مسألة في الاستغاثة ؟ |
|
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ أحببت أن أسأل في سؤال منفصل، لطلب العلم حفظكم الله.
أريد ان أستفصل في مسألة الاستغاثة بغير الله كالتالي:
1. هل دعوى أن من يستغيث بغير الله وهو يعلم أنه المستغاث به لا يملك نفعا او ضرا من دون الله ولكنه يتشفع به في دعائه حجة في أن هذه الاستغاثة ليست شركا ؟ وهو يقيس هذا على قول العامي للطبيب اشفني يا دكتور وهو يعلم أن الشفاء بيد الله.
2. ورد في السير أن جيوش الصحابة في بعض المعارك كانوا ينادون ب"وامحمداه" فما هو وجه هذا النداء، هل هو استغاثة أم لمجرد التبرك ام ماذا ؟
3. صحح بعض أئمة الحديث الآثار التالية:
* روى الطبراني وأبو يعلى في مسنده وابن السني في عمل اليوم والليلة عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي ، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ) .
* وفي رواية أخرى لهذا الحديث : ( إذا ضل أحدكم شيئا ، أو أراد أحدكم غوثا ، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل : يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني ، فان لله عبادا لا نراهم ) . رواها الطبراني في الكبير وقال بعد ذلك : وقد جرب ذلك .
* ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ : ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله أعينوني ) . وحديث البزار هذا حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار كما في شرح ابن علان على الاذكار ( 5 / 151 ) .
وقال الحافظ الهيثمي عنه في المجمع ( 10 / 32 ) رجاله ثقات. وزاد الحافظ الهيثمي مؤكدا على رواية الطبراني مقرا قوله : وقد جرب ذلك . ولو فرضنا أن هذا الحديث موضوع فكيف يجوز علماء الأمة وأهل الحديث هذا الأمر ويقولون : وقد جرب ذلك ؟
* روى البيهقي في الشعب وابن عساكر من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد ، وكذا عبد الله بن الإمام أحمد في المسائل ( 217 ) بإسناد صحيح قال بصحته الألباني ( ضعيفه 2 / 111 ) : سمعت أبي يقول : حججت خمس حجج منها ثنتين راكبا وثلاثة ماشيا ، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا ، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا فجعلت أقول : ( يا عباد الله دلونا على الطريق ) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق . . . . اه وذكر هذه القصة أيضا ابن مفلح الحنبلي تلميذ ابن تيمية في كتاب ( الآداب الشرعية ) . ذكر ابن مفلح لذلك يدل على أن ذلك جائز عنده ليس بشرك كما يدعي الغلاة اليوم ، فذكر القصة في كتابه المذكور يبين أن الاستغاثة بغير الله ليست شركا عنده إلا أن اعتقد المستغيث أن المستغاث به له قوة النفع والضر بنفسه دون الله وأنه متصرف في الكون دون الله.
هل تشفي غليلي يا شيخ وتوضح لي هذه الإشكالات في مسألة الاستغاثة، مع العلم أن الآثار الأخير قد أوردها المدعو حسن السقاف قبح الله وجهه وقد تصرفت في بعض العبارات التي احتوت على قلة أدبه.
جزاكم الله كل خير
*******************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
قبل أن نجيب ما ذكر نقدم بمقدمة مهمة تبين كيف أن الدعاء والاستغاثة من صميم العبادة :
قال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله : ( اعلم أن دعاء غير الله تعالى وسؤاله نوعان : أحدهما سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه مثل سؤاله أن يدعو له أو يعينه أو ينصره مما يقدر عليه ، فهذا جائز كما كان الصحابة رضي الله عنهم يستشفعون بالنبي صل الله عليه وسلم في حياته فيشفع لهم ، ويسألونه الدعاء فيدعو لهم ، فالمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها كما قال تعالى في قصة موسى ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) ، وقال تعالى ( وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) ، كما ورد في الصحيحين : ( إن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ثم نوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى ثم بنبينا محمد صلى الله عليه وسم ) .
ثم قال : ( النوع الثاني سؤال الميت الغائب وغيرهما مالا يقدر عليه إلا الله مثل سؤال قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات ، فهذا من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ، ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه ليس من دين الإسلام ، فإنه لم يكن أحد منهم إذا نزلت به شدة ، أو عرضت له حاجة ، يقول لميت : يا سيدي فلان اقض حاجتي أو اكشف شدتي أو أنا في حسبك أو أنا متشفع بك إلى ربي كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين .
ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ولا بغيره من الأنبياء عند قبورهم ، ولا إذا بعدوا عنها ، فإن هذا من الشرك الأكبر الذي كفر الله به المشركين الذين كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم لم يقولوا : إن آلهتهم شاركت الله في خلق العالم ، أوأنها تنزل المطر وتنبت النبات ، بل كانوا مقرين بذلك لله وحده ، كما قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ..الآية ) ، وقال تعالى ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ، سيقولون لله قل أفلا تذكرون ) ، إلى قوله ( فأنى تسحرون ) وقال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال طائفة من السلف في تفسير هذه الآية : إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا الله ، وهم يعبدون غيره ، ففسروا الإيمان في الآية بإقرارهم بتوحيد الربوبية وفسروا الإشراك في توحيد الإلهية الذي هو توحيد العبادة .
ثم قال : ( فمن دعا ميتا أو غائبا فقال : يا سيدي فلان أغثني أو انصرني أو ارحمني أو اكشف عني شدتي ونحو ذلك فهو كافر مشرك يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهذا مما لاخلاف فيه بين العلماء، فإن هذا هو شرك المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنهم لم يكونوا يقولون تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاهم ، بل كانوا يعلمون أن ذلك لله وحده كما حكاه الله عنهم في مواضع من كتابه ، وإنما كانوا يفعلون عند آلهتهم ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم من دعاءها والاستغاثة بها والذبح لها والنذر لها ، يزعمون أنها وسائط بينهم وبين الله تقربهم إليه ، وتشفع لهم لديه ، كما حكاه عنهم في قوله تعالى ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ليكون الدعاء كله لله ، والذبح كله لله ، والاستغاثة كلها بالله ، وجميع العبادات كلها لله .
والله سبحانه قد بين في غير موضع من كتابه ان الدعاء عبادة فقال تعالى : حاكيا عن خليله ابراهيم عليه السلام : ( واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ، فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ) الآية ، وقال تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) فأخبر سبحانه أنه لا أضل من هذا الداعي وأن المدعو لا يستجيب له وإن ذلك عبادة يكفر بها المعبود يوم القيامة ، كقوله تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ، كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) .
وقــد سمى الله سبحانه وتعالى الدعاء دينا في غير موضع من كتابه ، وأمرنا أن نخلصه له وأخبر أن المشركين يخلصون له في الشدائد فقال تعالى ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ) ، وقال تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا لله مخلصين له الدين ) ، وقال تعالى ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) .
فأخبر سبحانه انهم عند الاضطرار يدعونه وحده لاشريك له ، مخلصين له في تلك الحالات لا يستغيثون بغيره ، فلما نجاهم من تلك الشدة إذا هم يشركون في دعائهم ، ولهذا قــــال ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) أي أنه سبحانه لما نجاكم إلى البر أعرضتم أي نسيتم ما عرفتهم من توحيده ، وأعرضتم عن دعائه وحده لاشريك له ، وقال تعالى ( فادعو الله مخلصين له الدين ) وقال تعالى ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ) .
فالدعاء من أفضل العبادات ، وأجل الطاعات ، ولهذا أخبر أنه الدين ، فذكره معرفا بالألف واللام ، وأخبر أن المشركين يخلصون له في الشدائد ، وأنهم في الرخاء يشركون معه غيره ، فيدعون من لا ينفعهم ، ولا يضرهم ، ولايسمع دعاءهم ، فصاروا بذلك كافرين .
ومن تأمل أدلة الكتاب والسنة علم أن شرك المشركين الذين كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو الدعاء والذبح والنذر و التوكل والالتجاء ونحو ذلك .
فإن جادل مجادل ، وزعم أنه ليس هذا قيل له : فأخبرنا عما كانوا يفعلون عند آلهتهم ، وما الذي يريدون ؟
وما هذا الشرك الذي حكاه الله عنهم ؟
فإن قال : شركهم عبادة غير الله .
قيل له : وما معنى عبادتهم لغير الله ؟
أتظن أنهم يعترفون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟
فهذا يكذبه القرآن ، لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم مقرون بذلك لله وحده .
فإن قال : إنهم يريدون منهم النفع والضر من دون الله ، فهذا يكذبه القرآن أيضا ، لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم لم يريدوا إلا التقرب بهم إلى الله وشفاعتهم عنده ، كما قال تعالى حاكيا عنهم : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) الآية، وقال تعالى ( ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ..الآية ) .
