أرجو أن توجه نصائح للوالدين الذين يرغمان الاولاد على الزواج ؟ |
|
السؤال:
هل يجب على الولد أن يطيع أباه أو أمه في الاكراه على زواج لايريده ، وهل يعد رفضه عقوقا ، وياليت ياشيخ تنصح الوالدين في هذا الموضوع ، فإنه أحيانا يكرهان الولد على الزواج من فتاة لايريدها ، والعكس ، ويضغطان إلى درجة كبيرة لاتطاق ، والولد يريد أن يبرهما ولكن لايمكنه أن يقضي على مستقبل حياته الزوجية أيضا ؟
********************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
لايجب على الأولاد،الانقياد لضغط الوالدين ، في هذا الباب ، والدليل في هذا واضح ، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لاتنكح الأيم حتى تستامر ، و لاتنكح البكر حتى تستأذن ) متفق عليه .
هذا في الانثى ، فكيف بالذكر!! ، ولو كان يجب على الاولاد الانقياد لاكراه الوالدين في الزواج ، لم يكن لاعتبار إذنهما معنى .
ولاتعد مخالفة الاولاد للوالدين في هذا الباب عقوقا، ذلك أن الله تعالى جعل الاختيار في الزواج للاولاد ، فلايجوز للوالدين إلغاء هذا الحق ، فيتعديان حدود الله تعالى ، ويبطلان حقا وضعه الله تعالى ، وإن هذا لعظيم .
أما النصيحة فنقول وبالله التوفيق :
خلافا لما يظنه كثير من الآباء والأمهات ، فالأولاد لهم حقوق على الوالدين ، وحقوقهم عظيمة ، وذلك أن الوالدين يمكنهما التحكم في مصير الأولاد منذ الصغر فمسؤوليتهما جسيمة ، كما يمكنهما تحديد مسيرة حياتهما عند النضوج ، وعلى وفق اختيار الوالدين ـ في كثير من الأحيان ـ تتشكل سعادة الولد أو البنت ، وذلك كله طبعا بعد تقدير وتدبير الله تعالى الذي بيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، علانيته وسره .
ولعل أهم مرحلة من مراحل حياة الولد ـ ذكرا كان أو أنثى ـ هو اختيار الزوجة ، فهذا منعطف أساسي ومصيري في حياته ، فقد يترتب على حسن الاختيار ، وسلامة القرار في الزواج سعادته ، أو تعاسته .
ومعلوم أن الزواج ليس عملية مادية حسابية ، أو وظيفة يجمع فيها موظفان في عمل ، إنه عقد سماه الله تعالى ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) ، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلــم ( أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ) ، وهو اقتران روحي ، وعاطفي ، قبل أن يكون اقترانا جسديا ، هو اتحاد بين نفسين متآلفتين ، وصفه الله تعالى بقوله ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) .
وإذا لم يكن هذا الاتحاد ممزوجا بالسكن والمودة والرحمة ، كما قال تعالى : ( خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمه ) ، فإنه ربما يتحول إلى شقاء وعذاب .
ولهذا لا يصلح أن يكون اتخاذ قرار الاقتران بين الزوجين ، من غيرهما ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تنكح الثيب حتى تستأ مر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) متفق عليه ، وإنما ذكر المرأة ، لأن الرجل هو الذي يتخذ في العادة قراره ، ولهذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي هو بنفسه قرار نساء أمته ، فتدخل وأطلق هذا الحكم النهائي الذي يسري على جميع الأمة ، ولا يحل لأحد أن يخالفه .
والحكمة من وراء اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرار ، هو حماية الأسرة الإسلامية من الانهيار ، لأن من أعظم الأسباب في انهيارها هو أن يتدخل الوالدان في مصير عقد الزواج أولادهما ، فيتحكمان فيه ، ويحولانه إلى مشروع صداقة لهما ، أو رد جميل لشخص أو لأسرة أخرى، أو ربما مشروع تجاري ، أو طمع في مادة .. إلخ .
ولهذا السبب أبطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاح الشغار ، لأنه يحول الأولاد إلى وسيلة تبادل مصالح للوالدين ، وجاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود : ( أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، و أنكحه عبد الرحمن ابنته و كانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره إلى أن يفرق بينهما، وقال هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله ) .
وكثيرا ما تكون للأم رغبة في فتاة لأنها تحبها ، وتجدها قريبة من نفسها ، فتريدها أن تكون قريبة منها ، فتجعل ولدها المسكين وسيلة للوصول إلى هذا الهدف ، وتستغل حقها على ابنها ، لتضغط عليه ، ليقبل بالاقتران بفتاة لا يحبها ، فيتزوجها لانجاح مشروع أمه فحسب ، ثم لا يلبث الزواج حتى ينهار ، بعد عذاب وشقاء يعيشه الزوجان ، يحاولان فيه كتم مشاعرهما ، ثم يحدث الانفجار المدمر ، بالطلاق وضياع الأولاد ، والسبب هو أن قرار الزواج لم يُبن على أساس سليم .
