ياشيخ الصحيفة نشرت تأكيدا من الشيخ الأشقر ، فما قولكم ؟ |
|
السؤال:
يا فضيلة الشيخ ، لقد استبعدت ـ وكثير من طلبة العلم كذلك ـ أن يكون الشيخ الأشقر كاتب المقال ، وكذَّبت ذلك ، ولكن اليوم بتاريخ 31/5/2004م لقد نشرت الوطن اليوم أنها اتصلت بالشيخ الأشقر وأنه أكد قوله ورده لروايات الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه ، وسائر ما ذكر من أنه لادليل في الشريعة على تحريم تولي المرأة الولايات العامة ، فما هو الرد على ضوء ذلك ؟!! رابط المقال المردود عليه :http://www.alwatan.com.kw/default.aspx?page=5&topic=257553
************************
جواب الشيخ:
*** الدفاع عن مولى النبي صلى الله عليه وسلم نفيع بن الحارث أبي بكره رضي الله عنه ، والرد على ما ذكره الشيخ د. محمد الأشقر غفر الله له ***
بقلم حامد عبد الله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
فقد اطلعت على هذه الفتوى المنقولة في صحيفة الوطن السبت 29/5/2004م المنسوبة للشيخ الدكتور محمد الأشقر ، فوجدت الفتوى مغايرة تماما لأسلوب الشيخ الدكتور محمد الأشقر ، ولنهجه في الفتوى ، ونفَسِــه في الكتابه ، وحري أن لا يكون هو كاتبها ، وأن في نسبتها إليه خـطأ واضح بيّن لا يخفى على من يعرف علمه ومعرفته ونهجه وأصوله التي يبني عليها الفتوى ، ولكن بما أنه قد قال ما قال فنقول لا يسقط العالم خطؤه ، ولا تهدر منزلته ، وقديم قيل : اتق زلة الحكيم ولاتصدنّك عن علمه ، ونقول في الرد على ما قال والله المستعان :
فأولا :
ــــــــ
عدالة الصحابة موضع اتفاق بين العلماء ، ولايصح بحال الطعن في رواية الصحابي الجليل أبي بكرة أو غيره من الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم .
قال ابن حجر رحمه الله : (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك ، فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم ، ثم ساق آيات كثيرة ، ثم قال : في آيات كثيرة يطول ذكرها ، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع ، بتعديلهم ولا يحتاج إلى أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق ، مقدمة الإصابة 1/10
وقال ابن حجر عن الصحابي الجليل أبي بكرة : وكان من فضلاء الصحابة وسكن البصرة وأنجب أولادا لهم شهرة وكان تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة فاشتهر بأبي بكرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه أولاده .
وقال الذهبي : روينا عن الحسن البصري قال : لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكرة ،وعمران بن حصين رضي الله عنهما .
وقال : سكن البصرة ، وكان من فقهاء الصحابة . سير أعلام النبلاء(3/6)
وكان أبو بكرة شهد مع نافع وشبل بن معبد على المغيرة بالزنى ، وجلدهم عمر لأنهم لم يتموا رابعا في الشهادة ، ورد عمر شهادته لانه امتنع أن يتوب بعد جلده ، قال الذهبي ، قلت : كأنه يقول : لم أقذف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق يبن القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع ،لتعين الرجم ، ولما سموا قاذفين أ.هـ 3/7 وهذا يبين أنه أبى التوبة عند عمر رضي الله عنه ، لأنه تأول أنه شاهد فلماذا يتوب ؟ وأخذ عمر رضي الله عنه بما رآه ظاهر القرآن ، وبقي ابو بكرة رضي الله عنه على عدالته ، بدليل إجماع العلماء على الأخذ بروايته فلم يردها أحد من العلماء قـــط .
والحاصل أنه من معلوم أن عدالة أبي بكرة رضي الله عنه ، لم تسقط ، ولم يسقطها أحد من العلماء ، ولايصح أن يقال خلاف ذلك ، عن صحابي جليل ، حديثه مشهور في الصحاح ، ورواه أئمة السنة ، ولم يزل العلماء يحتجون بحديثه خلفا عن سلف ، وكيف لا ؟! وقد أجمعوا على عدالة الصحابة كلهم .
