ملخص رد فضيلة الشيخ عجيل النشمي على فتوى حاي الحاي بأن السيسي حاكم مصر الشرعي

 

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ حاي الحاي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
نشر لفضيلتكم في جريدة «الوطن» الأحد 26 صفر 1435 – 29 ديسمبر 2013 مقالاً ثم نشرتم تعديلا بعد يومين. والتعديل بشخصية أخرى والأولى خير من الثانية.
ـ الفتوى خلطت بين مجرم طاغية ثبت اجرامه بما لا ينكره مراقب عاقل، فقتل في شهر واحد ما لم يقتل في زمن من سبقه مجتمعاً في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك.
وقتلاه ليسوا من الاخوان المسلمين فحسب كما يريد الاعلام اظهاره والحقيقة ان القتلى من الشعب المصري هم الأكثر الأغلب، وقد بلغك ما بلغنا نبأ تجفيف منابع كل صوت للإسلام في مصر، فأغلق مئات الجمعيات الخيرية والدعوية وأكبرها الجمعية الشرعية ذات المنهج السلفي، وهي ترعى مئات الأسر والأرامل والأيتام، بل هي أكبر الجمعيات في هذا الشأن، وقد بلغ الكافة خبر اغلاق كل القنوات الإسلامية، كما غير وجهة وفلسفة الدستور من الوجهة الإسلامية التي عبر عنها فيه بمصطلح أهل السنة والجماعة، إلى الوجهة العلمانية، واختار لوضعه جمهرة العلمانيين، ولسنا بصدد تعداد ما فعل وهي معلومة للجميع، فرجل هذه فعلته تحت أي نص أو قاعدة فقهية أو أي اجتهاد يمكن اعتباره ولي أمر شرعي، بل هذا حقه ان يحاكم بوصف الحرابة.
 ـ قرر الفقهاء ان شرط صحة ولاية المتغلب ان يكون ممن تنطبق عليه شروط الخليفة أي في صلاحه وإقامة الشرع، - أو أنه ان تغلب اقام الشرع -، فهذا شرط نص عليه الأئمة الشافعي وأحمد بن حنبل وامام الحرمين وابن تيمية وابن خلدون وجملة من صنفوا في السياسة الشرعية، فهل يا ترى هذا الرجل جاء ليقيم راية الإسلام والشرع، أو حتى يعمل لتمكين دين الله، لا أشك ان كل ذي بصيرة يعلم يقيناً أنه انما جاء حرباً على الدين كله، وليست القضية حرباً على الاخوان المسلمين، لا.. الأمر قد تجاوزهم منذ اليوم الأول للانقلاب، بل ان الانقلاب يحمل مقصد تنحية الإسلام ومظاهره.
وقد اتفقت كلمة الفقهاء على ما نقله الإمام ابن تيمية عنهم حين قال: «فمتى صار الحاكم قادراً على سياستهم بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع اذا أمر بطاعة الله».
هذا وقد ذكر الامام الماوردي في الأحكام السلطانية سبعة شروط في الخليفة والأمير المستولي، أي المتغلب ليس شرط منها ينطبق على هذا الرجل سواء حكم مباشرة أو من وراء ستار، أذكرها مختصرة: 
-1 حفظ منصب الامامة في خلافة النبوة وتدبير أمور الملة.......
-2 ظهور الطاعة الدينية التي يزول معها حكم العناد فيه وينتفي بها اثم المباينة له.
-3 اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر ليكون للمسلمين يد على من سواهم.
-4 أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة والأحكام والأقضية نافذة فيها.
-5 أن يكون استيفاء الأموال الشرعية بحق تبرأ به ذمة مؤديها ويستبيحه آخذها.
-6 أن تكون الحدود مستوفاة بحق وقائمة على مستحق.
-7 أن يكون الأمير في حفظ الدين ورعاً عن محارم الله.
وظاهرأن ليس واحدا من هذه الشروط ينطبق على هذا الرجل كما أشرنا، ويحتمل هنا القياس في انطباق بعض هذه الشروط على من تولى الحكم بتوجه إسلامي يزمع تطبيق الشريعة شيئاً فشيئاً فيعطى الفرصة لذلك.
