حكم إعانة الكفار في غزوهم للعراق ؟

 

السؤال:

***الصدع بالحق المبين في الرد على بعض الكويتيين المبيحين إعانة الكفار على غزو بلاد المسلمين ***

*حامد بن عبدالله العلي*

(((( *** تنبيه : ورد خطأ مطبعي في سياق الكلام على الظنون الباطلة ، في الظن الرابع كلمة ( أهون ) بدل ( كلمة أشد) والصحيح وضع كلمة ( اشد ) بدل ( أهون ) . فيرجى ممن سحب الرسالة من قبل أن يصلح هذا الخطأ غير المقصود *** ))) . جوابا على أسئلة كثيرة وردتنا بعد صدور عدة فتاوى في الكويت تبيح التعاون مع الامريكيين في غزوهم للعراق بلا حاجة لذكـر أسماء المفتين . بين يدي الرد ( نستغفر الله العظيم ، ثم نعتذر لإخواننا المجاهدين في كل مكان ، أننا مضطرون أن نرد على هذه الشبه المتهافتة في هذه الرسالة ، في حين أن الوقت قد حان ليهب المسلمون لصد الحملة الصليبية عن بلاد الإسلام ، وليس لإقناع الناس أن إعانتها حرام !! )

***********************

جواب الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

****
الصدع بالحقّ المبين في الردّ على بعض الكويتييّن المبيحين إعانة الكفار على غزو بلاد المسلميـــــــن !

*****
حامد بن عبد الله العلي

الحمد لله الذي أنزل في محكم التنزيل : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردُّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) .

وأنزل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .

وأنزل : ( ولاتركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لاتنصرون ) .

وقال ( فلا تطع الكافرين و جاهدهم به جهادا كبيرا ) .

والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين ، المأمور بجهاد المغضوب عليهم والضالين ، من اليهود الصهاينة ، والنصارى الصليبيين ، ومن والاهم ، ونصرهم ، وأعانهم على إرادتهم إطفاء نور هذا الدين ، كما ذكر الله تعالى عنهم في كتابه المبين .

وبعــــــد :

فإننا معشــر المسلمين اليوم نواجـــه غزوا عامـــا من أمّــة على أمــّة ، وليس اغتصابا لسلطة على قطر من أقطار المسلمين فحسب .

ونتعرض لموجة جديــدة من موجات الصليبيين ، لا لتغيير لنظام في بلد سيأتي به الخصب بعـــد الجدب .

وتغشانا حملة يهودية المكر ، صليبية المادة والعنصر ، إلى زوال الإسلام ترنو ، وفي هذا الهدف تصــب .

ولن يبصر الحقيقة في هذه النازلة إلا من تيقن أمرين :

أحدهما : أن التهديد العام على أهل الإسلام أشـد خطورة من الخاص على طائفة من المسلمين .

الثاني : أن دفع الخطر العام عن دين المسلمين ، أولى من حماية ما بأيديهم من الدنيا الفانية ، فالدنيـا عرض زائل ، يأكل منه البر والفاجر ، أما الخطر على الدين ، فبه يحصل الهلاك المبين .

هذا ، ورغم وضوح راية هذه الحرب الصليبيّة ، وتصريح قادتها بهدفها ومرامها ، وعظم مصاب المسلمين في كل الأرض بها ، رغم ذلك فقد انتشرت بعض الفتاوى هنا في الكويت ، تحاول توجيه الحملة الصليبيّة الصهيونيّة على بلاد الإسلام ، والتي انطلقت بغزو العراق والعدوان على الشعب المسلم فيه ، توجيهــــا شرعيا ، يلبسها لباس الشريعة الإسلاميّة ، والشريعة المطهّرة من ذلك بـراء ، براءة المرسلين من الطواغيت أجمعين ، و براءة ابراهيم عليه السلام ومن معه من قومهم الكافرين .

وقد هاجت بسبب ـ غلبة الجهل في الناس ـ بعض الشبهات التي أثارتها هذه الفتاوى ، فالتبست الأمور على بعض ضعاف العقول ، وظنوا أن هذه الحرب ليست على الإسلام في شيء ، بل هي عزمة من عزمات أمريكا النبيلة لتخليص الشعوب من الاستبداد !!!

