بمناسبة ضرب الأمن للمتظاهرين السلميين في الكويت ! التعليق على فتوى الشيخ العلامة بن باز رحمه الله في تحريم ضرب الأمن للناس .

 

الحمد لله والصلاة و السلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آله ، وصحبه وبعد ،
 
فقـد نشر الإخوة في إدارة الحساب فتوى للشيخ العلامة بن باز رحمه الله في تحريم ضرب الأمن للناس ، فسألني عددٌ كبيرٌ التعليـق ، والجواب أنهّا في محلّها ، مع أنّ الأمر في غاية الوضوح بحيث لايحتاج إلى فتوى ! ولكنها من هذا العالم الجليل ، قـد وافقت شريعتنا المتحضرة التي تنصّ على تحريم العقوبـة إلاّ بحكمٍ قضائيّ عادل ،  إذ الأصل العظيم في الإسلام الحكيم حرمة أعراض الناس ، وأبشارهم ،  ودمائهم ، وأموالهم على الحاكم ، كما المحكومين ، حتى لقد نصّ الفقهاء على وجوب الضمان في العقوبات الشرعية نفسها في حال الزيادة على الحدّ الشرعي من الحاكم .
 
وقد قال الحق سبحانه : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)
 
وثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ الله يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا ) رواه مسلم ،
 
وفي رواية : ( أشدّ الناس عذابا عند الله يوم القيامة أشدّهم عذابا للناس في الدنيا ) أخرجه أحمد وغيره ،
 
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلّ المسلم على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه ) روه مسلم ،
 
 وقال صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أُرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ) رواه مسلم ،
 
 وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ( إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ، وليأخذوا أموالكم ، من فُعل به ذلك فليرفعه إليّ ، أقصُّـهُ منه ، فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : لو أنّ رجلا أدّب بعض رعيته ، أتقصّ منه؟! قال : إي والذي نفسي بيده ، ألا أقصُّـهُ ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصّ من نفسه ) جامع الأصول 4/467
 
وهذه العدالة الصارمة في حضارتنا السامية المشرقة التي علّمت البشرية التحضُّر ، واحترام كرامة الناس ، موافقـة لما في العصر من عرف عالميّ منبثق من ضمير الإنسانية ، مقرَّر في العهد الدولي لحماية حقوق الإنسان ، وحرياته ، وكرامته .
 
وكذلك هو منصوص دستور الكويت الذي يحظر معاملة الإنسان ـ نصت مواد الدستور على حظر إيذاء (المتهم) جسمانيا أو معنويا ، فكيف بغير المتهـم ؟! ـ بما يحطُّ من كرامته كما في المادة 31 منه.
 
 وأنْ : (لاجريمة ولا عقوبة إلاّ بناءً على قانون ، ولا عقاب إلاّ على الأفعال اللاّحقة للعمل بالقانون الذي ينصّ عليها) وهي المادة 32 من الدستور ،
 
وحتى لو خالف المواطن القوانين ، فإنـّه يحظر على رجال الأمن عقوبته بأيديهم ، بل يُحال على القضاء ، فكيف إن كان نشاطُه في إطار حقوقه المشروعة ، مثل المظاهرات السلمية كما نصت المادة 44 من الدستور الكويتي : ( للأفراد حقّ الإجتماع دون حاجة لإذن ، أو إخطار سابق ، ولا يجوز لأحدٍ من قوات الأمن حضور إجتماعاتهم الخاصة ، والإجتماعات العامة ، والمواكب ، و التجمّعات ، مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون ، على أن تكون أغراض الإجتماع ، ووسائله سلمية ، ولاتنافي الآداب) .
 
وننوّه هنا إلى أنّ الأخذ بما يوافق مبادئ حضارتنا الوضّاءة ، سواء من الدساتير ، والقوانين المحليّة ، والعالمية ، لا إشكال فيه ، وقد تقدمت لي فتوى مفصّلة في هذا ، ومن أشهر الأدلة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم  قال : (شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ _ يعني حلف الفضول _ مَعَ عُمُومَتِي ، وَأَنَا غُلامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ ) رواه أحمد ، وهو حلف في الجاهلية ، حضره النبيّ صلّى الله عليه وسلم قبل البعثة ، أشبه بهيئة إصلاحية تنصر المظلومين ،
 
كما به يُستدل على أن حضارة الإسلام لها أن تدخل في شراكة مع غيرها فيما تتحقق به مصالح البشرية ، من هيئات ، أو مؤسسات دولية ، وغيـرها .
 
وعلى أية حال ، فبما تقـدَّم يُعلم أن عقوبة المتظاهرين في حال قيامهم بحقّهم بتسيير المواكب السلمية ، أو المظاهرات ، أو التجمعات ، من قِبَل رجال الأمن بالضرب ، والإهانة ، والتعدّي هو محرمٌ بالشريعة ، بل من كبائر الذنوب ، وقد ورد في ذلك اللعنة ، والزجر الشديـد ، وقد وافقتها القوانين ، والعهد الدولي لحقوق الإنسان ، وأعراف العالم المتحضر.
 
ومن يفتي بغير ذلك فإنه يَصِمُ شريعتَنا بالتخلٌّف ، ويتهمها بالظلم ، وبتشريع القمع ، كما ينسب إليها الجهالة بحاجة الشعوب لاسيما في هذا العصـر ، فينفّر الناس منها ، ويجعلها أشبه بشريعة الطغاة المستبدين كبشار ، و القذافي ، وأمثالهما ! وفي هذا من الصدّ عن سبيل الله ما فيه ، ومن الفساد في الأرض ما فيه !
 
وفي الختام ننبـّه إلى أنّ هذا كلّه ، لايدخـل فيه نهج التعامل مع المعتدين على الحُرُمات ، المخرّبين للأموال ، المتطاولين على الأعراض ، والدماء ،  من اللصوص ، وقطّاع الطرق ، وأهل الحرابة ، أو أهل البغي على الإمام الشرعي العادل باعتقاد حلّ دماء الناس ، وأموالهم ، كالخوارج ، أو غيرهم ، فهذه الأحوال قـد نصّت الشريعة على نهج التعامل معها ،  بما هو معروف : في مسائل قتال أهل البغي ، وأهل الحرابة ، ودفع الصائل ، فالكلام هنا ليس من هذا في شيء ، والخلط بين هذا الباب ، وما ذكرنـاه قبله جهالة ، وضعفٌ في الإدراك ، والفهم.
 
وإنما المقصـود بما ذُكر هنـا ما يتعلّـق بأنشطة القوى السياسية في المجتمعات المعاصرة ، بوسائلها السلميّة ، في مشاريعها التي تنشد توفير حقوق الناس ، وإصلاح أحوالهم ، وتحسين معايشهم.
 
هذا .. والله أعلم ، وصلى الله على نبّينا محمّد ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلّم تسليماً كثيراً وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
 

الكاتب: زائر
التاريخ: 22/10/2012