شبهة في التحاكم إلى القوانين الوضعية؟!

 

السؤال:

شيخنا الحبيب حامد العلي حفظه الله و رعاه
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته شيخنا الفاضل هناك شبهتان يثيرهما بعض الناس في المنتديات يستدلون بهما على جواز التحاكم إلى القوانين الوضعية و العياذبالله و نرجو من فضيلتكم التفصيل في الرد على هاتين
الشبهتين نظرا لأني لم أجد أحد من الأخوة استطاع الرد و قد راجتا على بعض الأخوة , فحسبنا الله و نعم الوكيل

جواب الشيخ:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

مرحبا بك وأهـلا وسهــلا

 

والجواب سهل جدا ، وفي غاية الوضوح ، بحمد الله تعالى

 

أما عدم قتل الرسل  ، فأصلا هذا الحكم أخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الرسل تأتي بأمان ،  فلا تقتل.

 

والرواية نفسها تؤكد ذلك ،، كما : ـ

 

قال أبو داود الطيالسي‏:‏ حدَّثنا المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله ابن مسعود قال‏:‏ جاء ابن النواحة وابن أثال ،  رسولين لمسيلمة الكذاب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  ، فقال لهما‏:‏ ‏(‏‏(‏أتشهدان أني رسول الله‏)‏‏)‏‏.‏

 

فقالا‏:‏ نشهد أن مسيلمة رسول الله‏.‏

 

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏آمنت بالله ورسله ولو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما‏)‏‏)‏‏.‏

 

قال عبد الله بن مسعود‏:‏ فمضت السُّنة بأن الرسل لا تقتل‏.‏

 

-------

 

وأما اتخاذ الخاتم  فان فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، في اتخاذ الخاتم لرسائله ، بعدما أخبر أنه عرف جار  في المراسلات الدولية آنذاك ، هو من جملة أدلة شرعية كثيرة  ، قد دلـت على أن الوسائل ، والتراتيب الإدارية ، والنظم الحياتية،  الــتي لاتخالف الشرع  ، لابأس أن يستفيد منها المسلمون ، كما استفاد المسلمون من وسائل الجهاد عند غيرهم ، مثل حفر الخندق ،  واتخاذهم بعد ذلك القوس الفارسية ..إلــخ

 

ومن قال إن الشريعة الإسلامية تحرم كل وسيلة حياتيه ،  في التنظيم ،  والإدارة ، وكل الأعراف  الــــتي تسهل التعايش بين البشر ، وكلّ أدوات التواصل الحضاري ، التي تحقق المصالح العامة ؟!!

 

بل قد دلت الشريعة الإسلامية نفسها ، من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قولا،  وفعلا ،  وتقريرا ، أن الأصل في هذا الباب الإباحة،  ولا يحرم شيئا منها إلا بنص.

 

وكذلك اليوم فالشريعة نفسها عندما نتحاكم إليها ،  فهي لاتحرم من الأعراف  ، والتراتيب الدولية ، إلا ما كان مخالفا للشريعة فقط،

 

 وأما ما أباحته ،  ويحقق مصلحة المسلمين  ، فلا تمنع منه الشريعة ، ثــم إن هذا أصلا تحاكم منــا إلى الشريعة ،  الـــتي أجازت ذلك ،وليس إلى غيرها

 

والخلاصة : أن الشريعة تحرم جعل غير الشريعة الإسلامية مصدرا للحكم ، بل تجعل من ينصب غيرها حكما مشركــــا بالله قال تعالى ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) .

 

غير أن  الشريعــة الإسـلامية لاتحرم الاستفادة من الأوضاع السياسية ،  والتراتيب الإدارية ،  والنظم التــي عند غير المسلمين  ، إذا كانت لاتخالف الشريعة ، ذلك أننا نجعل الشريعة هي الحاكمة عليها ، فما أباحته استعملناه ،  وقد جعلت السكوت عنه إباحة له ،  وما حرمته منعناه .

 

ونقول لمن يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم تحاكم إلى قوانين دولية ، هل كانت شريعته كاملة أم ناقصة ؟!

 

 فان قال :  ناقصة  ، كفر ، بالإجماع .

 

 وإن قال : كاملة .

 

 فنقول :  إذن ما حاجته إلى أن ينظر إلى ما عند غيره ، وقد أكمل الله له الشريعة ؟!

 

فان قال :  لم يتحاكم إلى غير ما أنزل الله ، كيف وقد حذره الله تعالى اشد التحذير من ذلك ؟!

 

 بل جعل شريعته الكاملة هي الحاكمة على كل شيء.

 

 فما حكمت أنه مباح ـ ولو بالسكوت عنه ـ لايخالفها ، أباحه ،  وفعله ، ليبين إباحته ،

 

وما حكمت أنه محــرم ،  منعه.

 

 فشريعته نفسها الكاملة هي التــي فرقت بين الحق ، والباطل ، والصواب ،  والخطأ والهدى ، والضلال ، والنافع ،  والضار ،  والطيب،  والخبيث. 

 

فنقول له :  هذا هو مــا نقوله بعينه ، لايتعداه قيد أنملة ،

 

وهو بعينه لايعدوه قيد أنمله أيضا ، معنى قول العلماء كافة : ( ما من شيء إلا ولله فيه حكم )

 

وقد ذكرنا في فتوى سابقة حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية.

 

والله الهادي إلى سواء السبيل


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006