وقال بعضهم : وهو يحرك يده في استخفاف ، ما هي سوى حرب خاطفة ، تستبدل نظام حكـم بآخر ، ويحصل بها تقاطع مصالح بين كفار لهم مقاصدهم الماديــّة الخاصّة ، وبين مصالح المسلمين ، سيعقبها الخير والبركات على البلاد والعباد !!

وقال بعضهم ـ متحذلقا ـ بل أقول : أن ما سيحصل بسبب هذه الحرب من مصالح للمسلمين ، ارجح مما يقابلها من مفاسد استحواذ الكفار على مطامعهم في العراق ، فوجب المصير إلى الراجح من الأمرين !!

هذا وإن المرء ليعجب حقا من أن ينطق عاقل بمثل هذا الهذيان ، وقد كان في سعة من أمره ، أن يتأدب بأدب النبوة : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، ثم لا يكتفي بذلك ، بل يقتحم إسرافــا على نفسه ، فيفتي المسلمين أن يقتلوا أهل العراق ـ في حال لا يقدرون على التمييز بين مسلم وكافر ومنافق ـ تحت رايات الصلبان ، ضاربا عرض الحائط بفتيا عامة علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها من أهل العلم والعرفان !!.

لكن يبدو أن الأمر كما قيل :
يُقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

***سبب التخبط في الفتوى في هذه القضية في الكويت خاصة ، دون سائر بلاد الإسلام :
ــــــــــ

ولهذا التخبط في الفتوى في هذه النازلة هنا في الكويت أسباب :

@@@أولا : ظنون باطلة أدت إلى فهم الواقع فهما خاطئا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي أربعة ظنون :

***أحدها : الظن بأن هذه الحملة الأمريكية هدفها تغيير النظام في العراق فحسب ولا شيء وراء ذلك .

*** الثاني : الظن بان هذا يمكن أن يتم باقتلاع أركان النظام وجنوده دون اقتحام مفسدة سفك دماء المسلمين ، أو أن هذه المفسدة ستكون يسيرة ، يغتفر مثلها في سبيل تحقيق مصلحة عظمى !!

*** الثالث : الظن بأن الشعب العراقي لن يقاتل الغزاة ، بل سيفرح بتغيير النظام ، فنأمــن بذلك أهراق الدماء الكثيرة في طريق التغيير .

*** الرابع : أن خطر الحزب الحاكم في العراق ، اشد من خطر هيمنة الأمريكيين على هذا القطر الإسلامي ،وتفكيكهم جيشه ، وتحكمهم في مكتسباته ، وهجومهم على ثقافته ، وتحويله إلى مرتع للثقافة الغربية ، وملاذ لخونة العرب الذين ارتضوا أن يكونوا في حضن الغرب ، أعوانا للصليبيين والصهاينة على أهل ملتهم ، وجعله منطلقا جديدا ، للتهديد العسكري ، ومزيد من الغزو الثقافي والأخلاقي والاجتماعي على الأمة .

وهذه ظنون خاطئة ، كاذبة ، باطلة ، وسنأتي في هذا الرد على نقضها كلها بالتفصيل إن شاء الله تعالى وبعونه .

@@@ثانيا :
ـــــــ
طغيان دافــــع العداوة ، وعاطفة الانتقام العمياء ، وقديما قيل : الهوى ليس له دوا .

لهذا صار كلام من هم خارج الكويت ـ أو من تجرد فيها ـ اعدل وأسلم وأحكم وأعلم ، واتفقت كلمتهم ، على تجريم المشاركة في هذه الحرب مع الأمريكيين ، ثم من زاده الله علما ، وهدى ، وتوفيقا أفتى بوجوب جهادهم أيضا .

@@@ثالثا :
ــــــــ
الخلط والارتباك بين معطيات هذه الحرب ، والحرب السابقة ، إذ قد أفتى بعض أجلة العلماء آنذاك بجواز الاستعانة بالكفار لطرد الجيش العراقي من الكويت .


*** ولنبدأ بتفنيد هذه الشبهة :
ـــــــــــــــــ

إذ يتعلق بعض هؤلاء المفتين ، بفتيا من أفتى بجواز الاستعانة بالكفار في حرب الخليج الماضية عام 1990م ، لطرد العراق من الكويت ، وظنوا أنها تتنزل أيضا على جواز معاونة هذه الحملة الصليبية لطرد النظام العراقي من حكم العراق أيضا ، وللرد على هذه الشبهة ، نبيّن الفرق بين الحالين .

