مسألة شد الرحال ؟ |
|
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم ما ردكم على هذا التعقيب : س : في قسم الفتاوى (1) في الموقع الخاص بالشيخ ( ابن جبرين ) وجه له السؤال التالي : ما حكم شد الرّحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فكان الجواب منه :
(( لا يجوز ، وإنّما تشد الرّحال إلى المسجد النبوي ، ثم يزور القبر من قريب بعد وصوله إلى المدينة ، يقول صلى الله عليه وسلم : { لا تشد الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى } والله أعلم )) .
قال المعقب : ـ لقد استند الشيخ ( ابن جبرين ) في فتواه هذه بعدم جواز شدّ الرّحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى حديث ( لا تشدّ الرّحال .... ) – كما هو الظاهر من نص جوابه – ولكن الحديث المذكور لا دلالة فيه على ما ذهب إليه ، فالحديث بعيد كل البعد عن حرمة شدّ الرّحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أو غيره من قبور الأنبياء والأئمة والأولياء ، ولا يصلح أن يكون دليلاً على ذلك :
أولاً : إن المستثنى منه في الحديث لا يخلو إمّا أم يكون (( المسجد )) أو (( المكان )) فإن كان الأوّل فتكون صورة الحديث : (( لا تشد الرحال إلى مسجد إلاّ إلى ثلا ثة مساجد ... الخ )) وعلى هذه الصورة يكون المنهي عنه – هذا على فرض أن النهي هنا نهي حرمة ، وهو ليس كذلك طبعاً – هو شدّ الرّحال إلى مسجد من المساجد غير المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث ، فليس فيه نهي عن شدّ الرّحال إلى أي مكان من الأمكنة إذا لم يكن المقصود مسجداً ، وعليه فلا دلالة في الحديث – على هذا الوجه – على عدم جواز شدّ الرحال لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام أو قبر غيره من أولياء الله .
وعلى الثاني تكون صورة الحديث : (( لا تشدّ الرّحال إلى مكان إلاّ إلى ثلاثة مساجد ... الخ )) وتفسير الحديث على هذه الصورة يلزم منه كون جميع أفراد السفر محرّمة وغير جائزة سواء كان لزيارة مسجد أو غيره من البقاع أو الأمكنة ، وهذا لا يأخذ به أحد ولا يلتزم بهذا القول واحد من الفقهاء ، فهذه الصورة لا يمكن الأخذ بها .
ثانيا : إن النهي عن شد الرحال إلى أي مسجد سوى المساجد الثلاثة ، إنما هو نهي إرشاد وليس نهي حرمة وذلك لعدم الجدوى في مثل هذا السفر ، حيث أن المساجد الأخرى لا تختلف من حيث الفضيلة ، فمن العبث أن يسافر العبد إلى جامع بلد آخر بقصد الصلاة والعبادة فيه وترك ذلك في جامع بلده مع أنهما متماثلان من حيث الفضيلة وثواب الصلاة والعبادة فيهما .
يقول الغزالي في إحياء علوم الدّين (ج 2 ص 247 ) : (( القسم الثاني : وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لحج أو جهاد ... ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكل من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تشد الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى ) لأن ذلك في المساجد ، فإنها متماثلة ( في الفضيلة ) بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان التفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله )) .
ولو كان النهي نهي حرمة لما شد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرّحال لزيارة قبر أمه بالأبواء وهي منطقة بين المدينة ومكة .
وبهذا تكون فتوى الشيخ ( ابن جبرين ) بعدم جواز شدّ الرّحال إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عارية من الدّليل وليس لها مستند شرعي وتنبيء عن عدم فهم الشيخ لمغزى حديث : (( لا تشدّ الرحال ... ))
******************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعــد :
بل ما ذكره الشيخ العلامة ابن جبرين حفظه الله هو الصواب ، فأولا لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شد الرحل لزيارة قبر أمه ، وإنما ثبت أنه استأذن ربه أن يزورها ، ولايلزم من ذلك شد الرحل ، بل قد يقع في أثناء سفر لغرض آخـــــر .
