خصائص التشريع الإسلامي ــ عالمية الإسلام في مواجهة عولمة المادية

 

خصائص التشريع الإسلامي
 
1ـ أنه تشريع رباني : نزل من الله تعالى ، وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم كما أنزل ، كما قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إ لاوحي يوحى ) ، وقال تعالــى ( وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) .
ولايوجد بين الناس تشريع محفوظ كما أنزله الله إلا التشريع الإسلامي .
 
2ـ أنه تشريع يوافق الفطرة الإنسانية كما قال تعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون ) ، فليس في التشريع الإسلامي ما يخالف الفطرة، بل الفطرة الانسانية السليمة تجد الشريعة الإسلامية منطبقة عليها ، منسجمة معها .
 
3ـ أنه تشريع صالح لكل زمان ومكان ، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ، خاتم الانبياء والرسل ، لأن الله تعالى أرسله للناس كافة بشريعة شاملة ،فلم تحتج البشرية إلى رسول بعده ، ولا إلى شريعة مكمّلة لشريعته ، قال تعالى ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) .
 
4ـ أنه تشريع يحقق جميع مصالح العباد ، ويحارب كل مظاهر الفساد ، كما قال تعالى ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) ، وقال تعالى ( اليوم أكلمت لكم دينكم وأتتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) ، وإنما تتم النعمة بتحقق جميع المصالح وحصول الصلاح ، والنهي عن جميع المفاسد ، ودفع الفساد  .
 
5ـ أنه تشريع قد رفع الله فيه الإصـر ،  والاغلال ، قال تعالى ( إنما يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) ، وقال تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ) ، ومن أمثلة هذا ، خفة التكاليف الإسلامية ، مع قلتها ، وفتح باب الرخص الشرعية لأهل الاعذار ، مثل قصر الصلاة وجمعها للمسافر ، والفطر في رمضان للمريض والمسافر أيضا ، وإسقاط الصلاة عن الحائض ، ورفع القلم عن المكره ، والناسي ، والصغير ،  والحرج عن المضطر .
 
6ـ الثبات في القواعد والمرونة في التطبيق ، فالشريعة الإسلامية مبنية على قواعد راسخة ، لاتتبدل ولا تتغير ، ويندرج تحتها أحكام ثابتة ، وأخرى مرنة قادرة على استيعاب تغيـّر الزمان والبيئات ، ومن الأمثلة على ذلك ، الأمر بالنفقة من سعة المنفق ، كما قال تعالى ( ولينفق ذو سعة من سعته ) ، فيختلف  تبعا لذلك مقدار النفقة على حسب يسار المنفق ، وكما جعلت الشريعة الإسلامية باب الوسائل التي تتحقق بها مقاصدها اجتهاديا ، لكي يتمكن العاملون بهذه الشريعة من تطبيقها في كل زمان ؟ وتكييفها على كلّ بيئة .
 
7ـ أنه تشريع أخلاقي ،يجعل الشريعة منطلقة من إصلاح أخلاق الإنسان ، وأنها قيم ثابتة مطلقة ، ذلك أن الأخلاق هي مصدر السلوك الإنساني ، ومبعث جميع أعمال الانسان ، ولهذا جعل العلماء  الدين كلّه ، مبنيـّا على مفهوم شكر المنعم ، وهو الله تعالى ، ولا ريب أن شكر المنعم موقف أخلاقي ، ولهذا وصف الله تعالى الدين بأنّه خلق عظيم ، قال تعالى ( وإنّك لعلى خلق عظيم ) ، أي على دين عظيم ، وفـــي الحديث ( إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق ) .
 
8ـ أنه تشريع يوفق بين الإيمان ، والعلم الدنيوي ، وإعمار الحياة الدنيا بما ينفع العباد  ، فالشريعة الإسلامية لا ،ولم يكن لها موقف قطّ ، مضادٌّ للتوسّع والاكتشاف في العلوم الدنيوية ، والاختراعات النافعة للبشرية ، بل جاء في القرآن الكريم ، الأمــر بسبر أغوار الأرض ، ومشاهــدة الكون ، والتفكـّـر في آيات الله تعالى المخلوقة ، برهانا على صدق الرسالة ، وربانية مصدرها .
 
