زواج ( الفرند ) !

 

السؤال:

لقد أثير في الآونة الأخيرة ما يطلق عليه زواج ( الفرند) بين محلل ومحرم ، فما حكمه وعلاقته بزواج المسيار ؟

********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة و السلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

كثيرا ما تكون الأسماء غير الملائمة ، التي تطلق على الأشياء ، سببا لحدوث اللبس ، أو ربما النفور ، لأنها قد تُشعر بمعنى مذموم غير مقصود ، ولو أنه قد اختيـر عنوان آخــر لتبيـّن المقصود ، وانتفى اللبس والغموض .

وزواج المسيار من هذا القبيل ، فلو قيل ما حكم النكاح الذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها ، لما كان في ذلك أي التباس .

لكن لما قيل ( مسيار ) ظن كثير من الناس أنه مؤقت ، كنكاح المتعة ، وهو محرم بالإجماع ، وإنما أطلق هذا الاسم ( المسيار ) إطلاقا عرفيا في هذا العصر ، ليس هو اصطلاحا شرعيا ، ولا يعرف هذا الإطلاق في الفقه الإسلامي قديما .

وزواج المسيار، هو زواج شرعي استكمل شروطه صحته ، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها ، كالنفقة ، أو السكنى ، أو القسمة مع الزوجة الأخرى، بحيث تكتفي من زوجها ببعض الحقوق وتسامحه في بقيتها.

هذا مع أن لها الحق أن تعود مطالبة بحقوقها التي تنازلت عنها .

كما قال ابن قدامه في المغني : وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة ، وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ، ثم رجعت وقالت : لا أرضى إلا ليلة وليلة ، فقال : لها أن تنزل بطيب نفس منها ، فإن ذلك جائز ، وإن قالت : لا أرضى إلا بالمقاسمة ، كان ذلك حقا لها ، تطالبه إن شاءت ، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط ، فإن شاءت رجعت ، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم ، أو عشرة دراهم ، النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط أ.هـ

ومعلوم أن النكاح إن استكمل شروطه المعروفة التي تشترط لصحته وهي : تعيين الزوجين ، ورضاهما ، والولي ، والشهادة ، وخلو الزوجين من الموانع ، ولم يكن فيه شروط تبطل العقد ، كنكاح الشغار ، والتوقيت كما في نكاح المتعة ، أو أنه إذ أحلها لزوجها الأول طلقها ،وهو نكاح المحلّل ، الملعون فاعله ، حتى لو كان مجرد نية بقلبه ، أو يكون العقد معلقا كزوجتك إذا جاء رأس الشهر مثلا ، فإن النكاح إن استكمل شروطه ، وخلا من شروط تبطله ، فهو نكاح صحيح .

وأما اشتراط أن لا يُنفق عليها ، أو لا يكون عندها إلاّ في النهار مثلا ، أو ليلة في جمعة ، أو شهر ، أو أقل أو أكثر ، ففيه خلاف ، والصحيح أن هذه الشروط ونحوها مما فيه تنازل الزوجة عن بعض حقها ، أنها جائزة ، ولكن للزوجة أن تطالب بحقها متى شاءت كما تقدم عن الإمام احمد رحمه الله .

وهذا الذي أطلق عليه زواج ( الفرند ) يشبه هذا ، فقد فهمت منه ، أن الزوج لا يملك سكنا ليسكن فيه الزوجة ، ولا يقدر أن ينفق عليها ، فترضى به كذلك ، إلى أن يتمكن من توفير السكن والنفقة على زوجته ، وهو ليس نكاح السـر ، بل قد استكمل شروط صحة النكاح كلها ، غيــر أنهما يلتقيان في عطلة نهاية الأسبوع ، في موضع ما ، فيكون بينهما من المعاشرة ما أحله الله تعالى بعقد النكاح ، وبقية الأيام يعيش كل منهما في مسكنه ، وحينئذ فحكمه كما ذكر في سابقه ، لافرق .

فإن قيل : فإن النكاح في الإسلام يقصد به حصول السكن ، وإنشاء الأسرة ، والإنجاب ، كما قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ، وهذا لا يتوفر فيما أطلق عليه زواج ( الفرند ) ، فنقول نعم ، هذا كله من أجـلّ مقاصد النكاح ، لكن من مقاصده أيضا عفة الفرج ، والاستغناء بالنكاح الحلال عن السفاح الحرام ، فمن نوى تحقيق هذا المقصد في نكاح استكمل شروطه ، فإنّـه لـم يتجاوز حدود الله تعالى .

من أراد أن يستكمل مقاصد النكاح الأخرى فهو أكمل وأفضل بلا ريب ، فهذا كمن أطال قنوت الصلاة ، وزاد في طول ركوعها وسجودها وأذكارها ودعاءها ، فنال من مقاصدها وحكمها أعلاها ، وذاك كمن صلى صلاة لم ينقص من أركانها وواجباتها شيئا فصحت وأجزأت .

ومعلوم أن من النكاح بين الناس ، ما لا يكون فيه المودة ، ولكن يصبر الزوج على زوجته مع أنه لايودّهـــــا ، رحمةً بها ، أو شكراً لمعروفها ، أو خشية ضياع الأولاد ونحو ذلك ، وكذلك تفعل الزوجة في كثير من الأحيان ، وذلك كلّه لتحصيل مصالح النكاح الأخرى ، وليس هذا ونحوه نكاحا باطــــلا باتفاق العلماء .

فالآية السابقة ليست في سياق ذكر شروط صحة النكاح ، وإنما في ذكر ما أنعم الله تعالى به على بني آدم ، مما يحصل بالنكاح من السكن ، والمودة ، والرحمة ، على وجه العموم ، ثم إن ذلك كلـه ، أو بعضه ، يحصل لبعض الناس ، إنعاما خاصا من الله عليه ، ويحرم منه بعض الناس ، لحكم وأسباب يعلمها الله ، كما يهب الله تعالى نعمه لمن يشاء ، ويحرمها من يشاء ، سبحانه ، كما قال تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فلامُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُـوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وأيضا فمثل هذه النكاح الذي أطلق عليه زواج ( الفرند ) ـ مع أن هذا الإطلاق خطأ ـ لا يلجأ فيه الزوجان ـ كما فهمت ـ إلى الالتقاء في نهاية الأسبوع فقط ، إلا في ظروف طارئة ، حتى إذا تيسرت أمورهما ، وأمكنهما الاستقلال بمسكن ، استقرا استقرارا دائما. ومعلوم أن غالب الناس ، ينتظر بعد العقد حتى يوفر المسكن ، ثم يدخل بزوجته . وأما هذا الزواج ( الفرند ) ، فغاية ما في الأمر ، أنه يكون الدخول فيه ، بعد العقد الشرعي ، لكنهما يبقيان منفصلين كلّ في مسكنه عند أهله ، مع سعي الزوجين في توفير السكن لهما ، وإن طالت المدة ، فأي حرج في هذا ؟!

هذا والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006