هل انتماء الشخص إلى جماعة دعوية فيه بدع اشد من الزنا وشرب الخمر؟!

 

السؤال:

نعلم ان البدعه اشد من الكبائر,وعلى ذلك هل يصح ان يقالان شارب الخمر او الزاني افضل من جماعة تدعو إلى إصلاح الناس ولكنعندهم بعض البدع؟والبعض يقول ان تدع الشباب على فسوقهم ومعاصيهم وتضييعهم للصلوات احسن من ان يذهبوا مع هذه الجماعات اصحاب البدع فهل هذا القول صحيح؟وإن كان غير صحيح فكيف نرد على من يقول ذلك؟ارجو الاجابه بالتفصيل مدعما بالأدله مع ذكر امثله من الواقع ان امكن وجزاكم الله خيرا؟

**********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

هذا الكلام لايقوله إلا جاهل بلغ في الجهل منتهاه ، وفي سوء الفهم غاية مداه ، أعني قوله إن شارب الخمر والزاني ومرتكب الكبائــر أفضل ممن عنده بعض البدع على الإطلاق ، ذلك ان مقصود من قال من العلماء إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، أي جنس البدعة أضر من جنس المعصية ، وذلك لايعني أن أقل البدع ضررا هي اشد إثما من أكبر المعاصي والفواحش ـ حتى الزنا بالمحارم ـ ، فهذا لايقوله عاقل يعلم ما يقول .

ومعلوم أن المقارنة في باب التفضيل في الامور المحمودة ، أو المقارنة بين الامور المذمومة ، تطلق باعتبار الجنس ، ثم قد يكون تارة كل فرد من آحاد الأفـراد في الجنس الافضل أعلى من كل فرد من أحاد الافراد في المفضول ، كما نقول الصحابة أفضل ممن بعدهم ، وفي الذم بضده ، كما نقول الشرك الاكبر أشر من المعاصي .

وتارة أخرى يكون بعض الافراد في المفضول أعلى من بعض الافراد في الفاضل ، وفي الذم بضده ، ولكن يصح إطلاق التفضيل باعتبار الجنس ، وكذلك في باب الذم .

وهذا كما نقول العرب افضل من غيرهم ، أو الرجال أكمل من النساء ، إنما نقصد جنس الرجال أفضل من جنس النساء ، وليس كل فرد من الرجال أفضل من كل فرد من النساء ، ففي النساء من يكون أفضل من بعض الرجال ، بل قد تكون امرأة أفضل من العدد الكبير من الرجــال ، في عقلها وعلمها ورشدها .

وكذلك عندما نقول ـ مثلا ـ الكذب أعظم إثما من النظر المحرم ، فهذا باعتبار الجنس ، فإن الذنب قد يكون جنسا فيه أنواع ، بعضها أشد إثمــا من بعض ، فالكذب منه الكذب على الله ودينه ، كالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه الكذب الذي يترتب عليه ضياع الحق ، وهو شهادة الزور وهي من أكبر الكبائر ، ومنه الكذب الذي يكون دون ذلك ، ومنه كذب الام على ولدها الصغير فهو صغيرة ولكنه ذنب ، وربما كان النظر إلى عورة ذات محرم بشهوة مثلا اشد إثما من بعض أنواع الكذب ، ويقاس على ذلك أمور كثيرة لاتحصى .

وذلك أيضا كما نقول إن جنس العلم أفضل من العمــل ، مع أن كثيرا من الاعمال اشرف وأفضل من بعض مسائل العلم ، فالصلاة مثلا عمود الاسلام ، وتاركها كافر ، بينما لاتبلــغ بعض مسائل الاعتقاد كاعتقاد المسلم ببعض أشراط الساعة ، والحوض والميزان على سبيل المثال ، هذا المبلغ ، بل كثير من المسلمين يجهلون مثل هذه القضايا العلميــة، بينما لايجهل فرضية الصلوات الخمس مسلـــــم ، ولايضرهم جهلهم بتلك المسائل العلمية ، كما يضــر جهل من يجهل الصلاة .

والحاصل أن مقصود من قال من أهل العلم إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، أي باعتبار الجنس ، وغالبا كانوا يقصدون بهذا الاطلاق بدع الفرق الضالة ، أي مقالاتهم الشنيعة في القدر والصفات والرؤية وخلق القرآن وبدع الخوارج والمرجئة في الإيمان ، ونحو ذلك .

وهذا بلا ريب صحيح ، ذلك أن البدع أضر شيء على الدين ، لكن البدع أنواع بعضها أشر من بعض ، وفيها البدع الاعتقادية ، وفيها البدع العملية ، وبعض العملية ما يكون بدعا إضافية وهي أهون من الأصليــة ، وبعضها يكون فاعلها مجتهدا متأولا ، وقد يكون عالما فاضلا ، أو رجلا صالحا من أفضل عباد الله تعالى ، قد ظن أن ما يفعله من البدعة ، سنة متبعة ، أو اعتمد على حديث ظنه صحيحا ، أو اقتدى بمن سلف من أهل الفضل ، ممن اعتقدهــم متبعين فيما فعلوه لامبتدعيــن وكذلك كانوا هم متأوليــن ، ومن البدع ما يكون الحكم فيها بالبدعة مسألة اجتهادية ، مثل صلاة التسابيح فمن يصحح حديثها يستحبها ، ومن يضعفه لايراها مشروعة ، فهي بدعة عنده ، ومثل قيام ليلة النصف من شعبان وصيام يومها ، فمن العلماء من يستحب ذلك على أن لايفعل بهيئة جماعية كما يقول ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية ، فمن زعم أن كل بدعة حتى التي اجتهد فيها فاعلها فأخطا مع فضله وعلمه واجتهاده في الخير ، وكذا ما يكون من المسائل الاجتهادية التي تنازع العلماء في الحكم على بدعيتها ، أشـــرّ من كل نوع من أنواع كبائر الذنوب كالزنا وشرب الخمر ، فهو جاهل مفتر على الله ، ودينــه ، وحقه أن يعزر ويمنع من القول في الدين ، ومن تعزيره أن يبين العلماء أمره ، ويفضح جهله .