وأما قول الشيخ الأشقر غفر الله له ، " وهذا منطبق على أبى بكرة فان الآية تدمغه بالفسق وبالكذب وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما انفرد به " ، فهذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من أحد عن صحابي جليل ، فالآية في شأن القاذف ، أما الشاهد ، فكما قال القرطبي رحمه الله : ( وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه , ولكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب لا في علم الله تعالى ; وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه , فإنما يبنى على ذلك حكم الآخرة) .
وفي هذا بيان أن الشاهد في قضية زنا ، إن لم تكتمل الشهادة ، لا يلزم في كل حال ، أن يكون كاذبا في كل ما يقول ، لكنه كاذب في حكم الله في ظاهر الأمر في قضية الزنا المعينة ، كما قال تعالى ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) . فإن كان معدلا من الله تعالى كالصحابة ، فلاترد روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استقر عند العلماء أن الصحابة وإن كان يجوز على الواحد منهم الخطأ والزلة ، فقد كانوا جميعا يعظّمون جريمة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ويستشنعونها إلى الغاية، ولم يفعله أحد منهم قط ، وذلك مما كستهم به صحبة النبي صلى الله عليه وسلم من المرتبة العليا ، والفضل العظيم.
هذا وقد تنازع العلماء أصلا ، هل يجب حد القذف فيما لو لم يكتمل الشهود ، قال في المغني ( وذكر أبو الخطاب فيهم روايتين وحكى عن الشافعي فيهم قولان :
أحدهما : لا حد عليهم لأنهم شهود فلا حد عليه ، لأنهم شهود فلم يجب عليهم الحد ، كما لو كانوا أربعة أحدهم فاسق ... إلخ المغني 8/203
وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف تبطل أحاديث صحابي جليل ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد معه ، بل هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويّكذّب ـ حاشاه ـ وتُطرح كل رواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد قفّ شعري من هذا القول الشنيع !
وثانيا : ـ
ــــــــــ
قول القائل في الفتوى عن حديث أبي بكره رضي الله عنه : " فيكون ذلك دالا على ان هذا الحديث كذب مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة انديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا" ، فالرد عليه : أن هذه البلاد تقودها أحزاب عامتها من الرجال ، ولاتكاد تقوم المرأة في قيادة الحزب إلا بشيء ضئيل ، فهي قيادة رجالية جماعية في الحقيقة ، فضلا عما في تلك البلاد من البؤس ، والأدواء الاجتماعية والسياسية القاتلة، وما فيها من التيه والضياع ، والإجرام الدولي ، في دعم الظلم والطغيان العالميين ، فعن أي نجاح باهر يتحدث المحدث عنا ؟!
ثالثـــــــــا :
ــــــــــــــــ
وأما الرد على بقية ما ذكره فنبين ذلك في هذا الرد والمفصل على جميع ما ذكروه من الشبه : ـ
الأدلة التفصيلية على منع المرأة من تولي الولايات العامة
الدليل الأوّل
ــــــــــــــــ
قول الله تعالى ( الرجال قوامــون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) سورة النساء آية 34
ودلالة الآية على أن القوامة ـ وهي الدرجة الأعلى التي تتضمن السلطة العامة في المجتمع ـ هي للرجال دون النساء ، دلالة واضحة لايمكن دفعها.
ولم يصب الذين حاولوا دفع الدلالة بعيدا عن هذا الحكم الصريح ، عندما زعموا أن الآية مخصوصة بشئون الأسرة فحسب .
أولا : لان ذلك تخصيص لابرهان عليه .
ثانيا : لانه حتى لو فرض أن الآية دلت على منع المرأة من القوامة في شئون الأسرة ، فإنها تدل من باب أولى على منعها الولاية العامة في شئون المجتمع ، لان الشريعة الإلهية ، لايمكن أن تتناقض فتجعل القوامة للرجل على المرأة في حدود الأسرة وهي من الأمور الخاصة قليلة الشأن ، بينما تجعل لها القوامة على الرجال في ولاية عامة تتناول الأمور الجليلة عظيمة الشأن .
