ما معنى إن الله خلق آدم على صورته؟

 

السؤال:

في الحديث "إن الله خلق آدم على صورته" فما معنى على صورته؟ واذا كان المعنى على خلاف الظاهر من الكلمة فهل هذا يدل على جواز التأويل في الحديث النبوي؟

*******************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

التأويل بمعنى التفسير لاإشكال فيه ، والتأويل بمعنى صرف اللفظ عن معناه المتبادر إلى معنى آخر فإن كان لدلالة نص آخر على ذلك فلا إشكال ، لأنه من قبيل تفسر الوحي ببعضه ، ومعلوم أن نصوص الوحي تفسر بعضها بعضا .
ـــــــــــــــــــ
وإن كان لمجرد ما يطلق عليه الدليل العقلي فهذا يفتح بابا خطيرا ، وهوأن يدعي كل مبتدع أو زنديق أن دليله العقلي دل على صرف اللفظ عن ظاهره ، وبهذا تنقض عرى الاسلام عروة عروة ، ويتعدى الامر من باب الصفات إلى باب العقيدة كله ، ثم إلى الشريعة وكم سيفرح العلمانيون بفتح هذا الباب في الاحكام الشرعية بعد العقيدة الاسلامية فيذرون هذاالدين قاعا صفصفا
ـــــــــــــ
، ولهذا فإن هذه الفكرة المعتزلية التي انطلت أيضا على الاشعرية أعني اعتبار الدليل العقلي أو ما يتوهم انه الدليل العقلي كافيا في صرف نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معنى بعيد يتوافق مع ما يتوهم أنه الدليل العقلي ، هذه الفكرة بالغة الخطورة على الدين ، وهي ما أطلقوه عليه التأويل بالدليل العقلي ، ولهذا سماها ابن القيم طاغوتا.
ـــــــــــــــ
وهذا الاصل المعتزلي يدخل في قوله تعالى ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم )، فأهل الكلام هم من الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ، وهي تدل ـ بمفهومها ـ على أن الكلام في آيات الله بسلطان من الله ، وهي الحجة القرآنية أو كلام النبوة ، لاإشكال فيه ، لان ذلك من السلطان الذي آتانا الله ، يفسر به وحيه إلينا .
ــــــــــــــــــــ
ولهذا نقول إن معنى الحديث على ظاهره ، ولكن يجب أن يعلم أن الظاهر المتبادر من نصوص الوحي ، ليس هو ما يتوهمه القلب المشبه ، بل هو ما يؤمن به القلب المنزه ، فظاهر كل نصوص الصفات التي يفهمها القلب المنزه هو أن ظاهرها ليس كما نراه في صفات المخلوقين ، بل كما يليق بكمال الله تعالى ، وحينئذ نؤمن بأن الله تعالى خلق آدم على صورته ، كما خلق آدم سميعا بصيرا ، والله تعالى أيضا سميع بصير ، وخلق آدم متكلما والله تعالى متكلم أيضا ، وخلق آدم له يد يقبض بها ويبسط والله تعالى وصف نفسه ( والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) .
ـــــــــ
وكل ذلك إذا تخيله الانسان بالقلب المشبه ، اضطرب عليه الفهم ، وأُغلق عليه باب الايمان ، وصده الشيطان عن التسليم والانقياد للنصوص ، وجعله يفر إلى عقله يطلب منه الهدى ، ومسكين هذا الانسان الذي يغتر بعقله ، وقد وصفه الله ( إنه كان ظلوما جهولا ) ، ومسكين هذا الانسان الذي يظن أنه قادر على أن يصل إلى الهدى بعقله وقد قال تعالى في الحديث القدسي ( ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني اهدكم ) متفق عليه .
ــــــــــــــــــــــ
فالواجب إذاً أن يكون الايمان بصفات الله تعالى كلها ، يدخل تحت أصل واحد ، وهو أن نؤمن بصفات الله كما وردت ، مع الننزيه عن مماثلة الله لخلقه ، ونكل علم كيفيتها إلى ربنا ، ونقول آمنا به كل من عند ربنا ، وقد اتفق سلف الامة على هذه العقيدة ، ورفضوا الطرق الكلامية المتناقضة أشد التناقض ، والتي تفتح الباب لافساد عقيدة الاسلام ، وقد كتبت في هذا رسالة مطولة بعنوان أم البراهين ، ورسالة أخرى مختصرة بعنوان المنهج الصحيح في فهم صفات الله تعالى فارجع إليهما

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006