ولهذا السبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يخطب امرأة أن يراها ، وقال : ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه الترمذي والنسائي ، والحكمة من هذا الإرشاد : أن البصر رسول القلب ، وإذا أحب القلب ، فإن الحب هو سياج الحياة الزوجية، وهو عطرها الفواح ، وهو دواء كل مشكلات الزواج ، وهو لحمة الأسرة، فأحرى أن يدوم النكاح إذا كان عن رغبة ولهذا قال ( يؤدم ) أي يدوم .
و الأمّ العاقلة التي تريد السعادة لابنها ، أو لابنتها ، لايمكن أن تتدخل في قرار اتخاذ الزوجة ، أو الزوج ، إلا أن يكون تدخلــها مشورة غير ملزمة ، أو تعريفا تكون فيه واسطة خير ، ثم تدع القرار الأخير بيد ابنها ، أو ابنتهـــا ، هذا إذا كانت تريد سعادته ، ولا تريد ارتكاب الخطأ الجسيم في جمع أسرة خالية من أهم ما تقوم عليه الاسرة وهي : عاطفة الحب الجميلة .
إن الزواج لا يصلح أن يوزع الوالدان فيه الأولاد على القريبات ، كما توزع التركة ، أو العطايا والهبات ، فلان لفلانه ، وفلانه لفلان ، رفعت الأقلام وجفت الصحف !! وعلى الوالدين أن يتذكرا : أن فلان وفلانة ، من بني آدم ، والإنسان ليس آلة ، فلا يمكنه أن يعيش حياة يفترض أن يكون مبناها على العاطفة ، بطريقة توزيع الأثاث والمتاع !! لأن مصير هذه الحياة سيكون الفشل حتما.
والأم الحكيمة تقول لولدها ما رأيك بفلانه ، وتخبره عن رأيها هي فيها ، وتقول له : لو أنك اقترنت بها فهو أحبّ إليّ ، ولا أرغمك على حياة زوجية ليس لنفسك رغبة فيها ، لأنني لست أنا الذي سيعيش معها ،بل أنت ، ثم إذا وجدت ابنها ليس راغبا فيها ، لم تجبره على شيء ، وإن أحب أن ينكح امرأة سواها ، سعت في رغبته ، وتقول لابنتها كذلك .
هذا وقد يقول قائل إنه فيما مضى من زمان آباءنا وأجدادنا ، قد كانت المرأة يزوجها أهلها من لاتعرفه ، وكذا الشاب يزوجه أهله من لا يعرف عنها شيئا ، وقد استقرت كثير من الأسر ، بل كانت أشد استقرارا مما نراه هذه الأيام من التشتت الأسرى المنتشر في المجتمعات .
فنقول نعم ، كما أنه يمكننا أن نشهد قائلين : كم من الأسر فشلت أيضا ، وكم من فتاة عاشت حياتها جحيما لا يطاق لأنها أجبرت على زوج لا يحبها لأنه أكره عليها ، والعكس ، فلا نغفل هذه الناحية أيضا ، كما لا يجوز أن نغفل أن الحياة تغيرت كثيرا ، فالفتاة في الماضي كانت لاترى إلا زوجها ، والزوج لا يكاد يرى إلا زوجته ، قبل وبعد النكاح ، وبساطة الحياة ، وبعدها عن الفتن ، ونسيح المجتمع نفسه كان يقلل من الآثار السلبية لأخطاء الوالدين في تزويـج الأولاد .
أما اليوم في هذا العصر المليء بالفتن ، والذي أصبح الطلاق فيها منتشرا انتشارا مفزعا ، فإن أعظم أسباب الوقاية من انهيار الأسرة ، وحماية الزوجين من الانحراف ، هو أن لا يجتمع الزوجان إلا بدافع رغبة كل منهما في الآخر ، أو على الأقل ، عدم الإكراه في اتخاذ قرار الاقتران .
وختاما أنصح الوالدين أن يكونا على مستوى المسؤولية تجاه مستقبل أولادهما ، وأن يعلما أن للأولاد حقا على الوالدين ، وأعظم حق عليهما أن يتجنبا الإكراه والضغط النفسي في مشروع الزواج ، فإن كل شيء آخر قد يحتمل جزءا من ضغط الوالدين ، إلا الزواج ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراعاة رضا المرأة كما أمر في موضوع النكاح والله أعلم .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006