كيف ترد على زعم هذا القسيس النصراني؟ |
|
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
كتب أحد القساوسة النصارى مقالا باللغة الانجليزية يدافع فيه عن كون المسيح ابن الله فقال:
"إن يستحيل أن على الله أن يلد أون يكون له ابن من زواج، فصفات الله فريدة لا تضاهيها صفات البشر. وهذا ما نصت عليه تعاليم الكتاب المقدس.
فلماذا اذن تستخدم الكتب المقدسة كلمة ابن الله؟ والحقيقة أن هذا يشبه تسمية آدم ابن الله لان حياته مستمدة من الله ولم والله لم يخلقه من بشر، فكذلك عيسى منحه الله الحياة فهو ابن الله. وهذا نفس المعنى الذي أثبته القرآن "وكلمته ألقاها إلى مريم" .
وليس معنى ابن الله أن الله ولده أو أن ابن حقيقي وانما اطلاق لفظ ابن مجازا. واللغة العربية فيها ما يحتمل هذا المعنى:
فمثلا: عندما نقول ابن القرية لا نقصد أن القرية قد أنجبت هذا الرجل وانما لأن من سكان القرية فصح اطلاق ابن عليه.
وكذلك عندما نقول ابن اللغة لأنها لغته الأم.
وكذلك ابن السبيل لا تعني انه السبيل او الطريق قد أنجب ولدا من خلال علاقة زوجية وانما هو من باب المجاز.
وهذه التعبيرات لا تعنى الحقيقة وانما تعني المجاز ولذا فاطلاق المسيح ابن الله من باب المجاز وليس من باب الحقيقة."
كما زعم في نهاية المقالة:
"وليس هناك اجماع بين علماء الإسلام على عدم صحة استخدام عبارة "المسيح ابن الله" على عيسى فقد أقرها الامام أبو حامد الغزالي وابن قتيبة على انها من باب المجاز."
فكيف تردون على هذه الشبهة؟
*****************************
جواب الشيخ:
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، وأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله ، بعثه الله مصدقا لما بين يديه من الرسل ، داعيا إلى توحيد الله ، والبراءة والتحذير من الشرك وعبادة غير الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، ومبشرا بخاتم النبيين محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
فنقول لهذا القسيس :
نحن نعلم أن النصارى اختلفت اختلافا كبيرا في حقيقة المسيح عليه السلام ، وأضلها إبليس وبولس الذي يشبه أسمه اسم ابليس ، أضلاها عن حقيقة المسيح عليه السلام ، مع أن حقيقته واضحة وضوح الشمس .
وهي أنه عبد الله ورسوله ، فهو بشر مخلوق ، لكن بعثه الله تعالى فأكرمه بالنبوة والرسالة ، مصدقا لما بين يديه من التوراة ، ومقررا دين التوحيد الذي بعث الله تعالى به جميع الأنبياء ، ومبشرا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم : كما قال تعالــــى : ( وإذ قال عيسى بن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) الصف 6
ولهذا نحن نسأل هذا القسيس ، إن كنت تقول إن المسيح ليس ابنا للـه ، كما تقول طائفة من النصارى ، فما هـو اعتقادك بالمسيح إذاً :
هل هو كما يقول الأرثوذكس : تجسد الإله في السيد المسيح ، وبإله واحد مثلث الأقانيم : الآب والابن والروح القدس ، كما في قانون الإيمان النيقاوي ( مجمع نيقية وسيأتي ذكره ) ، وبربوبية وألوهية الرب والمسيح في آن واحد، على أنهما من جوهر واحد ، ومشيئة واحدة ، ومتساووين في الأزل .
إلا ما كان من كنيسة أورشليم الأرثوذكسية اليونانية التي تؤمن بأن المسيح له طبيعتان ومشيئتان موافقة لمجمع كيلدونية 451م .
