كيف نجمع بين أمرين متضادين كراهية أعداءنا الذين يحاربوننا ، وحب الهداية لهم ؟!

 

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركات وبعد
دخلت اليوم على مدير في العمل فإذا به يتحدث مع أخ أمريكي مسلم .. حول موضوع دعوة غير المسلمين للدخول إلى الإسلام... واستأذنت بالجلوس .. فسمعتهم يتحدثون عن طرق دعوة هؤلاء وكيف يدعو الأخ الأمريكي أمه إلى الإسلام أذكر لك منها على سبيل المثال -مما ذكروا- أن لا يكون التوجيه للأمر مباشراً بل عن طريق حسن الخلق والتعايش.. فنظرت إليهم وفي داخلي موجات من الحيرة تتقاذفني ...
كيف بإمكاني أن أدعو هؤلاء إلى الإسلام وأنا أمقتهم وأكرههم كرهاً أتعبد الله به وأدعو الله أن يتقبل بغضي لهؤلاء في سبيله دائماً.. ؟؟؟ كيف بالإمكان أن أجمع بين هذين الأمرين.. أنا ثابت على كرهي لهم لا يزحزحني عنه سوى الموت لأنهم لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة ولا يرحمون أطفالنا ونساءنا وشيوخنا... كيف أعايشهم بالحسنى وإن كانوا ممن لم يقاتلونا في الدين ويخرجونا من ديارنا .. فعلياً فهم من داخلهم يتمنون زوال الإسلام ومحق المسلمين..
أفدني جزاك الله خيراً ..

***************************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إذا كان ثمة مسلم يريد أن يستشيرك في كيفية دعوة والدته إلى الاسلام فلايصح أن ترده وتبدي له الغضب والكراهية ، بحجة أن أمه أمريكية وأنهم يعادون المسلمين ، ذلك أن الساسة الصهاينة منهم ، وجيوشهم ومن يجنـّـد لأهدافهم هم الذين يحاربون الإسلام ، وليس كل فرد من شعبهم ، بل فيهم مسلمون ، وآخرون يعارضون سياسة "المحافظون الجدد" والمتصهينين في الإدارة ، ودوائــر رجال الفكر والسياسة في أمريكــا ، وفيهم من من يعادي الصهاينة واليهود ، وفيهم من يتعاطف مع المسلمين ، كما ذكرت هذا سابقا عن بعض مرشحي الرئاسة في أمريكا نفسها، وهذا لايعني أن لايُجاهدوا ، إنما يجب أن نعرف هذه الحقيقة أعني وجود الاختلاف في الأمريكيين أنفســـهم .

وكما لو كانت أمك غير مسلمة وتحب أنها تسلم ، وتحب أن يعينك على إسلامها إخوانك ، فكيف تكره أن تعين اخاك المسلم على إسلام والدته ؟!
--------
ثم إنك إذا كنت تريد أن تدعو شخصا إلى الإسلام فلابد أن يكون ذلك في قالب الرفق كذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ، قال وقد أرسل معاذا وأبا موسى إلى اليمن وأكثرها كفــار من اليهود وغيـــرهــم : بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا .

وحتى لو كنا نحارب الكفار، وجاء رجل منهم يريد أن يسمع كلام الله تعالى وجب علينا أن نسمح له بذلك قال تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) ـ

واقرأ هذه القصة التي جاء فيه " جرجة " وأظنه " جورج " وكان قائدا كبيرا في الروم في معركة اليرموك إلى خالد بن الوليد رضي اللــه عنــه ، وأسلم وقاتل مع المسلمين ، فكيف لايمكن أن يجمع المسلم بين حبــه لهداية الناس ، وبين بغضــه لأعداء الله تعالى ، بل هذا ممكن ، وواجب
------------
قال ابن كثير عمن روى وقعة اليرموك : ـ

قالوا: وخرج "جرجة" أحد الأمراء الكبار من الصف ( يعني الروم ) ، واستدعى خالد بن الوليد فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما.

فقال جرجة: يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني، فإن الكريم لا يخادع .

هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟ قال: لا.

قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم، فدعانا فنفرنا ومنه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا كذبه وباعده فكنت فيمن كذبه وباعده ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه،

فقال لي: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك،

فأنا من أشد المسلمين على المشركين.

فقال جرجة: يا خالد إلام تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل

قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم.

قال: فإن لم يعطها؟ قال: نؤذنه بالحرب ثم نقاتله.

قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟

قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا.

قال جرجة: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم وأفضل.

قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟

فقال خالد: إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع،

وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.

فقال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟

قال: بالله لقد صدقتك وإن الله ولي ما سألت عنه.

فعند ذلك قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام.

فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرونها منه حملة،

فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، فركب خالد وجرجة معه، والروم خلال المسلمين فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم

وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب،

وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماء

وأصيب جرجة، رحمه الله ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد، رضي الله عنهما،

وتضعضعت الروم عند ذلك، ثم نهد خالد بالقلب حتى صار في وسط خيول الروم فعند ذلك هربت خيالتهم واشتدت بهم في تلك الصحراء

وأفرج المسلمون بخيولهم حتى ذهبوا وأخر الناس صلاتي العشاء حتى استقر الفتح

وعمد خالد إلى رحل الروم - وهم الرجالة - ففصلوهم حتى آخرهم، حتى صاروا كأنهم حائط قد هدم،

ثم تبعوا من فر من الخيالة، واقتحم خالد عليهم خندقهم،

وجاء الروم في ظلام الليل إلى الواقوصة فجعل الذين تسلسلوا وقيدوا بعضهم ببعض إذا سقط واحد منهم سقط الذين معه.

قال ابن جرير وغيره: فسقط فيها وقتل عندها مائة ألف وعشرون ألفا سوى من قتل في المعركة"
ومعلوم أن الروم فيهم صفات حسنة جميلة كما في صحيح مسلم " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ، فقال له عمرو: أبصر ما تقول ، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك " والله أعلـــــــم .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006