وثانيا : قول المعترض :
" أولاً : إن المستثنى منه في الحديث لا يخلو إمّا أم يكــــــون (( المسجــــــــد )) أو (( المكان )) فإن كان الأوّل فتكون صورة الحديث : (( لا تشد الرحال إلى مسجد إلاّ إلى ثلاثة مساجد ... الخ )) وعلى هذه الصورة يكون المنهي عنه – هذا على فرض أن النهي هنا نهي حرمة ، وهو ليس كذلك طبعاً – هو شدّ الرّحال إلى مسجد من المساجد غير المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث ، فليس فيه نهي عن شدّ الرّحال إلى أي مكان من الأمكنة إذا لم يكن المقصود مسجداً ، وعليه فلا دلالة في الحديث – على هذا الوجه – على عدم جواز شدّ الرحال لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام أو قبر غيره من أولياء الله .
وعلى الثاني تكون صورة الحديث : (( لا تشدّ الرّحال إلى مكان إلاّ إلى ثلاثة مساجد ... الخ )) وتفسير الحديث على هذه الصورة يلزم منه كون جميع أفراد السفر محرّمة وغير جائزة سواء كان لزيارة مسجد أو غيره من البقاع أو الأمكنة ، وهذا لا يأخذ به أحد ولا يلتزم بهذا القول واحد من الفقهاء ، فهذه الصورة لا يمكن الأخذ بها .
ثانيا : إن النهي عن شد الرحال إلى أي مسجد سوى المساجد الثلاثة ، إنما هو نهي إرشاد وليس نهي حرمة وذلك لعدم الجدوى في مثل هذا السفر ، حيث أن المساجد الأخرى لا تختلف من حيث الفضيلة ، فمن العبث أن يسافر العبد إلى جامع بلد آخر بقصد الصلاة والعبادة فيه وترك ذلك في جامع بلده مع أنهما متماثلان من حيث الفضيلة وثواب الصلاة والعبادة فيهما " .
مجاب عنه بما يلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يقال :
هذا استثناء مفرغ ، والتقدير فيه أحد أمرين :
إما أن يقال : { لا تشد الرحال } إلى مسجد { إلا المساجد الثلاثة } فيكون نهيا عنها باللفظ ونهيا عن سائر البقاع التي يعتقد فضيلتها بالتنبيه والفحوى وطريق الأولى ؛ فإن المساجد والعبادة فيها أحب إلى الله من العبادة في تلك البقاع بالنص والإجماع فإذا كان السفر إلى البقاع الفاضلة قد نهي عنه فالسفر إلى المفضولة أولى وأحرى .
وإما أن يقال : لا تشــد الرحال إلى بقعة ابتغاء فضيلتها إلا المساجد الثلاثة ، فيشمل ذلك قبور الصالحين .
هذا ولا يصح بحال أن يكون التقدير ، لا تشد الرحال إلى أي مكان ، مطلقا ، لان هذا التقدير معلوم استبعاده لدى الصحابة المخاطبين ، والحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يشدون الرحال إلى خارج المدينة ، فلا وجه لهذه التقدير قطعا .
فعلم بذلك أنه على الاحتمالين في المستثنى منه المقدر ، فالحديث يدل على النهي عن شد الرحال إلى بقعة ابتغاء فضيلتها إلا المساجد الثلاثة .
أما قوله إن النهي للإرشاد ، فخلاف الصواب ، ذلك أن الأصل في النهي التحريم ، ودلالته على فساد المنهي عنه ، ولا يصرف عن ذلك إلا بدليل ،
كما قال في المراقي :
وجاء في الصحيح للفساد ** إن لم يجي الدليل للسداد
ومما يؤكد أن الفهم الصحيح هو تحريم شد الرحال إلى بقعة لفضلها إلا المساجد الثلاثة ، أن الصحابة وأئمة السلف أطبقوا على ترك شد الرحال لقصد فضل بقعة إلا للمساجد الثلاثة ، لم يعرف عنهم شد الرحال إلى قبور الصالحين .
كما روى أحمد غيره أن الصحابي الجليل أبا بصرة رضي الله عنه ، لقي أبا هريرة وهو مقبل من الطور ، فقال : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من الطور ، قال : لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى .
ومن المعلوم أن شد الرحال تعظيما للأضرحة والقبور ، لم يظهر في الإسلام إلا بعدما ظهرت البدع ، وعظم الجهل ، واندرست معالم التوحيد ، وقد كان سلف هذه الأمة معظمين لبيوت الله تعالى ، متمسكين بهديه صلى الله عليه وسلم ، وهدي أصحابه في اجتناب العبادة عنـد القبور ، فضلا عن شد الرحال إليها ، حماية لجناب الوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، وسدا لذرائع الشرك الذي هو مهوى الجاهل البليد .
والله اعلم
*****************
هذا وتتميما للفائدة ننقل فيما يلي نقولا مفيدة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذه المسألة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال شيخ الإسلام :
"في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به .
فلو نذر الرجل أن يصلي بمسجد أو بمشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة .
ولو نذر أن يسافر أو يأتي إلى المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب عليه ذلك باتفاق العلماء .
ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد ؛ ولم يجب عليه عند أبي حنيفة ؛ لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع .
وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة كما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } والسفر إلى المسجدين طاعة ؛ فلهذا وجب الوفاء به . وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليها إذا نذره
ثم قال :
ـــــــــــــ
وقالوا : ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين . فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة . وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في " الإبانة الصغرى " من البدع المخالفة للسنة .
ثم قال :
ـــــــــــــ
فإذا من اعتقد السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرما بإجماع المسلمين فصار التحريم من هذه الجهة . ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك . وأما إذا قدر أن الرجل سافر إليها لغرض مباح فهذا جائز وليس من هذا الباب .
ثم قال :
ــــــــــــــ
وقد صرح من قال ذلك مثل مالك وغيره بأن المسافر إلى هناك إذا كان مقصوده القبر أنه سفر منهي عنه داخل في قوله : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } وأن السفر الذي هو طاعة وقربة أن يقصد السفر لأجل الصلاة في المسجد وأنه لو نذر أن يسافر إلى المدينة لغير الصلاة في المسجد فإنه ينهى عن الوفاء بنذره : لأنه نذر معصية .
وقال في موضع آخر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا كان هذا من قولهم معروفا في الكتب الصغار والكبار فكيف يظن أن السفر لمجرد زيارة القبور هو مجمع عليه بين الأئمة . وطائفة أخرى من العلماء يسمون هذا زيارة لقبره . ويقولون : تستحب زيارة قبره أو السفر لزيارة قبره ومقصودهم بالزيارة هو مقصود الأولين وهو السفر إلى مسجده وأن يفعل في مسجده ما يشرع من الصلاة والسلام عليه والدعاء له والثناء عليه وهذا عندهم يسمى زيارة لقبره مع اتفاق الجميع على أن أحدا لا يزور قبره الزيارة المعروفة في سائر القبور فإن تلك قبور بارزة يوصل إليها ويقعد عندها . أو يقام عندها ويمكن أن يفعل عندها ما يشرع : كالدعاء للميت والاستغفار له وما ينهى عنه : كدعائه والشرك به والنياحة عند قبره والندب . فهذا هو المفهوم من " زيارة القبور " .
والرسول دفن في بيته في حجرته ومنع الناس من الدخول إلى هناك والوصول إلى قبره فلا يقدر أحد أن يزور قبره كما يزور قبر غيره ؛ لا زيارة شرعية ولا بدعية ؛ بل إنما يصل جميع الخلق إلى مسجده وفيه يفعلون ما يشرع لهم أو ما يكره لهم .
والسفر إلى مسجده - لما شرع - سفر طاعة وقربة بالإجماع ؛ وهو الذي أجمع عليه المسلمون .
والمجيب قد ذكر استحباب هذا السفر وأنه يستحب بالنص والإجماع في مواضع كثيرة وقد ذكر ذلك في هذا الجواب وبين ما ثبت بالنص والإجماع من السفر إلى مسجده وزيارته الشرعية وبين ما لم يشرع من السفر إلى زيارة قبر غيره مما في قبور الأنبياء والصالحين ؛ فإن السفر إلى هناك ليس هو سفر إلى مسجد شرع السفر إليه بل المساجد التي هناك إن كانت مما يشرع بناؤه والصلاة فيه - كجوامع المسلمين التي في الأمصار - فهذه ليس السفر إليها قربة ولا طاعة ؛ لا عند الأئمة الأربعة ولا عامة أئمة المسلمين .