@@@الفرق بين الاستعانة بأمريكا في طرد العراق من الكويت في الحرب الماضية ، وبين معاونتها اليوم على غزو العراق واستبدال نظام علماني موال له ، بنظامه العلماني الحالـــي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*** أولا : من ناحية اختلاف النازلتين في واقع الأمر اختلافا بيّنـا .

*** وثانيا : من ناحية اختلاف التنزيل الفقهي بين الواقعتين ، ثم إنه أيضا بين هذه الناحية ، والسابقه علاقة لاتخفى .

********************

أما من ناحية اختلاف النازلتين في واقع الأمـر فمن وجوه :

@@@أحدها :
ـــــــ

في المعطيات الدولية ، فالحرب السابقة كانت في فترة الحرب الباردة ، وكان النظام العالمي يختلف اختلافا كبيراعما هو عليه الآن ، وكان الهدف المعلن لتلك الحرب إعادة ما كان في الكويت ، إلى وضعه الأساسي قبل الثاني من أغسطس 1990م فحسب.


فقد كانت تلك الحرب ، مجرد إعادة ما كان إلى ما كان ، والمقصود أن أمريكاـ وإن كان لها أهداف خفية أيضا ـ غير أنها لم تستطع أن تعلــن غير هذا الهدف ، لان العالم قد كان في وضع دولي مختلف تماما .

ومن شدة محافظة أمريكا على بقاء الحرب في ضمن هذا الهدف ، أنها وقفت بعد تحرير الكويت ، ولم تتقدم لتغيير نظام الحكم في العراق ، واكتفت بأنها حققت الهدف المعلن للأمم المتحدة ، بإعادة كل شيء إلى نصابه .

ولعل الدول الكبرى المنافسة لأمريكا في النظام الدولي آنذاك ، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي لم تكن لترضى أن تتفرد أمريكا بإحداث تغيير لصالحها داخل العراق ، ولهذا كانت تصر على بقاء الحرب تحت مظلة الأمم المتحدة إلى آخر لحظة .

أما هذه الحرب فتأتي بعدما وضعت أمريكا نفسها ، في زعامة العالم ، الذي أصبح يُحكم بنظام أحادي القطبية تستوى أمريكا على عرشه بلا منافس ، وهي تريد أن تخضع العالم لزعامتها المطلقة ، ولهذا فإن لها في هذه الحرب ، أهدافا جديدة تماما ، وهذا الاختلاف وحده، يجب أن ينظر إليه المفتي بعين الاعتبار ، فكيف إذا أضيف إليه ما سيأتي من الاختلافات والفروق ؟؟ !! .

ولو كانت أمريكا قد قالت آنذاك ـ كما تقول اليوم وهي تزحف لنصب نظام كرزاي العراق ـ إنها لن تطرد العراق من الكويت إلا إن أعطيت الحق في أن تعيد تشكيل المنطقة بما يضمن تحقيق أطماعها ونشر ثقافتها ، وتنفيذ مخططات الصهاينة ، وتضع في الكويت حكومة جديدة ، تجعلها منطلق أطماعها ، ويسمح لها بأن تسعى في محاربة الجهاد ، وتغيير المناهج ، ويكون لها اليد الطولى على من شاءت ، لكان من يفتي بجواز الاستعانة بها مخطئا خطأ واضحا ، بل ضالا ضلالا مبينا !!

@@@الوجه الثاني :
ـــــــــــ

كما تأتي هذه الحرب ـ خلافا لسابقتها ـ في إطار ما يسمــى ( الحرب الدولية على الإرهاب ) ولم تكن هذه الحملة أصلا موجودة في عام 91 بل كانت تلك الحرب ، حربا طارئة ، لهدف مخصوص ، في ظاهر الأمر الذي بنيت عليه الفتوى السابقة على الأقل ، وهو طرد العراق من الكويت .

وأما هذه الحرب التي تسمى ( الحملة الدولية على الإرهاب ) فهي في الحقيقة على الإسلام ، وليس هدفها إزالته من الوجود ، فهم يعلمون أن هذا ليس بمقدورهم ، بل هدفها تجفيف منابعه ، وتقويض قدرته التغييرية الجهادية ، وتحويله إلى دين جامد ، أشبه بالعلمنة منه إلى منهـــج : ( وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ) .

ولهذا كان من أهم أهداف هذه الحرب ، القضاء على الحركة الجهادية في شمال العراق أيضا ، ولهذا قلنا إن من يقف معها أو يعينها ، إنما يسعى في سفك دماء المجاهدين ، وهو شريك في الإثم مع الصليبيين .

