فضيلة الشيخ ماهي الليبرالية ، وما خطرها على المسلمين ؟! |
|
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
الليبراليَّة هي وجه آخر من وجوه العلمانيِّة ،وهي تعني في الأصل الحريِّة ، غير أنَّ معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء ، ويقول ما يشاء ، ويعتقد ما يشاء ، ويحكم بما يشاء ، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه ، وعابد هواه ، غير محكوم بشريعة من الله تعالى ، ولا مأمور من خالقه باتباع منهج إلهيّ ينظِّم حياته كلَّها ،كما قال تعالى (قُل إنَّ صَلاتي ونُسُكِي ، وَمَحياىَ ، وَمَماتي ، للهِ رَبَّ العالَمِينَ ،لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المِسلِمين ) ،
وكما قال تعالى ( ثمَُّ جَعَلنَاكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمـرِفَاتَّبِعها ، وَلا تتَّبِع أَهواءَ الذِينَ لا يَعلَمُون ) .
وكما قال تعالى ( وأن احكُم بَينهُم بِما أَنزَلَ الله ولا تَتَّبِع أَهواءَهُم ) وغيرها من الآيات الكثيرة .
ولهذا فإن الليبراليَّة لا تُعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية ، مثلا : هل الله موجود ؟ هل هناك حياة بعد الموت أم لا ؟ وهل هناك أنبياء أم لا ؟ وكيف نعبد الله كما يريد منّا أن نعبده ؟ وما هو الهدف من الحياة؟ وهل النظام الإسلاميُّ حق أم لا ؟ وهل الربا حرام أم حلال ؟ وهل القمارحلال أم حرام ؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها ، وهل للمرأة أن تتبرج أم تتحجّب ، وهل تساوي الرجل في كلّ شيء ، أم تختلف معه في بعض الأمور ، وهل الزنى جريمة ؟ أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين ؟ وهل القرآن حقّ ؟ أم يشتمل على حقّ وباطل ، أم كلُّه باطل ؟ وهل هو من الله ، أم كلّه من تأليف محمد-صلى الله عليه وسلم- ولا يصلح لهذا الزمان ،
وهل سنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحي من الله تعالى فيحب أتباعه فيما يأمر به ؟ أم مشكوك فيها ؟ وهل الرسول -صلى الله عليه وسلم- رسول من الله تعالى أم مصلح اجتماعي ؟
وما هي القيم التي تحكم المجتمع ؟ هل هي تعاليم الإسلام؟ أم الحرية المطلقة من كلِّ قيد ، أم حرية مقيدة بقيود من ثقافات غربية ، أو شرقيـة ؟
وما هو نظام العقوبات الذي يكفل الأمن في المجتمع ، هل الحدود الشرعية أم القوانين الجنائية الوضعية ، وهل الإجهاض مسموح ؟ أم ممنوع ؟ وهل الشذوذ الجنسي حق ؟ أم باطل ؟ وهل نسمح بحرية نشر أي شيء ؟ أم نمنع نشر الإلحاد ، والإباحية ، وهل نسمح بالبرامج الجنسية في قنوات الإعلام أم نمنعه ، وهل نعلم الناس القرآن في المدارس على أنه منهج لحياتهم كلِّها ، أم هو كتاب روحي لا علاقة له بالحياة ؟؟؟؟
فالليبراليّة ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة ، فهي في الحقيقة الجهل ، والظلمات ، والحيرة ، والإرتياب .
ومبدؤها العام هـو :
دعوا الناس كلُّ إله لنفسه ، ومعبود لهواه ، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ، وكما يشاؤون ، ولن يحاسبهم ربُّ على شيءٍ في الدنيا ، وليس بعد الموت شيءٌ ، لا حساب ، ولا ثواب ، ولا عقاب.
وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين ، والأحكام ، والمفاهيم ، والأعراف ، فليس هناك سبيل إلاّ التصويت (الديمقراطي) ، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة ، وهو شريعة النّاس لا شريعة لهم سواها ، وذلك بجمع أصوات ممثلي الشعب ، فمتى وقعت الأصوات أكثر ، وجب الحكم بالنتيجة ، سواء وافقت حكم الله ، وخالفته .
ولا يقيم الليبراليون أيَّ وزن لشريعة الله تعالى ، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى ، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط ، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت ، هو عدم تجريم الزنا إلاّ إذا وقع بإكراه ، أو عدم تجريم شرب الخمر ، أو كان تحليلاً للربا ، أو كان السماح بتبرج النساء ، أو التعرِّي ، والشذوذ الجنسي ، والإجهاض ، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي ، ....الخ.
وكلُّ شيء في المذهب الليبراليِّ متغيِّر ، وقابل للجدل ، والأخذ ، والردِّ ، حتى أحكام القرآن المحكمة القطعيِّة ، وإذا تغيَّرت أصوات الأغلبيَّة تغيَّرت الأحكام ، والقيم ، وتبدَّلت الثوابت بأخرى جديدة ، وهكذا دواليك ، لا يوجد حقُّ مطلق في الحياة ، وكلُّ شيء متغيـِّر ، ولا يوجد حقيقة مطلقة سوى التغيُّر .