والسفر إليها داخل في قوله : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } باتفاق الناس . فإن هذا استثناء مفرغ . والتقدير فيه أحد أمرين :
إما أن يقال : { لا تشد الرحال } إلى مسجد { إلا المساجد الثلاثة } فيكون نهيا عنها باللفظ ونهيا عن سائر البقاع التي يعتقد فضيلتها بالتنبيه والفحوى وطريق الأولى ؛ فإن المساجد والعبادة فيها أحب إلى الله من العبادة في تلك البقاع بالنص والإجماع فإذا كان السفر إلى البقاع الفاضلة قد نهي عنه فالسفر إلى المفضولة أولى وأحرى . وكذلك من جعل معنى الحديث : لا يستحب السفر إلا إلى الثلاثة .
إن جعل معناه لا يجب إلا إلى الثلاثة وأراد به الوجوب بالنذر - كما ذكر ذلك طائفة - فهؤلاء يقولون : ما سوى الثلاثة لا يستحب السفر إليه ولا يجب بالنذر . ومن حمل معنى الحديث على نفي الاستحباب أو نفي الوجوب بالنذر فقولهما واحد في المعنى فإذا لم يجب بالنذر إلا هذه الثلاثة فقد وجب بالنذر السفر إلى المسجدين وليس واجبا بالشرع . فعلم أن وجوبه لكونه مستحبا بالشرع . فإذا لم يجب إلا هذان مما ليس واجبا بالشرع علم أنه ليس مستحبا إلا هذان . وقد بسط هذا في موضع آخر .
وإما أن يقال : التقدير لا تسافروا إلى بقعة ومكان غير الثلاثة .
أو يكون المعنى لا يستحب إلى مكان غير الثلاثة وهو معنى كل من قال : لا يجب بالنذر إلى غير الثلاثة .
أي لا تسافروا لقصد ذلك المكان والبقعة بعينه ؛ بحيث يكون المقصود والعبادة في نفس تلك البقعة كالسفر إلى المساجد الثلاثة ؛ بخلاف السفر إلى الثغور فإن المقصود السفر إلى مكان الرباط .
وقولي بالإجماع . أعني به إجماع السلف والأئمة فإن الصحابة كابن عمر وأبي سعيد وأبي بصرة وغيرهم فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } أن الطور الذي كلم الله عليه موسى وسماه بالواد المقدس والبقعة المباركة داخل في النهي ونهوا الناس عن السفر إليه ولم يخصوا النهي بالمساجد . ولهذا لم يوجب أحد ذلك بالنذر وما علمت في هذا نزاعا قديما ولا رأيت أحدا صرح بخلاف ذلك ؛ إلا ابن حزم الظاهري فإنه يحرم السفر إلى مسجد غير الثلاثة إذا نذره كقول الجمهور.
وهذه رسالة في جواب علماء بغداد في الدفاع عن شيخ الإسلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا آخر ما أجاب به شيخ الإسلام والله سبحانه وتعالى أعلم . وله من الكلام في مثل هذا كثير كما أشار إليه في الجواب . ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه وبعثوا به إلى الديار المصرية وكتب عليه قاضي الشافعية : قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية . فصح - إلى أن قال : وإنما المحرف جعله : زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين معصية بالإجماع مقطوع بها هذا كلامه .
فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الإسلام والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين وإنما ذكر فيه قولين : في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور . وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة .
وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى . والشيخ لا يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها . وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض الشيخ إلى هذه الزيارة في الفتيا ولا قال : إنها معصية ولا حكى الإجماع على المنع منها . والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية .
ولما وصل خط القاضي المذكور إلى الديار المصرية كثر الكلام وعظمت الفتنة وطلب القضاة بها فاجتمعوا وتكلموا وأشار بعضهم بحبس الشيخ . فرسم السلطان به . وجرى ما تقدم ذكره ثم جرى بعد ذلك أمور على القائمين في هذه القضية لا يمكن ذكرها في هذا الموضع .
انتصار علماء بغداد لشيخ الإسلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد وصل ما أجاب به الشيخ في هذه المسألة إلى علماء بغداد فقاموا في الانتصار له وكتبوا بموافقته ورأيت خطوطهم بذلك .
وهذا صورة ما كتبوا :
بسم الله الرحمن الرحيم يقول العبد الفقير إلى الله تعالى : - بعد حمد الله السابغة نعمه السابقة مننه . والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين : محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . إنه حيث قد من الله تعالى على عباده وتفضل برحمته على بلاده بأن وسد أمور الأمة المحمدية وأسند أزمة الملة الحنيفية إلى من خصصه الله تعالى بأفضل الكمالات النفسانية وخصصه بأكمل السعادات الروحانية محيي سنن العدل ومبدي سنن الفضل المعتصم بحبل الله المتوكل على الله المكتفي بنعم الله القائم بأوامر الله المستظهر بقوة الله المستضيء بنور الله أعز الله سلطانه وأعلى على سائر الملوك شانه ولا زالت رقاب الأمم خاضعة لأوامره وأعناق العباد طائعة لمراسمه ولا زال موالي دولته بطاعته مجبورا ومعادي صولته بخزيه مذموما مدحورا .
فالمرجو من ألطاف الحضرة المقدسة - زادها الله تعالى علوا وشرفا - أن يكون للعلماء الذين هم ورثة الأنبياء وصفوة الأصفياء وعماد الدين ومدار أهل اليقين : حظ من العناية السلطانية وافر ونصيب من الرحمة والشفقة فإنها منقبة لا يعادلها فضيلة وحسنة لا يحيطها سيئة لأنها حقيقة التعظيم لأمر الله تعالى وخلاصة الشفقة على خلق الله تعالى .
ولا ريب أن المملوك وقف على ما سئل عنه الشيخ الإمام العلامة وحيد دهره وفريد عصره تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية وما أجاب به . فوجدته خلاصة ما قاله العلماء في هذا الباب حسب ما اقتضاه الحال : من نقله الصحيح وما أدى إليه البحث من الإلزام والالتزام لا يداخله تحامل ولا يعتريه تجاهل . وليس فيه - والعياذ بالله - ما يقتضي الإزراء والتنقيص بمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم . وكيف يجوز للعلماء أن تحملهم العصبية : أن يتفوهوا بالإزراء والتنقيص في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يجوز أن يتصور متصور : أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم تزيد في قدره وهل تركها مما ينقص من تعظيمه ؟ حاشا للرسول من ذلك .
نعم لو ذكر ذلك ذاكر ابتداء وكان هناك قرائن تدل على الإزراء والتنقيص أمكن حمله على ذلك . مع أنه كان يكون كناية لا صريحا فكيف وقد قاله في معرض السؤال وطريق البحث والجدل ؟ ؟ .
مع أن المفهوم من كلام العلماء وأنظار العقلاء : أن الزيارة ليست عبادة وطاعة لمجردها حتى لو حلف : أنه يأتي بعبادة أو طاعة لم يبر بها ؛ لكن القاضي ابن كج - من متأخري أصحابنا - ذكر أن نذر هذه الزيارة عنده قربة تلزم ناذرها . وهو منفرد به لا يساعده في ذلك نقل صريح ولا قياس صحيح .
والذي يقتضيــه مطلق الخبر النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم { لا تشد الرحال } - إلى آخره " أنه لا يجوز شد الرحال إلى غير ما ذكر أو وجوبه أو ندبيته . فإن فعله كان مخالفا لصريح النهي ومخالفة النهي معصية - إما كفر أو غيره - على قدر المنهي عنه ووجوبه وتحريمه وصفة النهي والزيارة أخص من وجه .
