ما هو تعليقكم على ما هذا المقال ؟

 

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الفاضل السلام عليكم ورحمة الله
قد احدث هذا المقال كثير من اللبس ووجد نوع من القبول عن البعض وهؤلاء البعض يهمنا فى ليبيا امرهم , وهذا مما دفعنى الى طلب التعليق والاستدراك من فضيلتكم على ما جاء فيه حتى تعم الفائدة ان شاء الله
وبارك الله فيك ياشيخنا الكريم على تفاعلك معنا واستجابتك لطلبنا وجزاك الله خير
ابنكم وتلميذكم جمال يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
إن شعار الحكم الإسلامي شعار جميل وبرَّاق .. وهو لا يقل بريقاً وجمالاً في عيون البسطاء من أتباع الحركات الأصولية عن بريق ملاعبة القردة في السيرك عند الأطفال .. ولكنه في حقيقته النهائية ليس إلا تلاعباً خشن الملمس بالمعيار التاريخي لأمة غائبة أو مغيبة عن التاريخ.
إن منظِّري هذه الحركات في شتى مدارجهم الفكرية لم يبذلوا أي جهد يذكر في مراجعة هذا الشعار .. كما لم يكشفوا لأنصارهم الكثر بأن الإسلام كما هو في وضعه الإلهي لا ينطوي على أية صيغة لنظام الحكم بالمعنى القانوني لصيغة حكم .. وإنما بالغ ما ينطوي عليه نصه المقدس هو جملة من الأحكام المتعلقة بالفقه الجنائي .. وثلة من التشريعات المبثوثة هنا وهناك والتي لا تشكِّل في حشدها النهائي أية صيغة للحكم يمكنها أن تصدق هذا الادعاء الفخم العريض.
وأما ما يحلو لهؤلاء السادة التقاطه من جوف النصوص المختلفة ليستنطقوه لنا عنوة .. فهو لا يعدو أن يكون جملة من الصيغ التعبدية والأخلاقية والعقدية التي لا تمت لهذا الادعاء بأية صلة جدية بالمعنى القانوني.
فالحكم الإسلامي كما يروق لهم أن يسموه .. لم يكن في أي وقت من الأوقات ذا صيغة إلهية مقدسة أو صبغة فوقية متعالية ، إنما كان ولا يزال – على الدوام – تعبيراً واقعياً يعكس طبيعة المحاولات التي بذلها الإنسان ويبذلها لأجل صياغة الحلول والمعالجات العملية لما ينطرح عليه من قضايا وهموم وإشكالات وشواغل كان قد أفرزها محيطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .. إلخ .. في مرحلة من مراحل التاريخ ..
وحتى النصوص المقدسة التي يراد منها أن تدعم "حكومتهم الإسلامية" فهي شحيحة ونادرة ، وعلى كل هذه الندرة فهي غير مسلَّمة ولا سالمة – في مجملها – من التأويلات والرؤى المتباينة بالقدر الذي ينأى بنا عن اليقين والجزم بأن أياً من هذه التأويلات أو الرؤى تُعد صالحة – حقاً – لاعتبارها ترجمة أمينة للنص المقدس..
ومهما كنا متساهلين أو متسامحين في قبول الشروط الواجب استيفاؤها لاعتبار ترجمة ما أنها أمينة أو صادقة ، فإنه لا يمكننا – أبداً – أن نزعم بأن ما توافر لنا من هذه النصوص يمكنه أن يستجيب ولو – لواحد في الألف – من المساحة المطلوبة .. ليبقى ما وراءها شاغراً ينتظر عقول البشر المشرعين..
ولذا .. فإنه ليس من الإنصاف في شيء أن يوصف هذا النظام الذي لا يشكِّل النص المقدس من مساحته إلا القليل أنه نظام إسلامي 1 .. وذلك وفقاً لقاعدة التغليب التي تقرر بأن الشيء يوصف بأغلب ما فيه وأولاه..
ولا أظن أن الأغلب هنا والأولى هو الأقل وجوداً – وحضوراً – وهو النص المقدس...؟ وإلا لقلنا عن الحليب الذي سقطت فيه قطرة قهوة أنه قهوة أو عن الزيت الذي سقطت فيه قطرة ماء أنه ماء.. وهذا مطرد في كل الأوصاف..
