هل يقال فساد العقيدة أخطر من فساد الأخلاق ؟

 

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقولون إن الفساد في العقيدة أخطر من الفساد في الأخلاق وان محاربتها أولى ,,

ولكننا نرى أن بعض المفسدات الأخلاقية لها نفس خطورة الفساد العقدي بل أشد ، فكيف التوقيق ؟

**********************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذا الكلام مجمل ، وقد يكون خطأ فاحشــا بإطلاقه هكذا .

وقبل أن نجيب عليه ، ننبه إلى قضية في غاية الأهمية ، وهي أنه يجب أن نضع المعاني الشرعية في قوالبها الشرعية وهي الألفاظ التي نزل بها الوحي ، لكي نضبط دلالاتها فأحكامها ضبطا شرعيا صحيحا ، وأما المصطلحات الحادثة فلا نبحثها إلا بعد تحرير معانيها في إطار الألفاظ الشرعية ومعانيها الشرعية ، لئلا يزيغ بنا الفهم ، وكم زاغ الفهم بسبب الغفلة عن هذه القاعدة .
-------
ثم نقول : ـ

أولا العقيدة ليست من ألفاظ الكتاب والسنة ، بل الإيمان هو اللفظ الذي نزل به الوحي ، والفرق بينهما أن الإيمان هو الاعتقاد المقتضي للإنقياد ، وليس الاعتقاد المجرد ، فالله تعالى إنما أمر باعتقاد الجنان مع انقياد القلب والجوارح ، وهو الإيمان ، وإلا فالاعتقاد المجرد بوجود الله واستحقاقه للربوبية والألوهية قد يكون مع الكفر ، بل مع أعظم الكفر ، فابليس وفرعون رمزا الكفر الشيطاني الجني والإنساني ، كانا مقرين بوجود الرب واستحقاقه للربوبية والعبودية ، لكنهما أبيا الإنقياد لذلك بالقلب والجوارح ، استكبارا وجحودا وعنادا ، وقد يكون ترك الإنقياداتباعا للهوى وإيثار الحياة الدنيا ، فيكون كفرا أيضــــا .
------
ثانيا : لفظ الأخلاق في دلالته الشرعية العامة، اسم يشمل كل الدين ، كما قال تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ـ أي على دين عظيم كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان خلقه القرآن ) ـ
-------
وإنما يشمل كل الدين ، لأنه كما قال العلما ء: عبادة الله تعالى إنما هي شكر المنعم ، والشكر خلق عظيم ، وكما قالوا : الدين نصفه صبر ونصفه شكر ، صبر على الطاعات ، وعن المعاصي ، وعلى القضاء والقدر ، وشكر على نعم الله بمقابلتها بالعبادة ، والصبر والشكر خلقان عظيمان
كما أن ترك الكبائر إنما هو تخلق بالأخلاق الحميدة ، فترك القتل ، تخلق بخلق العدل والرحمة ، وترك الزنا تخلق بخلق العفة ، وترك الربا تخلق بخلق الإحسان ، وترك التولي يوم الزحف تخلق بخلق الشجاعة وهكذا فالإنسان أصلا لاينطوي قلبه على عمل ولا تنقاد جوارحه لشيء ، إلا في قالب أخلاقه التي يتخلق بها، وهي الباعث على ذلك كله .
-------
وبهذا يعلم أن معاني لفظ الإيمان ، ومعاني لفظ الأخلاق متداخلان أصلا ، فعندما نقول لإنسان مثلا : تخلق بأخلاق الإسلام فيشمل أمرنا هذا ، كل الدين ، الإيمان بالله وتوحيده والصلاة والصيام والزكاة والحج وترك الكبائر والإحسان إلى الخلق ، وبر الوالدين وصلة الأرحام.. إلخ
---------
وحينئذ فلا يقال الفساد في العقيدة أخطر من الفساد في الأخلاق بإطلاق .
----------------
ذلك أن مطلق هذا القول إن قصد أن العقيدة هي ما انطوى عليه القلب من التصورات ، والأخلاق هي فساد السلوك والتعامل الإنساني : يستدرك عليه أن الخطأ في العقيدة ، ربما يكون في فروعها، أو قد يكون في مسائل اجتهادية ، والخطيئة في الأخلاق ربما كانت من السبع الموبقات ، وما سميت سبع موبقات إلا لأنها تغمس صاحبها في النار ، وهل الفرار إلا من هذه ، وهل أرسل الله الرسل إلا لإنقاذ الناس من النار عافنا الله تعالى منها
--------------
ولهذا فالصحيح أن يقال أن الفساد في الكليات التي هي ( أم الكتاب ) ـ سواء في العلــم والعمل ، اشد فتكا، وأعظم خطــرا من الفساد في الجزيئات ، فالزنا والربا أشد جرما وفتكا في الفرد والمجتمع من بدعة تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما مثلا .
----------
وترك الصلاة أعظم جرما من إنكار خروج المهدي عليه السلام .
------
ولكن ـ على سبيل المثال ـ زندقة رد تحكيم الوحي في كل شيء لمعارضته للعقل أو اتباعا لأقوال الرجال أو وساوس الصوفية ، أو القوانين الوضعية ، أو القول بأن بعض العباد يجوز لهم الخروج عن الشريعة المحمدية ، أو أن نصوص الكتاب والسنة لاتفيد اليقين مطلقا ، ونحو ذلك من البدع العقائدية الزنديقية ، هــي أشد جرما من القتل والزنا وشرب الخمر وأكل الربا وكبائر الذنوب ، وهذه امثلة عليها يقاس ، وبهذا يزول الإلتباس والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006