@@@الوجه الثالث :
ـــــــــــ

كما أن هذه الحرب تأتي ـ خلافا لسابقتها ـ بعدما ضاقت السبل بالكيان الصهيوني ، بالجهاد المسلح ، واثخنت فيه العمليات الاستشهادية جدا ، حتى إنــه يكاد ينهار اقتصاده .

ولهذا فمن أهدافها أن تقضي على الحركات الجهادية في فلسطين ، ولهذا فقد أدرجت حماس والجهاد في فلسطين في ضمن الحركات الإرهابية .

ومن هنا فإن من أخطر ثمار هذه الحرب ، إنقاذ الكيان الصهيوني من الخطر المحدق به ، وفيها إنقاذ لاشد الناس عداوة للذين آمنوا ، من بأس المؤمنين ، ولهذا صار من يعين على هذه الحرب على العراق ، إنما يعين العدو اليهودي على إخوانه المجاهدين في فلسطين ولا مفــــــرّ له من هذا الأمر .

@@@الوجه الرابع :
ــــــــــــ

كما تأتي هذه الحرب ـ خلافا لسابقتها ـ في إطار إطلاق مشروع ( نظرية الدومينو ) التي تطمع إلى تغيير شامل في الشرق الأوسط ، يؤدي إلى أوضاع جديدة ، تلائم هيمنة النظام الصهيوأمريكي على المنطقة.

وقد كثرة تصريحات زعماء هذه الحرب الفاجرة ، والتي يصرحون فيها بهذا الهدف ، بما أغنى عن الاستشهاد بها هنا لكثرتها واستفاضتها .


@@@الوجه الخامس :
ـــــــــــــ

كما تأتي هذه الحرب ـ خلافا لسابقتها ـ في إطار إطلاق مشروع صهيو أمريكي جديد، قد أعدت له دراسة في البنتاغون ، لإيجاد نظام عالمي جديد ، أكثر ملائمة لفترة الهيمنة الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة ، وهذا لايعني أن هذا النظام الجديد ـ الذي قد يكون على أنقاض الأمم المتحدة أو بتغيير فيهــــا ـ سوف ينجح ، ولا سائر ما ذكرناه من الأهداف .

لكن يكفي في النظر الفقهي ، أن يبني الفقيه نظره على أن الكافر، يعزم استثمار هذه الحرب ، لتحقيق هذه الأهداف المتقدمة ، ومنها هذا المشروع العالمي الذي يكرس بصورة أكثر ، وأشد خطورة ، وأطول مدى ، سبيل الكافرين على المؤمنين في العالم أجمع .

@@@الوجه السادس :
ـــــــــــــ

كما تأتي هذه الحرب ـ خلافــا لسابقتهـــا ـ في إطار هيمنة المحافظين الجدد ـ بصورة أكبر ممّا مضى ـ المتحالفين مع الصهاينـــــة ـ بصور أشــــدّ وأخطــر ممّا مضى في تاريخ أمريكا كله ـ وإمعان الإدارة الأمريكية في إلباس اللباس الديني الصليبيّ على هذه الإدارة ، في ظل تورط بوش في معتقدات دينيّة متطرّفة ، ولهذا فهذه الحرب أيضا تسعى لتحقيق أهداف دينيّة صليبيّة في غاية الخطورة على العالم الإسلامــــي .

@@@الوجه السابع :
ــــــــــــ

كما أن هذه الحرب ـ خلافا لسابقتهـــا ـ تأتي في إطار معارضة دولية واسعة لها ، ولهذا خاضتها أمريكا مستقلة عن الأمم المتحدة ، ولهذا فهي معرضة ومتوقع لها الفشل .

فتركيا امتنعت عن السماح للأمريكيين بحشد قواتهم ، واتهمت أمريكا سوريا بمساعدة العراق عسكريا ، وهاهي السعودية تشن هجوما إعلاميا شرسا على الإدارة الأمريكية بسبب هذه الحرب ، وكثير من بلاد العالم وجهت انتقادات شديدة اللهجة لأمريكا بسبب هذه الحرب .

وقد لوحظ بجلاء إن فرص نجاح أمريكا في هذه الحرب ، تتضاءل مع مرور الأيام ، ولهذا تغيّرت وتيرة التصريحات من التفاؤل بحرب سريعة وخاطفة ، إلى توقع حرب طويلة وخسائر جسيمة !!