ثم إن الآية الكريمة قد نصت على أن العلة التي من أجلها جعلت القوامة للرجل على المرأة ، هي أن الرجل أعلى درجة منها ، كما قال تعالى : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، أي بسبب فضل قد خلقه الله تعالى في الرجل ، علا به عن درجة المرأة ،استحق أن يكون هو صاحب الولاية والقوامة عليها ، وهذه العلة عامة ، ومعلوم أن العلة إذا كانت عامة ، فإن الحكم يتبعها أيضا ، فكيف يكون له القوامة عليها في شئون الأسرة لانه فضل عليها ، ثم تكون لها القوامة عليه في الولايات العامة ؟؟!!
الدليل الثاني
ـــــــــــــــــ
قوله تعالى ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) سورة النساء آية 32
وهذه الآية أوضح برهان على بطلان دعوة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، فقد نصت الآية على أن هناك فرقا بينهما ، وهذا الفرق جعل نصيب الرجل من الحقوق والواجبات ، يختلف عن نصيب المرأة في بعض الأحكام ، وإن كانا متساويين في أكثر الأحكام الشرعية .
ونهى الله تعالى في هذه الآية أن تتمنى المرأة ما اختص به الرجل من الأحكام بسبب فضله عليها ، كما دل على ذلك سبب النزول .
فقد روى الترمذي والحاكم وغيرهما عن أم سلمة قالت يا رسول الله : يغزو الرجال ولا نغزو ،وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت الآية .
وفي هذا دلالة واضحة على أن فضل الرجل على المرأة يقتضي أن يكون له الولاية العامة دونها .
الدليل الثالث
ــــــــــــــــــــ
قوله تعالى ( وللرجال عليهن درجة ) سورة البقرة آية228
وهذه الدرجة التي جعلها الله للرجال هي الفضل المذكور في قوله تعالى ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، وهذه الآية كسابقتها في وضوح البرهان على بطلان دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، فقد جعل الله تعالى الرجال أعلى درجة من النساء .
الدليل الرابع
ـــــــــــــــ
قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهـم امرأة ) رواه البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه .
ومعنى ( ولّوا أمرهم ) جعلوا شيئا من أمر ولاياتهم العامة إلى المرأة ، ولن تفيد النفي المقتضي للتحريم ، والحكم بعدم الفلاح يقتضي المنع الشرعي قطعا.
الرد على من قال بتخصيص الحديث بسبب وروده فقط :
وأما قول من قال إن الحديث مقصور على سبب وروده ولا يتعداه ، وهو أن كسرى ملك الفرس لما مات تولت من بعده ابنته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ) ، فهو مردود عليه بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولولا هذه القاعدة المتفق عليها ، لبطل الاستدلال بأكثر الأحكام الشرعية التي وردت لاسباب اقتضتها ، لكنها جاءت بألفاظ عامة ، ولهذا اتفق علماء الشريعة على أن اللفظ إن كان عاما ، فإنه يستفاد منه تعميم الحكم ، ولا يقتصر فقط على سبب وروده .
ومما يدل على هذا : أن الصحابي الجليل أبي بكره رضي الله عنه ، راوي الحديث استدل به على منع نفسه من المسير مع جيش عائشة الذي توجه في مشروع الصلح بعد الخلاف الذي نشب بين المسلمين بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه .
قال أبو بكرة رضي الله عنه : ( عصمني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هلك كسرى قال : من استخلفوا ؟ قالوا : ابنته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فلما قدمت عائشة ـ يعني البصرة في يوم الجمل ـ ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم ـ فعصمني الله به ) رواه الترمذي والنسائي وغيرهما .
فهذا الصحابي الجليل لم يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أن النص الخاص لا يتعدى سبب وروده ، بل استدل به استدلالا عاما كما يدل عليه عموم اللفظ ، وعلى هذا جرى العلماء من عصر الصحابة إلى يومنا هذا .
الرد على من قال : إن الحديث خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة
وأما من زعم أن الحديث مخصوص بمنع المرأة من تولى رئاسة الدولة ، فالجواب : إن لفظ الحديث عام يشمل الخلافة أو رئاسة الدولة ، ويشمل غيره ذلك من الولايات العامة ، وقصر الحديث على رئاسة الدولة فقط تحكم محض لادليل عليه .
ثم لو سألنا هؤلاء الذين يقصرون معنى الحديث على رئاسة الدولة ، ما هو السبب الذي من أجله منعت المرأة من تولى منصب رئاسة الدولة عندكم ، أليس هو أنها لاتستوى والرجل في كل شيء ، وأن الرجل أعلى درجة منها ، ولهذا فالرجل وحده ينفرد بهذا المنصب الخطير ، ثم يقال لهم : أليس هذا المعنى نفسه متحققا في سائر الولايات العامة .
