الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
هذه العبارة ، هي ما يحبه الله ورسوله ، ففي الحديث : ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة ، والصيام ، والصدقة ، قالوا : بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) خرجه أحمد الترمذي وأبو داود وابن حبان وغيرهم.
،
وهذه العبارة هـي حقّـا ما تحتاجه الفصائل الجهادية في كلّ مكان ، وعلى أتباع كلّ جبهة جهادية في العراق أن تضع حرمة دماء المجاهدين ، وأعراضهم ، وأموالهم ، وكذا دم كلّ مسلم معصـوم ، فوق كلّ إعتبار ، وأن تطرد من يتجاوز هذا الخــط الأحمــر من صفوفها وتتبرأ منه ، وأن تحتاط حيطة بالغة في تجنيد الأتباع ، وتربيهم على حفظ الحرمة الإسلامية ، وأن يكونوا أذلّة على المؤمنين ، أعزّة على الكافرين ، وأن يرفقوا بأهل البلد ، وأن يرشدوهم برفق ، ولين ، وحكمة ، ففي الحديث ( شرّ الرعاء الحُطَمـة ) .
وعلى الذين يتكلّمون في شأن الجهاد ـ مـع وجوب تحذيرهم وتشديدهـم على نبذ الشذوذ والغلوّ ـ أن يشجّعوا روح الأخوّة الإيمانيّة الطيّبة ، وأن ينشروا الدعوة إلى الودّ والمحبة بين المجاهدين في كلّ المنابر الإعلامية ، وأن يطردوا المتعصّبيـن الذين يثيرون الفتنة بين المجاهدين ، وأن يمنعوا كلّ دعوة إلى ضـد ما ذكره ذلك القائد الجهادي في كلامه السـابق ،
فكلّ الفصائل الجهادية على خيـر ـ مع أنهم غير معصومين ـ وكلّهم من خيرة المسلمين ، حتى لو اختلفوا فيما بينهم ، فالخلاف بمجرده لايسقط عدالتهم ، ولايذهـب فضلهم ، وجميعهم لهم السبـق والفضـل بأيديهم البيضاء على أمّة الإسلام بإفشال المشروع الصهيوصليبي ، فهي صنائـعٌ مشكورة ، وأفعالٌ مبرورة ، لانفرّق بين أحـد منهم ، ولا نقدّمه على إخوانه .
وليقل كلّ قائد جهادي عن إخوانه : ( دمي دون دمكم ، وعرضي دون عرضكم ، لن تسمعوا إلاّ طيبا ولن تروا إلاّ خيرا ، وما بيينا أقوى مما يظنه بعضهم ).
وليقل كلّ جندي تابع لقيادته ، مثل هذه العبارة ، لإخوانه في الفصائل الجهادية الأخرى.
وقد كان في جبهات القتال أيام الجهاد الأفغاني من الإنحراف في بعض الجبهـات، مالايقارن مع الأخطاء التي تقع فيها ـ باجتهاد ـ الفصائل الجهادية في العراق بلا استثناء ـ فكلها تخطىء ـ ومع ذلك كان الشيخ عبدالله عزام رحمه الله ، ومع حكماء ذلك الجهاد الأفغاني المبارك ، يدعون إلى تغليب الحكمة ، وتجاوز الصدام ، لئلاّ يفرح العدوّ ، فالواجـب أن نستفيد من تلك التجربـة الثريـّة ، ونسير على منوالها .
وكذلك عندما قامت حركة طالبان بجهادهـا المبارك ، كانت تقع في أخطاء ، فتنبـت نابتة الشذوذ عند بعض الجهلة ، وينبض عرقها المريض بالغلـوّ ، فيطعنون فيها ، ويدعون إلى حربها ، فكان قادة العرب المجاهدين الحكماء يوجّهون بأخذ الأمور بالرفق ، والتروّي ، واللين ، وتحمّل الأخطاء ، فالكمال مطلب متعذر ، وحسب المجاهدين أن تغلب حسناتهم ، ثـم إن مواجهتهم لأعداء الإسلام من أعظم الحسنات الغالبة على النقص ، لاسيما في مثل زماننا هذا .
وقـد اتفق أهل السنة ، أن الجماعة مع نقص ، خيرٌ من الفرقة مع عدمه ، لذلك سُمُّوا أهل السنة والجمـاعة ، ذلك أنّ الفرقة ، هي نزع الشيطان ، وهـي من أعظم النقص و من أخطره على أمّتنا .
ولهذا تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه ، الخليفة الراشد بالنص ـ إذ تنتهي فترة الخلافة الراشدة بنهاية حكمه بنص الحديث ـ لمعاوية رضي الله عنه ، الذي ورد النص بأنه ( الفئة الباغية ) ، وقد قال العلماء إنه بغـيٌ بتأويل ، تنازل الحسن الذي سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم سيـّدا ، لأنـّه يصلح بين طائفتين عظيمتين من المسلمين ، عن الخلافة ، ـ وهـي الخلافة ـ لمعاوية رضي الله عنه ، من أجل أن يحقن دماء المسلمين ، ويجمع كلمتـهم ، ونال بذلك شرف الدنيا والآخرة ، وسُمّي ذلك العام الذي اجتمع فيه أهل الإسلام ، عام الجماعة .
