هل الحب حرام ، وصلة الرحم ؟

 

السؤال:

ياشيخ هل الحب بين الجنسين حرام ، ومن هم الأرحام وكيف يصل الأنسان رحمه ، هل يزور باليوم أم بالشهر أم بالسنة ، وهل صحيح أن من لايصل رحمه تنثر حسناته يوم القيامة ؟

*******************

جواب الشيخ:

لحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

الحب ليس حراما ، وهل يمكن أن يحرم الله تعالى أجمل عواطف الإنسان ، وأروعها ، لكن الله تعالى بحكمته وجه هذه العاطفة إلى مافيه صلاح الإنسان ، وأمره أن يمتنع عن توجيهها إلى ما فيه دماره ودمار المجتمع ، تماما مثل باقي عواطف الإنسان وشهواته ، فالله تعالى ما ركبها فيه ليحرمها عليه ، ولكن ليوجهها له توجيها حكيما .

ولهذا جاءت الشريعة بمنع العلاقة بين الجنسين خارج إطار الزوجية ، لأنها قد تتطور إلى العشق وهو داء لاحل له إلا بالزواج ، فإن لم يحدث الزواج ، فإنه قد يدمر الإنسان تدميرا هائلا ، أعاذنا الله وإياك من ذلك .

ولما كانت المحبة بين الجنسين قوية الأثـيـر في النفس الإنسانية ، وعجيبة الأثــر ، فقد تكون فوارة بالخير ، أو فتاكة بالضـــــرر ، وفي إطلاقها خارج طهارة الأداب الإسلامية ، والأخلاق الإيمانية ، إطلاق لأضرارها البالغة على المجتمع ، فقد سدت الشريعة الطرق المؤدية إلى انحراف الحب عن وجهته السليمة فحرمت على المرأة التبرج ، والخلوة بالرجل ، وأن ترقق صوتها في خطابه ، وأن تبدي زينتها ، وأن تسافر من غير محرم ، وأن تتعطر وتمر على الرجال .. إلخ ، وذلك لتسد الطرق إلى انحراف الحب إلى غير صلاح الإنسان.

فإن قدر الله تعالى ، أن وقع الحب في قلب رجل أو امرأة ، فليس حراما ـ إذا لم يسلك إلى ذلك وسيلة محرمة ـ ولا عيبا ، بل على من وقع فيه أن يتوجه إلى شريعة الله تعالى الهادية المثمرة كل صلاح وفلاح فيستهدي بها .

لهذا جاء في الحديث الصحيح ( لم ير للمتحابين مثل الزواج ) ـ وهذا اعتراف بالحب ، وأنه قد يقع في قلب المرأة حب رجل ، أو يقع في قلب الرجل حب أمرأة ، وقد يكون هذا رغما عنه ، يهجم على قلبه ، أو يهجم على قلبها ، وقد يكون في فترة عاشها أو عاشتها في غفله ، ثم صحا أو صحت ، وعرف ربه ,أو عرفت ربها ، وبقي الحب في قلبه أو قلبهــــــا .

فجعل الإسلام الحل في الزواج ، فبه تتعانق الأرواح المتحابة في تواصل الأجساد المتصابة ، في إطار من شريعة الله تعالى المطهرة ، فينتج عن ذلك ، أجمل وأبهى وأزهى الثمار الإنسانية ، وهي أسرة مستقرة متحابة متوادة .

فإن لم يمكن الزواج لسبب من الأسباب ، فحينئذ يكون المحب في دائرة الإبتلاء ، فعليه أن يصبر ويتقي ربه ، ولايتصل بمحبوبه ، بل يدعو الله تعالى أن يلهم نفسه التقوى ويجنبها الردى ، وأن يملأ مــا أصبح في قلبه من فراغ الحب الذي لم يقدر أن يملأه بوصال المحبوب ، أن يملأه بمحبة الطاعات ، والرضا بالأقدار ، والصبر على القضاء ، وكذلك تفعل هي إن حيل بينها ويبن الزواج بمحبوبها .

قال ابن القيم رحمه الله ، في الجواب الكافــــي :

" والقسم الثالث من العشق العشق المباح الذي لا يملك كعشق من صورت له امراة جميلة او رآها فجأة من غير تصد فاورثته ذلك عشق لها ولم يحدث له ذلك العشق معصية فهذا لا يملك ولا يعاقب عليه والانفع له مدافعته والاشتغال بما هو انفع له منه والواجب على هذا ان يكتم ويعف ويصبر على بلواه فيثيبه الله على ذلك ويعوضه على صبرة لله وعفته وترك طاعته هواه وايثار مرضاة الله وما عنده "

فإن لم يصبر ، أو لم تصبر هي ، فالشيطان هنا يجد متسعا رحبا لإضلال الإنسان ، وإشقاءه بمعصية ربه ، ويلقي في قلبه قاذروات الوساوس الإبليسية ، فإما أن يصرف الشيطان حبّه في شهوات محرمة ، أو ينتحر فيستوجب النار ، أو يجن فيقتل محبوبة ، أو يقتل من انصرف محبوبه إليه عنه ، أو يعيش تعيسا محطما .

وكل ذلك ضعف وخور وجهل وشرر ، ولو أنه اعتصم بالله تعالى ، ولجأ إليه ، لنجاه الله تعالى من هذا البلاء ، وأبدله بدل ما فاته من عذوبة الحب وعذابه ، حلاوة الإيمان وسكينته ، والله تعالى مالك القلوب يصرفها حيث يشاء ، ويقلب حيث يريد سبحانه ، ولكن أكثر الناس لايعلمون .

نسال الله تعالى أن يصرف قلوبنا إلى حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه ، وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

وأما صلة الرحم : ـ

فالأرحام هم الأقارب من جهة الوالدين أصولهما وفروعهما ، وليس بصحيح أن من لايصل رحمه لاتقبل حسناته أو تنثر يوم القيامة ، لكن قطع الرحم من الكبائر ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، والقطيعة يحدها العرف ، فممن عده الأرحام قاطعا فهو قاطع ، وصلة الرحم تختلف باختلاف قربها ، فللوالدين منها حق أعظم ، وللأخوة والاخوات حق يلي حق الوالدين ، ثم يأتي حق كل ذي رحم بحسب قربه ، وحاجته ، وليس ثمة تحديد شرعي بمدة للزيارة ، ذلك أن الناس يختلفون في أحوالهم ، وبعدهم وقربهم في المسكن ، ، ولهذا فبعيد المسكن لايعده الأرحام قاطعا في العادة وإن طال غيابه ، والجار يعد قاطعا إن لم يكرر الصلة كثيرا ، وهكذا ، والضابط هو ما عده الأرحام قطيعة ، فهو قطيعة ، فمادام يبل رحمه ، ويتحر صلتهم ، ويجبر خاطرهم ، ويصلهم بالهدايا أو على الأقل يبل الرحم بالسلام كما في الحديث ( بلو أرحامكم ولو بالسلام ) فهو واصل ، وإن عدوه قاطعا فهو قاطع ، وعماد الصلة ثلاثة أمور : بذل الحق كعيادة المريض والعزاء ونحو ذلك ، الزيارة وتفقد الحال ، والمعونة عند الحاجة والهدايا عند القدرة ، وذلك من غير تكلف ، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها ، وعلى أية حال فمتى بل الرحم بالسلام ، وأحسن خلقه معهم ، ورضوا عنه ، فقد أدى ما عليه والله أعلم .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006