الأمثل ثم الأمثل

 

السؤال:

شيخنا الحبيب الفاضل..حامد العلي
أعلى الله منزلته..وسدده
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أنسى قبل السؤال أن أقول جزاك الله خيرا..ولو كنت أعلم ثناء أبلغ من هذا لما قصرت عنه
وبعد فسؤالي..بارك الله فيك
عن الحديث الصحيح "أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلي الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"
أو كما قال صلى الله عليه وسلم..
والواقع المشاهد أن هناك أناسا تقرأ من سيرهم أو تعرف من حالهم أنهم أتقى بكثير من آخرين..ثم يكون هؤلاء الآخرون أشد بلاء
وبعضهم قد يكون تقيا جدا ولا يحصل أنه يبتلى..
بعض الصحابة مثلا..تعرض للتنكيل مالم يتعرض له الأكابر..كأمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما..وهكذا
فهل نفهم الحديث أن الله (إذا) أراد أن يبتلي العبد ابتلاه على قدر دينه
وقد لا يريد لحكمة أو رحمة..أو أن الحديث ينص على حالة عامة ولكل عام استثناء
أم ماذا ..بارك الله فيكم؟

*************************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحديث صحيح ومعناه أن كلما كان دين المرء أقوى كان تعرضه للبلاء أكثر من غيره ، ولكن التقوى أمر خفي ، فقد نظن في شخص أنه أتقى من غيره ، ويكون ذلك الغير أتقى منه ، فإن أعظم التقوى في القلوب ، وما فيها من الاعمال التي هي أجل من أعمال الجوارح ، وقد يكون للشخص من أعمال الجوارح مايخفى علينا ، أو تعرض للفتن لانعلمها فصبر فعظم عند ربه ، وصار له من المنزلة ما استوجب أن يكون أعلى من كثير من العباد الذين يشقون على أنفسهم مكابدة أشد العبادات ، والحاصل أن منازل الناس عند الله تعالى لانعلمها على الحقيقة واليقين ، وإنما لنا الظاهر والله أعلم بالسرائر
-----------------------------
وأما الصديق فابتلي أعظم البلاءات فقد تولى أمر الامة وارتدت العرب ، فابتلاه الله تعالى بمواجهة ذلك ، وكذلك عمر ابتلي بقيادة الامة وهي تواجه أشد الامم بأسا ، فظهر منهما من الصبر واليقين والتوكل والوقوف على أمر الله تعالى ماهو من أعظم التثبيت الالهي ، وقد يكون ابتلاء المرء باذى من الكفار كما حصل لبعض الصحابة ، اهون بكثير من الابتلاءات التي ابتلي بها الصديق والفاروق رضي الله عنهما ، ومن ابتلى بهموم الأمة يعلم ذلك ، فإنه بلاء مستمر دائم يثقل الكاهل ويحتاج إلى صبر عظيم ، ولهذا كانت عائشة تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم حطمه الناس أي أن معالجة أمر الناس وحاجتهم إليه في كل حين أثر عليه أثرا عظيما
---------------------
، هذا مع البلاء في معالجة النفس والخلق ودواعي الشيطان وشهوات الدنيا ، فالناس في هذا متفاوتون تفاوتا عظيما ، ويكتب الله تعالى على العبد المؤمن قوي الايمان من الامتحان في بلاء الدنيا والشيطان والنفس والناس ما لو صبر عليه ، يرفع الله درجته ، ويعلي منزلته ، ويكتب من ذلك مالايكتب لضعيف الايمان ، ويكتب من ذلك على أهل التقوى حسب منازلهم ما يكون أشد عليهم من أذى عابر يتعرض له بعض المؤمنين من أعداء الله تعالى ، ومن جرب هذا يعلمه ، فمن الناس من يصبر على الاذى الجسدي في سبيل المال أو شهوة النساء ويطارد من السلطان فيصبر ، ولكنه لو عرض عليه الصبر على ما يبتلي به المؤمن من انواع الامتحانات التي تحتاج إلى الثبات على طاعة الله تعالى في مواجهة العوائق والعلائق والشهوات ومعارضات الاعداء وزينة الدنيا لما صبر على ذلك طرفـــة عين ، ثم إن كل عبد من أهل التقوى يبتلى ببلاءات تلائم حاله ، فمن تولى أمر الجهاد ابتلي بالبلاء من جنس ما تولى في مواجهة الاعداء لايمنع ذلك انه يبتلى بغير ذلك ، ولكن أكثر بلاؤه يكون من جنس ما يسره الله له من أبواب الخير ، ومن تولى أمر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كان بلاؤه من جنس ذلك ، ومن تولى أمر العلم والدعوة ابتلي بمعارضة الناس له ، أو ظلم السلطان ، أو بغي الحاسدين ، وعدوانهم عليه باليد أو اللسان ، لمخالفة الهدى غالبا لأهواء الناس ، والمقصود أنه يبتلي كل مؤمن على حسب حاله ، بحسب ما تولاه أو يسره الله له من أبواب الخــير، على قدر منزلته في ذلك ، نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والاخرة ، اللهم عافنا في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا ، اللهم استر عوراتنا وآمن روعواتنا ، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بك الله أن نغتال من تحتنا والله اعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006