فإله الليبراليِّة الحاكم على كلِّ شيء بالصواب أو الخطأ ، حرية الإنسان وهواه ، وعقله ، وفكره ، وحكم الأغلبيِّة من الأصوات هو القول الفصل في كلِّ شئون حياة الناس العامة ، سواءُُ عندهم عارض الشريعة الإلهيّة ووافقها ، وليس لأحد أن يتقدَّم بين يديْ هذا الحكم بشيء ، ولا يعقِّب عليه إلاَّ بمثله فقط .
غير أنَّ العجب كلَّ العجب أنَّه لو صار حكمُ الأغلبيِّة هو الدين ، واختار عامّة الشعب الحكم بالإسلام ، واتباع منهج الله تعالى ، والسير على أحكامه العادلة، الشاملة ، الهادية إلى كلِّ خير ، فإن الليبراليّة هنا تنزعج انزعاجاً شديداً ، وتشنُّ على هذا الاختيار الشعبي حرباً شعواء ، وتندِّدُ بالشعب ، وتزدري اختياره إذا اختار الإسلام ، وتطالب بنقض هذا الاختيار ، وتسميه إرهاباً ، وتطرفاً ، وتخلفاً ، وظلاميّة ، ورجعيّة ...الخ
كما قال تعالى ( وإذا ذُكِر الله ُوَحدَهُ اشمَأَزَّت قلوبُ الذين لا يُؤمِنُونَ بِالآخرِةِ وَإِذا ذُكِرَ الذينَ مِنَ دونِهِ إذا هُم يَستَبشِروُن )
فإذا ذُكر منهج الله تعالى ، وأراد الناس شريعته اشمأزَّت قلوب الليبراليّين ، وإذا ذُكِر أيُّ منهجٍ آخر ، أو شريعة أخرى ، أو قانون آخر ، إذا هم يستبشرون به ، ويرحِّبون به أيَّما ترحيب ، ولا يتردَّدون في تأيِّيده .
فإذن الليبراليِّة ما هي إلاّ وجه آخر للعلمانيِّة التي بنيت أركانها على الإعراض عن شريعة الله تعالى ، والكفر بما أنزل الله تعالى ، والصدّ عن سبيله ، ومحاربة المصلحين ، وتشجيع المنكرات الأخلاقيِّة ، والضلالات الفكريِّة ، تحت ذريعة الحريِّة الزائفـــــة ، والتي هي في حقيقتها طاعة للشيطان ، وعبودية لـه.
هذا ، وقد يتبيّن لكلِّ ذي بصيرة ، أنَّهم عندما يدعون الناس إلى مخالفة الشريعة الإلهيّة ، زاعمين أنهم يمنحونهم الحرية ، أنها خديعة ، وفخِّ ، يصيدون به المغفّلين من ضعاف العقول ، وبغيتهم أن يخرجوا الناس من عبادة الله تعالى وحده باتباع صراطه المستقيم ، إلى عبادة مفكِّريهم ، ومنظِّريهم ، وإلى إتِّباع أهواءِهم ، والسيرِ على مناهجهم الضالَّة.
وعندما يقولون للشعب أنت حرُّ في أن تفعل ما تشاء ، فكأنهم يقولون له كن أسيراً ، وعبداً لشهواتك وهواك ، ولنزغ الشيطان بك ، ذلك أنَّ دأب الشيطان ، أن يزيـِّن للإنسان فعل السوء ، والفحشاء ، ويوسوس له بالشر ، والضلال ، فيطيعه ، ويتّبعه ، وهو يظنُّ أنه حرُّ في تصرفاته ، بينما هو متَّبِع لهواه ، مستعبَدٌ للشيطان ، من حيث لا يشعر ، كما قال تعالى : ( وزيَّنَ لَهُم الشَيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَن السَّبِيل )، وقال سبحانه أيضا :( وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إبلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوه إلاَّ فَريقاً مِنَ المؤمِنِين ) ، وقال سبحانه :( وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَن نُقَيِّض لَهُ شَيطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين ) ومعنى يعشُ عن ذكر الرحمن : أي يَعمى عن اتباع ما أنزل الله تعالى .
فالليبراليِّة إذاً إنما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى ، واتباع شريعته ، إلى طاعة وعبادة الهوى ، والشيطان ، فهي تدعو إلى الشرك ، والكفر، وفعل الفحشاء ، والمنكر .
وهي عندما تزعم أنَّه لا يوجد حقُّ مطلق إلاَّ الحريَّة والتغيُّر ،فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة ، وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلهاالله تعالى لتكون نبراساً لهداية الناس إلى يوم القيامة ، وما الشريعة إلاَّالحق المبين الراسخ ، الذي لا يتغيَّر ، ولا يتبدَّل ، مهما تغيَّر الزمان ، والمكان.