ـ ينظر الفقهاء في الحاكم المتغلب على من تغلب، فهل تغلب على ظالم معطل للشرع ليقيم هو الشرع والعدل؟! أو هو ظالم متغلب على ظالم؟! أو هو تغلب على حاكم عدل وشرع ليعطل الشرع والعدل؟! فمن أي هؤلاء يكون السيسي؟! لا أشك أنه ليس من الأولين، بل هو إلى الثالث أكثر قربا والشاهد هنا أنه وأمثاله حالة خاصة لم تكن مناطا عند فقهائنا.فالحال أنه تغلب على حاكم شرعي انتخبته الأمة أملا في ان يقيم العدل والشرع شيئا فشيئا ثم هو يحمل في شخصه توجهات إسلامية هي التي أوصلته إلى الرئاسة، ومن أجل هذه التوجهات اجتمع عليه أعداء الإسلام من جلدتنا ومن خارجها.وهذا ما يؤيد خطأ مناط الفتوى بأنه المتغلب الذي تكلم عنه الفقهاء.
ـ لم تحرر هذه الفتوى أمر الخروج على الحاكم، فتبين من خرج على من، هذا رجل خرج على من اختاره الشعب ثم هو بايعه وأعطاه موثقه، ثم غدر به، وتحرك بعسكره، وهذا في ميزان الشرع هو الباغي الخارجي الذي عناه الفقهاء في البغاة أو الخوارج وهو الذي ندرسه لطلبتنا في جامعاتنا، فهو الذي يجب ضرب عنقه كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع يريد ان يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوا عنقه».
ـ ان الفتوى بمآلاتها، فلا تصدر الفتوى دون النظر لمآلاتها ايجابية أو سلبية مصالح ومفاسد فمن مآلات هذه الفتوى:
-1 تشجيع حكم العسكر وتمكينهم من رقاب الأمة، وما أخر الأمة الإسلامية وسلب خيراتها وشرد علماءها، وجعلها في أرذل الأمم الا العسكر، منذ نحو ستين سنة وبهذا الفقه ستستمر الأمة في خنوع وذل لهم.
-2 مآلها إلى القول حتماً ان القذافي الذي دمر ليبيا، وحذف السنة من مصادر التشريع، بل حرف كتاب الله، هو ولي أمر شرعي، تجب طاعته ومن خرج عليه فهم الخوارج، ومثله بن علي، بل الشذوذ الظاهر هنا طاغية الشام بشار ولي أمر تجب طاعته، والخارجون عليه آثمون على الرغم من ما قتل من زهاء مائة ألف مسلم، وهو نصيري، وقد تواتر تكفير العلماء للنصيرية حتى قال الامام ابن تيمية: «النصيرية أشد كفراً من اليهود والنصارى» واجماع الفقهاء بحرمة تولية الكافر على المسلم.
-3 ومن مآلاتها وهي أشدها ان هذا الفقه المخالف لمنهج السلف نصا وواقعا لو انتشر في الأمة - لا قدر الله -، فلن تقوم للمسلمين قائمة، فكل متغلب طاغية يعطي البيعة والطاعة، فاذا خرج عليه متغلب أظلم منه أعطى السمع والطاعة، وهكذا يتوالى على الأمة المتغلبون الظلمة، وهكذا نسلم قيادنا من ظالم إلى أظلم، ويعطل شرع ربنا ونطيع ونسمع، وأهل الصلاح والدين مسدودة أمامهم الطرق، فلا النصيحة تسمع عند هؤلاء الطغاة، ولا المظاهرات فهي من أشد المحرمات - عندكم - أظن ان إسلامنا وفقهنا أعلى وأسمى من هذا الفقه بكثير بل ليس هو فقه أهل السنة والجماعة، وأين هذا الفقه من فقه السلف في النصح بل والاغلاظ للحاكم ان استدعى الأمر مع أنه حاكم شرعي، هكذا كان موقف الأئمة الأعلام منهم: الحسن البصري من يزيد، والأوزاعي من عبدالله بن علي العباسي، وسعيد بن جبير وحطيط الزيات من الحجاج بن يوسف الثقفي، وسفيان الثوري من أبي جعفر المنصور، والعزبن عبدالسلام من الملك اسماعيل، هؤلاء وغيرهم كثيرجدا وقفوا تجاه الحكام حتى ان منهم من اعتلى المنبر يوم الجمعة، وشد على الحاكم علنا وقطع الدعاء له.