ونقول لهم أيضا : إنكم متناقضون أشد التناقض عندما تمنعونها من رئاسة الدولة ، معللين ذلك بأن هذا المنصب لا يليق بالمرأة وينبغي أن يقتصر على الرجال ، لان المرأة عاطفية شديدة التقلب في مزاجها ، وقد ميزت بالرقة والحنان والعطف الذي قد يتعارض مع حاجة هذا المنصب للحزم والشدة أحيانا ، تتناقضون عندما تمنعونها من هذا المنصب لهذه الأسباب ، ثم تسمحون لها بغير ذلك من الولايات العامة مع أن فيها نفس المعنى !!
ونسألهم أيضا : ما المقصود برئاسة الدولة ، هل هي رئاسة الوزراء ، أم منصب رئيس الدولة ، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة حزب سياسي ، وإذا نجح هذا الحزب بأغلبية وجعل إليه تكليف تشكيل الحكومة ، هل يجوز أن تصبح رئيسة الحزب هي رئيسة الحكومة التي شكلها حزب الأغلبية ، أم تستقيل حينئذ لأنها لم تعد تصلح لمنصب رئيس الوزراء ، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ؟
فإن قلتم لا يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ، تناقضتم لانها إذا صارت نائبة في المجلس جاز لها أن تكون رئيسة له وفق القوانين واللوائح ، وأيضا فإن المعنى الذي من أجله منعتموها من رئاسة المجلس متحقق في كونها نائبة فيه ، وإن قلتم نعم يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ، تناقضتم إذا منعتموها من رئاسة الوزراء ، فيقال لهم لماذا منعتموها من رئاسة الوزراء ، وأجزتم لها أن تكون رئيسة البرلمان ، وأن أجزتم لها أن تكون رئيسة للوزراء في حال تكون فيه ذات ولاية عامة مباشرة على كل شئون الأمة في نظام الدولة الحديث ، فلماذا منعتموها من أن تكون رئيسة للدولة ، وما الفرق بينهما ؟
ولاريب أنهم لن يجدوا بدا من الوقوع في التناقض ، فإما أن يجيزوا لها أن تكون ذات ولاية عامة حتى لو كانت رئيسة الدولة ، فيصادموا نص الحديث ويعطلوا مقتضاه بالكلية ، إما هذا أو يتحكمون بغير برهان ، فيجيزون لها تولي بعض الولايات العامة التي يكون فيها نفس المعنى الذي من أجله منعت من الرئاسة العامة ، ويمنعونها من بعض الولايات العامة الأخرى ، وفي هذا من التناقض البين ما يدل على بطلان قولهم قطعا.
ونقول أيضا للمنتسبين إلى علم الشريعة الذين يخصصون دلالة حديث ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) بغير دليل ، ويقصرون التحريم على منصب رئاسة الدولة فقط ، نقول لهم : إن المطالبين اليوم بمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب ، إنما ينطلقون من مبدأ علماني لاديني ، مبني على المساواة بين الرجال والنساء في كل شيء ، في جميع الواجبات والحقوق بلا استثناء ، وسوف يطالبونكم يوما من الأيام بالتراجع أيضا عن تحريم منصب رئيس الدولة على النساء ، وسوف يسألونكم ما الفرق بين منحكم المرأة حق تولي رئاسة الوزراء ، أو رئاسة حزب سياسي ذي أغلبية ، أو رئاسة البرلمان ، ومنعكم إياها من رئاسة الدولة في نظام الدولة الحديث الذي يحدد مهام رئيس الدولة في اختصاصات معينة لا يتعداها ، وسوف تحارون جوابا وتغلبون ؟ فخير لكم أن تتمسكوا بظاهر النص وعمومه ، من أن تخصصوه بغير برهان سوى التحكم المحض .
