الفوضى العلمية ؟!

 

السؤال:

السلام عليكم فضيلة الشيخ .لا شك أنكم تعرفون حجم الرسائل العلمية التي تطبع وتباع وقد تهدى مجانا في بعض الدول.و بعض هذه الرسائل بعيدة كليا عن الموضوعية والعلم وبعض العناوين منفّر بمجرد أن تنظر إليه.ونحن في الجزائر نجد بعضها مثلا رسالة (الصاعقة على من أكل بالملعقة)!!..ورسالة(رمي الجمار على رأس فلان بن فلان ) و -تحذير الأنام من عميان ... -.و-بحر الدم فيمن تكلم ... و-العمود في ...-.و-الهبال في تحريم تزويج البنات ممن نزل من الجبال-لأحد الجزائريين..والقصف الصاروخي على فلان وفلان ,والرصاصة في حكم المرأة الفرطاسة ، القوطي في الرد على...الكلب العاوي في التحذير من .....القول البتة في تحريم الكلفتة.....وهلم جرامن هذه الرسائل التي تعد بالمئات.التي وان كانت بعضها مهم ، وهـي ذات موضوع خطيرا إلا أن عناوينها تشعر المسلم أن هناك معركة بيزنطية بين العلماء والدعاة وأصحاب هذه الرسائل .اضافةالى تكلف السجع وقلة أدب بعضها.فما قولكم شيخنا وهل من كلمة في هذا الموضوع. وجزاكم الله كل خير

***************

  جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

 

مع أنّ بعض هذه القضايا ليست ذات بال ، ولا ينشغل بها إلاّ أهل الفراغ ، والذين حُرموا التوفيق ، غير أنّ الردّ على المخطئين في علوم الدين ، والتحذير من البدع ، ممــا أمرنا بـه سيدُ المرسلــين،

 

 لكنّ لذلك ضوابط شرعية يجب الأخذ بها ،  وآدابا تنبغي مراعاتها ،

 

وسبب عدم التقيّد بها ، كما ذكرت من الأمثلة ، أو بعضها ، وكماحدثني كثيرٌ من طلبة العلم أنّ بعض المنتديات على شبكة الإنترنت ، يكثر فيها هذا التخبّط ، بسبب أن الكاتب يُخفي شخصيّته ، فمع ضعف التقوى ، لاتجد بواعث الهوى أمامها رادعا ، لا من وزاع المراقبة ، ولا من الحياء من الناس  ، فيخوض في أعراض الناس بغير علم ، ولاأدب ، أو بعلم بلا أدب ، وإثم ذلك عليه ،  وعلى من هيّـأ له المكان لينشر أذاه فيه ، فهما سواء ، وقد عُلم أنّ ميراث النبوة أجــلّ من أن يُؤخذ من المجاهيل ، والنكرات!

 

 سبب ذلك أنّ كثيراً من الخائضين في هذا الباب من الكتّاب ، يستعجلون التأليف قبل أوانه ،  بينما تلك الضوابط والآداب ، لاتُنال إلاّ بعد طلب العلم ، وتعلّم الأدب ، ومراعاة التربية على التقوى ،  وتزكية النفس ، وتطهيرها من أهواء النفوس ، وحظوظ الشيطان .

 

ولهذا غالبا لاتجد هذه الفوضى العلميّة لها مكانا ، إلاّ في بيئة تفتقد إلى طلب العلم المنهجي ، والمتدرّج ،  على يد علماء ذوي تجارب ، مع حلم ، وســن ، وهذا يفسّر لك ، لماذا لاتكاد توجد هذه الفوضى ، عند المتقدّمين ، إذ كانت العلوم في تلك الأزمنة المباركة بالتلقّي السليم مسنونـة ، وبالأدب والتقوى مقرونة . 

 

وهذه الفوضى في العلوم الشرعية ، وفي تنظيم شأن الدعوة الإسلامية ، مما يفرح أعداءُ الإسلام ، ولهذا هم يشجعونها ، ويوفرون أسبابها لكي تستمر.

 

والحـلّ الجذري تقع مسؤوليته على العلماء وقادة الفكــر ،

 

وعنوانه :  تكوين بيئة علمية سليمة ، ومناخ تربوي صالح ، يحتضن الصحوة الإسلامية ، ويقوم بناؤه على الجمع بين العلوم الشرعية ، والآداب المرعيةّ ، والتربية الإيمانيّة ، وفهم واقع الأمة ، وسلوك منهج تغيير شامل ،  يضع أهدافا عليا تقدّم الكليّات وترجّح الأوليّات ، وأهدافا مرحلية تتناسب مناهجها مع كلّ مرحلة من مراحل التغيير.

 

ومع تكوين هذه البيئة التي يقوم على شأنها القدوات ، تضمحلُّ ـ بإذن الله ـ الفوضى العلميةّ ، ويزول العبث التربوي ، ويُعزل التخبّط الدعوي ، وتنتظم أمور الصحوة شيئا فشيئا ، حتى يصبح الشاذّ ضعيف التأثــير محصوراً ، إذ لايمكن جعله مبتوراً .

 

ذلك أنّ الحمق لم يزل في الناس ، وضعف المدارك مع إتّباع الهوى ،مازالا مطيّة الوسواس الخنّاس .

 

والله اعلم 


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006