ولا يخفاكم المظاهرة الحاشدة التي قادها الامام ابن تيمية فيما ذكره محب الدين الخطيب في دراسته لحياة شيخ الإسلام «قال فسمع الناس ان الشيخ يخرج - لقمع بدعة -، فاجتمع معنا خلق كثير «حتى غيروا المنكر.ولا ينكر أحد من المؤرخين ما ذكر ابن الجوزي أبو الفرج في كتابه المنتظم من خروج الدعاة والقراء إلى دار الخلافة ينكرون على من شتم الصحابة وقد أضرب أصحاب الدكاكين فأغلقوا محلاتهم، وساروا في هذا الحشد.وكذا علم اجتماع علماء الحنابلة وبعض الشافعية ورفعوا مطالبهم لأمير المؤمنين بقلع المواخير وبائعي النبيذ وغير ذلك من المنكرات فاستجاب لهم.وليس موضوع المظاهرات يعنيني بقدر الاستدلال على مواقف العلماء وعلى الخصوص علماء السلف رحمهم الله.
-4 ومن مآلاتها أنها تورث لدى طلبة العلم والعامة أيضاً اضطراباً حين يقرأون أحاديث تعرض هذه الاتجاهات في طاعة المتغلب طاعة مطلقة دون تقييدها بشرط سوى التغلب.وأحاديث تشترط تطبيق الشرع، ومن هذه الأحاديث: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، ومن بايع اماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع، فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر «وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل» وقوله صلى الله عليه وسلم: «ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب من عنده» وقال الامام أحمد: الجهاد باليد مشروع للقادر مالم يكن بالسيف، وقال صلوات الله وسلامه عليه «ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا» وفي رواية: «أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، الا ان تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبدالله: «وسيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى امام جائر فأمره ونهاه فقتله «
فهذه الأحاديث سواء التي أطلقت الطاعة لولي الأمر، أو التي أجازت مناصحته والانكار عليه، والأخذ على يده ان كان ظالماً وغير ذلك، كله محمول على ولي أمر يطبق الشرع، ولكن قد يشوب حكمه ظلم أو جور أو فسوق، والحاكم المتغلب كذلك لا يقر على حكمه ويعطى البيعة والسمع والطاعة ما لم يطبق شرع الله بل ويجاهد لنشر الدين، أو يتغلب على ظالم لا يطبق شرع الله ليطبقه هو، والواقع والعقل والشرع يؤكد ان هذا الرجل وحزبه من العسكر وفلول النظام السابق لم يتغلبوا لاقامة شرع الله، بل على العكس لما رأوا بوادر العودة للشرع من الحاكم المنتخب، قاموا بانقلابهم.
وهنا يأتي السؤال الهام: اذا لم يكن السيسي وأمثاله الحاكم المتغلب الذي قرر الفقهاء شرعية حكمه فما التكييف الفقهي له وأمثاله أو ما هو الموقف الشرعي منه اذا لم نعتبره حاكما متغلبا شرعياً.
هذا ما نوهت به ابتداء من ذكر حاجة الموضوع إلى فقه دقيق أو اجتهاد من أهله.فالذي يظهر ابتداء ان هذا وأمثاله يجب شرعا العمل على عدم وصوله وتمكنه من السلطة، فيبين أهل الرأي في المجتمع وعلى الخصوص وجوب ان يبين الفقهاء للعامة ولغيرهم عدم جواز دعمه وأمثاله في مثل انتخاب ونحوه، وما يجري اليوم في مصر من مدافعة ورفض لترشيح السيسي ومن على شاكلته من قادة العسكر وغيرهم والمطالبة بعودة الشرعية هو المطلوب الواجب شرعا حتى لا يتمكن من السلطة وتستقر له الأمور فتعود سلطة العسكر الظالمة إلى حكم مصر.

التاريخ: 05/01/2014