ما هو مشروع نهضة الأمة ؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ أسألك عن أمتنا ، لماذا نحن في هذا الحال من الذل والهوان ، ولماذا شعوبنا ساخصة على النظام برمته ، أم أنا متوهم ، أم صحيح ما يقال إن البلاء كله من المتطرفين ، فالأمة بخير لولاهم ، فهم المصيبة الأولى والأهم ، والعائق الأكبر والأطم ، وكيف ننهض بأمتنا إن كانت بحاجة إلى نهضة ، وكيف السبيل إليها ، وهل ستنهض يوما ما ، وهل ثمة أمل ، وما دور كل واحد منا ، نرجو أن تشرح لنا الجواب ، شرحا وافيا ولكن سهلا واضحا قريبا من الفهم بارك الله فيكم .

*****************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

أما كون الأمة في حال من الهوان لم يسبق له مثيل فنعم .

وأما كونها بحاجة إلى مشروع نهضة شامل فنعم ، حتى غير الإسلاميين يقولون هذا ، بل حتى الزعماء يقولون هذا ، فقد اتفق الجميع أن الأمة أصبحت في مؤخرة الأمم وهي بحاجة إلى مشروع نهضة شامل ، يبعثها من جديد لتستقل بشخصيتها الحضارية أولا ، ثم تنافس بها الأمم ثانيا ، ثم تقود البشرية ثالثا.

أما كون السخط منتشر في جميع شعوب الأمة فنعم هذا لا ينكر ولايلام الساخطون.
-----
ولكن نأتي للحل ، ما هو الحل ؟

كيف ننهض بأمتنا ؟

ولاريب أن النهضة مشروع كبير ، لانه مشروع أمة ، وبالتالي لايمكن أن يكون حله ، بالقوة وحدها ، ولا بالفكر وحده ، ولا بحماس الشباب وحده ، ولا بخبرة الكهول وحدها ، ولا بالتنظير دون الجهاد ، ولا بالجهاد دون التخطيط السليم ، ولا بأن نخلط الأولويات في كل البلاد، فلا يصح أن نطبق ما يجب في موضع ترجح فيها الجهاد ـ مثلا ـ على مواضع هي بحاجة إلى مشروع دعوة وتربية وإصلاح ، كما لا نخلط ما يجب على المسلمين في بلاد غير المسلمين ـ مثلا ـ من الحفاظ على هويتهم وتعلم دينهم ، بما يجب في فلسطين من الجهاد.
------
ولاريب أيضا أن مشروع النهضة لن يكون ناجحا إلا إن انطلق من هدى الوحي ، لان الله تعالى قال ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) ـ
----------
فيجب أن يكون مشروع النهضة منطلقا من ثلاثة أركان : ـ

الأول : التمسك بالكتاب والسنة وتقديم هديهما على كل شيء .

الثاني : التخطيط السليم للأهداف والأهداف المرحلية والخطوات ، وترتيب الأولويات بشكل صحيح فكل بلد له أولوياته، وخلط الأوراق يسرع في إجهاض أي مشروع نهضة ، لانه يحوله إلى فوضى .

الثالث : مد الجسور والتعاون بين كل الطاقات ، وتجنب تشتيت المشروع في الصراع الداخلي ، وهذا لا يمنع من تنقية الصف من المعوقين للمشروع ، وفضح انحرافهم لانهم عامل فشل ، لكن هذا يكون كمن يميط الأذى عن الطريق ، لا أن يجعل هو الطريق ، فلا يصح أن ننشغل بالمعوقين عما يعوقوننا عنه !
--------
ولهذا يجب أن يقود المشروع الرموز الجامعة بين معرفة الشرع ، ومعرفة الواقع حتى يخططوا تخطيطا سليما ، والموهوبون القدرة على تجنيد الطاقات للحفاظ على مسار المشروع حتى يبلغ نهايته .
--------
ذلك أنه من المعلوم أن كل مشروع لأي أمة يجب أن يحمل عقيدة ، وتخطيط ، وحشد الطاقات وتوجيهها نحو الهدف .
-----
حتى قيل لابد لكل ثورة من : ـ

عقيدة ، ورموز ، ومسار .