وأخبر تعالى عن شركهم في غير آية من كتابه كقوله تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) الآيتين ، أي لا يرفعونه بالكلية ، ولا يحولونه من حال إلى حال.
ثم قال : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) قال طائفة من السلف : كان أقوام يدعون المسيح والعزيز الملائكة فبين الله لهم أن هؤلاء عبادي كما أنتم عبادي يرجون رحتمي ، كما ترجون رحمتي ، ويخافون عذابي ، كما تخافون عذابي .
وأخبر أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ، ولا تحويله وهذا هو الإغاثة .
والمشركون يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم بالسؤال لله ، والطلب منه ، فيقضي الله لهم تلك الحاجات ، فأبطل الله هذه الشفاعة التي يظنها المشركون ، وبين أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ففال : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) الآية .
وقال ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .
فمن جعل الأنبياء والملائكة وسائط بين الله ، وبين خلقه كالحجاب الذين يكونون بين الملك ، ورعيته بحيث يزعم أنهم يرفعون الحوائج إلى الله ، وأن الله يرزق عباده وينصرهم بتوسطهم ، أي بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسالون الله ، فمن اعتقد هذا فهو كافر مشرك .
----------------------
وما حديث ( يا عباد الله احبسوا ) فلا يصح لانه من رواية معروف بن حسان وهو منكر الحديث .
وقال الشيخ حمد : ( إن صح الحديث فلادليل فيه على دعاء الميت والغائب ، فإن الحديث ورد في أذكار السفر ، ومعناه أن الإنسان إذا انفلتت دابته وعجز عنها ، فقد جعل الله عبادا من عباده الصالحين أي من صالحي الجن والملائكة أو ممن لا يعلمه من جنده سواه ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ، فإذا انفلتت الدابة ونادى صاحبها بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حبسوا عليه دابته ، فإن هؤلاء عباد الله أحياء قد جعل الله لهم قدرة على ذلك ، كما جعل الله للإنس ، فهو ينادي من يسمع ويعين بنفسه ، ويرى بعينه ،كما ينادي أصحابه الذي معه من الإنس ، فأين هذا من الاستغاثة بأهل القبور .
بل هذا من جنس ما يجوز طلبه من الأحياء ، فإن الإنسان يجوز له أن يسأل المخلوق من الأحياء ما يقدر عليه كما قال تعالى ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) ، وكما قال تعالى ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) ، وكما يستغيث الناس يوم القيامة بآدم ثم بنوح ، ثم بابراهيم ثم بموسى ، ثم بعيسى ، حتى يأتوا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بل هذا من جنس استغاثته برفقته من الإنس ، فإذا انفلتت دابته ، ونادى أحد رفقته ، يافلان : ردوا علي الدابة ، لم يكن في هذا باس .
فهذا الذي ورد في الحديث من جنس هذا ، بل قد يكون قربة إذا قصد به امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأين هذا من استغاثة العبادة ؟ بأن ينادي ميتا ، أو غائبا في قطر سواء كان نبيا أو عبدا صالحا ؟ أ.هـ كلام الشيخ حمد من الدرر السنية جزء الردود.
-----------------
والعجب أن هذا المدعي جواز الاستغاثة بغير الله تعالى مطلقا ، لم يجد إلا هذه الاحاديث التي اعرض عنها رواة الصحاح ، وهي ضعيفة لاتقوم بها حجة ، مع أننا ذكرنا أنها ـ على فرض صحتها ـ نداء للحي الحاضر فيما يقدر أن يفعله مما سخره الله لفعله ، ولهذا ففيها أن المنادي يقول : يا عباد الله ، فيناديهم بالعبودية لله تعالى ، وفائدة ذلك وضعهم في موضع العبودية ، لئلا يغتروا بندائه ، وإشعاره إياهم أنـه مقر بعبوديتهم لله ، و ليعلم أنه جاز مناداتهم وهو لايراهم ، لانهم عباد حاضرون مأمورون بماسخروا له أن يجيبوا النداء في ذلك الموضع فيما يقدرون عليه فحسب ، ولهذا فإنها مقيدة بحال يكون الحي الحاضر موجودا في المكان ، وليست مطلقة ، ولهذا فلو ناداهم في غير ذلك الحال المقصد والمكان ، لم يجيبوه ، فأين هذا ممن يجعل له أندادا من دون الله ، ينزل بهم فاقته ، ويجعلهم معاذه ، ومستغاثه ، يتوجه إليهم أينما كان ، ويفزع إليه في كل زمان ومكان ؟!!
