بعض الناس يقول إن المشرع مع الله مثل المبتدع فلماذا تكفرون المشرع ولاتكفرون المبتدع؟

 

السؤال:

السلام عليكم
فضيلة الشيخ هناك شبهه ، و هي أن المشرع للقوانين الوضعيه لا يختف أبدا عن المبتدع و أن المبتدع عاصي و بذلك يكون المشرع عاصي و ليس كافرا فكيف يرد على هذه الشبهه ، وذكر السائل بعض المنتسبين إلى العلم ، وطريقة السلف ، الذين يحاربون العلماء الداعين إلى البراءة من الطواغيت المغيرين لما أنزل الله شاكيا أنهم يكونون مع الطواغيت ضد الدعاة إلى الكتاب والسنة ، ويفتون الناس بجواز العمل في القضاء المناقض لاحكام الله ؟.

*****************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

الفرق واضح ، المبتدع ـ الذي لاتخرجه بدعته عن الاسلام ـ يظن أن ما أتى به زيادة في الدين أو تغييرا فيه ، يخالف الكتاب والسنة ، أنه من الدين ، وأن الله تعالى أذن له بذلك ، وأنه لم يشرع مع الله ، ولهذا فالمبتدعون يستدلون على بدعهم بعموميات من نصوص الكتاب والسنة ، أو أخبار لاتصح ، ونحو ذلك ، وسبب ضلالهم هو الخطأ في تأويل التنزيل ، وليس في إنكاره ، أو في وضع تشريع يضاهيه .

فهم لم ينصبوا طاغوتا حاكما مع الله تعالى ، ويجعلون شريعته مساوية لتشريعات الله تعالى العزيز الحكيم ، ويستمدون منه الامر والنهي ، والتحليل والتحريم ، حتى لو ناقض احكام الله تعالى ، ولو فعلوا ذلك كفروا ـ كما هو حال بعض المبتدعة الذين اخرجتهم بدعهم من الاسلام ـ ولكنهم ضالون ، يجب التحذير من بدعهم ، وإنكارها والخلاصة أن حكمهم يختلف عن حكم المشرعين مع الله تعالى .

وعندما يقول من يقول من العلماء إن المبتدع في دين الله ماليس منه ، كأنه يستدرك على الشريعة ، ويتهمها بالنقصان ، إن كان يقصد من لاتخرجهم بدعهم عن الاسلام ، فهو من قبل التشبيه ، ومعلوم أن التشبيه لايقتضي تطابق المشبه والمشبه به من كل وجه ، يكفي أن يكون بينهما بعض وجوه الشبه أو واحدا منها .

والحاصل ان المبتدع بمنزلة الجاهل الذي يخطىء في حكم الله تعالى ، وقد يكون بعضهم متأولا ، له نصيب من ثواب المخطىء في اجتهاده ، كما ذكر ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره ، وليس المبتدع بمنزلة الذي يشرع مع الله تعالى .

ومعلوم كلام العلماء في التحذير من طواغيت الحكم ، وتأمل قول العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله : ( وحاصله أن الطاغوت ثلاثة أنواع طاغوت حكم ، وطاغوت عبادة ، وطاغوت طاعة ومتابعة ، والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم ، فإن كثيرا من الطوائف المنتسبين إلى الاسلام قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم ) ثم قال ( وهذا هو الطاغوت بعينه الذي أمر الله باجتنابه ) الدررس السنية 8/272

وأما ماذكرت من فتنة الناس بعلماء السوء الذين يهونون الحكم بغير ما أنزل الله ، ويفتون الناس بجواز العمل في القضاء غير الشرعي ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا من فتنة العالم الفاجر ، فإن فتنته فتنة لكل مفتون .

قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في الدرر السنية :
( قال محمد بن فضل الزاهد : ذهاب الاسلام على يد أربعة أصناف ، صنف لايعملون بما يعلمون
وصنف يعملون بمالايعلمون
وصنف لايعلمون ولايعملون
وصنف يمنعون الناس من التعلم
ــــــــــــــ
قلت ـ أي الامام عبدالرحمن بن حسن ـ الصنف الاول من له علم بلا عمل ، فهو أضر شيء على العامة ، فإنه حجة لهم في كل نقيصة ، ومنحسة .
والصنف الثاني العابد الجاهل ، فإن الناس يحسنون الظن به لعبادته وصلاحه ، فيقتدون به على جهله ، وهذا الصنفان هما اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله : احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .

فإن الناس إنما يقتدون بعلماءهم وعبادهم ، فإذا كان العلماء فجرة ، العباد جهلة ، عمت المصيبة بهما ، وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة .

الصنف الثالث : الذين لاعلم لهم ولاعمل وإنما هم كالانعام السائمة .

والصنف الرابع : نواب ابليس في الارض ، وهم الذين يثبطون الناس عن طلب العلم ، والتفقه في الدين فهؤلاء أضر عليهم من شياطين الجن ، فإنه يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه .

فهؤلاء الاربعة الاصناف هم الذين ذكرهم هذا العارف رحمه الله ، وهؤلاء كلهم على شفا جرف هار ، وعلى سبيل هلكة ، وما يلقى العالم الداعي إلى الله ورسوله ما يلقاه من الاذى والمحاربة إلا على أيديهم .

والله يستعمل من يشاء في سخصه ، كما يستعمل من يحب في مرضاته ( إنه بعباده خبير بصير ) ولا ينكشف سر هذه الطوائف وطريقتهم إلا بالعلم ، فعاد الخير بحذافيره إلى العلم وموجبه ) انتهى الدرر السنية 2/134

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006