أم أن اعتقادك هو كما تقول الكاثوليك : أن للمسيح طبيعتان ، إحداهما لاهوتيـّـة ( من الإله ) ، والأخرى ناسوتيّه ( من الإنسان ) ، وأن أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة ، وأن الاقانيم ما هي إلا مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان ، ولهذا فهي ذوات متميزة يساوي فيها المسيح الأب حسب لاهوته ، وهو دونه حسب ناسوته ، كما ينص على ذلك قانون الإيمان الإثناسيوسي ؟
أم أنك تقول مثل ما يقول المسلمون ، المسيح هو مخلوق بشر ، خلقه الله تعالى كما يخلق البشر ، ولكن من غير أب ، كما خلق آدم من غير أب ومن غير أم ، وخلق حواء من ضلع آدم من غير رحم أم .
وأنه رسول كريم من أولي العزم من الرسل ، عاداه اليهود عليهم لعنة الله ، كما كانوا يعادون رسل الله الكرام ، وهمّوا بقتله ولكن الله تعالى رفعه إليه ، وأما المصلوب ، فهو من شُبّه لهم أنه عيسى المسيح عليه السلام ، ولم يكن هو ؟
فأعلمنا ما هي عقيدتك في المسيح حتى نرد عليك ، ونبين لك بطلان اعتقادك بالبرهان العقلي والنقلي .
وننقل فيما يلي نقولا مهمة في الرد على النصارى ، وبيان كيف تغيّر دينهم من التوحيد إلى الشرك ، ومن الختان إلى ترك الختان ، ومن تحريم الخمر والخنزير إلى إباحتهما ، ومن تحريم عبادة الصلبان والصور ، إلى الإشراك بهما مع الله تعالى :
أولا : ما ذكره الاعظمي في كتابه القيم ( اليهودية ، والمسيحية وأديان الهند ) 341ـ 349
ـــــــــــــــــــــــــ
قال الأعظمي : (( وقال السيد محمد زكي الدين النجار بطهطا ، الذي كان نصرانيا ثم دخل في الإسلام :
في كتابه ( الإسلام نور الأكوان ) :
( إن من عجيب ما صنعه اليهود أن أثيما منهم اسمه شاؤل ( وهو نفسه بولس لعنه الله ) حارب المسيحية ، قتل المؤمنين ، وآذى الحواريين ، ولما لم يقض على النصرانية بهذا الاضطهاد ، ولم يفلح في رد المؤمنين عن الحق الذي آمنوا به ، عمد إلى حيلة تمكنه من هدم الدين من أساسه ، والقضاء عليه ، فتظاهر بأنه من أتباع المسيح ، وتسمى باسم بولس ، وجعل يضلل الناس في عقائدهم كما جاء في سفر الأعمال ( سفر أعمال الرسل 9/20) ، (( وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله )) .
ثم قال الاعظمي : ( وقد شك التلاميذ في صدق دعوى بولس بإيمانه بالمسيحية ، لأنهم رأوا منه ما يخالف ذلك ، فقد كان قبل هذا اليوم يقوم باضطهاد المسيحيين , وتسليمهم إلى الحكام الرومانيين ، ثم تحول صدفة إلى المسيحية ، إلا أن برنابا أقنعهم بأنه كيف أبصر الرب في الطريق ، وأنه كلمه ، ومن ذلك الوقت صارت لبولس قوة فعالة ، وحرمة مستمرة ، في الدعاية للمسيحية بصحبة برنابا في رحلات كثيرة ، إلا أن برنابا أيضا لم يصبر على بدعه وخرافاته ، وخاصة في دعوته لبنوة المسيح إلا أن أعلن براءته منه .
يقول برنابا في إنجيله : ( كانوا عديمي التقوى والإيمان الذين قالوا بدعوى التبشير بتعاليم المسيح ببث تعاليم أخرى شديد الكفر ، داعين المسيح ابن الله ، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائما ، مجوزين كل لحم نجس ، الذين ضل في عدادهم أيضا بولس ) انجيل برنابا ـ مقدمته 3ـ 7 .