بينما كانت الحرب السابقة ، تحت مظلة شبه إجماع دولي ، وتقديم الدول كلها ، تسهيلات عسكرية ، ومادية ، ومعنوية ، وإعلامية ، ولوجستية لطرد العراق من الكويت .

وتمت في تعاون تام من جميع دول الجوار ، ولهذا نجحت بسرعة ، بينما تدخل هذه الحرب في متاهة ومن المتوقع أن تغرق في المستنقع العراقي !!

وهذا يفيد الفقيه ، عند النظر في الترجيح بين المفاسد .

@@@الخلاصة :
ــــــــــ

والخلاصة أن هذه الحرب تختلف جميع معطياتها الدولية عن الحرب السابقة ، وتأتي تحت مظلة مختلفة ، وأحوال جديدة طارئة ، وفي سياق مباين تماما للحرب السابقة ، فتلك كانت ذات هدف محدد هو تحرير الكويت وعودة المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الغزو العراقي لدولة الكويت ، لا أكثر .

أما هذه الحرب ، فهي حرب ذات أهداف شاملة ، شديدة الخطورة ، عظيمة التأثير على العالم الإسلامي بأسره ، واسعة الخطر ، جميع معطياتها ، و الأحوال المكتنفة لها ، تختلف اختلافا جذريا.

فكيف ـ ليت شعري ـ يجوز للفقيه ، أن يستصحب تلك النازلة في حرب 91 ، فيلحق هذه بها ، وبينهما من البون الشاسع ما تقدم بعضه ، وما خفي علينا قد يكون أعظم ؟!!

******************************

@@@أما الفرق في تنزّل الحكم الشرعي .
ـــــــــــــــــــــــ

*** فهذه الحرب تشتمل على أمور مستجدة كثيرة ، تجعل مناط الحكم فيها مختلفا تماما عن الحرب الماضية .

وإن نتائج الفتوى الشــاذّة ، بتسهيل مهمّة الحملة الصليبية في هذه الحرب ـ خلافا لما عليه عامّة علماء الإسلام ـ في غاية السوء والشر على الأمة الإسلامية بعامّــة .

*** ونوضّح هذه الجملة بعدّة وجــوه :
ــــــــــــــــــــــــ

@@@أحدها :
ــــــــ

أن تلك الحرب تنزلت على جواز الاستعانة بالكافر على دفع الصائل .

وكانت جميع المعطيات ـ كما بينا آنفا ـ تؤدي إلى تحصيل غلبة الظن بتحقق دفع الصائل ، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه .

وللفقيه أن يفتي بجواز اعتماد غلبة الظن هنا ، وأن الاستعانة بالكافــر لدفع الصائل لن تفضي إلى ما هو أشد ضررا من بقاء ضرر الصائل ، في ظاهر الأمر ، لان الظن هنا يكفي لبناء الفتوى ، إذ لاسبيل إلى العلم القطعي بما هو آت .

وأما هذه الحرب فهي تتنزل ـ ولامناط لها أصلا سوى هذا ـ على جلب الكافر وتمكينه وإعانته على إزالة نظام مستبد على شعب مسلم ، وهذا الكافر المجلوب معلن لعداوته وعزمـــه إحداث تغيير خبيث وخطير ومدمــر ، ليس في العراق وحدها ، بل المنطقة بأسرها .

سواء بالقوة العسكرية ـ التي هو على استعداد أن يستعملها مرة أخرى ، فيما لو نجح في احتلال العراق ـ ضـد أي دولة أخرى تعارض خططه ، أو بالاكتفاء بالتلويح بغزوها ، كما غزيت العراق .

وكل عاقل يرى أن أمريكا لو احتلت العراق ، فستخضع جميع الدول الأخرى لمطامعها بمجرد التلويح بالعصـــا وفي ذلك من الفساد العريض مافيه .

ثم مع ذلك ، فلا سبيل إلى تحصيل غلبة الظن بأن في العراق نفسه ، سيخلف النظام الحاكم الحالي فيه ، نظام أقل ظلما :

***بل الأمر دائـــر بين هذه الإحتمـــالات :
ــــــــــــــــــــــــــــ

* أولا :
ـــ
أن يفشل الكافر في مهمته ، ويبوء بالخسران في عزمه وهمته ، فيرتد على عقبه بعدما يقتل ويأسر ويهريق من دماء المسلمين ، ويفسد في أرضهم .

