هل سجود التحية كفر مثل سجود العبادة ؟

 

السؤال:

السلام عليكم .. أما بعد .. فانا طالب في كلية الشريعة في الكويت .. وقد قال لنا الدكتور في أثناء شرح كتاب الردة .. من مذكرة هو مؤلفها .. في باب ما تكون بة الردة .. ذكر التالي .. (( ومن الافعال التي تحصل بها الردة السجود لغير الله )) ثم فصل فيها وذكر بعض الاقوال ثم قال (( والراجح ان السجود للاصنام والصلبان كفر ولا شك إلا ان يكون بإكراة لقوله تعالى (إلا من اكره وقلبة مطمئن بالايمان ) أما السجود للامراء والزعماء واي مخلوق فهذا وإن كان كبيرة من الكبائر إلا ان فاعلة لا يكفر إذا كان يقصد بسجودة الاحترام أما إن كان للتعظيم فهذا كفر )) إ.هـ

وقد سالت بذلك بعض المشايخ والدكاترة فايدوا هذا القول .. لكني لم ارتح لقولهم ؟
والسؤال ياشيخ .. هل السجود إذا كان من باب الاحترام ليس بكفر ؟ وما الدليل ؟
وإذا كان مجرد السجود لغير الله كفر ؟ فما الرد على من إستدل بسجود معاذ ؟ وما الرد على يقول ان الرسل متفقين على التوحيد وقد كان السجود في الديانات السابقة جائزا إذا كان للاحترام؟

آسف على الاطالة ياشيخ لكن انا وطلبة الكلية محتاجين للجواب وقد رضوا بك حكما بين الاقوال . أسال الله الا يحرمك الاجر والثواب .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ..

**************************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

*** قال تعالى ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ، وقال تعالى ( يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) .

*** وقال الإمام القرطبي : ( وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم ، وعند دخولهم على مشايخهم ، واستغفارهم ، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه ، يسجد للأقدام لجهله سواء كان للقبلة أو غيرها جهالة منه ضل سعيهم وخاب عملهم ) تفسيره 1/294

***وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ( ومن أنواع الشرك ، سجود المريد للشيخ ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له ، والعجب أنهم يقولون : ليس هذا سجود ، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا ، فيقال : لهؤلاء ولو سميتموه ما سميتموه ، فحقيقة السجود : وضع الرأس لمن يسجد له ، وكذلك للصنم ، وللشمس ، وللنجم ، وكله وضع الرأس قدامه ) مدارج السالكين 1/344

***وقال : ( وجاء شيوخ الضلال والمزاحمون للربوبية ، فزينوا لمريدهم حلق رؤوسهم لهم ، وكما زينوا لهم السجود لهم ، وسموه بغير اسمه ، وقالوا هو : وضع الرأس بين يدي الشيخ ، ولعمر الله إن السجود لله تعالى هو وضع الرأس بين يديه سبحانه ، وزينوا لهم أن ينذروا لهم ، ويتوبوا لهم ، ويحلفوا بأسمائهم ، وهذا هو اتخاذهم أربابا وآلهة من دون الله ، قال تعالى ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ، ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) .

***وأشرف العبودية ، عبودية الصلاة ، وقد تقاسمها الشيوخ ، والمتشبهون بالعلماء والجبابرة ، فأخذ الشيوخ منها أشرف ما فيها ، وهو السجود ، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوع ، فإذا لقي بعضهم بعضا ركع له ، كما يركع المصلي لربه سواء ، واخذ الجبابرة منها القيام فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبودية لهم ، وهم جلوس ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور الثلاثة على التفصيل ، فتعاطيها مخالفة صريحة له ، فنهى عن السجود لغير الله ، وقال : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ، وتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة ، فإذا جوز هذا المشرك ، هذا النوع للبشر ، فقد جوز العبودية لغير الله ، وأيضا فالانحناء عند التحية سجود ، ومنه قوله تعالى ( وادخلوا الباب سجدا ) أي منحنين ، وإلا فلايمكن الدخول على الجباه … والمقصود أن النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه ، وأشركت فيها من تعظمه من الخلق ، فسجدت لغير الله ، وركعت له ، وقامت بين يديه قيام الصلاة ، وحلفت لغيره ، ونذرت لغيره ، وحلقت لغيره ، وذبحت لغيره ، وطافت لغير بيته … وسوت من تعبده من المخلوقين برب العالمين ، وهؤلاء هم المضادون لدعوة الرسل ، وهم الذين بربهم يعدلون ، قال تعالى ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) زاد المعاد 4/159ـ 161

***وهذا كله في السجود الذي هو عبادة ، فهو شرك بالله تعالى لا خفاء فيه .

*** أما سجود التحية الذي كان سائغا في الشرائع السابقة ، ثم حرمه الله تعالى على هذه الأمة ـ لان الله تعالى أكمل لها كل شيء ، حتى سد ذرائع الشرك فيها ، هو أتم فيها من غيرها ، لأنها خير أمة أخرجت للناس ـ أما سجود التحية فمن سجد به لغير الله فهـو من أكبر الموبقات ، وهو أولى بالوعيد الذي ورد في حديث : ( من سره أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار ) ، فهو من كبائر الذنوب ، التي هي ذريعة إلى الشرك ، ولكن لا يبلغ إلى الشرك الأكبر إن كان بقصد التحية ، ولم يكن على وجه التقرب والتذلل لغير الله .

*** قال ابن كثير عن سجود إخوة يوسف ( وقد كان سائغا في شريعتهم ، إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام ، فحرم هذا في هذه الملة ، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى ) 2/492

*** ولكن سجود التحية ، لايتأتّى إلا إن وقع أمام من يقصد إكرامه عادة ، ولهذا فالسجود للشمس أو القمر ، أو لقبر ، أو للصنم ، أو للصليب ، سجود شركي ، لانه سجود تقرب وتذلل من جنس العبادة .

***قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أما تقبيل الأرض ، ووضع الرأس ، ونحو ذلك مما فيه السجود ، مما يفعل قدام بعض الشيوخ ، وبعض الملوك ، فلا يجوز الانحناء كالركوع أيضا ، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : الرجل منا يلقى أخا، أينحني له ، قال لا ) وأما فعل ذلك تدينا وتقربا فهذا من اعظم المنكرات ، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتدينا فهو ضال مفتر ، بل يبين له أن هذا ليس بدين ، ولاقربة ، فإن أصر على ذلك استتيب ، فإن تاب وإلا قتــــل ) مجموع الفتاوى 1/372

*** ولهذا قال أيضا ( وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحجرة الخليل ، وغيرهما من المدافن التي فيها نبي أو رجل صالح ، لا يستحب تقبيلها ، ولا التمسح بها باتفاق الأئمة ، بل منهي عن ذلك ، وأما السجود لذلك فكفـــر ) مجموع الفتاوى 27/308

*** والحاصل أن السجود إن وقع من الساجد بين يدي من يكرمه بقصد التحية على وفق ما جرت به عادة قبيحة ، فهو كبيرة من الكبائر ، يستحق فاعله التعزير البالغ ،وذريعة إلى الشرك والعياذ بالله ، وفاعل ذلك ومن يرضى به ، أولى بالوعيد الذي جاء في حديث ( من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) .

*** وإن وقع من الساجد على وجه التقرب والتذلل ، كما لو وقع للقبر ونحو ذلك ، فهو عبادة مصروفه لغير الله تعالى ، وفاعلها واقع في الشرك ، يبين له ، فإن أصر فهو مرتد والله اعلم .



الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006