ثم قال الاعظمي : ( لم يكن بولس كما بينا سابقا تلميذا للمسيح ، ولم يسمع موعظة من مواعظه ، بل بقي على كفره وعناده طيلة حياة المسيح ، ولم تبين أيضا المصادر المسيحية الموثوق بها تاريخيا منابع معارف بولس ومبادئه ، مع أن رسائله البالغ عددها أربع عشرة تحتل جزءا كبيرا من الكتاب المقدس ، وتشتمل على مبادئ العقيدة والشريعة وأصول الدين للمسيحيين في حياتهم الخاصة ، والعامة ، من العبادة والأحكام ، ففيها التسابيح والأغاني الروحية والمزامير والتراتيل ، كما فيها ما يتعلق بالنكاح والزواج والطلاق ، ومع هذا فإن المصادر المسيحية لم تبين حتى الآن منابع معارف بولس ، اللهم إلا أن يقال : إنه تعلم هذه المبادئ والأحكام من السيد المسيح مباشرة عن طريق الوحي كما يدعي هو نفسه ، ويقول : ( وأعرفكم أيها الاخوة ، الإنجيل الذي بشرت به ، أنه ليس بحسب إنسان ، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته ، بل بإعلان يسوع المسيح ) رسالة بولس إلى غلاطية 1/11
وأما بدراسة مبادئ بولس ، فيظهر أنه أخذها من الرومان الوثنيين الذين كانوا يسجدون للشمس والنار ، ومن البراهمة الهنود الذين يقولون بثلاثة أقانيم ، ومن الفلاسفة الإغريقيين .
هكذا اخترع هذا اليهودي المتعصب دينا جديدا ، وأصبح معلما كبيرا ، وادعى أن المسيح علمه مباشرة ، وبمقابل مبادئه الوثنية ، اهتدى قليل من المسيحيين إلى التوحيد ، ونفى ألوهية المسيح كبطرس وبرنابا .
ثم قال : ( ما أن طلع القرن الرابع الميلادي إلا اشتد الصراع بين أتباع بولس وأريوس ـ وكان أريوس يعارض بولس في دعوته الإلحادية ويقول أريوس بأن المسيح بشر مخلوق وعبد رسول ـ وأريقت في الصراع دماء الآلاف من الأبرياء .
إلى أن جاء قسطنطين الأعظم حاكم الرومان ، وأعلن دخوله في المسيحية ، فأمر بعقد مجمع ديني يضم الممثلين لجميع الكنائس في العالم المسيحي ، للفصل في أمر الخلاف بين أتباع أريوس ومعارضيه ، فاجتمع في نيقيا ألفان وثمانية وأربعون من الأساقفة ، ولكنهم اختلفوا اختلافا كبيرا ، ولم يستطيعوا الإجماع على شيء .
يصف ( يوسابيوس القيصري ) أحد معاصري قسطنطين هذا الوضع بقولــه : ( وسرى نفس الخلل إلى سائر الأرجاء البعيدة ، لأن مثيري النزاع في الإسكندرية أرسلوا سفراء عنهم إلى أساقفة الأقطار المختلفة الذين شايعوا أحد الطرفين ، واشتركوا في نفس روح المنازعة ) حياة قسطنطين العظيم 73 .
ويصف نفس المصنف الوضع الذي وصل إليه الشعب المسيحي بقوله : ( لأن الأساقفة في كل مدينة ، كانوا في الواقع يتنازعون مع الأساقفة ، وشعب يقوم ضد شعب ، وأصبحوا يتصادمون بعضهم مع بعض ، مثل الصخور الخرافية ، بل إن بعضهم كانوا يذهبون إلى ما وراء حدود العقل بطياشة وروح ثورية ) المصدر السابق 85
فمنهم من كان يقول : ( المسيح ومريم إلهان من دون الله ) .
ومنهم من يقول : ( إن المسيح من الأب بمنزلـة شعلة نار توقد من شعلة نار ، فلم تنقص الأولى لإيقاد الثانية منها ) .
ومنهم من قول : ( لم تحبل مريم لستة أشهر ، وإنما مر نور في بطن مريم ، كما يمر الماء في الميزاب ، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من فرجها لساعتها ) .