*ثانـيا :
ـــــ
أن تتعثر خطته ، فيلجأ إلى إلحاق تخريب في العراق كبير ، يفوق ما يحصل بسبب استبداد النظام بكثير ، وقد يلجأ إلى استعمال أسلحة التدمير ، ومعلوم أنه عدو خطير ، خبيث التدبير ، له سوابق كثيرة في إبادة البشر ، كما فعل في اليابان ، وفي فيتنام ، هذا فضلا عما يفعل في حروب الوكالة ، التي يدعم فيها الطواغيت المهلكة للناس ، كما يفعل في فلسطين ، ومعلوم أن أمريكا صاحبة أسوء سجل في استعمال أسلحة الدمار الشامل في العالم .

*ثالثــا :
ــــــ
أن ينجح في خطط الحرب ، ولكن يأتي بنظام جائر آخر ، وهذا غير مستبعد فكثير من الأنظمة المستبدة ترعاها أمريكا ، بل نفس النظام الحاكم الحالي في العراق ، كانت أمريكا تدعمه في حربه التي استعمل فيها الأسلحة الكيماوية ، أو على الأقل تغض الطرف عنه ، بل كانت دول الخليج تدعمه ، فكان يستعمل هذه الأسلحة بمال ودعم وتأييد الدول الخليجية أيضا !!

ولهذا قيل إن الله تعالى سلط الحزب العراقي الحاكم عليها ، لأنها سبق أن أعانته على الظلم ، وفي حكمة السلف : من أعان ظالما عذّب به ، كما أن أمريكا الآن تعذب به ، ويعذب بها ، ولله تعالى في ذلك كله حكم ، وتجري فيه نسـق سننه ، وقد قال تعالى (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) .

*رابعا :
ــــ
أن يحصل بعد زوال هذا النظام فتن واضطراب في الأحوال ، ومقتلة بين الشعب نفسه ، وتدخل الحالة العامّة في فوضى عارمة ، وهذه ليست من مصلحة المسلمين في شيء ، بل هو أعظم الفساد ، والله لا يحب الفساد .

*خامســا :
ـــــــ
أن يأتي بعد زوال هذا النظام ، نظام آخر موال لأمريكا يكون مرتكز تنفيذ خططها المستقبلية في المنطقة ، وهي خطط تتفق مع خطط اليهود الصهاينة ، وضررها عام على الأمة الإسلامية ، لا يقارن بضرر نظام في قطر واحد على شعبه .

كما أن ضرر اليهود والنصارى أشد بلا ريب ، ولهذا فإن حجم التحذير في النصوص الشرعية من هذا الخطر ، أكثر ، وأوسع ، وأشد ، من أي ضرر آخر يصيب المسلمين ، كما سيأتي إيضاح ذلك أكثــر .

*سادســا :
ــــــــ
وهو أضعف الاحتمالات ، بل مجرد تصوره هو في غاية السذاجة ، وهو أن يأتي بعد الغزو الأمريكي ، نظام آخر أخف ضررا على شعب العراق ، ومع ذلك يتبرأ من الخطط الصهيوأمريكية ، ويحافظ على الانتماء العربي والإسلامي ، ويقف حجر عثرة أمام أي تغيير لصالح تلك الخطط في المنطقة .

وإذا كانت هذه الاحتمالات كلها واردة ، ونتائج هذه الحرب على العراق ، لاتعرف ولاسبيل البتة إلى تحصيل غلبة الظن برجحان المصالح فيها ، على المفاسد ، فكيف ليت شعري يصح لفقيه أن يفتي بإعانة الصليبيين عليها ، وأن يجعل هذه النازلة في هذه الحرب ، كسابقتها تلـك ، أو يفتي بقرنهما في سلك ، والحال أن بينهما كما بين المشرقين ؟!!

@@@الوجه الثاني :
ــــــــــــ
أن دفع الصائل إن لم يمكن إلا بالقتال ، فإن القتل إنما يقع فيه على الصائل في الغالب ، لان المقصود منعه من الصيال ، أما قلب نظام الحكم ، فإن انتشار القتل ، وعدم القدرة على ضبطه ـ كما يضبط نسبيا في دفع الصايل المعين حتى لو كان جيشا يقصد إخراجه من بلـد ـ هو الاحتمال الأكبر ، كما هو مشاهد وواقع ، حيث يسقط القتلى من الأبرياء ، في سبيل الوصول إلى تغيير نظام الحكم ، بأعداد أكثـر كل يوم .

