حول إنشاء دور سينما ؟

 

السؤال:

أعلنت شركة السينما أنها تنوي إنشاء عشرة دور عرض جديدة مكان سينما السيارات ، نرجو منكم ذكر الحكم الشرعي والتحذير من خطورة نشر الفساد الإعلامي ؟

*******************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

فإنه لا يخفى ما في إشاعة الإعلام المنحرف ، الذي يقتصر هدفه على الترفيه غير البريء ، بقصد الربح التجاري ، فيشيع في مجتمعنا قيما فاسدة ، ويخرب ما فيه من قيم وشيم كريمة ، لا يخفى ما فيه من التدمير الهائل لاخلاق الجيل وثقافته .

والسينما الغربية في عصر تتولى فيه المادية الغربية التائهة تدمير الأخلاق في العالم ، لا تهدف سوى على الإثارة والشهوية ولفت الأنظار والغرائز ، وما يتبع ذلك من خرق لتدرجات سلم القيم ، ولو على المستوى النظري ، والذي سيتبعه حتما التطبيق العملي الذي يغذي في المجتمع كل أنواع الانحراف .

ولا بأس أن أنقل هنا دراسة أكاديمية أعدها بعض الباحثين ، ولخصتها فيما يلي :

السينما الغربية لا تهتم سوى بتوجيه وإشعال الوعي الإنساني ، صوب العنف والوهم والخيال ، والاستعراضية الجنسية وإثارة غرائز المتلقى ، ضمانا للتقبل والتأثير من خلال جعل الجنس جزءا من الخلطة السحرية التى تروجها السياسة السينمائية التجارية.

فالجنس والعنف ، والإغراء ،والخيال الكاذب الذي يشبه هذيان المجانين ـ كوكب القردة ـ العالم المفقود ـ يوم الاستقلال .. إلخ ، هي الفعل المبتذل المجانى الحاضر في كل شيء بوصفه هدفا يسعى إليه الجميع، ولا يقدم في الغالب ، سوى صورة للبطل الوهمى وثمرة للفحولة والوسامة عندما تقدمه السينما التجارية كما تقدم الطعام، بوصفه سلعة ونمطا استهلاكيا، لا قيمة له بذاته وغير قادر على إنتاج المعنى إلا من خلال تشييئه وتسليعه، وتقديمه باستسهال واضح .

فما أن يلتقي رجل وامرأة حتى تتكاثف الإشارات والإيماءات البصرية والسمعية وصولا إلى السرير وتحقق اللقاء الذي يصور تصويرا شهويا هو الآخر.

ولا أحد يدري، مطلقا لماذا تتعرى النساء في هذه الأفلام وهن يسرن في شققهن والنوافذ مفتوحة والغرف مضاءة ملقيات بقطع الملابس كيفما اتفق.

إن وراء هذا الابتذال ذي الصور اللامعة المزوقة المليئة بالحلمية والإبهار، والتى تقدم على درجات محسوبة أهدافا فكرية وسياسية واجتماعية مقصودة تخدم غايات لا تخفى لا هي ولا خطورتها منها:

1 - تسويق الفكر الإباحي من خلال تسليع الجسد، واعلاء مبدأ اللذة ، وجعل الجانب الشهوى هو الغاية بذاته.

وأهمية هذا التسويق في الداخل هو العمل على تفتيت عناصر الثورة الاجتماعية وتهميشها ، وتغيير أولويات القيم من اجل اشغال هذه العناصر بالآني الزائل ، ومن خلال خلق الوعى الاستهلاكي ، وتنميته في سلوك الناس ووعيها ، وأهدافها ، من خلال جعلها موضوعا للفعل الجنسي ثقافيا ونفسيا مع إيهامها بأهمية هذا الفعل في كينونتها الزائفة وتقدمها اجتماعيا.

واما في الخارج فإن تسويق الفكر الإباحي، من خلال الصورة المشوهة للذة الجنسية والإغراء ، في السينما يهدف إلى تهيئة الآخر لاستقبال ملحقات هذا الفكر، فضلا عنه هو نفسه، فإلى جانب الإباحية الجنسية سيستقبل المتلقى الخارجي إباحية سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وهو ما يعرف تأدبا بـ "العولمة" في سعى إلى إخفاء وجهه القبيح..

2 - تصدير النموذج الغربي (الأمريكي) تصديرا جسديا يتبعه التصدير قيميا، وهو ما يعنى هيمنة صورة الغرب على ذات المتلقى ، حتى على مستوى المقاييس الجمالية التي تنبنى على الاختلاف والنسبية .

وذلك من خلال النموذج الشهوى الذكورى، والأنثوي الذى تزوقه المؤسسة إعلاميا، مهيئة إلى ما يتبعه من عناصر تكوينية لهذا الطابع الشهوى من ملابس وتسريحات ونمط حياة وأسلوب وتصرف وسلوك، وهو ما يعنى أن النموذج لم يعد شهويا فحسب بل هو نموذج للغزو الشامل وإلغاء هوية المتلقي .

4 - خلق الاغتراب، من خلال تدعيم الغريزي وتقويته والإيهام بتوافره، داخل وجدان المتلقى مما يهيئ للغزو الشامل للرؤية الاستعمارية؛ بدون استعمار فعلي، فالتبعية ستكون متأصلة، ومقنعة من خلال وهم الوعى بها وتحليلها وفقا لآلية التحليل الغربى الصانعة لهذا الوهم.

5 - كسر الحواجز والدفاعات النفسية والدينية والسياسية والاجتماعية للآخر، وإحداث الاضطراب فى بنية العقل مما يقوده إلى خرابه الذاتي .
مناشـــــــــــــــــــــــدة :
وبناء على هذا كله ، فإن كل غيور حريص على هذا المجتمع يجب أن يتحرك لإنقاذه من هذا العبث ، الذي يقدم باسم الفن السينمائي ، ويوقف هذه المهزلة ، التي ليس وراءها سوى تجار جشعون ، لا يهمهم إلا أن يملئوا جيوبهم من المال ، ولو أفسدوا قيم المجتمع .

وهذا وقد قال صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ) ولهذا فكل انحراف في المجتمع ، يكون في رقبة المسؤولين يوم القيامة ، وعنه سيسألون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

ولهذا فإننا نهيب بكل الغيورين على الإسلام أن يهبوا لوقف هذا السيل المنهدر من الفساد الإعلامي الذي يجتال أخلاق الأجيال ، فهم أمانة في أعناقهم ، وأن يمنعوا دور العرض السينمائي ، لاسيما ونحن نستقبل كارثة حرب جديدة ، يحتاج المجتمع فيها إلى الالتفاف حول قيم الإيمان ، والعمل الصالح ، والتقرب إلى الله تعالى والله المستعان.

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006