ومنهم من يقول : بثلاثة آلهة ( صالح وطالح وعدل بينهما ) .
ومنه من يقول : ( ربنا وإلهنا يسوع المسيح ) .
ومنهم من يقول : ( إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا ، في جوهره ، وإن ابتداء الابن من مريم ، وإنه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الإنساني ، صحبته النعمة الإلهية ، فخلق منها بالمحبة والمشيئة فلذلك سمي ابن الله ) .
ومنهم من كان يقول : ( إن الله جوهر واحد ، واقنوم واحد ، ويسمونه بثلاثة أسماء ، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس ) .
ومنهم من كان يقول : ( إن المسيح إله حق ، وإنسان حق ، بطبيعتين ومشيئتين كذلك ) .
ومنهم من كان يقول : ( إنه بطبيعة واحدة ومشيئة واحدة ).. إلى غير ذلك من الآراء.
فكل يدافع عن رأيه ويناظر ، وينكر على الآخرين ويكفرهم ، واشتد الخلاف بينهم حتى لعن بعضهم بعضا ، فانسحب كثير منهم من المجمع ، فلم يبق إلا 318 أسقفا .
ويظهر أن قسطنطين كان مائلا إلى الرأي القائل بألوهية المسيح ، لأنه كان قبل هذا وثنيا ، ثم دخل في المسيحية ، فوافقت نزعته الوثنية ألوهية المسيح ، فاختار بين المجتمعين 318 أسقفا من أنصار هذا المذهب ، وألف منهم مجلسا خاصا ، وعهد إليهم أمر الفصل في هذا الخلاف ،واخذ خاتمه وسيفه وقضيبه ، فدفعها إليهم ، وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على المملكة ، لتصنعوا ما بدا لكم ، مما فيه قوام الدين ، وصلاح المؤمنين ، فباركوا على الملك ، وقلدوه سيفه ، وقالوا له : أظهر دين النصرانية وذب عنه ، ووضعوا له أربعين كتابا ، فيها السنن ، والشرائع وفيها ما يصلح للملك أن يعمل به ، وانتهى هؤلاء إلى عدة قرارات ، كان أهمها القرار الخاص بألوهية المسيح ، وتكفير أريوس وأتباعه ، وتحريم مطالعة جميع الكتب التي لاتثبت ألوهية المسيح ، وإحراق كتب أريوس جميعها ، وأن إخفاء أي كتاب منها جريمة يعاقب عليها بالإعدام .قصة الحضارة 3/396
يقول المطران ( اوفيلس المرقصي ) في كتابه المخطوط : بستان الأزهار في تفسير الشعار ( وهو مخطوط محفوظ في بمكتبة الدير المحرق ، تحت رقم 103، من مؤلفات الآباء المرقصيين ، ومكتوب باللغة القبطية ، وكل صحيفة أمامها صحيفة ترجمتها باللغة العربية بخط المؤلف ) .
يقول : إنه بعد وفاة المسيح بحوالي سبعين سنة عندما بدأ مرقص الرسول في كتابه انجيله ، بدأ معه الخلاف في الرأي ، ثم تطور الخلاف حتى بلغ أشده سنة 325م ، عندما اجتمع مجمع ضم جميع طوائف المسيحية في الشرق والغرب ، واتفق الجميع بعد المدارسة والمناقشة على الخطوط الرئيسة للمسيحية من ناحية العقائد ، والكتب المقدسة ، واتفقوا على المبادئ الآتية :
1ـ الاعتراف بالثالوث : الآب ، والابن ، والروح القدس ، شعارا للمسيحية .
2ـ الإيمان بأن المسيح جاء لتخليص العالم من خطيئة آدم المتوارثة .
3ـ كون المعمودية سواء برش الماء ، أو غمر جزء كبير من الجسم فيه بعد صلاة الكاهن على ذلك الماء ركنا من أركان المسيحية الأساسية ، وذلك نسبة إلى تعمد المسيح على يد يوحنا المعمدان ( يحيى عليه السلام ) في بحر الشرقية ، نهر الأردن .