ومعلوم أن العلماء حرموا أن يخرج المصلحون على أئمة الجور ، درءا لفتنة الهرج ، وحقنا لدماء المسلمين ، فكيف يحل للمسلمين أن يجلبوا جيوش الكفار ، لتسفك دماء المسلمين ، بقصد إسقاط أئمة الجـور ؟؟!!

ومعلوم أن ما في الكفار من توفر الدافع ، وانعدام المانع ، من قتل المسلمين أضعاف ما في الخارجين على أئمة الجور من المصلحين .

بل ليس في المصلحين أصلا رغبة في قتل الناس ، وإنما يقومون بقصد منع الظلم والجور ، ومع ذلك حرم عليهم الخروج على السلطان الجائر ، خوفا من مفسدة إهراق الدماء ، فكيف يصح أن تجلب الجيوش الكافرة التي لا تتورع أصلا عن سفك الدماء ، لتغير نظام حاكم جائر .

ولعمرى لا أحسب أن فقيها يفقه حقا مقاصد هذه الشريعة ، لو عرضت عليه هذه المسألة ، وهي أن يجلب المسلمون عدوا لاطاقة لهم بقتاله لو استقر في بلادهم ، ولا إخراجه منها ، ويمنحوه أرضهم ، ويمكنوه أن يعلو عليهم ظاهرا بقوته ، عاليا بجبروته ، ليزيل حاكما مستبدا جائرا على شعب مسلم ، ثم يسعى المسلمون مع هذا العدو الكافر ، في سفك دماء المسلمين ، وتدمير بلادهم ، ثم يتمكن بعد ذلك أن يفعل ما يشاء ، له اليد الطولى في بلاد الإسلام ، قابضا على صولجان السلطة ، متمكنا من رقاب المسلمين .

ما أحسب أن فقيها ، يرى أن المؤمن الذي استقر الإيمان بهذا الدين في قلبه ، يستسيغ أن يسأل هذا السؤال أصلا ، بلـــه أن يجيب سائلا ، بتكفير من يفتي بإباحة مثل هذا العبث في دين الله تعالى .!!!

@@@الوجه الثالث :
ــــــــــــ
أن دلائل الشريعة القاطعة دلت على أنه يحرم على المسلم قتل المسلم ، أو إعانة من يقتله بالقول أو الفعل أو الإشارة ، أو أي نوع من أنواع الإعانة ، ومنها أن يكون جزءا من حملــة لقتل المسلمين .

ولم ترفع الشريعة العصمة عن الدم إلا أن يُقتل التارك لدينه ، أو الثيب الزاني ، أو النفس بالنفس ، أودفع الصائل على النفس ، أو العرض ، أو المال ، إن لم يندفع بالأخف من القتل .

ومعلوم أن النظام العراقي قبل هذه الحرب ، كان محاصرا وممنوعا من التصرف حتى في أجزاء من سلطانه في الشمال والجنوب ، وكانت الدول المحيطة به ، في مأمن منه ، إما باستعانتها بمن هو أقوى منه ، أو بقوتها الذاتية .

فلم يحصل منه صيال على أحد ، فبأي كتاب أم بأي سنة ، يجوز للمسلمين أن يجلبوا أشد ، واعتى ، وأخطر جيوش العالم على الإسلام والمسلمين ، إلى بلادهم ، ويطلقونه لإزالة هذا الظالم ، ويعينونه على سفك دماء المسلمين ليصل إلى مقصوده ، وذلك قبل أن يقع من ذلك النظام ما يستوجب ذلك .

فإن قيل : فهذا النظام قد وقع منه العدوان على شعبه ، وهو الصيال الذي يبيح الاستعانة بالكافر عليه ؟

فالجواب : وأي نظام فيماهـاهنا ـ ليت شعري ـ لم يقع منه عدوان على شعبه ، إن عارض معارض أهواء الزعماء ، أفيحل للمسلمين أن يجلبوا جيوش الكفر ، كلما بدا لهم أن يدرءوا عدوان أنظمة الجور عليهم .

وهل يقتضي هذا أنه يباح للشعوب الدول العربية الأخرى التي تعاني من استبداد زعماءها ، أن تجلب الدول الكافرة الكبرى وتحلها في عقر دارها ، وتسن هذه السنة السيئة الكافرة ، بفتوى المفتين ، فتصبح بلاد المسلمين ، مباحة لجيوش الكفر ، تعيث فيها فسادا ، وتعلو فيها بكفرها ، وشركها ، وإفسادها ؟؟!! .