وبهذا الروح الأخوية تقطع الطريق على المندّسين ، والمحرّضين على فصائل الجهاد الإسلامي في العراق بأوهام يبثّها أهـل الفتنـة، تحت ذريعـة الإنحراف !
وبهذه الروح الأبويـّة من القادة ، تفسد خطط المنافقين الذين يريديون أن يوقعوا بين فصائل الجهاد ،
وبهذه الروح التآلفية ندمـّر على الحاقدين ، والمتعصّبين الذين لايريدون إلاّ لجماعتهم أن تبقى ، ويفنى الآخـرون !
وبهذه الروح الطيّبة بين المجاهدين جميعا ، وبمحاصرة الشذوذ والغلوّ ، تجتمع الطاقات كلّها ، وتلتئم الخاصّة ، فتتبعها العامّـة ، ليصل الجهاد إلى أهدافه ، ويحقق إقامـة الحكم الإسلامي ، بعد طـرد المحتـل وأذنابه ، والمتاجرين معه ، بدين أمتنا ، وبدماءها ، وبأشلاءها ، ومقدراتها .
هذا ،، ونعيد التذكير بما ذكرناه في المقال قبل الأخير :
ولنا اليوم ثلاث نصائـح للجماعات الجهاديـة بالعــراق ،
أحدهـا :
أن تزيد درجة تعاونها ، فتقيم بينها حلفـا وميثاقا ، يكون الحـدُّ الأدنى فيه
أمريـن :
أحدهـما : أن الدمـاء خـط أحمـر ، فالسلاح إلى داخلـها، مرفوض جملة وتفصيلا ،مهما كانت مسوَّغاتـه ، والأخذ على يد العابث بهذا الخط الأحمـر واجب الجميع .
الثاني : لايُقدّم شيءٌ على طرد المحتـل الأمريكي ، والصفوي ، وإفشال مشروعيهما الخطيرين ، ليس على العراق فحسب ، بل على أمّتنا كلها .
ثم إن اتفقوا على أن يكون بينهم مجلسٌ تنسيـقي أعلى ينسّـق بينهم في جميـع المواقف العامـة فهو غاية المطلوب ، وإلاّ فالوحـدة هي أعلى الغايات.
وننقـل هنا بعض ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجماعة والإئتلاف ، والنهي عن الفرقة والإختلاف ، وهو مما لايخفى عليهم ، غير أن الذكرى تنفع المؤمنــين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.
، وفي الصحاح عن النبي أنه قال مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى ، والسهر ، وفي الصحاح أيضا أنه قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه ، وفي الصحاح أيضا انه قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يسلمه ، ولا يظلمه ، وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة.
وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض وجعلهم إخوة ، وجعلهم متناصرين ، متراحمين ، متعاطفين ،وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن الافتراق والاختلاف ، فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ، إنما أمرهم إلى الله الآية أ.هـ
الثانيــة :
أن يأخذوا أهل العراق الشامـخ في دعوتهم بالـرفق ، والحلم ، والتؤدة ، والتدرج ، واللين ، ويقدموا علماءهم على غيرهم ، ويقرّوهم على ما عليه علماؤهم من المسائل التي تنازع فيها العلماء ، فالإجتماع خيـر ، والفرقة شـرّ ، وكما قال ابن مسعود : إنَّ ما تكرهون في الإجتماع ، خير مما تحبُّون في الفرقة ، وكان الإمام أحمد رحمه الله يستحب أن يجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة في الحجاز تأليفا للقلوب وإن كان يرجح الإسرار بها ،وقس على هذا مئات المسائل .
الثالثـة :
أن يعالجوا الشذوذ في الوسط الجهادي ـ وهو أمر واقع لامحالة تثمره ميادين العنف بطبيعتها ـ بإجتماعهم هـم أولا ، وبحصاره ثانيا ، وبإبقاء الباب مفتوحا لمن يرجع ويتبين له خطؤه ثالثا ، وبالتفريق بين المخلصين الذين اشتبهت عليهم السبل ، والمدسوسين الذين يريدون إفساد الجهاد ، بالجنوح إلى غلوّ مصطنع ، وشدَّة ممقوتة في غير موضعها ، فليعطوا كلّ فريـق مستحـقه.
ثم إننا على يقين بأن الله تعالى سيحمي دينه ، ويظهـره رايته ، ويعـزّ شريعته ، ويذل أعداءه ، وهو سبحانه يعلم المصلح من المفسـد وهو على كل شيء وكيـل .
اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا ، ولاتجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا
وحسبنا الله ونعم الوكيــل.