إذن فهذا النظام الذي دأب هؤلاء السادة منذ مدة طويلة على تسميته (إسلامياً) لم يكن إلا مواضعة خطابية لا تمت لمسمى الإسلام بأية وشائج أو علائق تدعم هذا الادعاء.. إنما هو نظام وضعي من صنع البشر المشرعين ووضعهم ومواضعاتهم .. ولا يحق لنا بحال اعتباره نظاماً إلهياً مقدساً مسقطاً علينا من فوق سبع سموات.. ولكن هذه الحقيقة الواضحة – جداً – قد تحولت بفضل أفانين "الحواة" مُشاكلة (خطيرة) للنموذج المقدس ، بحيث يستقيم لهؤلاء الحواة الاستمرار في الإمتاع والتشويق.. وباستخدام ذات الحيلة التاريخية..
ومن المؤسف – جداً – أن يستمر هذا الانبهار والإعجاب بمثل هذه "الحيلة" التي لا تكلف تعريتها وهتك أستارها سوى القيام بعملية حسابية خاطفة للنصوص المقدسة ، لنعرف - على الفور – كم هي قليلة ونادرة بالنظر لما يفتقر إليه النظام من قوانين وتشريعات..
إذاً.. فكل ما هنالك أن هؤلاء السادة قد ارتكبوا خطأ بسيطاً في "الحساب" ولكنه خطأ قد كلف الأمة ومازال يكلفها المزيد من الجهد والمال والدماء.
ومن الطبيعي - للغاية – أن تقودنا هذه المحصلة إلى رفض جميع المحاولات التي تبذلها هذه "الجماعات" لأجل سيطرة آرائها وتصوراتها وأفكارها على الناس ، انطلاقاً من الدين والحق المقدس ، ورفض ما تدعيه وتشرعه لأنصارها من مسوغات تبرر لهم ممارسة الوصاية البابوية على الناس ليشرعوا في وجوههم سيوف النقمة أو يصرفوا لهم صكوك الغفران ، أو يقاتلوهم ويقتلوهم باسم الله شخصياً.
بل أنها تقودنا إلى الاعتقاد بفساد الدعوى التي تأسست عليها "الحركات الأصولية" جذرياً ، وعدها ساقطة الاعتبار لفساد أساسها القانوني.
ولهذا ، فلن يعرف الوجود – يوماً – كما لم يعرف من قبل نظاماً إسلامياً يمتلك أي سند مقبول ومنطقي يصدق ادعاءات الجماعات الأصولية عوضاً عن أن يكون سنداً مقدساً.. مهما كثر الزعيق وارتفع غبار الشعارات عالياً حتى ليغطي على الفهوم والأذهان.
.......................................................

1 – إلا إذا اعتبرنا أن مسمى الإسلام الذي عناه الله (بالإتمام والإنعام والرضى) هو عين اجتهادات البشر الفقهاء التي لا تخلو من ملابسة

الخطأ والباطل .. من بين يديها ومن خلفها ؟!