@@@الوجه الرابع :
ــــــــــــ
أن الحال المتحققة قبل هذه الحرب كانت السلامة من سفك الدماء ، والعافية من جلب جيوش الكفر إلى بلاد الإسلام ، وحتى داخل العراق ، لم يكن النظام يطلــب ـ كعادة المستبدين ـ سوى عدم معارضة الدولة في شيء ، فمن فعل ذلك أمن ، ومن عصاهم ، عوقب ، إما بالقتل أو دونه ، وهذا هو حال عامة البلاد العربية ، أو أكثرها .

وكذا كان المسلمون بجوار سلطان هذا النظام في أمن منه إلى أن قامت الحرب .

وأما بعد إطلاق هذه الحرب ، فقد تحقق الآن سفك دماء المسلمين ، سواء من كان مع النظام أو ضده ، ويغلب على الظن أن هذه الجرائم ، ستستمر ، ولا يعلم إلى أي مدى ستستقــر .

فقد انتقلنا بهذه الحرب إلى ما هو أسوء مما كان ، ومعلوم أن الأمور تتبين بعواقبها ، وأن الشريعة تطلب تخفيف الأضرار ، إن لم يمكن إزالتها ، وتحقيق أكبر قدر من المنافع ، إن لم يمكن تحصيلها كلها .

وقد تبين حتى الآن أن هذه الحرب ، قد بقي فيه سفك الدم الذي لدفعه زعموا جواز جلب الكفار ، بل زاد ، وأتت بما هو أشد على العباد ، وهو انقطاع الكهرباء و الماء ، وقلة المؤن ، والخوف العام في الناس من الصواريخ الصليبية ، وذهاب الأمن ، وانتشار اللصوص ، وانتشار الأوبئة .. إلخ

وبهذا يعلم أن هذه الحرب إنما جلبت عواقب سيئة ، وما كان موافقا للشريعة ، لا يأت بمثل هذا ، بل لا يأت إلا بالخير والصلاح والرشاد .

فكل شيء يفضي إلى صلاح العباد ، فهو موافق الشريعة ، وكل ما يفضي إلى فسادهم ، وسوء حالهم فهو مناقض لها ، وهي منه بريئة .

وذلك كما روى البخاري وغيره ن سهل بن حنيف ـ وهو ممن قاتل مع علي في صفين ـ ( يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين ، لقد رأيتني يوم أبي جندل ، ولو أستطيع أن ارد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته ، وما أردت بذلك إلا الخير ، وما رفعنا سيوفنا على عواتقنا إلا أسلمنا بها إلى أمر نعرفه ، غير أمركم هذا ، ما سددنا خصما إلا انفجر لنا خصم آخر ) وقال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( وذلك لان هذا القتال لم يحصل به مصلحة للمسلمين ، لافي دينهم ، ولا في دنياهم ، بل أريقت به دماء ألوف مؤلف من المسلمين ، ونقص الخير عما كان ، وزاد الشر على ما كان ) نقلا الرسائل النجدية 4/219

وهكذا هذه الحرب الصليبية ، زاد الشر على ما كان ، ونقص الخير عما كان ، فكيف يجوز لمسلم أن يقتحم الفتوى بإباحة إعانة الكفار عليها ، ويعرض نفسه لآثام عظيمة ، آثام سفك دماء المسلمين .

@@@الوجه الخامس :
ـــــــــــــ
أن الفقهاء قسموا البلاد إلى دار كفر ودار إسلام ، فإن كانت العراق دار إسلام فيكف يحل أن يجلب الكفار ليقاتلوا أهلها ، وينصبوا حاكما وليا لهم ، هذا لم يقل به أحد من أهل الإسلام .

وإن كانت العراق دار كفر ، فكيف يحل أن يستبدل بها دار كفر أخرى بجلب الكفار إليها ، مع زيادة سفك الدماء ، وخراب الديار ، هذا لم يقل به أحد أيضا من العلماء ، فدار الأمر إلى أنها في كل الأحوال لا يجوز جلب الكفار للقتال فيها .

@@@الوجه السادس :
ـــــــــــــ
أن هؤلاء الكفار الذين يزعمون أنهم جاءوا لتحرير هذا الشعب المسلم من نظام مستبد ، فمن يأمن أن ي
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006