سؤال عن صحة قصـة شرب خالد رضي الله عنه للسم ، وكيف ذلك والانتحار محرم ؟1 وهل يدل على العمليات الإستشهادية.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ثم اما بعد:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا شيخ اسئل الله ان يحفضك و ينفع بك ... سؤالي هو عما ذكرت في كرامات الصالحين وما حدث لخالد بن الوليد رضيى الله عنه و الذي صه : (" خالد بن الوليد " حاصر حصنا منيعا فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره)

هل هذا صحيح و ثابت ان كان كذلك هل يعد بالانتحار؟ ان لا هذا يعني جواز هذا الفعل لمصلحة الاسلام و اذا يعد دليل على جواز العمليات الاستشهاديه يكون من باب اولى و الله اعلم.

افدنا افادك الله و جزاك الله عنا خير الجزا

والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته

***

الجـواب :

الحمد لله و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعـد :
 
القصة رواها الإمام أحمد في فضائل الصحابة ، وأبو يعلى في مسنده ، واللالكائي في كرامات الأولياء ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وأطول سياق ، و أكمله لهذه القصة ، ما رواه ابن عساكر : "لما انصرف خالد بن الوليد بن اليمامة ، ضرب عسكره على الجرعة التي بين الحيرة والنهر ،  وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض ، وقصر ابن بقيلة فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت ، ثم رموه بالخزف من آنيتهم ،  فقال ضرار بن الأزور:  ما لهم مكيدة أعظم مما ترى ، فبعث إليهم ،  ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم أسائله ، ويخبرني عنكم.
 
فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني ،  وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة ، فأقبل يمشي إلى خالد ، فلما رآه ، قال :  ما لهم أخزاهم الله بعثوا إلي رجلا لا يفقه ،  فلما دنا من خالد ،  قال : أنعم صباحا أيها الملك ، فقال خالد : قد أكرمنا الله بغير هذه التحية ،  بالسلام.
 
ثم قال له خالد : من أين أقصى أثرك ،
قال :  من ظهر أبي ،
قال : من أين خرجت .
قال :  من بطن أمي
قال : على ما أنت
قال :  على الأرض
قال : فيم أنت ويحك
قال : في ثيابي
قال :  أتعقل
قال : نعم ، وأقيد
قال :  ابن كم أنت
قال :  ابن رجل واحد
قال خالد :  ما رأيت كاليوم قط أسائله عن شيء ، وينحو في غيره
قال :  ما أجيبك إلاّ عن ما سألت عنه ،  فاسأل عمّا بدالك
قال :  كم أتى لك
قال : خمسون وثلاثمائة
قال : أخبرني ما أنتم
قال : عرب استنطبنا ونبط استعربنا
قال :  فحرب أنتم أم سلم
قال :  بل سلم
قال : فما بال هذه الحصون
قال : بنيناها لنحبس السفيه ، حتى ينهاه الحليم
قال ، ومعه سم ساعة ، يقلبه في يده
فقال له خالد : ما هذا معك
قال : هذا السم
قال : وما تصنع به
قال :  أتيتك فإن رأيت عندك ما يسرني وأهل بلدي حمدت الله،وإن كانت الأخرى،  لم أكن أول من ساق إليهم ضيما ، وبلاء ،  فآكله وأستريح ، وإنما بقي من عمري يسير.
فقال :  هاته .
 فوضعه في يد خالد
فقال خالد : بسم الله ، وبالله رب الأرض ،  ورب السماء ،  الذي لا يضر مع اسمه داء ، ثم أكله ،  فتجللته غشية ،  فضرب بذقنه على صدره ،  ثم عرق ، وأفاق ، فرجع ابن بقيلة إلى قومه ، فقال جئت من عند شيطان ،  أكل سم ساعة فلم يضره ، أخرجوهم عنكم ،  فصالحوهم على مائة ألف"ا.هـ
 
وقد جاءت من عدة طرق ، دلّ مجموعها على ثبوت القصـة ، ولهذا تناقلها عدد من الأئمة بالإقرار فلم ينكروهـا، كالإمام الذهبي الذي قال في سير أعلام النبلاء : هذه والله الكرامة ، ، وهذه الشجاعة .
 
كما احتج بها في بـاب إيمان أهل السنة بالكرامات ، شيخ الإسلام ابن تيمية ، في كتابه الفرقان ، وفي منهاج السنة ، وفي النبوات أيضا.
 
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ، في شرح باب شرب الســم ، والدواء به ، وما يخاف منه : " وأما مجرد شرب السم ، فليس بحرام على الإطلاق ،  لأنه يجوز استعمال اليسير منه ، إذا ركب معه ما يدفع ضرره ، إذا كان فيه نفع ، أشار إلى ذلك بن بطال ، وقد أخرج بن أبي شيبة وغيره، أنّ خالد بن الوليد لما نزل الحيرة ،  قيل له : احذر السم ، لا تسقيكه الأعاجم ،  فقال :  ائتوني به ، فأتوه به ،  فأخذه بيده ، ثم قال:  بسم الله ، واقتحمه ،  فلم يضره ،  فكأنَّ المصنف ، رمز إلى أن السلامة من ذلك ،  وقعت كرامة لخالد بن الوليد ، فلا يتأسى به في ذلك ، لئلا يفضي إلى قتلالمرء نفسه ، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة في الباب ،  ولعله كان عند خالد في ذلك عهد عمل به " ا.هــ كلامه
 
وفي القصة دلالة على جواز ركوب الخطـر الذي يُخشى معه تلف النفس ، إذا رجا الفاعـل السلامة في العاقبـة ، و كان فيه مصلحة راجحـة ، والمصلحة الراجحـة هنا فـي هذه القصة : النصـر في التحدّى على صحة الإسلام .
 
غير أنـّه هنـا داخل في حيّز الكرامـات ، وهـي  موقوفة على ما في قلب من تقع له الكرامة من اليقين ، فقوّة توكله ، رجحت عنده إبطال الله تعالى العادة ، على جريانها بإقتضاء الأسباب لمسبباتها في هذه الحال ،  ولهذا لايصح أن يُسـتدل بها على سبيـل العموم.
 
 قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله  في كتابه النبــوّات : " ومنه ، أي منالكرامات ، ما يتحدى بها صاحبها أن دين الإسلام حق ، كما فعل خالد بن الوليد لمـا شرب السم "
 
ولا يخفى أنّ قوة رجاء السلامة في العاقبة ، شرط تحقق المصلحة هنـا ، ولهذا لايصح الإستدلال بها على العمليات الاستشهادية ، فإنها بقصـد الموت في سبيل الله، لا السـلامة من الموت.
 
فضلا عن الإنتحار الذي هو من المحرمات القطعية.
 
غير أنّ الفرق الذي جعل العمليات الإستشهادية مشروعة ، و الإنتحار محـرّم ، أن الأولى مبنيّة على الإشتياق لكرامات الشهادة ، بجعل النفس وسيلة للنكاية في العدو ، ونصر الإسلام ،
 
 أو فداء المسلمين بنفسه ، كمـن يلقي بنفسه في البحر لإنقاذ من في السفينة ، كما فعل يونس عليه السلام .
 
 وأما الإنتحار فهو مبني على اليأس الدافع لقتل النفس قتلا محضا لافائدة فيـه ، وشتان بينهما.
 
والله أعلم
 

الكاتب: الزبير
التاريخ: 12/03/2008