من غطاسين إسرائيليين. وفي 2008 تسلم في منطقة تقع بين يارين وعلما الشعب «جاريكان» جديداً مخصصاً لسورية.
و«الجاريكان» هو كلمة عبرية ترجمتها الجرة، وهو عبارة عن براد صغير يُستخدم لحفظ المياه الباردة في أثناء الرحلات. وقد موّه الموساد في غطائه جهازاً متطوراً لنقل الصور والقيام بمسح شامل للمناطق وتحديد إحداثيات العديد من المواقع والمنشآت، وأوجد تحت اسم ماركة هذا الجهاز مجموعة من الأزرار لتشغيله ووصله بالأقمار الصناعية.
ويقول العلم في اعترافاته إن الإسرائيليين كانوا يحدّدون له مواعيد الإتصال وفقاً لتوقيت غرينتش ثلاث مرات يومياً، وكان يرسل ما لديه من معلومات بعد مضي ساعة على تلقيه الإشارات الإسرائيلية، لافتاً إلى أن هذا الأمر كان يتم وفق أجهزة الإرسال القديمة التي كانت بحوزته. إلا أنه عندما زوّده الإسرائيليون بأجهزة إرسال واستقبال أكثر تطوراً، أصبحت الإتصالات بينهما مفتوحة، وارتفع عدد موجات البث من اثنتين إلى أربع، وكان يتم تبديل هذه الموجات سنوياَ، وكان العلم يستعين أحياناً بالهاتف الدولي لتحديد مواعيد وأماكن التسليم والتسلّم عند الحدود البرية أو عند شاطىء البحر أو لتزويد الإسرائيليين بمعلومة أمنية فورية، كما استخدم العلم أسماء مستعارة في اتصالاته، بينها «اميل» و«الدكتور».
قبل العام 2004 كان العلم يقوم بمسح شامل من دون تفصيل لمراكز عسكرية وأمنية سورية في لبنان، إلا أنه وبعد العام 2005 ومن خلال استخدامه للجاريكان، كان يصوّر الجسور والعبّارات وجدران الدعم في مختلف المناطق اللبنانية، قبل أن يوسع نشاطه نحو الأراضي السورية في العام 2008.
ويقول العلم: «كنت أركّز الجاريكان في مكان معين، وبعدما أضغط على زر التشغيل يقوم الجهاز بتصوير محيطه ويرسل إشارات إلى الأقمار الصناعية على ان أوضب في وقت لاحق شرائط التصوير لتسليمها مع الجاريكان إلى الإسرائيليين. وقد تم ذلك مرتين: الأولى في بلدة رأس المتن حيث وافاني أحد الأشخاص وكان ملثماً، والمرة الثانية عند شاطىء البحر في مدينة جبيل. أما المرة الثالثة فلم تحصل، لأن القوى الأمنية أوقفتني وضبطت الجاريكان في منزلي».
دخل العلم إلى الأراضي السورية أربع مرات، الأولى في العام 2004 والــــــثانية في 2005 ومرتان في العام 2008 في شهري يوليو وسيتمبر. ففي العام 2005 دخل الأراضـــي السورية برفقـــــة زوجته حيث أمضيا ثلاثة أيام لتـــنفيذ مهمة كلفه بها الإسرائيليون وكانت تقضي بنقل معلومات بواسطة الجاريكان وتصوير بعض الأماكن وذلك على مسافة خمـــــسة عشر كيلومتراً من دمشق وهي منطــــقة أوتوستــــراد عدرة إمتداداً إلى تدمر.
وفي العام 2008 نفذ مهمة أخرى في الأراضي السورية حيث توجّه نحو أتوستراد دمشق - حمص، ومن هناك إنعطف يميناً بعد مسافة 45 كيلومتراً باتجاه بلدة القريتين حيث قام بتصوير هذه المنطقة بواسطة الجاريكان وكاميرا الفيديو.
لم يتوقف نشاط أديب العلم التجسسي خلال حرب يوليو من العام 2006 فقد تم تكليفه من الإسرائيليين بتزويدهم بنسب نجاح التشويش الذي كانوا يقومون به تجاه تلفزيون «المنار» وإذاعة «النور» التابعيْن لـ «حزب الله» والتأكد من وصول النداءات الإسرائيلية باللغة العربية. كما كُلف مرة بالإنتقال إلى منطقة الأشرفية (بيروت) وتحديداً إلى محيط وزارة الخارجية للتأكد من عدم وجود أمر يشتبه به الإسرائيليون، وقد أفادهم بالنفي ولا سيما أن الطيران الإسرائيلي وكما يقول العلم كان سبق له أن قصف خطأً حفارتي مياه على مقربة من تلك المنطقة.
