شرح حديث : ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم ) ؟ |
|
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله
أرجو أن تشرح لنا يا شيخ الحديث النبوي " أنتم أعلم بأمور دنياكم" مع اعطاء أمثلة علي
التطبيق الصحيح و التطبيق الخطأ لهذا الحديث و لتبسط لنا الشرح جزاك الله خيرا
****************
جواب الشيخ:
ا لحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ في هذا الشأن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (الحديث النبوي هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به عنه بعد النبوة : من قوله وفعله وإقراره ; فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة . فما قاله إن كان خبرا وجب تصديقه به ، وإن كان تشريعا إيجابا أو تحريما أو إباحة وجب اتباعه فيه . فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء ، دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل ، فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة . وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه ) . ثم قال : ( ولهذا كان كل ما يقوله فهو حق ، وقد روي أن { عبد الله بن عمرو كان يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بعض الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الغضب فلا تكتب كلما تسمع ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق - يعني شفتيه الكريمتين - } . ثم قال : ( المقصود : أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أطلق دخل فيه ذكر ما قاله بعد النبوة ، وذكر ما فعله ; فإن أفعاله التي أقر عليها حجة لا سيما إذا أمرنا أن نتبعها كقولــــــــه : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، وقوله : ( لتأخذوا عني مناسككم } ، وكذلك ما أحله الله له فهو حلال للأمة ما لم يقم دليل التخصيص ; ولهذا قال : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } ولما أحل له الموهوبة قال : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن الفعل يذكر للسائل أنه يفعله ليبين للسائل أنه مباح ، وكان إذا قيل له : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : { إني أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده } ) . ثم قال : ( والمقصود : أن جميع أقواله يستفاد منها شرع وهو { صلى الله عليه وسلم لما رآهم يلقحون النخل قال لهم : ما أرى هذا - يغني شيئا - ثم قال لهم : إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله فلن أكذب على الله } وقال : { أنتم أعلم بأمور دنياكم فما كان من أمر دينكم فإلي } وهو لم ينههم عن التلقيح لكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم كما غلط من غلط في ظنه أن ( الخيط الأبيض) و ( الخيط الأسود) هو الحبل الأبيض والأسود . ) مجموع الفتـــــاوى (18/6-12) والحاصل : أن الأصل أن كل ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فهو وحي وشرع من الله تعالى ، لأن الله تعالى قال ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) . فإذا لم يكن ما يقوله من التشريع ، فإنه صلى الله عليه وسلم ، يبيّّن ذلك ، كما في حديث تأبيــــر ( تلقيح) النخل ، فقد بين عندما قال ( ما أرى هذا يغني شيئا ) ، ولكنهم لما أخطأ الصحابة في فهمــه ، أوضح لهم Hن معنى ما قال ، أنه يخبر عن ظنه فحسب. وبهذا يتبيّن أنه لاحجة البتة ، في هذا الحديث ، لمن يدعي أن السنة تنقسم إلى قسمين ، تشريعيّة وغير تشريعيّه ، ثم يجعل السنة غير التشريعية مما لايجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، لانه مما يدخل في قوله ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) . وهم الذين يطلقون على أنفسهم اليسار الإسلامي ، أو تيار التجديد ، والتجديد منهم براء ، وهو تيار التخريب واتباع المتشابهات . ثم إنهم ـ بنوا على بدعتهم هذه ـ أنهم أخذوا يتقولون على الله بغير علم ، ويفترون على الله الكذب ، في نسبة كثير مما أوحى الله تعالى إلى نبيه ، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته في باب المعاملات ، والأقضية والأحكام ، والإمامة ، والجهاد ، وعلاقة الأمة بغيرها من الأمم ونحو ذلك ، أن ذلك كله فعله النبي صلى الله عيه وسلم من باب السنة غير التشريعية ، فلا يجب علينا اتباعه فيما قال ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا . وتعلقوا بحديث تأبير النخل المذكور ، كما تعلق الذين من قبلهم ممن في قلوبهم زيغ بالمتشابه كما قال تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة .. الآية ) . وتعاموا ـ أو أعمت الضلالة أبصارهم ـ عن أن ما يطلق عليه العلماء باب المعاملات في الفقه ، من الجهاد إلى الإقرار و الشهادات ، إنما امتثل فيه النبي صلى الله عليه وسلم محكم التنزيل القرآني . فعامة ما قاله أو فعله صلى الله عليه وسلم ، في أبواب المعاملات : في تقسيم الناس إلى مؤمنين مقرّين بوجوب اتباع جاء به صلى الله عليه وسلم ، وكافرين معرضين عن ذلك ، وتنظيم التعامل مع الأمم على هذا الأساس فحسب . وترتيب أحكام الجهاد على هذا الأساس . وفي تحريم ما حرمه الله تعالى من الربا وغيره من التعاملات المالية المحرمة ، أو التي أمر الله بها . وفي الأمر بنصب الإمامة الحاكمة بشريعة الله تعالى في كل شؤون الحياة ، وأن ترك الحكم بالشريعة ردة عن الدين . وفي تنظيم أحكام الأسرة ، وسائر الأحكام المتعلقة بالحياة كلها . كل ذلك كان امتثالا من النبي صلى الله عليه وسلم لمحكم التنزيل ، تأكيدا له ، أوبيانا لمجمله ، أو تقييدا لمطلقه ، أو تخصيصا لعامه . ومالم يرد من ذلك في القرآن ، وقــد ورد في السنة زيادة على مافي القرآن ، فهو وحي يجب على جميع الناس اتباعه أيضا . وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بحدوث بدعة نهج هؤلاء المتهوكين في الإسلام ، الذين جعلوا شريعة النبي صلى الله عليه وسلم عضين ، كما جعل أهل الجاهلية كتاب الله عضين ، كما قال تعالى (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ، أي جزءوه فأمنوا ببعضه دون بعض . كما صح في الحديث( يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه . وفي الحديث أيضا : (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يغصبهم بمثل قراه ) رواه احمد وأبو داود من حديث المقدام بن معديكرب رضي الله عنه . والحاصل أن حديث ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم ) إنما يدل على أن مالم يرد فيه أمر وجوب أو ندب ، أو نهي تحريم أو كراهة ، فهو مسكوت عنه ، من قبيل المباح ، هذه دلالته بإجماع العلماء . ومن زعم أن هذا الحديث يدل على أنه يجوز لأحد أن يخرج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما حكم فيه بقول أو فعل أو إقرار ، في المعاملات الإنسانية ، ويحكم بسواها من شريعة غير الرسول أو هواه ، بحجة أنه مما يدخل فيه ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، فهو ممن يدخلون في قوله تعالى ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصـــــدون عنك صدودا ). وهو كافر مرتد باتفاق العلماء ، لانه يرد الشريعة الإلهيّة ، ويعلن التمرد عليها ، ولاشبهة له في الحديث المذكور ، لأن النبي صلى الله عليه ، بيّن أن ما قاله في شأن تأبير النخل ، لم يكن بوحي ، ولكن الصحابة أخطأوا في فهمه ، فأوضح لهم خطأهم في فهم تلك القضية بعينها . وبهذا يعلــم أن كل ما يقوله صلى الله عليه وسلم ـ مالم يبيّن هو أنه يخبر عن ظنّه وليس بوحي ـ فهو وحي من الله يجب اتباعه ، بنص الكتاب العزيز والسنة وإجماع المسلمين والله أعلم
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006