تعليق الشيخ على عبارة أحد قادة الجهاد في العراق ( أبو عمر البغدادي ) .

 

فضيلة الشيخ أحسن الله إليك /
قال أحد قادة الجهاد في العراق : ( فيا اخواننا في جيش أنصار السنة وجيش المجاهدين ان الود بينناعميق وأواصر العقيدة والمحبة هي أقوى وأمتن من ان تنال بمكروه ويا الجيش الإسلامي اعلموا ان دمي دون دمائكم وعرضي دون عرضكم ووالله لن تسمعوا منا الا طيباولن تروا منا الاخيرا فطيبوا نفسا وقروا عينا فما بيننا اقوى مما يظنه بعضهم غفرالله لهم ويا جنود ثورة العشرين نعم ،  لقد نزغ الشيطان بيننا وبينكم  ، شيطان الحزبالإسلامي ، وزبانيته ،  لكن عقلاء كتائبكم تداركوا الموقف وجالسوا اخوانهم... إلخ) .
 
ما تعليق فضيلة الشيخ على هذه العبارة
 
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
 
 هذه العبارة  ، هي ما يحبه الله ورسوله ، ففي الحديث : ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة ، والصيام ، والصدقة ، قالوا : بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة  ) خرجه أحمد الترمذي وأبو داود وابن حبان وغيرهم.
،
 وهذه العبارة  هـي حقّـا ما تحتاجه الفصائل الجهادية في كلّ مكان ، وعلى أتباع كلّ جبهة جهادية في العراق أن تضع حرمة دماء المجاهدين ، وأعراضهم ، وأموالهم ، وكذا دم كلّ مسلم معصـوم  ، فوق كلّ إعتبار ، وأن تطرد من يتجاوز هذا الخــط الأحمــر من صفوفها وتتبرأ منه ، وأن تحتاط حيطة بالغة في تجنيد الأتباع ، وتربيهم على حفظ الحرمة الإسلامية ، وأن يكونوا أذلّة على المؤمنين ، أعزّة على الكافرين ، وأن يرفقوا بأهل البلد ، وأن يرشدوهم برفق ، ولين ، وحكمة ، ففي الحديث ( شرّ الرعاء الحُطَمـة ) .
 
وعلى الذين يتكلّمون في شأن الجهاد  ـ مـع وجوب تحذيرهم وتشديدهـم على  نبذ الشذوذ والغلوّ ـ أن يشجّعوا روح الأخوّة الإيمانيّة الطيّبة ، وأن ينشروا الدعوة إلى الودّ والمحبة بين المجاهدين في كلّ المنابر الإعلامية ، وأن يطردوا المتعصّبيـن الذين يثيرون الفتنة بين المجاهدين ، وأن يمنعوا كلّ دعوة إلى ضـد ما ذكره ذلك القائد الجهادي في كلامه السـابق ،
 
 فكلّ الفصائل الجهادية على خيـر ـ مع أنهم غير معصومين ـ وكلّهم من خيرة المسلمين ، حتى لو اختلفوا فيما بينهم ، فالخلاف بمجرده لايسقط عدالتهم ، ولايذهـب فضلهم ، وجميعهم لهم السبـق والفضـل بأيديهم البيضاء على أمّة الإسلام بإفشال المشروع الصهيوصليبي ، فهي صنائـعٌ مشكورة ، وأفعالٌ مبرورة ، لانفرّق بين أحـد منهم ، ولا نقدّمه على إخوانه .
 
 وليقل كلّ قائد جهادي عن إخوانه : (  دمي دون دمكم ، وعرضي دون عرضكم ، لن تسمعوا إلاّ طيبا ولن تروا إلاّ خيرا ، وما بيينا أقوى مما يظنه بعضهم ).
 
وليقل كلّ جندي تابع لقيادته ، مثل هذه العبارة ، لإخوانه في الفصائل الجهادية الأخرى.
 
وقد كان في جبهات القتال أيام الجهاد الأفغاني من الإنحراف في بعض الجبهـات، مالايقارن مع الأخطاء التي تقع فيها ـ باجتهاد ـ الفصائل الجهادية في العراق بلا استثناء ـ فكلها تخطىء ـ ومع ذلك كان الشيخ عبدالله عزام رحمه الله ، ومع حكماء ذلك الجهاد الأفغاني المبارك ، يدعون إلى تغليب الحكمة ، وتجاوز الصدام ، لئلاّ يفرح العدوّ ، فالواجـب أن نستفيد من تلك التجربـة الثريـّة ، ونسير على منوالها .
 
 وكذلك عندما قامت حركة طالبان بجهادهـا المبارك ، كانت تقع في أخطاء ، فتنبـت نابتة الشذوذ عند بعض الجهلة ، وينبض عرقها المريض بالغلـوّ ، فيطعنون فيها ، ويدعون إلى حربها ، فكان قادة العرب المجاهدين الحكماء يوجّهون بأخذ الأمور بالرفق ، والتروّي ، واللين ، وتحمّل الأخطاء ، فالكمال مطلب متعذر ، وحسب المجاهدين أن تغلب حسناتهم ، ثـم إن مواجهتهم لأعداء الإسلام من أعظم الحسنات الغالبة على النقص ، لاسيما في مثل زماننا هذا .
 
 وقـد اتفق أهل السنة ، أن الجماعة مع نقص ، خيرٌ من الفرقة مع عدمه ، لذلك سُمُّوا أهل السنة والجمـاعة ،  ذلك أنّ الفرقة ، هي نزع الشيطان ، وهـي من أعظم النقص و من أخطره على أمّتنا .
 
