هل صحيح أن المجاهدين أصحاب نفسية انفعالية غير متزنة ، ورطوا الامة ؟

 

السؤال:

الشيخ الفاضل : حامد العلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زعم بعضُهم أن حادثة الحادي عشر من سبتمبر تسببت في حرب صليبية على الأمة .. تسبب عنها قتل رجالها ونسائها وأطفالها , وخراب الديار .. ومَن تسبب في سبِّ والديه فقد ارتكب كبيرةً , فكيف بمن تسبب بأعماله في استعداء ملل الكفر على بلاد المسلمين ليخربوها ؟

وزعم أن الجهاد شرع لعزّ الأمة وتمكينها , لا ليسبب هزيمة وتدميراً كما نتج عن حادثة الحادي عشر سبتمبر ..

وزعم آخر أن المجاهدين أصحاب نفسية انفعالية غير متزنة .. ورّطوا الأمة فيما لا قِبَلَ لها .. وأنهم لا رايةَ لهم ولا منهجَ ولا تنظيمَ ولا تربيةَ .. وأنهم فتية أحداث .. ضحايا تغرير .. غلاة .. حولوا العنف ! إلى بلادهم .. والسبب في ذلك أنهم انتهجوا منهج سيد قطب رحمه الله .. حيث يكفر المجتمعات كلها في ( المعالِم , والظلال 2/1057 , 1735 , وغيرهما ) .. وغير ذلك من أمور ..

والسؤال : ما هو توجيهكم ؟

غفر الله لكم , وشكر الله لكم إجابتكم

**********************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

هذا لايقوله إلا الجهلة الذين ألفوا العيش في الترف والتمتع بالسلامة ، والركون إلى ملذات الدنيا ، وكرهوا أن ينتقلوا عن ذلك ، أو آخرون قد هيأت لهم الانظمة المستبدة الجائرة الطاغوتية هيئات نصبوهم فيها في مناصب فأشركوهم معهم في باطلهم ، ليسكتوا عن جرائمهم ويركنوا إليهم ، وقد حصلوا بسببها من الجاه والمال ما كرهوا أن يفقدوه لو عارضوا تلك الانظمة فهم وأولئك الزعماء شركاء ، أوآخرون لهم أحزاب حركية قد امتلأت نفوسهم غرورا أن الإسلام لن ينصره الله بسواهم.
---------------
وقد علم كل العقلاء المتابعين لهذا الشأن الذي دهم العالم ، أن الغرب الصليبي الامبريالي النزعة المتأصله فيه هذه العقيدة التوسعية الخبيثة لم يزل يغزو بلادنا من قرن من الزمان ، فإهراقه دماءنا ، وسرقته ثرواتنا ، وقتل أبناءنا ، ليس جديدا حادث بعد 11/9 ، ونضرب أقرب مثل : وهو أنه لم يدر هذا الجاهل الذي ظن أن مصاب المسلمين بعدوهم الصليبي الصهيوني بدأ منذ 11/ 9 ـ يبدو أنه لم يحسب حسابه إلا عندما وصل إليه دون إخوانه المسلمين ـ أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي مات في الحصار الذي قالت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة إنه ثمن يستحق لتحقيق أهدافنا !! ولم تزل بلادنا ترزح تحت الاستعمار ويخطىء من يظن أن الاستعمار ، قد ولـّـي ، وجاء بعده الاستبداد ، بل لم يزل هؤلاء الزعماء ينفّذون خطط المستعمرين ، وحال الأمّة يتردى والإسلام محارب ، غير أن الغرب الصليبي كان معارضا بعض الشيء من قبل المعسكر الشرقي ، فلما سقط المعسكر الشرقي ، ورأى الغرب أنه قد خلا له الجو في المشهد العالمي ، سارع في تنفيذ خططه لإعادة تشكيل ما يطلق عليه الشرق الأوسط في ضمن مشروع عالمي أطلق عليه " مشروع القرن الأمريكي " ـ اي مشروع هيمنة أمريكا على العالم ، وهو في الحقيقة مشروع يهودي صهيوني ، يطمع أن يهيمن على العالم كله انطلاقا من خرافات صهيونية صليبية
-------------
ولكنه احتاج إلى إطلاق مظلة ينفذ فيها مخططه هذا الخبيث الذي طال انتظاره حتى انتهت الحرب البادرة ، فاخترع ما يطلق عليه " الحملة الدولية على الإرهاب " ومن كان متابعا للحركة السياسة والفكرية في الغرب ، ذات الصلة بدوائر السياسية الامريكية على أعلى مستوى ، يعلم يقينا أن المجتمع الامريكي كان يعبأ من سنوات قبل أحداث سبتمبر ، لإدخال أمريكا في حالة حرب مع الإسلام بوصفه الخطر المتوقع للحضارة الغربية ـ وما هي بحضارة ـ ثم جند الغرب اولياءه الذين كان قد أعدهم سلفا لخدمته في تحقيق أهدافه الاستعمارية العالمية
---------
وهذا كله كان منشورا ومعلوما قبل أحداث سبتمبر ، وحتى غزو أفغانستان قد أخبر وزير الخارجية الباكستاني السابق في نص حديث أذاعته هيئة الاذاعة البريطانية ـ شهدته بنفسي ـ أن الامريكيين قـــد أخبروا زعماء باكستان ـ في اجتماع حضره شخصيا ـ أن القوات الامريكية ستغزو أفغانستان للإطاحة بنظام طالبان ، وكان ذلك في شهر مايو قبل سبتمر عام ألفين، وكذا كانت خطط غزو العراق معدة منذ عام 1997م ، كما ذكرت ذلك في غير موضع ، ونسبته إلى مصادره ، بل كان منذ الحرب الاولـــــــى 1991م .