================
هذا وتتميما للفائدة نذكر الرد على ما تعلق به من يجيز التوسل بذوات الانبياء أو الصالحين من حديث الأعمى :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري : " ثم سلف الأمة و أئمتها و علماؤها إلى هذا التاريخ سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين ولم يذكر أحد منهم في ذلك التوسل بالأموات لا من الرسل ولا من الأنبياء ولا من الصالحين فمن ادعى أنه علم هذه التسوية التي جهلها علماء الإسلام و سلف الأمة و خيار الأمم و كفر من أنكرها و ضلله فالله تعالى هو الذي يجازيه على ما قاله و فعله .
و ألفاظ حديث الأعمى تدل على أن ذلك المشروع إذا كان الرسول حيا مسؤولا سائلا لله فإن في أول الحديث أن الأعمى طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له ليرد عليه بصره ولم يطلب منه غير ذلك ثم إن النبي مع دعائه له أمره أن يتوضأ و يصلي و يقول اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد وفي رواية بنبيي محمد نبي الرحمة و هذا سؤال محض لله .
و حديث الأعمى رواه الترمذي و النسائي و الإمام أحمد و صححه الترمذي و لفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا فيقول ( اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي اللهم فشفعه في ) و روى النسائي نحوه
و في الترمذي و ابن ماجة عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني فقال ( ( إن شئت دعوت و إن شئت صبرت فهو خير لك ) ) فقال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه و يدعو بهذا الدعاء فذكر نحوه.قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
و رواه النسائي عن عثمان بن حنيف و لفظه أن رجلا أعمى قال يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري قال فانطلق فتوضأ صلى ركعتين ثم قال اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري اللهم فشفعه في قال فرجع وقد كشف الله بصره .
وقال أحمد في مسنده حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف ( أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله ادع الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك و إن شئت دعوت لك قال بل ادع الله لي فأمره أن يتوضأ و أن يدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي الله فشفعني فيه و شفعه في قال ففعل الرجل فبرأ ) .
فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء فمن الناس من يقول هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقا حيا و ميتا ، وهذا يستدل به من يتوسل بذاته بعد موته ، وفي مغيبه ، و يظنون أن توسل الأعمى ، و الصحابة به في حياته ن كان بمعنى الإقسام به على ربه أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته ، ولا يحتاج هو أن يدعو لهم ولا إلى أن يطيعوه ، و يظنون أن كل من توسل بالرسول كما توسل به ذلك الأعمى مشروع له ، وقول هؤلاء باطل شرعا وقدرا ، فلا هم موافقون لشرع الله ، ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله .
ومنهم من يقول هذه قضية عين فيثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها والفرق ثابت شرعا وقدرا بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدع له فلا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال في دعائه الله فشفعه في فعلم أنه شفع فيه وكذلك قوله إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك قال ادع لي فدعا له وقد أمره أن يصلي ويدعو هو لنفسه أيضا فحصل الدعاء من الجهتين .
وكذلك قول عمر في استسقائه بالعباس فالنبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلا عنه فلو كان التوسل به حيا وميتا سواء والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له لم يعدلوا عن التوسل به وهو أفضل الخلق و أكرمهم على ربه و أقربهم وسيلة إليه .
و كذلك لو كان كل أعمى يتوسل به و إن لم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى و لو أن كل أعمى دعا بدعاء ذلك الأعمى و فعل كما فعل من الوضوء و الصلاة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم و إلى زماننا هذا لم يوجد على وجه الأرض أعمى .
فعدول عمر و الصحابة عن هذا إلى هذا و ما يشرع من الدعاء و ينفع عما لا يشرع ولا ينفع و ما يكون أنفع من غيره و هم في وقت ضرورة و مخمصة و جدب يطلبون تفريج الكربات و تيسير الخير و إنزال الغيث بكل طريق ممكن دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه و لهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه "
------------- وبهذا يعلم أن زعم الزاعم أن الصحابة كانوا يستغيثون في حربوهم قائلين " وامحمداه " كذب عليهم ومحض افتراء لادليل عليه .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006