ولهذا تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه ، الخليفة الراشد بالنص ـ إذ تنتهي فترة الخلافة الراشدة بنهاية حكمه بنص الحديث ـ  لمعاوية رضي الله عنه ، الذي ورد النص بأنه ( الفئة الباغية ) ، وقد قال العلماء إنه بغـيٌ بتأويل ، تنازل الحسن الذي سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم سيـّدا ، لأنـّه يصلح بين طائفتين عظيمتين من المسلمين ، عن الخلافة ، ـ وهـي الخلافة ـ لمعاوية رضي الله عنه ، من أجل أن يحقن دماء المسلمين ، ويجمع كلمتـهم ،  ونال بذلك شرف الدنيا والآخرة ، وسُمّي ذلك العام الذي اجتمع فيه أهل الإسلام ، عام الجماعة .
 
وبهذا الروح الأخوية تقطع الطريق على المندّسين ، والمحرّضين على فصائل الجهاد الإسلامي في العراق بأوهام يبثّها أهـل الفتنـة،  تحت ذريعـة الإنحراف !
 
 وبهذه الروح الأبويـّة من القادة ،  تفسد خطط المنافقين الذين يريديون أن يوقعوا بين فصائل الجهاد ،
 
 وبهذه الروح التآلفية ندمـّر على الحاقدين ، والمتعصّبين الذين لايريدون إلاّ لجماعتهم أن تبقى ، ويفنى الآخـرون !
 
وبهذه الروح الطيّبة بين المجاهدين جميعا ، وبمحاصرة الشذوذ والغلوّ ، تجتمع الطاقات كلّها ، وتلتئم الخاصّة ، فتتبعها العامّـة ،  ليصل الجهاد إلى أهدافه ، ويحقق إقامـة الحكم الإسلامي ، بعد طـرد المحتـل وأذنابه ، والمتاجرين معه ، بدين أمتنا ، وبدماءها ، وبأشلاءها ، ومقدراتها .
 
هذا ،، ونعيد التذكير بما ذكرناه  في المقال قبل الأخير :
 
ولنا اليوم ثلاث نصائـح للجماعات الجهاديـة بالعــراق ،
 
أحدهـا :
 
أن تزيد درجة تعاونها ، فتقيم بينها حلفـا وميثاقا ، يكون الحـدُّ الأدنى فيه
أمريـن :
 
أحدهـما : أن الدمـاء خـط أحمـر ، فالسلاح إلى داخلـها،  مرفوض جملة وتفصيلا ،مهما كانت مسوَّغاتـه ، والأخذ على يد العابث بهذا الخط الأحمـر واجب الجميع .
 
الثاني : لايُقدّم شيءٌ على طرد المحتـل الأمريكي ، والصفوي ، وإفشال مشروعيهما الخطيرين ، ليس على العراق فحسب ، بل على أمّتنا كلها .
 
ثم إن اتفقوا على أن يكون بينهم مجلسٌ تنسيـقي أعلى ينسّـق بينهم في جميـع المواقف العامـة فهو غاية المطلوب ، وإلاّ فالوحـدة هي أعلى الغايات.
 
وننقـل هنا بعض ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجماعة والإئتلاف ، والنهي عن الفرقة والإختلاف ، وهو مما لايخفى عليهم ، غير أن الذكرى تنفع المؤمنــين :
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.
، وفي الصحاح عن النبي أنه قال مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى ، والسهر ، وفي الصحاح أيضا أنه قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه ، وفي الصحاح أيضا انه قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يسلمه ،  ولا يظلمه ، وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة.
وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض وجعلهم إخوة ، وجعلهم متناصرين ، متراحمين ، متعاطفين ،وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن الافتراق والاختلاف ، فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ،  إنما أمرهم إلى الله الآية أ.هـ
 
الثانيــة :
 
أن يأخذوا أهل العراق الشامـخ في دعوتهم بالـرفق ، والحلم ، والتؤدة ، والتدرج ، واللين ، ويقدموا علماءهم على غيرهم ، ويقرّوهم على ما عليه علماؤهم من المسائل التي تنازع فيها العلماء ، فالإجتماع خيـر ، والفرقة شـرّ ، وكما قال ابن مسعود : إنَّ ما تكرهون في الإجتماع ، خير مما تحبُّون في الفرقة ، وكان الإمام أحمد رحمه الله يستحب أن يجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة في الحجاز تأليفا للقلوب وإن كان يرجح الإسرار بها ،وقس على هذا مئات المسائل .
 
الثالثـة :
 
أن يعالجوا الشذوذ في الوسط الجهادي ـ وهو أمر واقع لامحالة تثمره ميادين العنف بطبيعتها ـ  بإجتماعهم هـم أولا ، وبحصاره ثانيا ، وبإبقاء الباب مفتوحا لمن يرجع ويتبين له خطؤه ثالثا ، وبالتفريق بين المخلصين الذين اشتبهت عليهم السبل ، والمدسوسين الذين يريدون إفساد الجهاد ، بالجنوح إلى غلوّ مصطنع ، وشدَّة ممقوتة في غير موضعها ، فليعطوا كلّ فريـق مستحـقه.
 
ثم إننا على يقين بأن الله تعالى سيحمي دينه ، ويظهـره رايته ، ويعـزّ شريعته ، ويذل أعداءه ، وهو سبحانه يعلم المصلح من المفسـد وهو على كل شيء وكيـل .
اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا ، ولاتجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا
وحسبنا الله ونعم الوكيــل.
 
 

الكاتب: زائر
التاريخ: 17/04/2007