كيف الرد على دعوى هذا النصراني أن الإسلام يهدر دم القتيل؟

 

السؤال:

 كيف الرد على دعوى هذا النصراني أن الإسلام يهدر دم القتيل؟

*****************


جواب الشيخ:

 الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، واشهد أن المسيح عيسى بن مريم عبدالله ورسوله ، أرسله الله تعالى مصدقا لما بين يديه من الرسل ، داعيا إلى التوحيد ، والبراءة من الشرك ، ومبشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم .
أما بعد :

أولا : ليعلم القارئ الكريم أن هؤلاء النصارى الحاقدين يبحثون في شريعة الإسلام ، ثم عندما لا يجدون فيها ما يعيب ، ينتقلون إلى كلام المجتهدين والعلماء ، فيجدون بعض الأخطاء في الاجتهاد ، فيفرحون بهذا الأمر ، ويظنّون أنهم بذلك وجدوا عيبا في دين الإسلام الذي بشّـر به عيسى عليه السلام ، وأكمل الله تعالى به رسالة كل النبييّن الكرام .

وقبل أن نرد على ما ذكر هنا من اتهام الإسلام مما هو منه براء ، ننقل أولا بعض ما في الذي يسمونه ( الكتاب المقدس ) ـ وهو مما حرفوه وغيروه من التوراة والإنجيل ـ من نصوص تشيب لها الولدان ، مما يجعل القارئ يتعجب كيف لا يستحي من يبشّر بهذا الذي يسمونه الكتاب المقدس ، كيف لا يستحي أن ينقل من تراث المسلمين ، وليس من القرآن أو السنة الصحيحة ، ما يظن أنه يعيبهم دينهم ، بينما يرى في كتابه مثل هذه النصوص الفاضحة ... وإليكم بعض الأمثلة :

* في سفر اللاويين 25ـ 46 : ( وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك ، وتستعبدونهم إلى الدهر ، وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف ) .

فتأمل كيف أنهم حرموا العنف بينهم فقط ، بينما في شريعة الإســلام يقول الحديث : ( ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه،فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود والبيهقي من حديث صفوان بن سليم رضي الله عنه ، ويقول الحديث : (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، و إن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري من حديث ابن عمرو رضي الله عنه .


* في سفر الأعداد 31: 17ـ 18 ( فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال ، وكل أمرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها ، ولكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات ) .

فتأمل هذه الدعوة إلى قتل الأطفال والنساء ، إلا العذراوات فقط للاستمتاع !!


* ( وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منهم نسمة ) سفر التثنية 20:16


* وحتى تكتمل الصورة لدى القارئ ، ننقل أيضا مما حرفه هؤلاء ووضعوه فيما يسمونه الكتاب المقدس ، من فظائع يندى لها الجبين ، وجرائم يشيب لها الولدان ، مما يجعلهم يستحون ـ لو كانوا يعقلون ـ أن يتهموا شريعة الإسلام بالظلم ، وقد بلغ ظلمهم وافتراؤهم أنهم وصموا لوطا عليه السلام بأنه زنى بابنتيه وهو سكران !!

* ( فسقتا أبهاهما خمرا في تلك الليلة ، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة ، إني قد اضطجعت البارحة مع أبي ، نسقيه خمرا الليلة وادخلي اضطجعي معه أيضا فنحيي من أبينا نسلا ، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا ، وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامهـا ، فحملت ابنتا لوط من أبيهما ) سفر التكوين 19:33ـ 3


وفي هذا من التشويه المتعمد لنبي كريم من أنبياء الله تعالى ، بحيث اتهم نسله كله أنه من حرام ، وأيّ حرام ، أشدّ النكاح تحريما ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

* وإليك من هذه الفظائع أيضا :

يقول ما يسمى عندهم ( الكتاب المقدس ) :

* ( أعطوا مسكرا لهالك ، وخمرا لمرّيّ النفس ، يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد ) سفر الأمثال 31: 5ـ6

وتستخدم الطبعة الإنجليزية للإنجيل ألفاظا ومعاني أخرى ، لو ترجمناها إلى العربية ، لكانت كما يلي : ( الخمر للناس الذين يموتون ولأولئك الذين يعيشون حياة بائسة ، دعهم ليشربوا ولينسوا فقرهم وشقاءهم ) .

فعجبا لهم يدعون الناس ليكونوا مدمني خمر ، ثم يأتون ينكرون على المسلمين مافي شريعتهم من العدل.

* ( فقال لهم ربشافي هل إلى سيدك وإليك أرسلني سيدي لكي أتكلم بهذا الكلام ، أليس إلى الرجال الجالسين على السور ليأكلوا عذرتهم ويشربوا بولهم معكم ) حسبي الله ونعم الوكيل !! ، والنص في سفر أشعياء 36: 12

وأما الجواب على ما ذكروه فهــو : أنهم إنما نقلوا كلاما عن الإمام البيضاوي ، ومعلوم أن جميع المسلمين يقولون : إن الدين المنزّل هو الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الواجب اتباعه على جميع الناس ، أما المُؤوَّل وهو اجتهاد العلماء في تفسير النصوص ، فإنهم يصيبون ويخطئون ، ومن هذا القبيل خلاف العلماء في قتل العبد بالسيّد ، بسبب اختلافهم في فهم النصوص ، ومثل هذا لا يصح أن يعاب به دين الإسلام ، وكذلك المبدّل الذي هو من وضع الوضّاعين ، وبدع المبتدعين ، بل هذا أولى أن لايعاب به الإسلام .