لم يناقش الإسرائيليون مع العلم في شكل لافت الأوضاع اللبنانية الداخلية ولا سيما مسألة الإغتيالات المتلاحقة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. ويقول العلم إنه منذ العام 2005 وحتى 2008 لم يغادر الأراضي اللبنانية لمقابلة الإسرائيليين «ولم أتلق خلال وجودي في لبنان أي أسئلة عبر الأجهزة لاستيضاح كيفية حصول هذه الجرائم». إلا أنه يروي انه سئل مرة واحدة عن رد فعل الناس على اغتيال الرئيس الحريري فأجاب ان اللبنانيين في معظمهم يحمّلون مسؤولية هذا الإغتيال للأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، لافتاً إلى أنه وخلال اجتماع مع الإسرائيليين قبل نحو عشرة أعوام سأله أحد الضباط عن صلة القربى التي تربطه بالضابط فرانسوا الحاج، فأجابه بأنه ابن شقيقته، وانتهى الحديث بهذا الشكل. إلا أنه وعلى إثر اغتيال الحاج تلقى العلم برقية تعزية من المخابرات الإسرائيلية عبر الجهاز الذي كان في منزله.
خلال فترة تعامله مع الإسرائيليين، كان العلم يزوّدهم سنوياً بما بين 10 إلى 15 خطاً خلوياً، إضافة إلى اثنتي عشر بطاقة إعادة تعبئة لكل خط، وكانت عمليات التسليم تتم أحياناً خارج لبنان وتحديداً في روما وأمستردام وبروكسيل وأحياناً أخرى عند الحدود الجنوبية في منطقة تقع بين بلدتي العديسة وكفركلا ومرة في بلدة يارين ومرة اخرى عند شاطىء مدينة جبيل مقابل مطعم الأزرق بواسطة غطاسين إسرائيليين. وكان الإسرائيليون يقومون بتلف هذه الخطوط في كل مرة بعدما يستلمون الخطوط والبطاقات الجديدة. وكان العلم في بداية الأمر يستحصل على هذه الخطوط من متاجر متخصصة مختلفة، إلا أن الإسرائيليين طلبوا منه بعد فترة وعلى نفقتهم فتح محل لبيع الأجهزة الخلوية في منطقة المنصورية، فنفّذ ما طُلب منه وتعرّف على تجار الخطوط وبطاقات إعادة التعبئة، فكانوا يؤمنون له الكميات المطلوبة من دون أن يسجل الخطوط على اسمه خصوصاً معتمداً أسلوب دفع خمسة أو عشرة دولارات زيادة على سعر كل خط من أجل غض النظر عن التسجيل وذلك تحت ستار انه يريد بيع هذه الخطوط لسياح عرب وأجانب.
ويقول العلم إن الإسرائيليين أبلغوه في بداية الأمر ان الخطوط الخلوية التي يطلبونها هي للبنانيين فرّوا إلى إسرائيل عقب الإنسحاب الإسرائيلي في العام 2000 ولكنه تبين للعلم أن هذه المقولة هي مجرد حجة وأن الهدف من هذه الخطوط هو استخدامها في أغراض أمنيّة يجهلها.
وطلبت المخابرات الإسرائيلية من أديب العلم فتح مكتب للخدمات وعلى نفقتهم أيضاً، وطلبوا منه في العامين 2000 و2001 نشر إعلان في صحيفة «السفير» اللبنانية عن حاجة شركة دولية لموظفين لبنانيين وسوريين على أن يرسلوا سيرهم الذاتية على صندوق بريد في بريد أنطلياس مسجل باسم مزوّر وهو حنا فؤاد سالم. ويقول العلم: «لقد تلقيت في حينه نحو 30 طلباً بينها 20 للبنانيين و10 لسوريين، فطلب مني الإسرائيليون إرسال السير الذاتية العائدة للسوريين فقط. وفي العام 2008 زودتُ الإسرائيليين بنحو خمسين من بطاقات هوية لبنانية وإخراجات قيد ورخص سوق وبطاقات عسكرية، لافتاً إلى أنّ الغاية من طلب هذه المستندات وتحديداً السورية هي محاولة تجنيد بعض أصحابها للعمل لصالحهم.
وبلغ المبلغ الإجمالي الذي تقاضاه أديب العلم طوال خمسة عشر عاماً من تعامله مع الإسرائيليين 120 ألف دولار أميركي فقط، قبضها على دفعات متفاوتة.
ويقول انه ارتكب خطأً وهو نادم على ما قام به، لافتاً إلى أنه استمر بهذا العمل خوفاً من قيام الإسرائيليين بتصفيته.

نقلا عن الرأي العام الكويتية 30مايو 2009م


التاريخ: 03/06/2009