تقبلوا تحياتي الرقمية
من ليبيا التي تحبكم شخصياً

**********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
هذا المقال ليس فيه تحقيق علمي ، ولا تحرير فكري ، ولا إثبات عجز النظم الاسلامية المستنبطة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، منطوقا ومفهوما ومعقولا ، من أن تنظم حياة المجتمعات دولا وأفرادا ، ليس فيه إثبات عجزها بطريقة علمية برهانية صحيحة .ـ
ــــــــ
وإنا هو نفي ومكابرة ، وجدال في آيات الله بغير سلطان من برهان صحيح ولا عقل صريح ، ومحض توجيه اتهامات بغير علم ولا هدى ولاكتاب منير ، كعادة الذين يشعرون بالانهزام وفقدان الثقة في انتماءهم وذواتهم من المثقفين العرب الذي رضوا أن يكونوا تابعين للاجنبي ، يتبعون ناعقه بغير هدى
ـــــــــــــــــــــــــ
ومعلوم لدى كل المسلمين أن الله تعالى أنزل عليهم الشريعة الهادية لتكون منهاجا لهم في كل نواحي الحياة ، ولهذا قال تعالى : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) ، وقال أيضا ( قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصيـر ) ، وقال سبحانه ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) وقال ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) .ـ
وقال تعالى ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله تعالى ولاتتبع أهواءهم ) وقال ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ـ وقال سبحانه ( فلاوربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ـ
ـــــــــــــ
وقد بين بهذه الايات أنه أنزل الشريعة فجعلها كافية لاتحتاج أمة الاسلام إلى غيرها لتسيير حياتها كلها ، وأنه أمر باتباعها كلها ، وأنه حرم على المسلمين أن يتحاكموا إلى سواها في قليل او كثير .ـ
ــــــــــــــــــ
وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاوامر الالهية التي نزلت عليه في حياته ، فكانت حياته كلها تطبيقا عمليا لما أمره الله به ، فكان صلى الله عليه وسلم إمام الصلاة كما أمره الله ، وقائد الجيش كما أمره الله ، والقاضي بين الناس كما أمره الله تعالى ، والعاقد للمعاهدات الدولية كما أمره الله تعالى ، والمسالم كما أمره الله ، والمحارب كما أمره الله تعالى ، والزوج والاب والصائم والقائم والبائع والمشتري والاخذ المعطي والامر بالمعروف والناهي عن المنكر ، كما أمره الله تعالى في كل ذلك ، كما قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى ) ـ
ـــــــــــــ
ثم أمر الله تعالى المؤمنين باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ماجاء به قال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ـ قوال ( وإن تطيعوه تهتدوا ) ـ وقال ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ) ـ
ـــــــــ
فالواجب على المسلمين بنص القرآن العظيم أن يصلوا كما صلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ويصوموا كما صام ، ويحاربوا فيما حارب له ،ويسالموا فيما سالم له ، ويوالوا مثل ما والى ، ويعادوا مثل ما عادى ،ويقضوا في الناس والدماء والاموال كما قضى صلى الله عليه وسلم ، وتكون حياتهم تبعا لحياته ، هو قائدهم ، وهو قدوتهم ، وبهذا تكون جميع نواحي الحياة عبادة لله تعالى ، يمتثل فيها المؤمنون شريعة الله ، ويصطبغون بصبغة الله تعالى ، كما قال تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من صبغة ) ـ وبهذا يتحقق هدف الرسالة المحمدية وهي هداية البشرية إلى الرحمة والهدى باتباع نبي الرحمة والهدى في كل ماجاء به
ــــــــــ
ومعلوم أن شريعة الله الهادية تدل على الأحكام بالنص ودلالاته من منطوق أو مفهوم ، ومعقوله أيضا ، وهو القياس الذي دلت الشريعة على اعتباره ، ويدخل فيه المصالح المرسلة ، وبهذا تكون الشريعة الإسلامية قادرة على استيعاب كل متغيرات الحياة ، غير محتاجة إلى تكميل من غيرها ، ومن زعم أنها لاتفي بحاجة العباد ولا بد من تكميل من غيرها من القوانين لتصلح أحوالهم ، فقد طعن في حكم الله تعالى ، و حكمته ، وفي أعظم نعمه على هذه الأمة ، لانه سبحانه بهذه الشريعة الكاملة ، اكمل دينها ، وأتم نعمته عليها قال تعالى ( اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . ـ