وإذا نظرنا في السنة وجدنا الحديث التالي : ( من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه ) وقد رواه الإمام احمد وأصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي ، وفي رواية أبي داود والنسائي بزيادة ( ومن خصى عبده خصيناه ) وصحح الحاكم هذه الزيادة ، ولهذا فقد ذهب طائفة من العلماء كالنخعي والحنفية إلى الأخذ بهذا الحديث الذي يعضد الاستدلال بعموم قوله تعالى ( والنفس بالنفس ) .

ومع ذلك فحتى الذين لم يأخذوا به ، واستدلوا بأدلة أخرى ، قالوا : يجب أن يعاقب الحر القاتل عقوبة شديدة على ما فعله ، وأن تجمع عليها عقوبتان : عقوبة مالية ، وعقوبة جسدية عند جميع علماء المسلمين ، وبهذا يعلم أن علماء المسلمين متفقون على عقوبة الحر القاتل للعبد ، فمنهم من قال يُقتل ، ومنهم من قال ينكل به بعقوبة أخرى ، فكيف يقال إن الإسلام لا يطالب بدماء العبيد من أعناق السادة ، هذا فضلا عن أن هذا كله ، إنما هو في شأن اختلاف العلماء ، فليس في المسألة نص صحيح قطعي ، حتى ما رواه من رجح عدم قتل السيد بالعبد ، عن أبي بكر وعمر ، ليس مما يقطع بصحته ، فلا يعاب به دين الإسلام ، بينماأقوى نص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ورد في هذا الشأن ، هو الحديث الذي ذكرناه آنفا ( من قتل عبده قتلناه ) .

وبمثل هذا يقال في قتل المسلم إذا قتل كافرا في غير الحرب ، فعلماء الإسلام متفقون أنه تجب عقوبته ، لكن بعضهم قال يُقتل المسلم إذا قتل كافـرا ، وبعضهم قال ينكّل به بعقوبات أخرى ، فكيف يقال إن الإسلام يرخص في قتل بني آدم ؟ وهل يعتبر إلغاء حكم الإعدام في بعض الدول ، واستبدال السجن المؤبد به ، رخصة في قتل بني آدم ؟ وهل يقول هذا عاقل ؟

ومعلوم من التاريخ أن ما وقع من اليهود والنصارى في بعضهم من القتل وسفك الدماء ، بل ما وقع بين النصارى أنفسهم في التاريخ ، من إهراق دماءهم لأسباب دينية ، أضعاف أضعاف مضاعفة مما أصابهم بين ظهراني المسلمين ، بل لامجال للمقارنة أصلا ، لأن أهل الكتاب لم يكونوا قط بين ظهراني أمّة أعدل من أمّة الإسلام .

وكذلك ما فعله كفرة أهل الكتاب في أهل الكتاب المؤمنين بالتوحيد الذي بعث الله به عيسى عليه السلام ، بعد مجمع نيقيا الذي اتفق فيه المهرطقون القائلون بالتثليث وألوهية المسيح عليه السلام ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ وأباحوا الخمر و الخنزير ، وعبدوا الصليب والصور والتماثيل .

اتفقوا بعد هذا المجمع ، على لعن واضطهاد كل من يخالفهم ، فتسلّط كفرة أهل الكتاب ، على الموحّدين فقتلوا كل موحّد مؤمن بما جاء به عيسى من دين التوحيد الحق ، وطاردوهم في كل مكان ، وأعملوا فيهم السيف ، بلا رحمة ، وذلك لما مكّن قسطنطين مشركي أهل الكتاب من مملكته . وكذا ما فعله الصليبيون في أبرياء المسلمين ، عند دخولهم الشام ، وفي الاندلس ، وفي كل عصر حتى عصرنا هذا .

والآن جاؤوا يتّهمون الإسلام بأنّـه يهدر دماء الأبرياء !!

والخلاصة :
ــــــ
أن هؤلاء النصارى لم ولن يجدوا في النصوص الصحيحة الصريحة في القرآن أو كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم الثابت عنه بالإسناد الصحيح ، ما يعيب دين الإسلام ، أو يثبت عليه أنه يقضي بغير العدل ، أو يدعو إلى الظلم والعــدوان .

ولكنهم قد يجدون في كلام العلماء ، ما يكون خطأ ، أو مما تنازع فيه علماء الإسلام ، وهم مع ذلك غير معصومين ، فليس في الإسلام عصمة لأحد إلا الوحي ، خلافا لما فعله أهل الكتاب من اتخاذ أحبارهم ورهبانهـم أربابا من دون الله . أما نحن فبيّنا مما نقلناه من نصوص كتابهم المحرّف الذي يقدسونه نفسه ، أشنع مما يعيبونه على المسلمين ، فكان الأحرى أن يستحوا من عيب دين الإسلام ، وفي كتابهم ما فيه من الفظائع ، وفي واقع حالهما ماهو أفظع .


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006