فالزيارة بغير شد غير منهي عنها ومع الشد منهي عنها . وبالجملة فما ذكره الشيخ تقي الدين على الوجه المذكور الموقوف عليه لم يستحق عليه عقابا ولا يوجب عتابا . والمراحم السلطانية أحرى بالتوسعة والنظر بعين الرأفة والرحمة إليه وللآراء الملكية علو المزيد . حرره ابن الكتبي الشافعي . حامدا لله على نعمه . ا هـ
جواب آخر :
ــــــــــــــــــــ
الله الموفق ما أجاب به الشيخ الأجل الأوحد بقية السلف وقدوة الخلف رئيس المحققين وخلاصة المدققين ؛ تقي الملة والحق والدين : من الخلاف في هذه المسألة : صحيح منقول في غير ما كتاب من كتب أهل العلم لا اعتراض عليه في ذلك إذ ليس في ذلك ثلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غض من قدره صلى الله عليه وسلم .
وقد نص الشيخ أبو محمد الجويني في كتبه على تحريم السفر لزيارة القبور . وهذا اختيار القاضي الإمام عياض بن موسى بن عياض في إكماله . وهو من أفضل المتأخرين من أصحابنا . ومن المدونة : ومن قال : علي المشي إلى المدينة أو بيت المقدس فلا يأتيهما أصلا إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما . فلم يجعل نذر زيارة قبره صلى الله عليه وسلم طاعة يجب الوفاء بها ؛
إذ من أصلنا : أن من نذر طاعة لزمه الوفاء بها كان من جنسها ما هو واجب بالشرع كما هو مذهب أبي حنيفة أو لم يكن .
قال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق عقيب هذه المسألة : ولولا الصلاة فيهما لما لزمه إتيانهما ولو كان نذر زيارة طاعة لما لزمه ذلك . وقد ذكر ذلك القيرواني في تقريبه والشيخ ابن سيرين في تنبيهه .
وفي المبسوط : قال مالك : ومن نذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلي فيه . قال : فإني أكره ذلك له . لقوله صلى الله عليه وسلم { لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس ومسجدي هذا } .
وروى محمد بن المواز في الموازية : إلا أن يكون قريبا فيلزمه الوفاء لأنه ليس بشد رحل .
وقد قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر في كتابه " التمهيد " : يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد .
وحيث تقرر هذا فلا يجوز أن ينسب من أجاب في هذه المسألة بأنه سفر منهي عنه إلى الكفر فمن كفره بذلك من غير موجب فإن كان مستبيحا ذلك فهو كافر ؛ وإلا فهو فاسق .
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري في كتاب " المعلم " : من كفر أحدا من أهل القبلة فإن كان مستبيحا ذلك فقد كفر وإلا فهو فاسق . يجب على الحاكم إذا رفع أمره إليه أن يؤدبه ويعزره بما يكون رادعا لأمثاله فإن ترك مع القدرة عليه فهو آثم . والله تعالى أعلم . كتبه محمد بن عبد الرحمن البغدادي الخادم للطائفة المالكية بالمدرسة الشريفة المستنصرية . رحمة الله على منشئها .
وأجاب غيره
ـــــــــــــــــــــ
فقال : الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد . وعلى آله الطاهرين . ما ذكره مولانا الإمام العالم العامل جامع الفضائل والفوائد بحر العلوم ومنشأ الفضل جمال الدين كاتب خطه إمام خطي هذا جمل الله به الإسلام وأسبغ عليه سوابغ الإنعام أتى فيه بالحق الجلي الواضح وأعرض فيه عن إغضاء المشايخ إذ السؤال والجواب اللذان تقدماه لا يخفى على ذي فطنة وعقل أنه أتى في الجواب المطابق للسؤال بحكاية أقوال العلماء الذين تقدموه ولم يبق عليه في ذلك إلا أن يعترضه معترض في نقله فيبرزه له من كتب العلماء الذين حكى أقوالهم .
والمعترض له بالتشنيع إما جاهل لا يعلم ما يقول أو متجاهل يحمله حسده وحمية الجاهلية على رد ما هو عند العلماء مقبول أعاذنا الله تعالى من غوائل الحسد وعصمنا من مخائل النكد بمحمد وآله الطيبين الطاهرين ؛ والحمد لله رب العالمين . كتبه الفقير إلى عفو ربه ورضوانه . عبد المؤمن بن عبد الحق الخطيب . غفر الله له وللمسلمين أجمعين .