ولهذا ازدهرت في الإسلام الاكتشافات النافعة ، والابداع العلمي الدنيوي ، حتى اخترع المكتشفون في رعاية الحضارة الإسلامية ، علوما لم تكن معروفة من قبل في تاريخ البشرية ، مثل علم الاجتماع الذي كان أول من اخترعه هــو ابن خلدون ، وعلم الجبر الذي اخترعه جابر بن حيان ،وعلم العروض من اللغويات الذي اخترعه الخليل بن أحمد ، وعلم البصريات الذي اخترعه ابن الهيثم ، وغيرها .
 
وأما تطويرهم لعلوم غيرهم فقد بلغ شأوا لايوصف ، وقد كتبت المستشرقة الالمانية زغريد هونكة ، في كتابها الذي أحدث ضجة في أوربا ، بعنوان : ( شمس العرب تشرق على الغرب )  إنجازات الحضارة الإسلامية الباهرة ، حتى جعلت علوم أوربا ،  إنما  بنيت على إنجازات الحضارة الإسلامية .
 
9ـ أنه تشريع يحوّل الحياة الإنسانية كلّها إلى عبادة لله تعالى ، فيحقّق بذلك غاية الوجود الإنساني ، قال تعالى ( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) وقال تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) ، فالشريعة الإلهية تصبغ حياة الإنسان كلّها بصبغة العبوديّة ، فيغمره الرضا ، ويمتلأ قلبه انشراحا ، وصدره نورا؟
 
10ـ أنه تشريع متميّز بذاته وهويّته ، نسيجٌ وحده ، لايقبل الاختلاط بغيره من التشريعات الوضعيّـة ، بل يترفّـع عنها ، ويجعل تسويتها به ، أو مزاحمتها له ، من الاخلال بالعقيدة الإسلامية ، واتباع الاهواء ، كما قال تعالى ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر باتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لايعلمون ) وقال تعالى ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) .
ـــــــ
عالمية الإسلام في مواجهة عولمة المادية
 
الاسلام قوة عالمية تمتلك كلّ مقومات الحضارة القادرة على قيادة العالم ، فبلاد الإسلام تملك الطاقة ، والثروة ،  والكثافة السكانية ، والامتداد الإقليمي ،  في أغنى بقع العالم ، وأكثرها تحكما في المواصلات الجوية ، والبحرية ، والبرية .
 
والحضارة الإسلامية تمتلك أغنى ثقافة إنسانية مصدرها رباني محفوظ ، قادرة على إخراج الإنسان من الظلمات إلى النور ، ومن الباطل إلى الحق ، ومن الضياع إلى الهدى ، ومن التخبط إلى الرشاد ، قال تعالى ( ، فمن اتبع هداي فلا يضل ولايشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى ) .
 
ولكن العالم الإسلامي ، بات يعاني من هجوم أجنبي ، غربي ، هدفــه :
 
 الحليولة دون عودة الإسلام حضارة قيادية للعالم ، ولهذا فهو يستهدف حضارتنـا ، على شتى المستويات ،  وذلك عن طريق :
 
1ـ التشكيك في ثوابت الحضارة الإسلامية ، في الرسول صلى الله عليه وسلم ، والقرآن ، والشريعة الإسلامية ، والتاريخ الإسلامي.
 
2ـ تمزيق العالم الإسلامي ، وتشجيع التباعد بين أقطاره ، وشعوبه ، بدعم الحروب الداخلية ،  والعنصريات البغيضة ، وتأجيج الأزمات فيه .
 
3ـ إبقاؤه في حالة تخلف إقتصادي ، وعسكري ، وإجتماعي ، وتكنلوجي ، وسياسي.
 
4ـ إشاعة الفساد الأخلاقي المتمثل في الإباحية ، والشذوذ ، والميوعة ،  عن طريق الاعلام المفسد ، الذي يقدم النماذج المهترئة للشباب المسلم .
 