----------
فمن السذاجة بمكان أن يظن الجاهل أن هذا المشروع الصليبي الصهيوني الغربي الذي يقوده المحافظون الجدد الذين غرهم الشيطان وسول لهم أعمالهم ، أنه كان مجرد ردة فعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ومن ينطلق من هذا المنطلق في فهمه لما يجري ، فهو في غاية الغفلة والبلاهة ، مما يجعل الجدال معه ضرب من العبث ، يتنزه عنه العقلاء
---------------
وأما المجاهدون فليسوا معصومين ، هم كغيرهم يصيبون ويخطئون ، لكن باتفاق العلماء أهل الجهاد هم أفضل المؤمنين ، وقد يكون فيهم من يغلبه الغضب في الحق ، فيخطىء ، وآخر يستعجل فيتجاوز حدوده ، كما يقع من غيرهم من المسلمين والمؤمنين ، فهم من هذه الأمة ، فيهم ما فيها ، ولكن في الجملة هم يخططون خططا دقيقة تحتاج إلى ذكاء ، وضبط للنفس ، وصبر وتؤدة، وتــروّ عظيم ، حتى تتم هذه الخطط على أكمل وجه ، ثم تؤتي ثمارها ، ومن يكون بهذه بالمثابة ، لايكون طائشا ولا عبثيا ولا هو غير منظم ولا من أهل الفوضى ، نعم قد تقع منهم بعض من ذلك مما هو من طبيعة البشر التي لايخلو منها إنسان
--------------
والعجب كيف يوصفون بالطيش وعدم الإتزان ، وأولى منهم بهذه الأوصاف الذين كلما وقع تفجير ما ، في مكان ما ، اهتزت له عقولهم ، وطاشت نفوسهم ، فخرجوا عن ضوابط الشرع ، في إصدار الاحكام ، واستعجلوا في التنديد ، وتجاوزا حتى اصول أهل السنة والجماعة فأطلقوا أسماء للذم ما أنزل الله بها من سلطان لايطلقها إلا جاهل ، مثل الذم بلفظ " التكفيريين " و" الارهاب " ونحو ذلك ورموا أنفسهم في أحضان الطواغيت ، يسترضونهم بأي كلمة باطل حتى لو سعوا بدماء إخوانهم ، وجندوا أنفسهم أبواقا للانظمة المستبدة التي تحارب الله ورسوله ، ولأعوان أولئك الطواغيت من الظلمة الفجرة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يغدون في سخط الله ، ويروحون في لعنته رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، من الذين يعذبون المسلمين ويظلمونهم ، فأي الفريقين أحق بالطيش وعدم الاتزان إن كانوا صادقين
-----------------
والخلاصة أن أهل الجهاد فيهم العلماء والقادة وفيهم الشيوخ والكهول والشباب ، ويقع منهم الصواب العظيم النفع للأمة ويقع منهم الخطأ غير المقصود ، أو التجاوز من بعضهم عن عمد ، كما وقع لكل اهل الجهاد منذ أن عقد رايته محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، وإلى يوم القيامة ، فما من قائد قام بأمر الجهاد إلا ووقع في أخطاء، وقد تهراق بسبب ذلك الدماء ، والمنصف لايذم الطائفة ذما مطلقا لأخطاء وقعت فيها ، ولايمدحها مدحا مطلقا لأنها أصابت في بعض الامور ، والحكم للغالب ، ولاريب أن غالب نكاية أهل الجهاد في أعداء الله تعالى فهم على هذا الامر مجتمعون ، وفي هذا المضمار يتسابقون ، ولهذا الراية يوفضون ، فالواجب إعانتهم وتسديدهم ونصحهم والدعاء لهم ، لا الوقوف مع الكفرة الصليبين والصهاينة وأولياءهم في تشويه سمعتهم ، ومحاربتهم ، والدلالة على عوراتهم إن ذلك كان خطئا كبيرا ، وحوبا عظيما