وأجاب غيره :
ـــــــــــــــــــــــــ
فقال بعد حمد الله الذي هو فاتح كل كلام والصلاة والسلام على رسوله محمد خير الأنام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام أعلام الهدى ومصابيح الظلام . يقول أفقر عباد الله وأحوجهم إلى عفوه : ما حكاه الشيخ الإمام البارع الهمام افتخار الأنام جمال الإسلام ركن الشريعة ناصر السنة قامع البدعة جامع أشتات الفضائل قدوة العلماء الأماثل في هذا الجواب من أقوال العلماء والأئمة النبلاء - رحمة الله عليهم أجمعين - بين لا يدفع . ومكشوف لا يتقنع . بل أوضح من النيرين وأظهر من فرق الصبح لذي عينين .
والعمدة في هذه المسألة : الحديث المتفق على صحته . ومنشأ الخلاف بين العلماء من احتمالي صيغته . وذلك : أن صيغة قوله صلى الله عليه وسلم { لا تشد الرحال } ذات وجهين نفي ونهي . لاحتمالهما . فإن لحظ معنى النفي فمقتضاه : نفي فضيلة واستحباب شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة ؛ إذ لو فرض وقوعهما لامتنع رفعهما . فتعين توجه النفي إلى فضيلتهما واستحبابهما دون ذاتهما وهذا عام في كل ما يعتقد أن إعمال المطي وشد الرحال إليه قربة وفضيلة : من المساجد وزيارة قبور الصالحين وما جرى هذا المجرى بل أعم من ذلك . وإثبات ذلك بدليل ضرورة إثبات ذلك المنفي المقدر في صدر الجملة لما بعد " إلا " . وإلا لما افترق الحكم بين ما قبلها وما بعدها وهو مفترق حينئذ : لا يلزم من نفي الفضيلة والاستحباب نفي الإباحة .
فهذا وجه متمسك من قال بإباحة هذا السفر بالنظر إلى أن هذه الصيغة نفي وبني على ذلك جواز القصر .
وإن كان النهي ملحوظا . فالمعنى نهيه عن إعمال المطي وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة ؛ إذ المقرر عند عامة الأصوليين أن النهي عن الشيء قاض بتحريمه أو كراهته على حسب مقتضى الأدلة . فهذا وجه متمسك من قال بعدم جواز القصر في هذا السفر لكونه منهيا عنه .
وممن قال بحرمته : الشيخ الإمام أبو محمد الجويني من الشافعية والشيخ أبو الوفاء ابن عقيل من الحنابلة وهو الذي أشار القاضي عياض من المالكية إلى اختياره .
وما جاء من الأحاديث في استحباب زيارة القبور فمحمول على ما لم يكن فيه شد رحل وإعمال مطي جمعا بينهما .
ويحتمل أن يقال : لا يصلح أن يكون غير حديث { لا تشد الرحال } معارضا له لعدم مساواته إياه في الدرجة . لكونه من أعلى أقسام الصحيح . والله أعلم . وقد بلغني أنه رزئ وضيق على المجيب . وهذا أمر يحار فيه اللبيب ويتعجب منه الأريب ؛ ويقع به في شك مريب . فإن جوابه في هذه المسألة قاض بذكر خلاف العلماء . وليس حاكما بالغض من الصالحين والأنبياء . فإن الأخذ بمقتضى كلامه صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المتفق على صحة رفعه إليه : هو الغاية القصوى في تتبع أوامره ونواهيه والعدول عن ذلك محذور وذلك مما لا مرية فيه . وإذا كان كذلك فأي حرج على من سئل عن مسألة فذكر فيها خلاف الفقهاء ومال فيها إلى بعض أقوال العلماء ؟ فإن الأمر لم يزل كذلك على مر العصور وتعاقب الدهور . وهل ذلك محمول من القادح إلا على امتطاء نضو الهوى المفضي بصاحبه إلى التوى فإن من يقتبس من فوائده ويلتقط من فرائده لحقيق بالتعظيم وخليق بالتكريم : ممن له الفهم السليم والذهن المستقيم . وهل حكم المظاهر عليه في الظاهر إلا كما قيل في المثل السائر الشعير يؤكل ويذم .
