سؤال عن حكم بيع البطاقات المدنية ؟

 

السؤال:

كثر في الآونة الأخيرة المتاجرة ببيع البطاقات المدنيـــــة ( حفيظة النفوس ـ شهادة الجنسية ) لتجار يريدون أن يشتروا بها أسهما في شركة عرضت للاكتتاب العام ، ثم يملكون بذلك حق التصرف بالأسهم التي اشتريت بأسماء بائعي البطاقات ، وهم في الحقيقة لا يشترون تلك البطاقات لأنها هوية فهي لاتباع ، وإنما يشترون من المواطنين حق الاكتتاب في تلك الشركات فقط ، فهل يجوز ذلك ؟

*********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
بيع البطاقة المدنية بهذه الصورة المذكورة في السؤال لا يجوز ، فالبطاقة المدنيــــة ـ كشهادة الجنسية ـ هي شهادة تفيد أن الشخص مواطن يتمتع باختصاصات تميزه عن غيره في بلده ، وبيع الاختصاص لا يجوز إن كان مانحه قد اشترط عدم بيعه ، وكذلك هو في بيع البطاقات المدنية ، فهي ممنوحة للمواطنين بهذا الشرط ، أن لا يتاجر بها ، بل هي اختصاص لا يتعداه ، لان مصلحتها لاتحصل أصلا إلا بذلك ، فلو سمح ببيعها بطلت فائدة التخصيص ، ولذلك فلا يحق أصلا أن يسمح ولي الأمر بالمتاجرة بهذه الاختصاصات ، لان لو فعل ذلك ، لكان جاريا على غير سنن مراعاة المصلحة العامة .
فإن قيل : إن البيع لا يقع عليها في الحقيقة ، وإنما يقع على حق حاملها بالاكتتاب في شركة الأسهم ، فكأنما بائعها يبيع حقه في الاكتتاب فحسب ، وبيع الحقوق جائز ، مثل بيع حق استيفاء القصاص ، وهو من جنس الحقوق غير المالية التي يجوز المعاوضة عليها بمال .
فالجواب : أن بيع هذا الحق لا يجوز أيضا ، لان منح المواطن هذا الحق ، مشروط بأن لا يبيعه على غيره ، ويشبه هذا من وجه ، منح رخصة الصيد ، أو رخصة مكان لتربية المواشي ، أو إقطاع المواطن أرضا ليبني عليها مظلة تابعة لبيته أو حديقة ، بشرط أن لا يتصرف فيه ببيع ، لان المقصود بهذه الاختصاصات ضبط مزاولة المهن واستيفاء الحقوق والإستيثاق من أهلية من يمنح هذه الاختصاصات ، أو استحقاقه لها ، وتحقق توزيعها بين الناس بالعدل .
ولهذا فإنه يشترط عليه ــ لفظا أو عرفا ــ أن لا يتصرف في هذه الاختصاصات ، إلا بإذن مانحها ولاتجوز مخالفة الشرط في هذا كلــــه ، وفـــي الحديث الصحيــح ( المسلمون على شروطهم ) رواه أبو داود من حديث أبى هريرة رضي الله عنه .
وقال عمر رضي الله عنه ( المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم ) رواه سعيد بن منصور .
وأيضا فإن المقصود بمنح كل مواطن حق شراء الأسهم ، لئلا تحتكر الأسهم بيد فئة من الأغنياء ، وبيع البطاقات المدنية ، يفسد هذا المقصد المشروع والذي يعود بالمصلحة العامة للناس ، وما يحدث وراء بيع هذه البطاقات ، هو أن التجار الكبار يشترون بطاقات الناس ، فينقلون حقهم في الاكتتاب إلى شركات مضاربة كبيرة تابعة لهم ، أو بالاتفاق بينهم وبينها ، ثم تسجل كل الأسهم التي حصل الاكتتاب بها باسم أولئك التجار الكبار ، ثم يحتكرون الأسهم ، ويستولون على الشركة ، بدل أن تكون أسهمها موزعة بين أكبر قدر من الناس ليعود ذلك بالنفع العام عليهم .
وكل هذا يدل على أن بيع حق الاكتتاب ـ الذي يظهر في صورة بيع البطاقة المدنيـــة ـ لا يجوز ، لانه مخالف لشرط الجهة التي منحت المواطن هذا الاختصاص ، ولان ذلك يعود على الفرد والمجتمع والدولة بالفساد ، والله لا يحب الفساد .
وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة المفتي العام السابق العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى ، هذا نصها:
حكم بيع شهادات الميلاد للمساهمة في شركة .
س : بالنسبة للشركات المذكورة أعلاه عندنا بالكويت إذا ما أحببت أن تساهم بالشركات المذكورة تبيع شهادات الميلاد الخاصة بأفراد عائلتك بالإضافة إلى شهادة الجنسية بمبالغ كبيرة فما حكم بالشرع في حلالها وحرامها ؟؟
فأجابت اللجنة : لا يجوز للإنسان أن يبيع شهادات الميلاد الخاصة بعائلته على شخص آخر من أجل أن يساهم في هذه الشركات بأسماء أصحاب هذه الشركات بناء على أنهم أولاده وهم في الواقع ليسوا بأولاده ، وكذلك شهادة الجنسية فإن منح الجنسية من الدولة للشخص ، وصفة تمتع الشخص بهذه الجنسية له أنظمة تختلف هذه الأنظمة باختلاف الدول ، فعلى من يعمل بها أن يتقيد بأنظمة الدولة بالنسبة لشهادات الميلاد ، وبالنسبة للجنسية .
وإذا كانت هذه الأنظمة لا تتعارض مع الشرع الإسلامي ، فإن هذا من التعاون على البر والتقوى ، وقد أمر الله تعالى به في قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) المائدة 6 ، والخروج على أنظمتها بما يعود على الفرد والمجتمع والدولة بالفساد من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد حرمه الله تعالى لقوله : ( ولاتعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة 2 ، ولان هذا كذب حرام ، ولانه من أكل أموال الناس بالباطل من الجانبين ، لان كل واحد منهما أخذ المال بطريق محرم وهو الكذب والغش والخيانة للدولة ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم اللجنة الدائمة عبد العزيز بن باز ، عبد الله بن منيع ، عبد الله بن غديان ، عبدالزراق عفيفي . نقلا عن فتاوى إسلامية 2/45

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006