عقيدة تنطلق منها وتحدد أهدافها على ضوءها ، ورموز يقودون الجماهير ويحشدون الطاقات ويرتبون الأوليات وينتقلون بالجمهور من مرحلة إلى مرحلة بشكل صحيح ، ومسار تسير فيه حتى لا تتشتت في الطريق فلا تبلغ أهدافها .
----------------
وإذا عود الإنسان نفسه أن يفكر في كل الأمور تفكيرا شاملا ، سوف يتعود ذهنه على ذلك ، وسوف ينزع دائما ـ حتى بغير شعور ـ إلى فهم المشكلة بصورتها الكبيــرة ، ثم إلى التركيز على وضع حل شامل وسليم حتى لو طال أمــده ، وليس حلا خاطئا أو ناقصا أو جزئيا أو عجلا يقفز على السنن الكونية ، ذلك أن من تعجل الشيء قبل أوانه ، عوقب بحرمانه .
-------
ثم يبحث عن دوره في هذا الحل ، فيؤديه ، وهــو مطمئن ، أن المشروع أصلا مشروع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي أمة الله تعالى ، وهو الذي يجند في مشروع نهضتها من يشاء ، ويستعمل من يشاء .

فلهذا فسوف يركز هدفه على شيء واحد ، كيف أنال كرامة أن الله تعالى يجندني في المشروع ، بعد أن يفهمه فهما صحيحا ، ويفهم دوره فيه .
-------
وعلامة ذلك ، أعني توفيق الله تعالى للعبد لاستعماله في نهضة الأمة ، أن يرزقه البصيرة في الدين ، وهذه هي الحكمة ، وهي لايؤتاها العبد بكثرة المحفوظ ، بل هي نور يقذفه الله تعالى في قلب المخلص ، المعمور قلبه بالتقوى ، المستبصر بنور الوحي.

وأن يرزقه الفهم الصحيح لمصاب الأمة .

ثم يرزقه الله الفهم الصحيح ، لدوره هــو ، فدوره هو يختلف عن دور غيره ، فليست الأدوار متشابهة ، فالواجبات تختلف باختلاف الناس ، كما أن المستحبات تختلف باختلاف الناس .
----------
إذا تقرر هذا كله فنقول : ـ

إن مشروع نهضة الأمة بدأت عوامل نجاحه تظهر ، وتقترب من بعضها ، وبدأت تتصل جسوره .

فقد وجد في الأمة : ـ

راية جهاد عالمية مباركة يجب أن ندعمها .

وطاقات دعوية واعية ومتفجرة بشكل غير مسبوق .

وقبول فوق المقاييس للمشروع الإسلامي في نهضة الأمة بين شعوبها.
------
ولا ينبغي أن نحزن لوقوع أخطاء في المشروع الجهادي ، فتوضع بعض أعماله ، في غير موضعها أحيانا ، فهذا لا مناص منه ، ولابد أن يقع ، وهو من طبيعة حركة أي حركة إنسانية .

فالحركات الإنسانية تشبه حركة جسد الإنسان ، فالجسد يؤدي وظائفه الحيوية بشكل صحيح ، ولا يمنع هذا من وقوع اضطرابات فيه ، فيخفق القلب أحيانا ، وتتوعك المعدة ، وتخرج الكريات البيضاء عن مسارها قليلا ثم تعود ، وتعمل بعض الخلايا بشكل غير سليم فتكون أوراما ثم تتلاشى .

