أحكام وفوائد ليوم عاشوراء

 

السؤال:

هل يجوز صيام يوم السبت وماذا لو صادف عاشوراء ، وماهي الأحكام التي تتعلق بهذا اليوم وما فضله ؟

*****************

جواب الشيخ:

يجوز صيام يوم السبت لكن لايفرده الصائم ،  إلا إن صادف يوما اعتاد صيامه كعرفة ،  أو كان يصوم يوما ويفطر يوما أو يوم عاشوراء مثلا ، والاولى أن لايفرد السبت مطلقا .


وقد ورد النهي عن صيام السبت , والأقرب حمل ذلك على إفراده ، إن لم نقل أن الحديث غير محفوظ أو شاذ ، كما قال ابن القيم رحمه الله .

 

 أما من اعتاد صوم يوم فيصومه ، وذلك مثل يوم الجمعة ورد النهي عن إفرادها بالصوم ، ويجوز صوم الجمعة مع الخميس أو السبت ،

 

وكذلك إن كان يوم صوم اعتاده الصائم ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صوم السبت ، قال الأثرم : ": حجة أبي عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ في الرخصة في صوم يوم السبت : أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر ـ يعني الذي نهى عن صوم السبت ـ منها : حديث أم سلمة , حين سئلت : " أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ؟ فقالت : السبت والأحد " ومنها حديث جويرية : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة : أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ " فالغد : هو يوم السبت . وحديث أبي هريرة " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة , إلا مقرونا بيوم قبله أو يوم بعده " فاليوم الذي بعده : هو يوم السبت . وقال : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال " وقد يكون فيها السبت . وأمر بصيام الأيام البيض , وقد يكون فيها السبت , ومثل هذا كثير فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث , وأنه رخص في صومه , حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة " أ.هــ

 

وهذا الاحاديث كلها صحيحة حديث أم سلمة عند أحمد النسائي والبيهقي وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث كريب ، والبقية في الصحيحين وغيرهما والله أعلم

 

هذا جملة من أحكام صيام عاشوراء وبيان فضله

 

نحن أحق بموســـى عليه السلام

 


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : "ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال : فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" .  رواه البخاري 1865  .


قوله : " هذا يوم صالح " في رواية مسلم : " هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه ". قوله: " فصامه موسى " زاد مسلم في روايته: " شكراً لله تعالى فنحن نصومه ".

وفي رواية للبخاري : "ونحن نصومه تعظيماً له". ورواه الإمام أحمد بزيادة : "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً " .

 

قوله : " وأمر بصيامه " وفي رواية للبخاري أيضاً : "فقال لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموا " .

 

وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه" .. قال القرطبي : لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام . وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيداً كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : "كان يوم عاشوراء تعدُّهُ اليهود عيداً " . وفي رواية مسلم :" كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيداً " وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" . قال النبي صلى الله عليه وسلم :

 "فصوموه أنتم".  رواه البخاري  .


وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يصام .  انتهى ملخصاً من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري  .


فضل صيام عاشوراء :


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "

ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان " رواه البخاري 1867. ومعنى "يتحرى" أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.


وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "  رواه مسلم 1976  وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم .


وعاشوراء هو اليوم العاشر :


قال النووي رحمه الله : عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمانِ ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة . قال أصحابنا : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو التّاسع منه .. وبه قال جُمْهُورُ العلماء… وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفـظ، وهو المعروف عند أهل اللغة. (المجموع ).


استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء :


روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" . قال : فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .  رواه مسلم 1916 .

 

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع.

 

وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب : أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب .

 

والأصح أن صيام تاسوعاء إنما شرع بقصد مخالفة أهل الكتاب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: " لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع " .  الفتاوى الكبـرى ج6 سد الذرائع المفضية إلى المحارم  .

 

وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" : ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعر بعض روايات مسلم. ( فتح 4/245 ) .


حكم إفراد عاشوراء بالصيا م :


قال شيخ الإسلام : صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم .. ( الفتاوى الكبرى ج5 ) .

 


ولا يكره صيامه ولو صادف جمعة أو سبت :


لانه لم يقصد حينئذ إفراد الجمعة أو السبت بصيام ، بل قصد صيام عاشوراء ، فزالت الكراهية ، قال البهوتي رحمه الله : ويكره تعمد إفراد يوم السبت بصوم لحديث عبد الله بن بشر عن أخته : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم "  رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وقال : على شرط البخاري  ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم .. ( إلا أن يوافق ) يوم الجمعة أو السبت (عادة ) كأن وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء وكان عادته صومهما فلا كراهة؛ لأن العادة لها تأثير في ذلك ( كشاف القناع ج2 باب صوم التطوع ) .


ويستحب أن يحتاط إن اشتبه عليه دخول أول الشهر :


قال أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر. ( المغني لابن قدامة ج3 الصيام – صيام عاشوراء ) .


وتكفيره إنما هو لصغائر الذنوب :


قال الإمام النووي رحمه الله : يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر . ثم قال رحمه الله : صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه… كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر.(المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة) .

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصّغائر فقط . ( الفتاوى الكبرى ج5 )


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006