نعلم أن الطلاق البدعي حرام ،ولكن هل يقع أم لا ؟

 

السؤال:

نعلم أن الطلاق البدعي حرام ولكن هل يحسب أم لا يحسب على المطلق ؟

*********************

جواب الشيخ:


حكم طلاق البدعة هل يقع أم لا ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

طلاق البدعة ، هو طلاق الحائض وطلاق الزوجة في الطهر الذي جامعها فيه الزوج ، وهو محرم باتفاق العلماء ، لان الله تعالى قال (فطلقوهن لعدتهن ) ولان ابن عمر رضي الله عنه لما طلق امراته وهي حائض ، تغيظ صلى الله عليه وسلم وأمره أن يراجعها ، وأمره أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وقال صلى الله عليه وسلم : تلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء رواه الجماعة إلا الترمذي فلم يرو منه الأمر بالرجعة .

والمقصود بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يراجع امرأته ، أي يرجعها إلى بيته ، ولا يلزم من ذلك أن يكون طلاقه قد حسب عليه ، وقد اختلفت الروايات في كون طلاق ابن عمر رضي الله عنهما قد حسب عليه .

ولهذا اختلف العلماء ، هل طلاق البدعة يقع مع كونه محرما أم لا يقع .

والصحيح أنه لا يقع ، لان بدعة ومحرم ومنهي عنه ، والنهي يقتضي الفساد ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(الأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لازِمَةً صَحِيحَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكلامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ; لأنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ .

وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا : النَّهْيُ لا يَقْتَضِي الْفَسَادَ .

وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ . وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَجَعْلُهُ مَعْدُومًا . فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الأحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلالِ فَيَجْعَلُهُ لازِمًا نَافِذًا كَالْحلالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) انتهى .

ويدل على أن الطلاق البدعي لا يقع قوله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .

أي مردود عليه ، وهذا يقتضي أن كل أمر حرمه الشارع فهو باطل لا أثر له ، ومنه طلاق البدعة .

ولان الله تعالى قال ( الطلاق مرتان ) وأراد به المأذون فيه ، الذي وصفه بقولـــــــــــه : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، والطلاق البدعي قبيح ، ولا يوصف بالحسن في شيء .

هذا وقد أجاب العلماء الذين قالوا بعدم وقوع طلاق البدعة ، بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رض الله عنه : ( مره فليراجعها ) ، المقصود به أن يمسكها ، ولا يلزم منه أن طلاقه لها في الحيض قد حسب عليه .
قال شيخ الإسلام : ( لما فارقها ببدنه كما جرت العادة إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه ، واعتزلته ببدنها ، فقال لعمر : مره فليراجعها ، ولم يقل : فليرتجعها ، والمراجعة مفاعلة من الجانبين : أي ترجع إليه ببدنها ، فيجتمعان كما كانا ، لان الطلاق لم يلزمه ، فإذا جاء الوقت الذي أباح الله فيه الطلاق طلقها حينئذ إن شاء )
وقال ( ولو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقة ثانية فائدة ، بل فيه مضرة عليهما ، فإن له أن يطلقها بعد الرجعة بالنص والإجماع ، وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول ، تكثير الطلاق ، وتطويل العدة ، وتعذيب الزوجين جميعا) .

وقال عن الفقهاء الذين قالوا بعدم وقوع طلاق البدعة : ( قالوا لانه لم يأمر ابن عمر رضي الله عنهما بالإشهاد على الرجعة كما أمر الله ورسوله ، ولو كان الطلاق قد وقع وهو يرتجعها لأمر بالإشهاد ، ولان الله تعالى لما ذكر الطلاق في غير آية لم يأمر أحدا بالرجعة عقيب الطلاق ) .

وقال ( وأيضا فلو كان الطلاق المحرم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله ، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يباح له الطلاق بعدها ، والأمر برجعة لافائدة فيها مما يتنزه عنه الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ) مجموع الفتاوى 33/5ـ25

والخلاصة أن أصح قولي العلماء ، هو عدم وقوع طلاق البدعة ، لانه منهي عنه ، فهو فاسد إذن ، مردود على قائله ، و في حكم العدم ، ولان مقصود تحريم الطلاق البدعي ، وهو الواقع في الحيض أو في الطهر الذي جامع فيه الزوجة ، منع وقوع الطلاق في زمان يكثر فيه عند غالب الناس ، حفاظا على إبقاء عقد الزوجية ، ودرءا لمفاسد الطلاق الكثيرة التي يبغضها الله تعالى ، والقول بوقوع طلاق البدعة ، يعود على هذه الحكمة الجليلة بالإبطال والله أعلم .


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006