ومعلوم أن الله تعالى عندما ذكر أشد الذنوب إثما ، وأعظمها ضررا على العباد ، ذكر الشرك ثم القتل ثم الزنى ، قال تعالى (والذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولايزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا هذه الاية لما سئل أي الذنب أعظم قال : ( أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قيل ثم أي ، قال : تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قيل ثم أي : قال أن تزاني حليلة جارك ) متفق عليه ، فذكر أن جنس الشرك أعظم الذنوب إثما ، ثم جنس القتل ، ثم جنس الزنا ، ثم ذكر من كل جنس أشد أنواعه إثما ، فذكر من جنس الشرك أن يجعل لله ندا ، ومن جنس القتل قتل الولد ، ومن جنس الزنا ، الزنا بحليلة الجار .

ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبع الموبقات ، ذكر الشرك بالله تعالى ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) .

وذكر في حديث آخر ( الشرك بالله وعقوق الوالدين ) ذلك أن أعظم ما أمــر الله تعالى به ، هــو التوحيد ، وبر الوالدين ، كما في الحديث : أي العمل أفضل ، قال إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم أي ، قال : بر الوالدين ، قيل ثم أي : قال الجهاد في سبيل الله ) متفق عليه .

والمقصود أن الله تعالى حرم هذه الذنوب الكبائر في كتابه ، وكرر التحذير منها كثيــرا حتى ذكر أن بعضها قد أهلك الامم بسببها إضافة إلى الشرك ، كفاحشة قوم لوط ، وتطفيف الميزان والمكيال في قوم شعيب ، وبين في كتابه أن كبائر الذنوب من هذه المعاصي هـي من أعظم أسباب استحقاق العذاب ، عذاب الدنيا بأهلاك الامم فيها ، وعذاب الاخرة ، كما حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في التحذير منها ، وبين خطورتها على العبد ، وعلى الامة ، وبين أن أكثر ما يدخل الناس النار حصائد ألسنتهم ، وفي حديث آخر ( الفم والفرج ) ، وأن أكثر أهل النار النساء ، بسبب ذنوب اللسان ، فيكثرن اللعن ويكفرن العشير ، وكل ذلك في الصحيح .

والمقصود أن هذا التكرار والتحذير الالهي من الذنوب ، يدل على أن خطرها عظيم ، وضررها جسيم ، فمن المحال أن تكون كل بدعة حتى لو كانت قد وقعت من المسلم جهلا وتأويلا ، أعظم من هذه الموبقات ، ولهذا اتفق العلماء على أن من فعل شيئا من البدع غير المغلظة بتأويل أنه مقبول الشهادة ، لايخرجه ذلك عن العدالة ، ولهذا رووا عنهم الاحاديث ، بينما يردون شهادة الفاسق بالمعصية، وهذا أشهر من نحتاج أن يضرب له الامثلة .

والخلاصة أن انضمام المسلم إلى بعض الجماعات التي يكون فيها بعض البدع هم فيها متأولون ، وهي لاتبلغ مبلغ البدع الشركية ، أو أقوال الفرق الضالة ، أن ذلك أهون ضررا عليه من كبائر الذنوب كشرب الخمر التي هي أم الخبائث ، ومن شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، ومن الزنا الذي ورد فيه التغليظ الشديد .

وهذا معلوم لكل ذي بصيرة ، ذلك أنه يظهر على بعض المنتمين إلى هذه الجماعات الدعوية التي تعتني بإصلاح المسلمين ـ رغم وجود بعض البدع عندها ـ من آثار العمل الصالح ، ونور الطاعة ، وانشراح الصدر بالاستقامة ، وحلاوة الايمان ، وسمت الصالحين ،ويصلح أسرته ، وأولاده ، ويفتح عليه من أبواب الطاعات والخيرات وترك المنكرات ، ما يُعلم أنه من أهم ما دعت إليه الرسل ، مما يحصل به خلاص المسلم من عاقبة الذنوب ، وأما ما يكون منهم من الخطأ في فهم الدين ، أو الوقوع في بعض البدع الاضافية ، أو الاجتهادية ، أو حتى الاصلية في العمليات ، او بعض مسائل العلم متأولين ، فالواجب نصحهم ، لكن بلا ريب هم أحسن حالا من أهل الفجور من الزناة ، وآكلي الربا المحاربين لله ، والمتهاونين بالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، وشاربي الخمور ، الذين ليس في قلوبهم لله وقار ، يجاهرون بالآُثام بالليل والنهار ، ومن قال غير ذلك فهو من أهل الجهل والغرور والله أعلم .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006