كما قال تعالى واصفاً نفسه العليَّة : (أَفَمَن يَهدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَع أَمَّن لا يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهدى فَما لَكُم كَيفَ تَحكُمُون) ، وقال سبحانه : (فَذلِكُم اللهُ رَبُّكُم الحَقَّ فَماذا بَعدَ الحقِّ إِلاَّ الضلال فأنى تصرفون ) ، وقال سبحانه : (والذينَ هُم بآياتِنا يُؤمِنُون ، الذينَ يَتَّبِعُون النَّبيَّ الأُمِيَّ الذي يَجِدُونَهُ مكتوباً عِندَهُم في التَوراةِ وَالإنجِيل يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهاهُم عَن المُنكَر ، وَيُحِلُّ لَهُم الطَيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِم الخبائِث ) .
وكما قال تعالى : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
وكما قال تعالى ( الذينَ إِن مَكَّناهُم في الأرضِ أَقامُوا الصلاةَ وَآتَوا الزَكاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَن المنُكَر وَللهِ عاقِبَةُ الأمور )..
والليبراليّة عندما تسوي بين دين الله الحق ، وغيره من الأهواء الباطلة ، وعندما تسوّي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه ، والكافرين به ، بزعم أنَّ الجميع سواء في مبدأ الحريّة ، فهي بذلك تشرّع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل : ( أَفَمَن كانَ مُؤمِنــاً كَمَن كان فاسِقاً لا يَستَــوُون ) ، والقائل ( أَفَنَجعَل المُسلِمِين كَالمجُرِمِينَ ، مالَكُم كَيفَ تَحكُمُون ) . .
والمذهب الليبراليّ بهذا المنهج الضالّ ، يبطل دين الله كلَّه ، ويطوي أحكامه التشريعيَّة برمَّتها ، ويضع بدلها أحكاما أخرى من عنده ، أحكاما لا تقيم وزنا لما أنزله الله تعالى من البيَّنات ، والهدى ، والكتاب المنير .
والخلاصة أن المنهج الليبراليّ ليس سوى الضلال بعينه ، وهو الكفر والشرك برسمه واسمه ، وما هو إلاّ صدُّ عن سبيلِ اللهِ تعالى ، ونَقض لأحكامِ اللهِ تعالى ، ودعوة للناس إلى الخروج عن شريعة الله تعالى ،وإشاعة الفوضى الفكرية ، والعقديّة ، في حياة الناس .
هذه هي الليبراليّة ، وحكمها في الإسلام ، هو نفس حكم العلمانيّة سواء بسواء ، لأنها فرع من فروع تلك الشجرة ، ووجه آخر من وجوهها .
وبهذا يعلم أنه يجب شرعا ، بل هو من أهم واجبات الدين ، أن يُبَيَّن للمسلمين خطر هذه الأحزاب العلمانية ، والليبرالية ، ويُوَضَّح لهم ما تشتمل عليه من أفكار تهدم العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، ويجب أن يُدعى أصحابُها إلى الإسلام ، ويُكشف لهم حكم الإسلام في حقيقة مذهبهم الذي يعتقدونه ،وأنَّه مناقض للإسلام تمام المناقضة ، وأنَّ في تركهم له نجاتهم من الهلاك .
ويجب أن يُدعَون إلى أن يُقِرُّوا بوجوب الاحتكام إلى الشريعة الإلهيَّة في كلِّ صغير ، وكبير من شئون الحياة ، ولا يجوز إقرارهم على أيِّ مبدأ لا ينطلق من هذا الأصل الذي هو أصل الدين الأصيل ، وركنه الجليل ، كماقال تعالى ( ثُمَّ جَعَلناكَ على شَريعَةٍ مِنَ الأَمرِ فاتَّبِعها وَلا تتَّبِع أَهواءَ الذينَ لا يَعلَمُون ) ، وقال ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، وقال ( فاستَقِم كَمَاأُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إنَّهُ بِما تَعمَلُونَ بَصِير ،وَلا تَركَنُوا إِلى الذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُم النّارُ وَمالَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن أَولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَروُن ) .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :
( ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء، بأنهم إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ، وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك ،ولم يستجيبوا للداعي ، ورضوا بحكم غيره ، ثم توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ، وأديانهم ، وبصائرهم ، وأبدانهم ، وأموالهم ، بسبب إعراضهم عماجاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره ، والتحاكم إليه كما قال تعالى :
(فإن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وإنَّ كَثيراً مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُون)
اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق ، أي بفعل ما يرضى الفريقين ويوفق بينهما ، كمايفعله من يروم التوفيق بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبين ماخالفه ، ويزعم أنه بذلك محسن قاصد الإصلاح ، والتوفيق ، والإيمان إنما يقتض يإلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبين كلِّ ما خالفه من طريقة ، وحقيقة ، وعقيدة ، وسياسة ، ورأي ، فمحض الإيمان في هذه الحرب ، لا في التوفيق ، وبالله التوفيق ). إعلام الموقعين (1/50) .
الكاتب: زائر
التاريخ: 04/04/2009