***الرد على من قال إن عائشة رضي الله عنها تولت الولاية العامة
وأما قول من قال : إن عائشة رضي الله عنها ، تولت الولاية العامة عندما قادت الجيش إلى العراق بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، وأن هذا يدل على جواز تولي المرأة الولاية العامة ،
فهو مردود عليه بما يلي :
أولا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه في حياته ـ وهو من دلائل نبوته الكثيرة ـ ما سيقع من عائشة رضي الله عنها من وذلك المسير ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن وقوع ذلك منها غير محمود ، فقال ( أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب ) ـ والحوأب : موضـــع ماء ـ رواه الإمام أحمد وغيره ، غير أنها رضي الله عنها ، لما تذكرت هذا الحديث وهمت بالرجوع ، أشير عليها بالمضي في مسيرها ، للإصلاح بين الناس ، فترجحت لديها هذه المصلحة اجتهادا منها ، وهي غير معصومة من الخطأ في الاجتهاد .
ثانيا : بأن الصحابة رضي الله عنهم خالفوا عائشة رضي الله عنها في مسيرها ذاك ، كما ورد في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو بكره ومر آنفا ، وقد نهاها عن ذلك المسير عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، وأنكر عليها علي رضي الله عنه ، وأم سلمة رضي الله عنها ، وغيرهم من الصحابة ، وبينوا لها إن اجتهادها لم يوافق الحق.
ثالثا : بأن عائشة رضي الله عنها نفسها قد ندمت على فعلها ذاك ، وقد روى ابن سعد في الطبقات أنها كانت كلما ذكرت خروجها بكت حتى تبل خمارها .
رابعا : بأن وجود عائشة في الجيش كان أشبه بالثقل المعنوي الذي يقصد به التأثير على الناس ، لانها أم المؤمنين ، ولم تكن هي قائدة الجيش ، ولاذات ولاية عامة ، وإنما ذلك أمر ظنه أبو بكره رضي الله عنه ، ويدل على هذا أنها همت بالرجوع في أثناء الطريق نادمة على خروجها ، فقال الناس : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم ) رواه الإمام أحمد في المسند 6/52.
*** الرد على احتج بوقائع تاريخية تولت فيها المرأة الولاية العامة
أولا : شجرة الدر :
ــــــــــــــــــــ
أما الاحتجاج بأن شجرة الدر ـ هي زوجة الملك الصالح أيوب من الملوك الأيوبية الذين حكموا مصر ، وقد تولت سلطنة مصر عام 648هـ بعد وفاة زوجها ـ قد تولت الولاية العامة في التاريخ الاسلامي ، فهو مردود عليه بما يلي :
1ـ أن هذه الحادثة تحكي واقعا ، وليس الواقع دليلا شرعيا ، فكم يقع في واقع المسلمين ما هو مخالف للشرع .
2ـ أن خليفة المسلمين العباسي أنكر على المصريين توليتهم شجرة الدر ، فاشار القضاة والأمراء إلى تولية أحد الأمراء السلطنة وأن يتزوجها ، لكنها اغتالته بعد الزواج منه ، فقبض عليها ابنه فقتلها وذلك سنة 656هـ.
وهذا يدل على أن علماء الشريعة لم يوافقوا على توليها الولاية العامة .
ثانيا : بقليس :
ــــــــــــــــ
أما احتجاجهم بأن بلقيس تولت عرش اليمن وذكرها الله تعالى في القرآن ، ولم يعب ذلك عليها ، ولا على قومها .
فهو مردود عليه بأن القرآن العظيم إنما حكى واقعا تاريخيا عن قوم في جاهلية مشركين يعبدون الشمس قبل أن يدخلوا في الإسلام ، وأي دليل في هذا على جواز تولي المرأة الولاية العامة في الشريعة الإسلامية ، ثم إنها لما دخلت الإسلام تركت الولاية وأسلمت مع سليمان عليه السلام ، وأسلمته ملك اليمن كله ، والدليل على ذلك أن سليمان عليه السلام قال ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ) النمل 37، وهو دليل على أن سليمان عليه السلام إنما أراد أن تكون اليمن في ملكه الذي آتاه الله إياه ، فتم له ما أراد بلا حرب ، بأن أسلمت بلقيس ودخلت وجنودها في ملكه العظيم .
وعلى أية حال فإن شرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه ، باتفاق العلماء ، وقد دلت النصوص من القرآن والسنة على منع المرأة من الولايات العامة ، وذلك ناسخ لكل شريعة كانت قبل شريعتنا التامة.
