رد شبهات بناء على طلب بعض طلبة العلم في مسائل من العقيدة (1) |
|
الجواب بعدها >>> الأسئلة ..السؤال الأول:نحن في مذهب السلف نقول: هذه النصوص تدل على إثبات صفة لله، لها كيفية مجهولة تليق بالله تبارك وتعالى: فهل تدل هذه النصوص على ذلك على سبيل القطع الذي لا يحتمل معه وجهاً من وجوه الدلالة غيره؟ أ- فإذا كانت دلالتها قطعية تجدد سؤالان بعد هذا الجواب 1- ما هو الوجه الذي ينفي احتمال ورودها على ما تفهمه العرب من أساليب العربية التي يذكرها أهل التأويل؟ 2- وإذا كانت دلالة هذه النصوص قطعية فلم حصل فيها هذا الخلاف الواسع بين أكابر العلماء قديما وحديثا؟ ب- وإذا كانت دلالتها على إثبات الصفات ظنية تجدد سؤالان أيضا: 1- هل تثبت صفات الله تعالى بدليل ظني الدلالة؟ 2- هل يجوز إلحاق أكابر المفسرين والعلماء بالبدعة لتركهم إثبات صفات الله بدليل ظني؟
جواب الشيخ :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
توكلنا على الله وبه نستعين :
دلالة النصوص على صفات الله تعالى وأنه لايجوز صرفها عن ذلك قطعية في الجملة ، وإنتفاء صرفها عن دلالتها على معانيها قطعي أيضا ، لأن الصرف المذكورالمزعوم عند أهل الكلام ، ليس من كلام العرب أصلا ، والقرآن إنما نزل بكلامها ، ولإجماع السلف على إسقاط هذا الصرف الباطل ـ ذكرت دلائل الإجماع في أم البراهين ـ
ولنضرب على ذلك مثالا : وهو دلالة مئات النصوص على علو الله تعالى ، فهي دلالة قطعية بلا ريب ، وصرف المعنى عن العلو بمعنى جهة الفوق من العالم ، لا تدل عليه اللغة ، وليس سوى هذيان لامعنى له ، فكيف تصرف الدلالة عن القطعية والحال ما ذكرنا ،
يوضحه مثال أن نصوص المعراج في الصحيحين وعروجه صلى الله عليه وسلم حتى كلم الله تعالى فوق السموات ، ومئات نصوص الوحي في القرآن و السنة التي تعضد هذا المعنى ، تسقط كل إحتمال لصرفه عن دلالته العربية المعهودة في لغة العرب، ثم القائلون بأن العقل ينفيه رد عليهم ابن رشد الفيلسوف وبين أن العقل يثبته أصلا ، فهذا أحد الأمثـلة الكثيرة
وقد بينت في رسالة (الرد على الأشعرية في مسألة الكلام) ، كيف أن صرف دلالة الآيات عن أن الله تعالى تكلم مع أنبياءه وملائكته ، ويتكلم يوم القيامة مع من شاء من خلقه ، ومع أهل الجنة ، صرف ذلك عن حقيقته على طريقة متكلمي الأشعرية ، إلى أنه (إزالة مانع الفهم لكلام الله النفسي) ، إنما هـو تكلفات لاعرفتها العرب من لغتها ، ولا العجـم أيضا ، ولاتدل عليها أي لغة ، فهو أشبه بتخريفات الباطنية
وأن من زعم أن مثـل هذه الإحتمالات التي يوردها المتكملون لإنقاذ مذاهبهم ، أنها تذهب القطعية في دلالة النصوص ، فهو مثل من يقول بأن تأويلات الباطنية لنصوص المعاد ، تذهب قطعيتها !
***
أما حدوث الخلاف في القطعيات ، فلم يزل يحدث الخلاف فيها ، ثم من قال إن أكابر علماء السلف اختلفوا فيها بل أجمعوا على عدم تأويلها ،
أما من قال بصرفها عن ظاهرها بالتأويل ، من متأخـري علماء المذاهب الثلاثة ، فهذا الخلاف إنما حدث في عصر الخلف ، وهم إنما تبعوا كلام متكلميهم المتقدمين ،
ثم المتكلمون أنفسهم كانوا مختلفين أصلا في هذا الباب ، فقبل أبو المعالي كانوا يثبتون صفات الذات ، مثل الوجه واليدين والعلو كما في التمهيد للباقلاني وغيره ، ولما جاء أبو المعالي قال بتأويل كل الصفات غير السبع ، فتبعه تلاميذه ، ثم دونوا مذهب الأشعري على ذلك ، وسار عليه أتباعه
فالتحقيق أن جريان هؤلاء على ما قرره السابقون ، ليس سوى تقيـــّد بالمذهب ، فلا عبرة بالكثرة هنا ،
وبهذا يتبين أن قول القائل (أكابر العلماء) ليس سوى تهويل ، وأنه إذا حرر تبيـن أنه ليس سوى متابعة المتأخرين على ما قرره المتقدمون الذين يرجعون في الغالب إلى ما اعتمده عدد قليل من كبار المتكلمين الذين كان لهم جلالة في القلوب ، تماما كما في مسائل الفروع
والعجب أن بين الماتردية والأشعرية خلاف في إثبات بعض الصفات ، وكل يدعي أن ما يقوله قطعي !!
وأخيرا فإن التحقيق أن العالم قد يجتهد فيخطىء في مسائل العلم فيعذر ، كمسائل العمل ، ولاتسقط عدالته ، ولهذا فلايلزم من إبطال التأويل ، إسقاط عدالة القائل به ، ولا إخراجه من أهل الفضل والعلم ، هذا الذي عليه أهل السنة ،
بخلاف أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم ، فإنهم يبالغون في تضليل المثبتة ، ويرمونهم بالتجسيم ، وينبزونهم بالألقاب الشنيعة ، وكثير منهم يكفر أهل الإثبـات
والله اعلم
الكاتب: زائر
التاريخ: 07/07/2009