نحب الجهاد ونلعن الطواغيت ونضيّع حياتنا في اللهو واللعب؟!

 

السؤال:

نحن مجموعة من الشباب نحب المجاهدين ، ونكفر الطواغيت ، ونتحدث في مجالسنا عن أحوال أمتنا ، ونتمنى أن ييسر الله تعالى لنا طريقا إلى الجهاد ، ولكن المشكلة هي أننا أصبحنا لا نزيد على هذه الأماني ، وأما أحوالنا الإيمانية فقد ضعفت ، وتركنا دعوة الناس حتى إن الفساق قريب من مجلسنا فلا ندعوهم ، وأصبحنا نتهاون في الأخذ بالسنن ، ونتهاون بالغيبة ، ونغتاب من يخالفنا ونخوض في الأعراض ، ونهمل دعوة الناس والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن الجواب هو الجهاد ، فلا نحن جاهدنا ، ولا نحن استفدنا من الوقت في فعل الخيرات ، وهمنا أن نجتمع لنشتم ونسب الطواغيت ، ومن يؤيدهم ، ولا نأتي من النوافل إلا القليل ، وضعف إيماننا وقست قلوبنا ، وأصبحنا نظن أن الرجل إذا أحب الجهاد والمجاهدين وكفر بالطواغيت فقد أدى ما عليه ، فما توجيهكم ؟!

***************


جواب الشيخ:

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله:

هذا الذي وصفت في سؤالك ، هــو من تلبيس إبليس على كثير من الناس، فيلهيهم بالأماني ، ويشغلهم بالأقوال دون الأفعال ، ويعلق قلوبهم بالأوهام ، ويقعدهم عن العمل ، فإذا عزم الواحد منهم على تغيير حاله ، أبطل شيطانه عزيمته بأن يوسوس له بهذا الوسواس : قد أنعم الله عليك بالتوحيد ، وميزك عن غيرك بمعرفة الطاغوت والكفر به ، وبهذا وحده تحصل نجاتك ، وترتفع عند الله درجاتك ، وربما أغراه بفعل الصغائر ، بل وارتكاب الكبائر ، بهذه الخديعة الإبليسية .

ولا يدري المسكين أنه قد غدا ضحية الطاغوت الأكبر ، وهو الشيطان الداعي إلى كل معصية ، وما الطواغيت كلّها إلا جنود لهذا الطاغوت الشيطاني ، فليتأمل العاقل كيف انطلت عليه خدعة الطاغوت ، وهو يحذر منه ، وغدا يعادي الطواغيت الإنسية ويلعنهم علانية ، بينما يصادق رأس الطواغيت في السر عندما يطيعه في المعصية !!

وقد ألهاه الشيطان بالآمال والأماني ، وصرعه بهذا الكيد ، وأقعده عن الجد .

كما قال ابن القيم رحمه الله : " وأخس الناس همة وأوضعهم نفسا من رضى من الحقائق بالأماني الكاذبة واستجلبها لنفسه وتحلى بها وهى لعمر الله رؤوس من أموال المفلسين ومتاجر الباطلين وهى قوة النفس الفارغة التى قد قنعت من الوصل بزورة الخيال ومن الحقائق بكواذب الآمال كما قال الشاعر

أماني من سعد رواء علـــــــــي الظمـــــــا % سقينــــا بها سعدا علي ظمإ بردا
مني إن تكن حقا تكن أحسن المنــــــــي % وإلا فقد عشنــــــا بها زمنـــــــا رغــــدا

وهي أضر شئ على الإنسان وتتولد من العجز والكسل وتولد التفريط والإضاعة والحسرة والندامة " .

وقد بين رحمه الله أن من أهم علامات التوفيق للعبد أن يُهدى إلى :

" الفكرة فى واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبدا قال الشافعي رضى الله عنه صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين أحدهما قولهم الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الأخرى : ونفسك إن أشغلتها بالحق وإلا اشتغلتك بالباطل .

فوقت الإنسان هو عمره فى الحقيقة وهو مادة حيا الأبدية فى النعيم المقيم ومادة المعيشة الضنك فى العذاب الأليم وهو يمر أسرع من مر السحاب فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته فى الغفلة والشهوة والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة فموت هذا خيرا له من حياته وإذا كان العبد وهو فى الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر فأما وساوس شيطانية وإما أماني باطلة وخدع كاذبة بمنزلة خواطر المصابين فى عقولهم من السكارى والمحشوشين والموسوسين ولسان حال هؤلاء يقول عند انكشاف الحقائق

إن كان منزلتي فـــــــى الحـــــب عندكـــــم % ما قد لقيت فقد ضيعت أيامى
أمنية ظفرت نفســــــــــــــــــــى بها زمنا % واليوم أحسبهـــــا أضغاث أحـــــلام"

والحاصل أن من علامات توفيق الله للعبد أن لا يزال مشغولا بهم الآخرة ، يعمر وقته بوظيفة الوقت ، إن كان في الجهاد كان فيه ، وإن لم يكن فيه ، انشغل بعبادة الوقت .

فهو : إما إن يدعو إلى الله تعالى ، فقد جعل الله تعالى الداعي إليه أحسن الناس قولا ، وأيّ تزكية أعظم من هذه : قال تعالى " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " .

أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، أو يذكر الله تعالى ، أو ينشغل بأنواع العبادات ، وأصناف القربات .

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله تعالى أفضل العمل وأفضل من ضرب الرقاب في الجهاد كما في الحديث : " ألا أنبئكم بخير أعمالهم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ ذكر الله " خرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

كما جعـــل انتظار الصلاة بعد الصلاة رباط في سبيل الله تعالى ، كما في صحيح مسلم : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا : بلى. يا رسول الله! قال "إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط". وليس في حديث شعبة ذكر الرباط، وفي حديث مالك ثنتين "فذلكم الرباط، فذلكم الرباط “

وجعل العبادة في الهرج كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه : " العبادة في الهرج كهجرة إليّ" .

أي من انشغل بالعبادة وقت الفتنة فله مثل ثواب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان العبد في عمل صالح يهمّ به ويفعله ، يضرب في كل باب من أبواب الخير بسهم ، تعلق قلبه بالآخرة ، يعظم ما يأتيه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبادر إلى امتثاله ، فهو على خير ، وإذا كان لا يفعل سوى أن يجلس يتمنّى ويتوهّم ، فإن على درجة لم يزد على التلوّم ، فقد غرّه الشيطان .

وانصح الإخوة أن يكون ذكر الآخرة على بالهم ، وهمّها أعظم همهم ، وأن يعتصموا بالقرآن فيملأوا به أجوافهم ، وبالذكر فيلهجوا به ألسنتهم ، وأن يظهروا التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس فذلك من أعظم الجهاد ، وأن يكون حالهم أنهم في جهاد دائم في معاداة الشيطان والنفس والهوى ، وفي الحديث المجاهد من جاهد نفسه في الله رواه الترمذي من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه والله أعلم .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006