وقول الشاعر : جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار
وقال الله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } وقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } وقال تعالى : { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } . ولولا خشية الملالة لما نكبت عن الإطالة . نسأل الله الكريم أن يسلك بنا وبكم سبيل الهداية وأن يجنبنا وإياكم مسلك الغواية . إنه على كل شيء قدير . وبالإجابة جدير . وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم النصير . والحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين وأصحابه الكرام المنتخبين .
جواب آخر :
ـــــــــــــــــــــ
هذا جواب الشيخ الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام بن البتي الحنبلي رحمه الله تعالى . قال المؤلف : ومن خطه نقلت . جواب آخر لبعض علماء أهل الشام المالكية الحمد لله وهو حسبي . السفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بمشروع .
وأما من سافر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما فمشروع كما ذكر باتفاق العلماء .
وأما لو قصد إعمال المطي لزيارته صلى الله عليه وسلم ولم يقصد الصلاة فهذا السفر إذا ذكر رجل فيه خلافا للعلماء : وأن منهم من قال إنه منهي عنه : ومنهم من قال : إنه مباح . وأنه على القولين ليس بطاعة ولا قربة فمن جعله طاعة وقربة على مقتضى هذين القولين كان حراما بالإجماع وذكر حجة كل قول منهما أو رجح أحد القولين . لم يلزمه ما يلزم من تنقص إذ لا تنقص ولا إزراء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وقد قال مالك رحمه الله لسائل سأله : أنه نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليأته وليصل فيه . وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء { لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد } والله أعلم . كتبه أبو عمرو بن أبي الوليد المالكي . كذلك يقول عبد الله بن أبي الوليد المالكي .
قال المؤلف رحمه الله نقلت هذه الأجوبة كلها من خط المفتين بها .
قال : ووقفت على كتاب ورد مع أجوبة أهل بغداد وصورته :
جواب فيه الثناء العطر على شيخ الإسلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ناصر الملة الإسلامية ومعز الشريعة المحمدية بدوام أيام الدولة المباركة السلطانية . المالكية الناصرية ؛ ألبسها الله تعالى لباس العز المقرون بالدوام وحلاها بحلية النصر المستمر بمرور الليالي والأيام والصلاة والسلام على النبي المبعوث إلى جميع الأنام ؛ صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام .
اللهم إن بابك لم يزل مفتوحا للسائلين ورفدك ما برح مبذولا للوافدين من عودته مسألتك وحدك لم يسأل أحدا سواك ومن منحته منائح رفدك لم يفد على غيرك ولم يحتم إلا بحماك . أنت الرب العظيم الكريم الأكرم قصد باب غيرك على عبادك محرم . أنت الذي لا إله غيرك ولا معبود سواك عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك وعظم بلاؤك ولا إله غيرك . ولم تزل سنتك في خلقك جارية بامتحان أوليائك وأحبابك تفضلا منك عليهم وإحسانا من لدنك إليهم . ليزدادوا لك في جميع الحالات ذكرا ولإنعامك في جميع التقلبات شكرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } .
اللهم وأنت العالم الذي لا تعلم وأنت الكريم الذي لا تبخل قد علمت يا عالم السر والعلانية أن قلوبنا لم تزل ترفع إخلاص الدعاء صادقة وألسنتنا في حالتي السر والعلانية ناطقة .
أن تسعفنا بإمداد هذه الدولة المباركة الميمونة السلطانية الناصرية . بمزيد العلا والرفعة والتمكين وأن تحقق آمالنا فيها بإعلاء الكلمة في ذلك برفع قواعد دعائم الدين وقمع مكايد الملحدين . لأنها الدولة التي برئت من غشيان الجنف والحيف وسلمت من طغيان القلم والسيف .
والذي ينطوي عليه ضمائر المسلمين ويشتمل عليه سرائر المؤمنين : أن
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006