4ـ المناولة : وهي أن كل القرابين رمز لجسد المسيح ، وأن شرب الخمر المعتقة إشارة إلى دم المسيح المسفوك على خشبة الصليب .
، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه : (ووجه بطرك رومية من عنده رجلين ، فاتفقوا على نفي أريوس وأصحابه ، ولعنوهم ، وكل من قال مقالته ، ووضعوا تلك الأمانة ، وثبتوا أن الابن مولود من الأب ، قبل كل الخلائق ، وأن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق ، واتفقوا على أن يكون فصح النصارى في يوم الأحد ، الذي يكون بعد فصح اليهود ، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصح النصارى ، في يوم واحد ، وثبتوا ما وضعه من تقدم ذكره من حساب الصوم والفصح ، وأن يكون فطر النصارى يوم فصحهم يوم الأحد الذي يكون بعد فصح اليهود .
ثم قال : وسن قسطنطين الملك ثلاث سنن :
أحدها كسر الأصنام وقتل كل من يعبدها .
والثانية أن لا يثبت في الديوان إلا أولاد النصارى ويكونون أمراء وقواد.
والثالثة أن يقيم الناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها لا يعملون فيها عملا ولا يكون فيها حرب ) الجواب 3/24ـ 25
وهكذا سقطت كنيسة أسيوط ، وكنيسةمقدونية ، وكنيسة فلسطين ، وكلها كانت تدعو إلى أن المسيح إنسان مخلوق على رأي أريوس ، وقتل خلق كثير من اليهود الذي لم يتنصروا ، كما ذبحت الخنازير ، وطبخت ووزع لحمها على أبواب الكنائس ، فكل من خرج يوم الفصح من الكنيسة ، يلقم لقمة من لحم الخنزير ، فمن لم يأكل منه كان مصيره القتل ) انتهى نقلا عن كتاب اليهود والنصارى للاعظمي .
____________
ثانيا :
ــــ
قال العلامة نصر بن يحيى بن عيسى المتطبب في مقدمة كتاب : النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية :
( وإنني نشأت على ملة أبوي ، متبعاا لدينهما ، ومقتفيا لطريقهما ، إلى أن شملتني ألطاف الله تعالى ورحمته ، وعمتني أياديه ورأفته ، فوفقني للإخلاص في توحيده ، والخلاص من غضبه ووعيده ، وأرشدني إلى ما ينجي من هول يوم المعاد ، وصرفني عن طريق الشك والإلحاد ، ودلني على الهدى فقصدته ، وهداني إلى الصواب فاتبعته …
إلى أن قال : وأشهد أن محمدا عبده ، ورسوله ، وصفيه ، ونبيه الذي أنقذ به من الضلالة ، وخلص به من الجهالة ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
وحيث أنقذني الله من الشريعة التي نسخت ، والملة التي طمست ، وشرفني الله بدين الإسلام ، واتباع شريعة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام ، وأصحابه مصابيح الظلام .
أحببت أن أذكر نبذا من أحوال النصارى ، واختلاف مذاهبهم ، وآرائهم ، واعتقاداتهم وضلالهم ، أو ما أورد كل صاحب مذهب منهم في معنى : الاتحاد ، والآب ، والابن ، والروح القدس ، وما تضمنته أناجيلهم عن حال المسيح ابن مريم من حين ولد إلى أن أخذته اليهود وما فعلوا به ، وكم كانت الأناجيل ، وكم هي الآن ، وأذكر اتخاذهم الصلبان ، وتعظيمهم لها ، وسجودهم للصور ، وحال قرابينهم ، وكيف اتخذوها ، وسميت هذه الرسالة
( النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية ) ..
إلى أن قال : وأنا استغفر الله عز وجل ، وأتوب إليه مما اعتقده ، وأعتمد عليه ، وأساله أن يسبل عليّ رداء عفوه ورحمته ، ويشملني بلطفه ورأفته ، وأن يقيل عثرتي ، ويقبل توبتي ، فإنه مجيب الدعوات ، ومقيــــل العثرات ، ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) .
