الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
إذا كان عليُّ رضي الله عنه ، وهـو ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أسبق السابقين من المهاجرين ، وهو من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، بمنزلة هارون من موسى ، عليهما السلام ، وهو خليفة راشد ، وإمام عادل ، ومنار هدى ، وأفضل الأمِّة بأسرها في زمنه ،
وكان منازعه باغٍ بنصّ النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله ( تقتل عمار الفئة الباغية ) ، وإن كان بغيه بتأويل كما ذكر العلماء .
إذا كان عليُّ رضي الله عنه بهذه المثابة ، ومع ذلك لما قاتل معاوية ، كان ترك ذلك القتال هو الصواب ، لأنَّ عاقبتـه كانت مفاسدها أرجح من مصالحها .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( بل المشروع ترك القتال فى الفتنة ، كما جاءت به النصوص الكثيرة المشهورة كما فعله من فعله من القاعدين عن القتال ، لأخبار النبىِّ ( أن ترك القتال فى الفتنة خير) ،
و ( أن الفرار من الفتن باتخاذ غنم فى رؤوس الجبال خير من القتال فيها )
وكنهيه لمن نهاه عن القتال فيها وأمره باتخاذ سيف من خشب .
ولكون علىِّ لم يذمّ القاعدين عن القتال معه ، بل ربما غبطهم فى آخر الأمر.
ولأجل هذه النصوص لا يختلف أصحابنا أن ترك علىِّ القتال كان أفضل ، لأنَّ النصوص صرحت بأن القاعد فيها خير من القائم ، والبعد عنها خير من الوقوع فيها ، قالوا : ورجحان العمل يظهر برجحان عاقبته .
ومن المعلوم أنهم إذا لم يبدأوه بقتال ، فلو لم يقاتلهم لم يقع أكثر مما وقع من خروجهم عن طاعته ، لكن بالقتال زاد البلاء ، وسفكت الدماء ، وتنافرت القلوب ، وخرجت عليه الخوارج ، وحكم الحكمان ، حتى سُمِّى منازعه بأمير المؤمنين ، فظهر من المفاسد ما لم يكن قبل القتال ، ولم يحصل به مصلحة راجحة ،
وهذا دليل على أنَّ تركه كان أفضل من فعله ، فإنَّ فضائل الأعمال إنما هى بنتائجها وعواقبها) مجموع الفتاوى 2/ 530
فكيف يُفتى بجواز القتال مع مجموعة أخطأت خطـأً بيِّنـا بإعلانها قيام إمارة بغير حقِّ ، ضـدَّ أخوة لهم مسلمين ، محاصرين ، يتوقّعون قتال عدوِّهم اليهودي الكافر في كلِّ حين ، ويستعـدُّون لجهادهم كلَّ يوم ، والحال أنَّه لايختلف عاقلان في أنَّ عاقبة هذا القتال فيها من المفاسد ، مالا يحصيه إلاَّ ربُّ العباد ، وليس فيه من المصلحة شيء ؟!
ولاريب أنَّ الذي يحرّضهم على مواصلة القتال ، وإثارة الفتنة في غـزة ، ولايسعى في إطفاء نار هذه الفتنة ، إنما يتحمل أعظـم الآثـام ، ويقترف أكبر الإجرام ، ولاينفـّذ بهذا التحريض إلاَّ مخططا صهيونيا خبيثا ، فهو أداة فيه من حيث يشعر أو لايشعـر ، والله المستعان .