وعامة الاحكام المأخوذة من الشريعة مدلول عليها بنصوص الكتاب والسنة ، من القواعد الكلية التي دلت عليها النصوص ومن النصوص الخاصة التي يقاس عليها ، وتحت ذلك يدخل ملايين المسائل والفروع والتشريعات التي لاتحصى ، ومن الامثلة علىذلك حديث ( لاضرر ولا ضرار ) فإنه يؤخذ من هذه القاعدة التي دل عليها الحديث ، آلاف الاحكام الشرعية ، وكذا من الامثلة قاعدة ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر )يدخل تحتها عشرات الالاف من المسائل ، وهكذا تنتظم الاحكام التي لاتحصى تحت نصوص الشرع الحكيم ، ولهذا جاءت كتب الفقه والتشريعات الاسلامية زاخرة بالمسائل والاحكام ، ملأت الارض نورا وهدى وعلما ، وقامت بها أمة هدت الخلق إلى حضارة شامخة هي حضارة امة العلم والمعرفة
ـــــــــــــــــــــ
فيكف يقول جاهل : إن الشريعة الاسلامية ، هي بعض الاحكام الجزئية التي لاتصلح أن تقود حضارة ، ولاتشكل مشروع نهضة ، فليت شعري لايشكك في صلاحية الشريعة الاسلامية لتكون مشروع نهضة حضارية عظيمة إلا منافق ، كذاب ، كاره لشريعة الله تعالى ، حانق على إفضال الله تعالى على هذه الامة بهذ الشريعة المطهرة الكاملة ، لايشكك في هذا مسلم معتز بإيمانه وإسلامه ، كلا والله ـ
ــــــــــ
ومعلوم أيضا أن الله تعالى لم يبعث النبيين إلا ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما قال ( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) ـ
لم يبعثهم ليقولوا للناس أدوا الصلاة فقط أو صومو لله تعالى فقط ، أو اذكروا الله في الصوامع والبيع والمساجد فحسب ، بل ليحكموا بين الناس في كل ما اختلفوا فيه من التصورات والافكار والمناهج والعقود والاحكام والسلم والحرب وجميع مناحي الحياة ، هذا هو مادل عليه القرآن العظيم ، ولهذا كان كل نبي يقول لقومه ( فاتقوا الله وأطيعون )ـ وقال خاتمهم صلى الله عليه وسلم ( من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) ومن يعص النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به في قوانين العلاقات الدولية ، أو قوانين العقوبات الجنائية ، او قوانين القضاء والحكم والتحاكم ، او عبادة الصلاة أو عبادة الصوم ، كل ذلك معصية ، وكل ذلك سواء فلا فرق بينها من جهة كونها معصية للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعلمون) ـ
ــــــــــــــــ
وفي الجملة فالاسلام هو الدين وهو الدولة ، لايفرق بين صلاة في محراب ، وعلاقات دولية ، وأحكام محلية ، وجهاد لاعلاء كلمة الله تعالى ، والحكم بأحكام الشريعة في محكام القضاء ، كل ذلك عبادة لله تعالى ، ومن فرق بين ما أنزل الله فقد كفر بما أنزل الله تعالى ـ
ـــــــــــــــــ
هذاونحن نرى كل أمة تحترم ذاتها ، وكرامتها ، تفتخر وتعتز بما لديها من الثقافة ، وتأبى أن تتنقصها أو ترفضها وتتخذ سواها بديلا عنها ، فمابال بعض المنتسبين للاسلام يطعنون في ثقافة أمتهم ويتنقصونها ، وهي التي قادت هذه الامة للعز والتمكين وقيادة الامم لما كانت متمسكة بها ، وما تأخر المسلمون إلا عندما أخروا شريعتهم ، واتهموها بالقصور ، فأساوا الظن بها وأحسنوا الظن بغيرها ، فابتلوا بالضعف والمهانة والفرقة والتأخر عن بقية الامم
ــــــــــــــــــــ
والخلاصة ان النبي صلى الله عليه سلم ترك لنا رسالة الرحمة والهدى الزاخرة بكل خير ، والكفيلة بهدايتنا إلى كل صلاح ، وفيها تفصيل كل ما نحتاجه ، ومن اتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفها بقوله ( تركتكم على المحجة البيضاء ) وبقوله ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا )كتاب الله وسنتي ) ، من اتهمها بالنقص ، فقد كفر بها ، وماهو بمسلم ، ولم يضل من ضل من الامة إلا بسبب سوء ظنهم بهدى الله تعالى الذي أنزله عليهم ،وطلبهم الهدى من ضلاّل الشرق والغرب من ملاحدة المناهج الفكرية الاوربية التائهة ، فإلى أين قادتهم ، قادتهم إلى ما نرى من الضلال المبين ، كمـــا قال تعالى ( فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ) ـ والله المستعان

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006