الدليل الخامس
ــــــــــــــــــ
ومن الأدلة أيضا على منع المرأة من تولي الولايات العامة إجماع العلماء ، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك ، وتوالت جميع العصور الإسلامية على منع المرأة من تولي الولايات العامة ، عملا بالنصوص الواردة في هذا الشأن ، وقد قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني ( ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى ، ولا لتولية البلدان ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولا من بعدهم امرأة قضاء ، ولا ولاية بلد ، فيما يبلغنا ، ولو جاز لم يخل منه جميع الزمان غالبا ) المغني والشرح الكبير 11/380
الدليل السادس
ــــــــــــــــــ
ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية من تولي المرأة الولاية العامة ، القياس الصحيح المطرد ، فقد وجدنا الشريعة تمنع المرأة من إمامة الرجال ولو كان رجلا واحدا ، ولو كانت أعلم منه وأقرأ منه للقرآن ، وتمنعها من الخطبة في الجمعة والأذان ، ومن توليها عقد النكاح لنفسها ، وذلك كله إشارات واضحة من الشريعة إلى منعها من الولايات العامة .
إذ لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض ، تحظر على المرأة أن تتولى عقد النكاح لنفسها ، ثم تجيز لها أن تكون وزيرة عدل ، تتولى أمر كل القضاء ويرجع إلى حكمها كل عقود الانكحة
.
كما لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض ، تمنع المرأة من الإمامة في الصلاة ، وتجيز لها أن تكون وزيرة لها سلطان تتولى به أمر كل أئمة الصلاة ، كما لا يعقل أن تمنع الشريعة المرأة من خطبة المرأة والأذان للصلاة ، ثم تجيز لها أن تكون نائبة عن الرجال في مجلس نيابي تحتاج فيه إلى أن ترفع صوتها بالخطب في مشاهد الصراع السياسي .
فأي تناقض ـ لو فرضنا أنها تحظر على المرأة إمامة الرجال في الصلاة والأذان والخطبة وتولي عقد النكاح لها أو لغيرها ، ثم تجيز لها تولي الولايات العامة ـ أي تناقض توصم به الشريعة أقبح من هذا التناقض العجيب .
الدليل السابع
ـــــــــــــــ
ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية المرأة من تولى الولاية العامة ، الضرر الاجتماعي المترتب على تركها لوظيفتها الأصلية التي خلقها الله لها ، وركب فيها الصفات التي تناسبها ، وهي وظيفة رعاية الأسرة وتربية الأولاد وتنشئة الجيل والقيام بحق الزوج ، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كل راع ومسئوليته في الإسلام ، جعل المرأة راعية لبيت زوجها ، كما في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأمير راع … والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ) .
وإنما جعلت المرأة في هذه المسؤولية لأنها إذا أخلتها منها لم يمكن سدها بغيرها ، فالرجل لا يمكنه بحال أن يقوم بوظيفة المرأة في الحمل ، والولادة ، والرضاعة ، والحضانة ، ورعاية الأولاد ، وتنشئتهم في طور هم في أمس الحاجة إلى ما تمتاز به المرأة من الحنان ، والسكن ،والعطف ،والمودة ،واللمسة الناعمة الدافئة ، والصبر على مشقة السهر مع أنين الطفل ، ومراعاة حاجاته في الليل والنهار ، حتى يبلغ أشده ويستوي عوده بنفس سوية مستقرة ، وروح متشبعة من العاطفة التي احتاجت إليها في أول النشأة ، فتسكن نفسه وروحه إلى الاعتدال والاستقرار العاطفي في سائر الحياة ، وبجسد أخذ حقه من الرعاية الصحية من أم حنون .
إن حياة الإنسان لا تستقيم إلا وفق هذا التقسيم الفطري لوظيفة المرأة والرجل في المجتمع ، وأي قانون من شأنه أن يخرب هذا التقسيم ، فإنه يعرض المجتمع لضرر اجتماعي محقق ، يبدأ من تفكيك الأسرة وينتهي بانتشار الأمراض الاجتماعية في المجتمع كله ، وكلما زادت القوانين التي لاتراعي هذه الفطرة الإنسانية ، زادت معاناة المجتمع ، وكلما روعيت هذه الناحية الفطرية في قوانين الدولة ، ووجهت المرأة إلى الاهتمام بالأسرة من خلال قوانين وحوافز ملائمة ، أدى ذلك إلى تقوية بنيان الأسرة في المجتمع
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006