وثيقة تضمنت كفرا؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ ما ردك على من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ وقع على وثيقة تتضمن كفرا في صلح الحدييبة ،عندماأقر كتابة محمد بن عبدالله ، بدل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد استدل الزاعم بذلك على جواز إقرار الوثائق المتضمنـة الكفـر ،، والعياذ بالله ؟!

****************

جواب الشيخ:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

هذا خلط مشين ،  وتلبيس قبيح ،  فعقد الحديبية لم يتضمن إنكار نبوته صلى الله عليه وسلم ،  ذلك أن مقتضى هذه الفرية العظيمة ، أن العقد تضمن التصريح بأنه : ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم /، وأنـه صلى الله عليه وسلم ، قــد أقر هذا الكفر باقرار العقد بما فيه!!

 

وهذا التلبيس معناه:  : أن العقـد تضمــن ـ مثلا ـ  اللفظ التالي:  إن محمد ليس رسولا من الله تعالى ، وأقرها صلى الله عليه وسلم!! ، حاشاه عما يقول الجاهلون .

 

ومعلوم أن هذا لايقوله عوامّ المسلمين ،  فضلا عمن شمّ رائحة العلم ،  ومن زعـم :  أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر إنكار نبوّته ، يبيّن له ـ إن كان جاهلا ـ  أن هذا ردة عن الدين ، فإن أصــرّ كفـر .

 

أما ما وقع في صلح الحديبية ،

 

 فغاية ما في الأمر ،  أن الوثيقة ذكر فيها اللفظ التالي:

 

 هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله ،،  بعد أن قال صلى الله عليه وسلم والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، والمعنى وإن كان حالكم أنكم تكذبوني ،وليس المعنى أن العقد تضمن ذلك .

 

وفرقٌ واضــح ،، بين السكوت عن وصفه بالرسالة في عقد مع الكفـار ، وبين التصريح فيه بنفيها عنه صلى الله عليه وسلم .

 

وذلك مثل طلب سهيل بن عمرو ـ  بعدما قال )  أما الرحمن فوالله ما أدر ي ما هي (  ـ  أن يكتب ( باسمك اللهم ) بدل باسم الله الرحمن الرحمن الرحيم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب ( باسمك اللهم ) ، وليس في ذلك نفي منه صلى الله عليه وسلم ،  لصفة الله تعالى ، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ؟

 

والحاصل أنّ هذا كلّه ، ليس فيه  سوى  تنازل شكلي لا أثر حقيقي له ، لتحقيق مصلحة شرعية لها أثر عظيم في نصر الإسلام ، ولهذا سمي صلح الحدييبة (الفتح) في القرآن الكريم .

 

ومثله تنازل الصحابي عبدالله بن حذيفة السهمي رضي الله عنه ، الشكلي في تقبيل رأس ملك الروم مقابل إطلاق أسرى المسلمين كما روى البيهقي : : وجه عمر جيشاً إلى الروم وفيهم عبد الله بن حذافة  ، فأسروه فقال له ملك الروم: تنصر أشركك في ملكي؛ فأبى، فأمر به فصلب ، وأمر برميه بالسهام ،  فلم يجزع، فأنزل وأمر بقدر فيها ماء يغلي، وأمر بإلقاء أسير فيها؛ فإذا عظامه تلوح، فأمر بإلقائه ،  إن لم يتنصر، فلما ذهبوا به بكى، قال: ردوه، فقال: لِمَ بكيت؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله، فعجب ،  فقال: قبل رأسي وأنا أخلي عنك فقال: وعن جميع أسارى المسلمين، قال: نعم. فقبل رأسه فخلى عنهم، فقدم بهم على عمر، فقام عمر فقبل رأسه ،،  الإصابة لإبن حجر وأسد الغابة .

 

ومعلوم أن قطب رحى الرسالة المحمدية صلى الله وسلم على صاحبها ،  إظهار ما أنزل الله تعالى عليه من الحق المبين ، وإعلاء كلمة الله تعالى بالجهاد ، وقد حذّر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم ، من الدخول مع الكفار فيما يخالف شريعة الله في أقل الأمور شأنا :

 

قال تعالى :  وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )

 

وقال تعالى : وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا(

 

وقال تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)

 

وقال تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ*) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)

 

وقد ذكر الله تعالى في التنزيل أنّه بعث جميع الأنبياء ، ليحكموا بين الناس بالحق الذي أرسلوا به ، وليظهروه ، ويصبروا على الأذى فيه ،  قال تعالى : : فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ )

 

لا أن يوافقوا أعداء الله في باطلهم ، وكفرهم !!

 

ولاريب أن من يجعل غير الله تعالى قصده ، وطلب غير مرضاة ربه غايته ، سيقول الباطل ويعمل به ، فكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه ، فهؤلاء الذين يرمون النبي صلى الله عليه وسلم بالفرية المذكورة في السؤال ، أرادوا إرضاء  طواغيت الحكام في دخولهم مع طواغيت القوى العظمى فيما يسمى المواثيق الدولة المتضمنة الكفر ،والصد عن سبيل الله تعالى ،  كميثاق الأمم المتحدة وغيره ،  فذهبوا يتّبعون المتشابه،  ابتغاء الفتنة ، وابتغاء تأويله ، لما في قلوبهم من المرض .

 

أفلا يخشى هؤلاء المفترون ، حين يبعثهم الله تعالى ، فيسألهم عن شهادتهــم الزور ، بإفتراءهم عل دينــه .ألا ،،  فليتقوا يوما يرجعون فيه إلى الله ، فينبئهم بما عملوا ، ولن تنفعهم حينئذ أولادهم ، ولا أموالهم ، ولا أرحامهم ،،  ولا سادتهم  وكبراؤهم الذين أضلوهم ، بل سيتبرؤون منهم ، ويردون إليهم كذبهم على دين الله  ، والله المستعان . وحسبنا الله ونعم الوكيل .


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006