-------
وهؤلاء الذين يذمون أهل الجهاد ، ويتعصبون ضدهم ، يقع منهم أو من بعضهم وبعض أحزابهم الأخطاء العظيمة ، وتسوق أحيانا أحزابهم أتباعها إلى دكادك من الضلال المبين ، والوقوف مع الكافرين ، والمداهنة في الدين ،وخذلان المؤمنين ، والافتراء على الشريعة ، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، والاشتراك مع الظلمة ، فيما هو من أفجر الفجور ، وأعظم الاثم والشرور ، غير أنهم لايرون معايبهم هذه شيئا ، يرون القذاة في أعين إخوانهم ، وينسون الجذع في أعينهم معترضا
----------
وفي الجملة فالسعيد الذي يوالي كل طائفة من المسلمين ، على قدر ما معها من الحق والخير ، ويتبرأ مما معها من الباطل والشر ، ولايتعصب لطائفة واحدة يرى كل ما تفعله حسنا وخيرا ، ويتبرأ مما سواها فيرى كل ما معهاقبيحا و شرا ، وسعيد ذلك الذي يعتصم بالله تعالى ليهديه ، ويستصحــب التقوى فهي مفتاح الهدى ، قال تعالى ( آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ) وقال ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) , وقال ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ـ
---------------
والسعيد الذي يربأ بنفسه أن يكون عونا للكفار وأولياءهم من الطواغيت على إخوانه من أهل الجهاد ، إن لم تعنه نفسه الضعيفة أن ينصرهم بنفسه أو لسانه أو ماله ، ليبلغ ما بلغوه من ذروة سنام الإسلام
-------
أما سيد قطب رحمه الله ، فإنما هو رجل قام يجاهد بلسانه الكفرة والملحدين والزنادقة في زمن من أزمنة الأمة ، فأصاب وأخطأ ، وأمره إلى ربه ، غير أن أعداء الإسلام ودوائرهم الاستخباراتية تريد أن تلعب لعبة سخيفة ، ومكشوفة ، وهي إلصاق قيام الأمة ومخلصيها في وجه هذه الحملة الصليبية الغربية الامبريالية بشخص واحد هو سيد قطب ، في محاولة يائسة للإجهاض على هذه القومة العظيمة لرجال الأمة في وجه الصليبيين والصهاينة وأولياءهم ، وما علموا أن هذه القومة الرشيدة ، والنهضة السديدة ، إنما تنطلق من كتاب الله تعالى الأمر بجهاد الكفرة ، ومن سنة نبي الجهاد محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن سير الصحابة ، وليست اتباعا لشخص ولا تعصبا لمذهب ، وهذه القومة المباركة لن يوقفها شيء حتى تصل إلى أهدافها ، وتحقق امنية كل مسلم مؤمن حقا ، أن يرى الغمة انكشفت عن هذه الامة ، والوية النفاق والكفر انكشفت عنها ، وأنظمــة الجاهلية انقشعت ، وإن ذلك لقريب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ، والله أعلم
والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006