ولكنه في النهاية يسير ويمضي ويحقق كل جهاز أهدافه ، وكذلك الحركة الجهادية العالمية تقع فيها أخطاء ، وهذا لا يمنع من توجيهها ، للحفاظ على سيرها الصحيح ، وأهدافها الشرعية ، لا محاربتها والإعانة على دماء المجاهدين ، والنفخ في بوق الحملة الدولية الصليبية نفســـــه ، فهذا والله لا يقبله قلب سليــم ، بل يمجه أشد مما يمج الملح الأجاج ، بل العلقم .
---------
وكذلك لا ينبغي أن نحزن لوقوع أخطاء في جهود الدعوة ، فهي أيضا لايمكن أن تكون معصومة من الأخطاء ، ولكنها في الجملة ، عقل الأمة ، وفكرها ، وهي تؤدي دورها بالجملة بصورة عظيمة في الأمة .
-------
وأما القبول الشعبي للخطاب الإسلامي ، فقد شهد به الأعداء قبل الأصدقاء ، وهذه عاجل البشرى بإذن الله تعالى .
------
إذاً في النهاية ، إذا نظرنا إلى أن الله تعالى يقود الأمة إلى نصرها ، فسوف تتلاشى في أعيننا الأخطاء الصغيرة ، والتجاوزات الصغيرة ، وسوف ننظر إلى أن الصورة الكبيرة للزحف الإسلامي ، أنه يسير بشكل حثيث بروعة عظيمة نحو الانتصار ، وقد يستغرق ذلك وقتا ، ولكن هكذا هي طبيعة الطريق .
-------------
وفي الختام أيها السائل ، إذا تصورت مشروع الأمة تصورا صحيحا ، فسوف يسهل عليك أن تجد دورك فيه ، بأن تدفع بكل جهد إيجابي نحو أهدافه ، وتتجنب كل جهد سلبي ، وتضع ما يمكنك أن تضع من لبنات في طريق المشروع ، فأنت على ثغر يمكنك أن تقدم دورا مهما ، وكل مسلم على ثغر ، حتى الأميّ العامي لو أنجب ولدا مسلما وعلمه الإسلام فإنه يقدم لبنة لمشروع الأمة .
---------
ومن خلال أي مجال من مجالات الدعوة ، والإصلاح ، فليتحرك كل مسلم بهذا الإتجاه ، يتخيل نفسك مزارعا ، يحذف الأعشاب الضارة ، وينظف المزرعة ، ويتعاهدها بالسقي والعناية ، ولا يزرع فيها إلا النباتات النافعة .
-----
وينبغي لكل دعاية أن يحافظ على التوازن بين الدعوة إلى إنهاض الأمة ، والنقد ، وتقويم الخطأ دون النزول إلى سفاسف السباب والشتائم ، ووضع الحلول الجادة بدون انبطاح ، وتخذيل ، وتسليم للأوضاع المتردية ، التي سببها زعامات الأمة المغشوشة والتي أدت بالأمة إلى هذا الحضيض من الذل والهوان.
------
وإذا توجه العبد إلى الله تعالى ، أن يجنده في جنوده ، ويستعمله في طاعته ، ويمنّ عليه بهذه الرتبة العلية الشريفة ، فسوف يبلغ من ذلك ما تقر به عينه ، ذلك أنه إذا لم يتفضل الله على العبد بقبوله في خدمته وخدمة دينه ، فلن ينل من هذا الشرف شيئا .

وجماع الخير في الدعاء فإنه مفتاح كل خير ، وعلامة قبول الدعاء أن يجعل الله في قلب العبد الرضا التام بما يقوم به ، ويشعر بسعادة غامرة ، وانشراح وفرحة لا توصف أن الله تعالى ، قد ضمه إلى من يستعملهم لنصر أمته التي اختارها ، ويرى عاجل بشرى عمله بشكر المؤمنين سعيه ، ودعاءهم له ، فحينئذ سيعرف كم هي نعمة عظيمة حرم منها الكثيرون نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالهدى والتقى والعفاف والغنى آمين ، وأن يؤتي نفوسنا تقواها ، ويزكيها هو خير من زكاها ، هو وليها ومولاها .
---------


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006