فضيلة الشيخ : هل تارك الصلاة عمدا يقضي ما فاته ؟! |
|
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
أصح قولي العلماء أن تارك الصلاة عمدا ، ليس من شروط توبته أن يقضي ما فاته عمدا ، وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله ، الأدلة على أن تارك الصلاة عمدا لايصح قياس الناسي والنائم عليه في وجوب القضاء عليه وإجزاءه ، فقياس المتعمد على المعذور من أفسد أنواع القياس ، وذكر أنّ تارك الصلاة عمدا لايصح منه القضاء ، وهو غير مأمور به ، والمقصود أنه ليس من شروط توبته قضاء الصلاة الفائتة عمـدا ، وإنْ كان الإكثار من النوافل من الحسنات التي تذهب السيئات ، ومن تاب تاب الله عليه ،
وقال حاكيا أدلة من قال من العلماء بهذا القول :
قالوا : أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت نوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان :
احدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام .
ما وقته أوسع من فعله كالصلاة.
وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها ، فإنه إنما أمر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها .
ثم قال:
قالوا : فما أمر الله به في الوقت ، فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا ، وإن أمكن حسا ـ بل لا يمكن حسا أيضا ـ فإن إيتانه بعد الوقت ، أمر غير المشروع.
قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ، ولا الوقوف بعرفة بعد وقته.
قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه الله ، ورسوله ، وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة ، والصيام ،والحج ، إلا في أوقات مختصة به ، فإذا فاتت تلك الأوقات، لم تكن مشروعة ، ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ، ولا الوقوف بعرفة في اليوم العاشر ، ولاالحج في غير أشهره.
وأما الصلوات الخمس ، فقد ثبت بالنص ، والإجماع ، أن المعذور بالنوم ، والنسيان ، وغلبة العقل ، يصليها إذا زال عذره ، وكذلك صوم رمضان ، شرع الله سبحانه قضاءه ، بعذر المرض والسفر ، والحيض.
قالوا والله سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ، ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ،ولا بعد خروج وقتها ، والمفعول قبل الوقت ، وبعده ، أمر غير المشروع ، فلو كان الوقت ليس شرطا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت ، وبعده ، لأنّ كلا الصلاتين ، صلاها في غير وقتها ، فكيف قبلت من هذا المفرط بالتفويت ، ولم تقبل من المفرط بالتعجيل.
قالوا والصلاة في الوقت واجبة على كل حال ، حتى أنه يترك جميع الواجبات، والشروط لأجل الوقت ، فإذا عجز عن الوضوء ، والاستقبال ، أو طهارة الثوب ، والبدن ، وستر العورة ، أو قراءة الفاتحة ، أو القيام في الوقت ، وأمكنه أن يصلي بعد الوقت بهذه الأمور ، فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرعها الله واوجبها ،
ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات ، فعلم أن الوقت مقدم عند الله ورسوله على جميع الواجبات ، فإذا لم يكن إلا أحد الأمرين ، وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط ، والواجبات ، ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها، لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرا من صلاته في الوقت بدونها ، وأحب إلى الله وهذا باطل بالنص ، والإجماع .
ثم قال :
قالوا : وأيضا فنقول لمن قال : إنه يستدركها بالقضاء ، أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي امر الله بها ، أم هي غيرها؟
فإن قال هي بعينها ، قيل له : فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا ، لأنه قد فعل ماأمر الله به بعينه ، فلا يلحقه الإثم والملامة ، وهذا باطل قطعا ، وإن قال : ليست هي التي أمر الله بها ، قيل له فهذا من أعظم حججنا عليك ، إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها.
ثم نقول أيضا : ما تقولون في من تعمّد تفويتها حتى خرج وقتها ، ثم صلاها ، أطاعه صلاته تلك أم معصية ؟!
فإن قالوا : صلاته طاعة ، وهو مطيع بها خالفوا الإجماع ،والقرآن ، والسنن الثابتة ،
وإن قالوا : هي معصية ، قيل فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية؟! وكيف تنوب المعصية عن الطاعة؟!
فإن قلتم : هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها ، وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة ، لا بالتفويت الذي هو معصية ،
قيل لكم : الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي أمر به ، فأين طاعة الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها ، حتى يكون مطيعا له بذلك فلو ثبت ذلك لكان فاصلا للنزاع في المسألة.
قالوا : وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه ، كما أن الليل لا يقبل الصيام ، وغير أشهر الحج لا يقبل الحج ، وغير وقت الجمعة لاتقبل الجمعة ، فأي فرق بين من قال : إن أفطر النهار ، وأصوم الليل ، أو قال : أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد ، وأصوم مكانه شهرا في الربيع ، أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم ، أو قال : أنا أصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة ، أو أصلي العيدين في وسط الشهر ، وبين من قال : أنا أؤخر صلاة النهار إلى الليل ، وصلاة الليل إلى النهار ، فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك؟!
قالوا : وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنه ، وأزمنة ، وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها ، كعرفة ، ومزدلفة ، ومنى ، ومواضع الجمار ، والمبيت ،والصفا ، والمروة ،ولا تنوب صفة من صفاتها التي أوجبها الله عليها عن صفة ، فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه.
قالوا : وقد أمر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوّهم أن يصلوا صلاة الخوف ، فيقصروا من أركانها ، ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ، ويستدبروها فيها القبلة ،ويسلمون قبل الأمام، بل يصلون رجالا ، وركبانا ، حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء ، أتوا بها على دوابّهم ، إلى غير القبلة في وقتها ، ولو قبلت منهم في غير وقتها ، وصحت ، لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن ، وإمكان الإتيان بها .
وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ، ولا مقبولة منهم ، مع العذر الذي أصابهم في سبيله ، وجهاد أعدائه ، كيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة ، وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها ، حتى يخرج وقتها ، ثم يصليها في غير الوقت ، وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض ، بل أمره أن يصلي على جنبه بغير قيام ، ولا ركوع ، ولا سجود ، إذا عجز عن ذلك ، ولو كانت تقبل منه ، وتصح في غير وقتها ، لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة
، فأخبرونا أيّ كتاب ، أو سنة ، أو اثر عن صاحب ، نطق بأنّ من أخّر الصلاة ، وفوتها عن وقتها الذي أمر الله بإيقاعها فيه عمدا يقبلها الله منه بعد خروج وقتها ، وتصح منه ، وتبرأ ذمته منها ، ويثاب عليها ثواب من أدى فريضته ؟!!
هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة .
الكاتب: زائر
التاريخ: 07/04/2007