فلقد عمت في تيار بحر الضلالة ، وركضت في ميدان الجهالة ، وشاركت الجاحدين في أفعالهم ، والمشركين في أقوالهم ، والكافرين في ضلالهم ، ووافقت الملحدين في إلحادهم ، والمجرمين في كفرهم وعنادهم ، واعتمدت ما يعتمدونه من شد الزنار ، والشك بالله الواحد القهار ، والوقوف بين يدي الصور والصلبان ، وتلاوة الأناجيل بالألحان ، وتناول البرسان ( أقراص تغمس في الخمر وتؤكل ) ، والقربان ، والدخول إلى بيت المذبح في كل أوان ، ومرافقتهم في فساد توحيد الله عز وجل من القول بالأقانيم الثلاثة ، وغيرها مما تضمنته الشريعة النصرانية ، ووضع الاحتجاجات التي لايليق ذكرها ، تعالى الله عما يقول الكافرون ، ويعتقده المشركون علوا كبيرا ( الحمد لله الذي لم يتخد ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ) .
… إلى أن قال :
يقولون : إن الله سبحانه وتعالى ، جوهر واحد ، وثلاثة أقانيم :
ـ أقنوم الأب .
ـ وأقنوم الابن .
ـ وأقنوم الروح القدس .
وأنها واحدة في الجوهر ، مختلفة الاقانيم .
وقال بعضهم : إنها أشخاص وذوات .
وقال بعضهم : إنها خواص .
وقال بعضهم : إنها صفات .
وقال بعضهم : إن أقنوم الآب هو الذات ، وأقنوم الابن : هو الكلمة وهي العلم ، وأن أقنوم روح القدس هو الحياة .
والاقنوم عندهم هو الشخص .
-
إلى أن قال : مذاهب النصارى :
والنصارى ثلاثة مذاهب :
*اليعقوبية .
*والنسطورية .
*والملكية .
أما اليعقوبية ، فإنها فرق كثيرة ، وهم يقولون :
إن المسيح عليه السلام ، طبيعة واحدة من طبيعتين ، إحداهما طبيعة اللاهوت ، والأخرى طبيعة الناسوت ، فإن هاتين الطبيعتين تركبتا كما تركبت النفس مع البدن واتحدتا ، فصارتا إنسانا واحدا ، وجوهرا واحدا ، وإلها واحدا ، وأن هذه الطبيعة الواحدة ، والشخص الواحد هو المسيح ، وهو ( إله ) كله ، و( إنسان ) كله ، وهو شخص واحد ، وطبيعة واحدة من طبيعتين .
ومنهم من يقول : إنه بمعنى الممازجة ، فصار منها شيء ثالث ، كما تمتزج النار بالفحمة فيصير منها جمرة ، والجمرة ليست نارا خالصة ، ولا فحمة خالصة ، وهذا موافق لما في ( تسبيحة إيمانهم ) من قولهم : نزل من السماء وتجسد في روح القدس ، وصار إنسانا ، ولهذا قالوا : المسيح جوهر من جوهرين ، وأقنوم من أقنومين .
ويقولون : إن مريم ولدت الله عزوجل ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ وأنه تألم وصلب متجسدا ، ودقت المسامير في يديه ورجليه ، ومات ، ودفن ، وقام من بين الأموات ، بعد ثلاثة أيام ، وصعد إلى السماء .
أما النسطورية :
فإنهم فرقة واحدة ، وظاهر قولهم :
إن الاتحاد على معنى المساكبة ، وأن الكلمة جعلته محلا وأدرعته ادراعا ، وكذلك قالوا : إن المسيح جوهران وإقنومان ، وقال بعضهم : إن الاتحاد وقع به كما اتحد نقش الفص بالشمع ، وصورة الوجه بالمرآة ، من غير أن يكون قد انتقل النقش من الفص إلى الشمع ، أو الوجه إلى المرأة .
وقال بعضهم : اتحاد الكلمة هي : أن ظهرت ودبرت على يديه بإظهار المعجزات عليه .