5ـ منع القيادات الإسلامية الملتزمة ، والجادة ، والنهضوية ،  من تولي زمام الأمور في العالم الإسلامي ، على مستوى الأنظمة السياسية  ، وعلى مستوى التوجيه الثقافي ،  والفكري ، والحضاري.
 
6ـ غرس النماذج الثقافية ، والقيادية ،  التي تخدم المخطط الغربي ، في مواقع صنع القرار ، والقيادة الفكرية في العالم الإسلامي .
 
والعالم الغربي يجدد هذا الغزو الفكري ، و الشمولي ، اليــوم ،  تـحــت شعار العولمة ، التي تدعو إلى الماديـّة النفعيـّة التي تقدّس المال ، واللذّة فحســب ، ويقدم  هذا الدين الجديد ( العولمة )  على أنه البديل الحضاري العالمي ، الذي يجب أن يسود العالم .
 
فالعولمة في حقيقتها هي هوية بلا هوية ، وثقافة مفرغة من أيّ قيمة إنسانية تنفع البشرية ، فهي بإختصار تعبيد البشر للمادة ، فهي صنم العولة الأكبـر ، وأما محرابها الذي تدعو الناس إلى السجود فيه ،  وقبلتها التي تيمم وجوهــهم إليها ، فأسواق المال ، وأما شريعتها فهـي عبادة الحياة الدنيا ، والتنافس فيها ، كما يتنافس الحيوانات في شريعة الغاب ، وأصدق شيء في وصفها ما قاله الله تعالى : ( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لايهدي القوم الكافريــن ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس وإنتكس ، إن أعطي رضي ، وإن منع سخط ) .
 
فهذه العولمة الغربية تعست وانتكست ، وستقود العالم إلى الفوضى ، والدمار ، والصراع الحيواني على الملذّات ، والمنافع المادية ، ولهذا نجد الحروب ، والفقر ، و الدمار، قـد ازدادت وتيرتها ، وتضاعفـت ،  بعد إنطلاق العولمة التي يقودها الغرب .
 
ولا خلاص من مصير البشرية الأسود الذي ينتظرها إذا إنحدرت وراء العولمة الغربية ،  إلا بعالمية الإسلام الذي يدعو إلى :
 
1ـ غرس الإيمان بالله تعالى ، والآخرة ، في نفوس الناس ، فهو الوازع الأعظم الذي يعصم الإنسان من التحوّل إلى حالة البهيمية المدمرة للحضارة البشرية .
 
2ـ تقديم القيم الأخلاقية التي تقدس الإحسان ، والنفع الخيـّـر المتعدي ، على الجشع الرأسمالي المادي.
 
3ـ الجمع بين حاجات الجسد المباحة ، وحاجات الروح التي لاقوام للإنسان ، ولا سعادة ، ولافلاح ، إلا بهـــا .
 
مسؤولية الإسلام عالمية :
 
وقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور بالمسؤولية تجاه العالم ، عندما وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
 
وجعل عناوين هذا الدين الرئيسة هي :  الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ، ووصف أمته بأنها أمة الخير ، وما ذلك كلـّـه إلا لتحميلها مسؤولية قيادة البشرية ، و العالم ، إلى الهدى والنور ، إذ هي التي تحمل السلـم ، والأمن ، والإحسان ، والخير للعالــم .
 
ولهذا يجب على الأمة الإسلامية أن تسعى للقيام بدورها الحضاري العالمي عن طريـق :
 
1ـ العودة إلى شريعتها التي تحدد هويّتهــا ، وتشكّل ثقافتهـا ، وإلى تحكيمها في كلّ مناحي الحياة.
 
2ـ توحيد الأمـّة الإسلامية كلّها في نظام ينتظم جميع عوامل القوة والإستقلال ، ويحمل رسالتها العالمية في إطار حضاري شامـل ، يواجه مشكلات العصر ، ويحلها ،  بثوابته الهادية ،  بوسائل مكافئة عصرية.

التاريخ: 21/11/2012