أنا فتاة عمري 18 سنة كنت من عبدة الشيطان وتبت فأرشدوني؟

 

السؤال:

انا فتاة عمري 18 سنة وكنت من طائفة عبدة الشيطان وقد فعلنا أشياء كثيرة لايمكنني ذكرها من فظاعتها وأريد أن أتوب فما أفعل لكي يكفر الله ذنوبي ؟

******************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاةوالسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ


الحمد لله الذي أنقذك من هذه الملة الشيطانية التي هي أكفر الناس ، إذ يعبدون ابليس اللعين ، ويشركون بالله رب العالمين ، متخذين أشر الخلق معبودا مطاعا ، فالحمد لله الذي بصرك الهدى بعد الضلالة ، وأنار قلبك بالايمان بعد الشرك والكفران ، وشرح صدرك للاسلام.

وقد قال تعالى ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) ، وقال تعالى ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) .

كل من كان له ماض سيء في الكفر والشرك وارتكاب الذنوب والفواحش فإنه إن أسلم غفر له بإسلامه كل ما كان قد فعله قبل الإسلام ، فالإسلام يجب ـ أي يلغي ويحذف ـ ما قبله فيعود التائب كما لو أنه لم يفعل شيئا قبل إسلامه ، وفي الحديث الصحيح التائب من الذنب كمن لاذنب له وفي الحديث أيضا : من تاب تاب الله عليه ،وأيضا فإن الله تعالى يفرح بتوبة عبده ، ويبدل سيئاته حسنات ، كما ذكرت الاية السابقة
-----------

ومعلوم أن خيار الصحابة كانوا قبل إسلامهم مشركين يعبدون الأصنام ، ويعملون الذنوب العظام، وكانت ذنوب الجاهلية عظيمة كوأد البنات وأكل مال اليتيم ، وإزهاق الأرواح ، ومع ذلك فلما أسلموا وحسن إسلامهم تاب الله عليهم ، ثم صاروا بعد ذلك كبار أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين ، وكذلك كل من دخل في الإسلام ثم أحسن العمل فيه ، فإنه لايضره ماكان يفعله قبل إسلامه ، ولايحط من مرتبته ، ولايعيبه ، بل قد يرفعه الله تعالى بعد إسلامه فيصبح خير ممن لم يكن مشركا من قبل .
-------------------------------

والواجب على من تاب أن يتوب إلى الله توبة نصوحا ، والتوبة النصوح هي التي تكون خالصة لله ، وخالصة من الشوائب ، يقصد بها التائب التخلص من السيئات بعزيمة صادقة وهمة أكيدة ، قال ابن القيم رحمه الله ما ملخصــه: ـ

قال تعالى : ـ
ـ( يا يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ التحريم : 8 ]ـ

فجعل وقاية شر السيئات وهو تكفيرها بزوال ما يكره العبد ودخول الجنات وهو حصول ما يحب العبد منوطا بحصول التوبة النصوح ، و النصوح على وزن فعول ، قصدا للمبالغة كالشكور والصبور وأصل مادة ن ص ح لخلاص الشيء من الغش والشوائب الغريبة ، فالنصح في التوبة : تخليصها من كل غش ونقص وفساد وإيقاعها على أكمل الوجوه والنصح ضد الغش
---------------
وقد اختلفت عبارات السلف عنها ومرجعها إلى شيء واحد فقال عمر بن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما : التوبة النصوح : أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقال الحسن البصري : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على أن لا يعود فيه
----
وقال الكلبي : أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن وقال سعيد بن المسيب توبة نصوحا تنصحون بها أنفسكم
------------
وقال محمد بن كعب القرظي يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيء الإخوان
-------------
قلت : النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء: ـ
الأول : تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبا إلا تناولته
--------
والثاني : إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرا بها
--------
الثالث : تخليصها من الشوائب في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء حمد الناس أو الهرب من ذمهم أو لئلا يتسلط عليه السفهاء أو لقضاء نهمته من الدنيا أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل
--------
فالأول : يتعلق بما يتوب منه
والثالث : يتعلق بمن يتوب إليه
والأوسط : يتعلق بذات التائب ونفسه
----------
فنصح التوبة الصدق فيها والإخلاص وتعميم الذنوب بها ولا ريب أن هذه التوبة تستلزم الاستغفار وتتضمنه وتمحو جميع الذنوب وهي أكمل ما يكون من التوبة والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى

والحاصل أن عليك التوبة مما مضى بالإسلام لله وحده ، وتحقيق التوحيد بأن لايعبد غير الله تعالى ، والكفر بالطواغيت وهي كل معبود غير الله تعالى ، وكبيرها ابليس اللعين ،واتخاذ الشيطان عدوا ، والثبات على التوبة والاستقامة ، وتعلم التوحيد الخالص من الكتاب والسنة ، والاكثار من العمل الصالح .والله اعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006