ما رأيكم فيمن يقول لاجهاد إ لابإمام ، ولايجوز الجهادفي فلسطين إلا بإذن الامام ، وما قول العلماء ؟

 

السؤال:

ما رأيكم فيمن زعم أن الجهاد لايكون إلا بإمام ، وحتى فلسطين لابد من إذن الإمام ، وفي العراق قال إن جهادهم جهاد فتنة ، لانه بغير إذن الإمام ، وما قول العلماء في هذا الموضوع جزاكم الله خيرا ؟

********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

فهذا لايقوله إلا جاهل مطموس على بصيرته ، أو واقع تحت الاكراه ، لآنه قول باطل عند جميع العلماء ، مردود عند جماعة الفقهاء ، وأنقل لك ما ذكره في النوازل الكبرى الجزء الثالث ص 11 ، وهو كتاب يحوي فتاوى علماء المغرب العربي المالكية في النوازل ، وهذه الفتوى للامام أبو عبدالله سيدي العربي الفاسي رحمه الله ، وتأمل قوله فيها :

(( وما تهذي به بعض الألسنة في هذه الأزمنة من أنه لايجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد ))

ومع أنه ليس للسادة المالكيةاختصاص بهذا ، بل هو أمر متفق عليه بين المذاهب ، غير أنه قد أعجبتني هذه الفتوى لما فيها من التفصيل الحسن ، والاستنباط السديد :

وإليكم الفتوى كلها : " أما المسألة الثالثة فلايتوقف وجوب الجهاد على وجود الامام وعلى إذنه في الجملة ، ومن المعلوم الواضح أن الجهاد مقصد بالنسبة إلى الامامة التي هي وسيلة له ، لكونه في الغالب العادة لايحصل على الكمال إلا بها ، فإذا أمكن حصوله دونها لم يبق معنى لتوقفه عليها ، فكيف تترك المقاصد الممكنة لفقد الوسائل المعتادة ، فلو كان الامام موجودا ، طلب استئذانه ، محافظة على انتظام الامر واجتماع الكلمة ولزوم الجماعة ، وقد يعرض ما يرجح عدم استئذانه كخوف فوات فرصة لبعد الامام ، أو كونه غير عدل يخشى أن يغلبه هواه في تفويتها ، فلو كان غير عدل ومنع من الجهاد لغير نظر لم يمتنع الجهاد إن أمن الضرر من جهته ..

فلايضيع الجهاد إن ضيعه الولاة ، والنصوص المذهبية شاهدة لذلك كله .

قال إمامنا مالك رضي الله عنه : لله تعالى فروض في أرضه لايسقطها ، وليها إمام أو لم يلها .

وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد في قوم سكنوا قرب العدو فيخرجون إليه بغير إذن الإمام ، فيغيرون عليه : وإن كانوا يطمعون في الفرصة وخشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم ، أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا ، ذلك واسع لهم .

وقال ابن وهب في سماع عبدالملك بن الحسن : وسئل عن قوم يدافعون العدو ، هل لأحد أن يبارز بغير إذن الإمام ؟ فقال : إن كان الإمام عدلا لم يجز أن يبارز إلا بإذنه ، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه .

قال ابن رشد : هذا كما قال ، إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزم استيذانه في مبارزة ولا قتال ، إذ قد ينهى عنه على غير وجه نظر .

وإلى هذا التفصيل ونحوه يرجع ما يوجد في هذه المسألة من نصوص المذهب .

وإن كان الجهاد يجوز ـ دون إذن الإمام ـ لما ذكر مع وجوده فكيف لايجوز مع عدمه البتة.

ومن الواضح أنه إن توقف على وجوده فإنما يتوقف عليه لأجل إذنه ، وعليه فإن كان لايتوقف على إذنه كان غير متوقف على وجوده .

نعم إقامة الإمام بشروطه ، وجمع الكلمة عليه فرض واجب على الخلق ، كما أن الجهاد فرض أيضا ، والقيام بهما معا مطلوب على الوجوب ، ولكن تضييع فرض واحد منهما أخف من تضييعهما معا ، وأما التوقف على الإمام للإمداد والرجال والمال والعدد فتوقف عادي لاشرعي .

إذ لايجب شرعا أن لايجاهدإلا بمال بيت المال ، بل من قدر أن يجاهد بمال نفسه فهو أفضل له ، وأعظم لأجره ، وإن اتفق أن تجمع جماعة من المسلمين مالا لذلك حصل المقصود أيضا .

ومن المعلوم في الفقه أن جماعة المسلمين تتنزل منزلة السلطان إذا عدم ، وعليه من الفروع مالايكاد يحصى ، كمسألة من غاب زوجها وهي في بلد لاسلطان فيه ، فإنها ترفع أمرها إلى عدل من صالحي جيرانها ، فيكشف عن أمرها ويجتهد لها ، ثم تعتد وتتزوج ، لأن الجماعة في بلد لاسلطان فيه تقوم مقام السلطان ، قاله القابسي ، وأبو عمران الفاسي ، وغيرهما من شيوخ المذهب .

مع أن هذا من وظائف الامام ، أو نائبه الذي هو القاضي ، التي لايباشرها غيره مع وجوده ، ومع ذلك لم يتوقف الأمر فيها على وجوده ، فكيف بالجهاد الذي يصح أن يباشره غيره مع وجوده دون إذنه كما تقدم .

وما تهذي به بعض الألسنة في هذه الأزمنة من أنه لايجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد .

وحسبك فيمن يقول ذلك أنه من أعوان الشيطان وإخوانه المعدين في الغي والطغيان ، والذي تشهد له الأدلة أن الجهاد الآن أعظم أجرا من الجهاد مع الإمام ، لأن القيام به الآن عسير ، لاتكاد توجد له أعوان ، ولايتهيأ له تيسير ، فالقائم به الآن يضاعف أجره ، وينشر في الملأ الاعلى ذكره ، فيكون للواحد أجر سبعين ، ويماثل فاعل الخير الدال عليه والمعين .

وأما المسألة الرابعة ، فلايجوز أن يباع للكفار الحربيين القوت ولا السلاح ، ولاما يصنع منه السلاح ، ولاما يعظمون به كفرهم ، ونصوص المذهب متظاهرة على ذلك ، قال في المدونة : قال مالك : لايباع من الحربي سلاح لا سروج ولا نحاس ،قال ابن حبيب : وسواء كانوا في هدنة أو غيرها ، ولايجوز بيع الطعام منهم في غير الهدنة ، قال الحسن : ومن حمل إليهم الطعام فهو فاسق ، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن ، ولايعتذر بالحاجة إلى ذلك ".
انتهت الفتوى .

وإذا كان الجهاد لايرجع فيه إلى الإمام إن كان غير عدل ، لانه سيجعله تبعا لهواه ، فيعرض الدين للهلاك ، فكيف إذا كان الحاكم أخا ووليا للكافرين ، محاربا للدين ، فهو يأتمر بأمر الكفار أنفسهم ، ويقر معهم أنه لاجهاد إلا بإذنهم ، فليت شعري ، كيف يجعل أمر الجهاد إليه ، وهل يقول بذلك عاقل ، فيا أخي لا يغرك ما يلهج به هؤلاء المتهوكون في وسائل الإعلام ، فإنما هو الجهل بعينه ، أو أنهم يفترون على دين الله تعالى بجعل أحكام الشرع تبعا لأهواء الحكام ، طمعا في الدنيا ، أو خوفا من سطوة الحكام ، فلا يلتفت إلى قولهم ، ولنا في قول أئمتنا الماضين أسوة حسنة بارك الله فيك .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006