وقالوا أيضا : إن المسيح شخصان وطبيعتان ، لهما مشيئة واحدة ، وأن طبيعة اللاهوت التي للمسيح غير طبيعة الناسوت ، وأن طبيعة اللاهوت لما اتحدت بالناسوت وبالكلمة ، صارت الطبيعتان بجهة واحدة ، وإرادة واحدة ، واللاهوت لا يقبل الزيادة ولا نقصان ، ولا يمتزج بشيء ، والناسوت يقبل الزيادة والنقصان ، فكان المسيح بذلك إلها ، وإنسانا ، وهو إله بجوهر اللاهوت الذي لا يزيد ، ولاينقص ، وهو ( إنسان ) بجوهر الناسوت القابل للزيادة والنقصان .
وقالوا : إن مريم ولدت المسيح بناسوته ، وأن اللاهوت لم يفارقه قط منذ اتحد بناسوته .
وأما الملكية وهم : الروم وغيرهم ، فيقولون :
إن الابن الأزلي الذي هو الكلمة ـ وأن الكلمة هي الحائلة والمصورة والمفصلة للمعاني التي بها يكون التعقل ، وليس الكلمة هي الصوتية ، ولا النطق الجرمي ـ تجسد في من مريم تجسدا كاملا ، كسائر أجساد الناس ، وركب في ذلك الجسد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة والعلم كسائر أنفس الناس ، وأنه صــــار ( إنسانا ) بالنفس والجسد اللذين هما من جوهر الناسوت ، و( إلها ) بجوهر اللاهوت كمثل أبيه لم يزل ، وهو إنسان ، وهو الناسوت مثل إبراهيم وداود عليهم السلام .
وهو شخص واحد لم يزدد عدده ، وطبيعتان ، ولكل واحد من الطبيعتين مشيئة كاملة ، فله اللاهوت مشيئة الأب والروح القدس ، وله بناسوته مشيئة إبراهيم وداود .
وقالوا : إن مريم ولدت إلها ، وأن المسيح : هو اسم يجمع اللاهوت والناسوت ، والناسوت مات .
وقالوا : إن الله لم يمت ، وأن الذي ولدته مريم ، مات بجوهر ناسوته ، وله مشيئة اللاهوت والناسوت ، وهو شخص واحد ، لا نقول شخصين ، لئلا يلزمنا القول بأربعة أقانيم ، فأتوا من القول ـ أيضا ـ بمثل ما أتت به اليعقوبية في ولادة مريم : ( الله ) ، عز وعلا وتنزه عما يقوله المبطلون .
وقالوا : إن المسيح اسم ، لايشك كافة النصارى أنه واقع على اللاهوت والناسوت ، والناسوت مات وأن الله لم يمت .
انتهى النقل من كتاب العلامة نصر بن يحيى المتطبب.
والخلاصة :
ـــــــ
أن النصارى بعدما حرفت دين المسيح عليه السلام الحق ، أصبحت كافرة مشركة بالله تعالى ، ولكن بين طوائفها اختلاف لا يخرجها جميعا عن اعتقادها بالتثليث ، وعن اعتقاد أن المسيح إله ، وأنه متولد ممن يطلقون عليه الأب ، وأن الصديقة مريم عليها السلام ، حملته في بطنها ، ثم اختلفوا في تفسير هذا التولد الشركي الذي اعتقدوه بين حقيقة الله تعالى ، وحقيقة المسيح ، إلى خرافات كثيرة ، وكفريات خطيرة ، لا يخرجهم ذلك عن كونهم مشركين كفارا. أما زعمه أن الامامين الغزالي وابن قتيبة أجازا أطلاق ابن الله على المسيح مجازا ، فنقول ليأت بالمصدر ، مع أن الاضافة إلى الله تعالى قد تكون من باب إضافة المخلوق إلى الخالق تشريفا ، كما يقال ناقة الله تعالى ، غير أن علماء الاسلام يمنعون إطلاق ابن الله تعالى على أحد كائنا من كان ، لما يوهمه ذلك من مشابهة لعقيدة النصارى المشركة والله أعلم ..
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006